|
||
مازالت
فرنسا ترفض الاعتراف بجرائمها الكولونيالية في الجزائر بعد مضي ربع قرن
على استقلال هذا البلد وإصرار أهله على اعتراف الفرنسيين بالمآسي التي
تسببوا بها طوال قرن وثلث القرن (أكثر من مليون شهيد . . قتل جماعي وفردي
بكل الوسائل، وتعذيب واغتصاب وسلب ونهب، وتغييب ثقافة ولغة ودين أهل البلد
والعمل المنظم لمحو شعب من الوجود . .) . ويعتقد الجزائريون أن رفض المحتل
السابق لبلادهم الاعتذار لهم وتعويضهم معنوياً ومادياً عن تلك الفترة يضمر
تهديداً مصيرياً لبلدهم الذي كانت فرنسا تعدّه أرضاً فرنسية، وقد تعززت
مخاوف الجزائريين في هذا الاتجاه بعد أن تقدم عدد من النواب الفرنسيين
بمشروع قانون لمجلسهم النيابي يمجد الاستعمار ويعدّه فرصة لتقدم البلدان
المستعمَرَة . فكان أن رد الجزائريون بمشروع قانون مضاد في مجلسهم النيابي
يدين الاستعمار ويعدّه الجريمة الأفظع التي عرفها التاريخ .
وفي
السياق يلاحظ أن مساعي التقريب بين البلدين انتهت جميعها إلى الفشل، لأنها
لم تكن مبنية على إدانة الفترة الاستعمارية، وبخاصة مشروع اتفاقية الصداقة
والتعاون الذي طرحه الرئيس السابق جاك شيراك والمحاولة الخجولة التي صدرت
عن نيكولا ساركوزي، فضلاً عن مبادرات جزئية أخرى على غرار فشل تنظيم
استقبال فني للمغني اليهودي إنريكو ماسياس المولود في الجزائر، والذي ينتمي
إلى فئة “الأقدام السود”، وهي صفة تطلق على المستوطنين الفرنسيين الذي
غادروا الجزائر بعد استقلالها في الخامس من يوليو/تموز عام 1962 .
والظن الغالب أن فرنسا لا تريد الاعتراف بجرائمها في الجزائر لأسباب عديدة من بينها اعتقاد الفرنسيين أن “اتفاقية إيفيان مارس/آذار
1962” التي وقعها الطرفان تنص صراحة على إعفاء بلادهم من أية مسؤولية عن
الفترة الكولونيالية، وأن الثوار الجزائريين وافقوا على هذا البند باعتباره
جزءاً من الثمن الذي كان عليهم دفعه لنيل استقلال بلادهم . فضلاً عن
الأعباء الأخلاقية والمادية الكبيرة التي يرتبها مثل هذا الاعتراف، لا سيما
لذوي الضحايا الجزائريين و”الحركيين” و”الأقدام السود” . معلوم أن
“الحركيين” هم الجزائريون الذي قاتلوا إلى جانب المحتل ويطالبون بدورهم
بالاعتراف بمآسيهم، حيث جمعوا في ما يشبه معسكرات الاعتقال في فرنسا بعد
الانسحاب من الجزائر، وأبيد الآلاف منهم بعد الرحيل المتسرع للمستعمر، وقد
استقر الأمر بمن تبقى منهم في فرنسا، حيث عوملوا معاملة العبيد ويطالبون
اليوم برد الاعتبار إليهم وتعويضهم معنوياً ومادياً عمّا أصابهم .
من
جهة ثانية سيتوجب على فرنسا في حال الاعتذار تعويض “الأقدام السود” الذين
غادروا الجزائر على عجل تاركين فيها أمواتهم ومنازلهم وأحلامهم ووطنهم
الوهمي الذي عاشوا في ظله لأكثر من قرن وثلث القرن، وهؤلاء يشكلون كتلة
اجتماعية مهمة في الحياة الاجتماعية والسياسية الفرنسية، ولا بد لأية حكومة
أن تأخذ قضيتهم بعين الاعتبار في كل ما يتصل بالموضوع الجزائري .
ومن
غير المستبعد أن يكون امتناع فرنسا عن الاعتذار للجزائريين مبنياً على
رهان مفاده أن الصعوبات السياسية والاقتصادية التي اعترضت وتعترض الجزائر
ستؤدي إلى انشغال هذا البلد بشؤونه الخاصة وستحمله على طلب المساعدة من
فرنسا التي ستطلب بالمقابل من حكومته طي صفحة الماضي بلا اعتذار وبلا ثمن .
وتذهب
التغطية الإعلامية الفرنسية للاستقلال الجزائري في هذا الاتجاه، وفيها أن
خمسين عاماً على الاستقلال تمخضت عن “العشرية السوداء 1992 2002”
وقتل 200 ألف جزائري، فضلاً عن البطالة والفساد وأزمة السكن والبيروقراطية
وكلها ظواهر جعلت الجزائريين ينظرون إلى الاستقلال نظرة مختلفة، أي بوصفه
حمّالة لهذه المشكلات، وليس ملحمة بطولية ضد المستعمر الفرنسي . . ودائماً
بحسب الإعلام الفرنسي . والواضح أن هذه التغطية الإعلامية المسمومة تريد
القول إن تاريخ الجزائر متصل بفرنسا منذ ما قبل وما بعد الاستعمار، وإن
للفترة الاستعمارية مآسيها وللفترة الاستقلالية مآسيها أيضاً، وهذا المنهج
في النظر إلى الجزائر لا تعتمده وسائل الإعلام الفرنسية في النظر إلى
التاريخ الفرنسي نفسه، وبالتالي من الصعب أن نجد صحيفة فرنسية واحدة تبرر
الاحتلال النازي بالإضرابات والبطالة والفساد وغيرها من الظواهر التي تصيب
كل المجتمعات وتحاربها كل المجتمعات، بيد أن الدول التي تحترم نفسها
وتاريخها تقيم فصلاً حاسماً وكاملاً بين الاحتلال الأجنبي المرفوض بكل
المقاييس والقيم الذي يحضر فقط في تاريخ الوطن بوصفه آفة تم التخلص منها
مرة واحدة وإلى الأبد، فيما مشكلات الوطن بغض النظر عن عنفها وآثارها
الكوارثية يجب ألا تضعف أبداً بشاعة وفظاعة وعنف الاستعمار .
بعد
مضي نصف قرن على استقلال الجزائر ربما يحسن بالجزائريين أن ينتبهوا إلى
التغطية الإعلامية الديماغوجية الوافدة إليهم من شمال المتوسط، والتي تقارن
ثورتهم ضد الاستعمار بالعشرية السوداء (الصراع المسلح بعد إلغاء انتخابات
فاز بها الإسلاميون)، وأن يبادروا إلى القول: القتل واحد قبل وبعد
الاستعمار، والبطالة واحدة قبل وبعد الاستعمار، والاضطهاد واحد قبل وبع
دالاستعمار، وبالتالي لا فرق بين الجزائر المستعمَرَة والجزائر المستقلة . .
بعد نصف قرن ربما على الجزائريين أن يتمسكوا أكثر من أي وقت مضى بإنجازهم
الاستقلالي الذي من دونه لا قيمة لبلادهم في بورصة الأمم، وأن يشكروا الحزب
الشيوعي الفرنسي الذي ما انفك منذ خمسين عاماً يطلب منفرداً من دولته
الاعتراف الشجاع بأحد أبشع جرائم الاستعمار في القرن العشرين .
|
En soutien à la résistance des peuples pour leur indépendance, leur dignité et leur souveraineté!
Pages
▼
No comments:
Post a Comment