Pages

Saturday, September 08, 2012

إزاحة النظام السورى أم تدمير الدولة؟

إزاحة النظام السورى أم تدمير الدولة؟

حسن نافعة
Mardi 4 Septembre 2012
La Nation


فى كل مرة تندلع أزمة جديدة فى الدول العربية ينشغل مفكروها وساستها بالجدل حول تحديد الطرف المسؤول عن إشعالها، تمهيداً لتبادل الاتهامات فيما بينهم، بأكثر بكثير من انشغالهم بالبحث عن أفضل السبل لتسويتها. ومع التسليم بأن التشخيص الدقيق للمرض يعد شرطاً ضرورياً للتوصل إلى أنجع وسائل العلاج، إلا أن المبالغة فى التقصى قد تعجّل بموت المريض. ولأننا ننسى عادة أن الجهود الرامية إلى إطفاء حريق مشتعل يجب أن تحظى بأولوية عن الجهود الرامية لتحديد الأطراف المسؤولة عن إشعاله، يبدو أننا أصبحنا اليوم، خصوصاً مع تفاقم الأزمة السورية إلى درجة مرعبة، فى حاجة ماسة إلى من يذكرنا من جديد بهذه البديهية. فرغم مرور ما يقرب من عام ونصف على تفجر الأزمة فى سوريا، إلا أنه يلاحظ أن المثقفين والسياسيين العرب مازالوا مشغولين بتبادل الاتهامات أكثر بكثير من انشغالهم بالبحث عن وسائل فعالة لوقف نزيف الدم المتدفق أنهاراً، ولوضع حد للدمار الذى يتعرض له وطن يعد بمثابة العمود الفقرى لجسد الأمة العربية كلها. ولأن لاستمرار الأزمة السورية على هذا النحو نتائج كارثية بعيدة المدى على المنطقة كلها، فقد تصحو الشعوب العربية ذات يوم على خريطة سياسية جديدة للمنطقة أسوأ بكثير من تلك التى رسمتها اتفاقية سايكس-بيكو الموقعة بين فرنسا وبريطانيا عام 1916.
 
لا أنكر أن سوريا تشهد ثورة شعبية ضد نظام مستبد فاسد لا يختلف كثيراً عن النظم التى قادها رجال من أمثال صدام حسين فى العراق، وزين العابدين بن على فى تونس، وحسنى مبارك فى مصر، ومعمر القذافى فى ليبيا، وعلى عبدالله صالح فى اليمن، وهى نظم لا تختلف فى جوهرها كثيراً عن بقية النظم العربية التى لم تصلها بعد رياح التغيير. غير أننى أدرك فى الوقت نفسه أن ما يجرى فى سوريا حالياً يختلف كثيراً عما جرى فى الدول العربية التى تمكنت شعوبها من الإطاحة برؤوس نظمها المستبدة والفاسدة. فقد دخلت على خط الأزمة فى سوريا قوى إقليمية ودولية وجدت فى الثورة الوطنية السورية فرصة لتصفية حسابات قديمة مع النظام الحاكم. ولأن بعض هذه القوى، إن لم يكن أغلبها، لا يعنيها انتصار الديمقراطية فى سوريا بقدر ما يعنيها تدمير سوريا نفسها كدولة مركزية قوية وتفتيتها إلى دويلات طائفية، فقد اختلطت كل الأوراق وأصبح فصل الحابل عن النابل أمراً شبه مستحيل.
 
وفى سياق عملية خلط الأوراق هذه راح النظام السورى يبرر استخدامه الإجرامى للسلاح الثقيل فى مواجهة شعبه الثائر بمسؤوليته عن الدفاع عن وطن يتعرض لهجمات عصابات إرهابية ممولة من الخارج، وراحت المعارضة السورية بأنواعها، وفيها من يعمل صراحة لحساب قوى أجنبية تريد تصفية حساباتها مع النظام الحاكم، تبرر حملها السلاح واستخدامها العنف بحقها المشروع فى الدفاع عن النفس، أما القوى الإقليمية والدولية، وفى مقدمتها إيران والصين وروسيا، فراحت تبرر مساندتها للنظام القمعى فى سوريا بالحرص على تحقيق توازن استراتيجى فى المنطقة وعدم السماح للولايات المتحدة والغرب باستخدام الأزمة السورية وسيلة لإعادة فرض هيمنة منفردة على منطقة بالغة الأهمية تسمح لمن يتمكن من السيطرة عليها بالتحكم فى النظام الدولى برمته.
 
يبدو أن القوى الغربية تعلمت الدرس مما جرى فى بعض دول «الربيع العربى»، فقررت أن تقدم تمويلاً سخياً إلى جماعات «علمانية» بدعوى تحقيق التوازن مع جماعات جهادية يقال إنها تتلقى تمويلاً خليجياً، وهو ما كشفت عنه تقارير حديثة نشرت فى الصحافة الأمريكية والأوروبية. وإذا صحت هذه التقارير فسنكون إزاء تطور خطير سيؤدى حتماً إلى إطالة أمد الصراع، وهو تطور يؤكد من جديد أن الهدف الحقيقى لبعض القوى الخارجية لا يقتصر على الإطاحة بالنظام السورى، ولا صلة له بإقامة نظام ديمقراطى بديل، وإنما تدمير سوريا الدولة وفتح الطريق أمام تجزئة المنطقة، وتحويل العالم العربى برمته إلى مجموعة من الدويلات الطائفية المتناحرة، فانتبهوا أيها السادة..

 المصري اليوم

No comments:

Post a Comment