Pages

Wednesday, December 05, 2012

Mohsen Kaabi: إلى المؤسّسة العسكريةPlus jamais ça !



إلى المؤسّسة العسكرية...حتّى لا يتكرّر هذا أبدا في المستقبل
                                                                 
                                                                  محسن الكعبي* 
 
يذكّرنا اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي نحتفل به في العاشر من هذا الشهر بالتجاوزات و الانتهاكات الصّارخة التي تعرّض لها المئات من أبناء المؤسسة العسكرية في ما بات يسمّى باجتماع براكة الساحل 1991 و الذي اتهم فيه زورا و بهتانا عسكريون أبرياء، بالتآمر على أمن الدولة و الانتماء لحركة النهضة المحظورة آنذاك.. ، كنتيجة للتوجّس و الحيطة المبالغ فيهما تجاه المؤسسة العسكرية..و للخيار الأمني المهيمن على ذهنية حكّامنا في الماضي و للخوف من العسكريين و خاصّة من كلّ من يجمع بين الاستقامة و الكفاءة و الإشعاع و الالتزام ..و من أجل تجفيف المنابع كذلك .. 

وكّلنا يعرف كيف كان جهاز الدّولة ملوثا بعقلية الوشاية و التجسّس ، وكيف كان المسئولون في العهد السّابق يرفعون التقارير الوشائية في زملائهم  بما أنّ ذاك العمل مجز في الترقيات و الاقتراب من القيادة لجني بعض المكاسب و المناصب، إذ كان الحكم بسلاح الخوف و التخويف صفة نظام الحكم منذ الاستقلال ليبلغ أوجه زمن المخلوع.. 

و كلّنا يتذكّر الإعلان الرّسمي لهذه المؤامرة المزعومة عن طريق الندوة الصحفية التي عقدها يوم 22ماي 1991  وزير الداخلية آنذاك عبد الله القلال ،عن كشف " المؤامرة الجهنمية " و" الانقلابية " و إلقاء القبض على " المتورطين " الذين نعتهم "بالمفسدين و الظلاميين و الخمينيين و الإرهابيين و بالعقوق الوطني.."

و كلّنا يتذكّر الانحياز الكلّي لوسائل الإعلام آنذاك للرواية الرسمية الملفّقة ..و التعتيم عمّا تعرّض له العسكريون من إيقافات و تعذيب و تنكيل ..و لأهاليهم من مداهمات و ضغوط..
  وكلّنا يتذكّر كيف نجح بن علي في إفساد جزء كبير من النّخب السياسية و الثقافية و الحقوقية و استزلامها لخدمته مقابل المناصب و المكاسب ..و لنا في وزارة الدفاع نموذجين على الأقل في تلك الفترة ، الأول يتعلّق برجل الثقافة و الإعلام و الكاتب المعروف الوزير الحبيب بولعراس الذي طأطأ رأسه و لم يستشعر مسؤولياته العظيمة تجاه وطنه ، لينفّذ أوامر سيّده بالتخلّي عن مسؤولياته الأخلاقية و القانونية و يسلّم مرؤوسيه الشرفاء الأبرياء عبر معاونيه في هيئة الأركان  للتعذيب و التنكيل، و لينال بعد ستة أشهر رئاسة مجلس النواب كمكافأة له على تنفيذه للتعليمات..  والثاني يتعلّق بأستاذ الحقوق المتميّز و عميد كلية الحقوق في عهد بورقيبة  الوزير عبد العزيز بن ضياء الذي تلاه في المنصب ليتّخذ في شأن الضحايا إجراءات قسرية جائرة غير قانونية كالمثول أمام مجالس التأديب الصورية رغم التبرئة من طرف المحاكم ،والطّرد لأسباب تأديبية واهية أو لقصور مهني مزعوم، و الإجبار على تقديم الاستقالة، و الإحالة على التقاعد الوجوبي أو الإلحاق ببعض المؤسسات المدنية..
وكلّنا يعرف بعد الثورة المباركة كيف برزت قضيتنا على الساحة الوطنية، و كيف صدم الرأي العام لما تعرّض له  العسكريون من تجاوزات وانتهاكات..

 و كلنا يعرف أننا بعد أن سئمنا وعود التسوية التي يقرّها قانون العفو العام الذي نصّ على حق العودة للعمل و التعويض و الذي تمّ استثنائنا منه ،التجأنا أخيرا إلى طلب مقابلة السيد رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة الدكتور المنصف المرزوقي الذي لبى الطلب مشكورا و يوم 27 مارس الماضي.و أثناء مقابلته لنا كممثلين عن جمعية إنصاف قدماء العسكريين وعد سيادته بتكريمنا و رد الاعتبار لنا و لذوينا و للمؤسسة العسكرية بمناسبة عيد الجيش..و هذا ما تم بالفعل و كان سيادته عند وعده و الحمد لله..

وكلّنا يعلم ذلك الخطاب التّاريخي بل الأمر اليومي الذي توجّه به سيادته في مناسبة عزيزة علينا جميعا يوم عيد الجيش الثاني بعد الثورة ، بساحة العلم بالأكاديمية العسكرية ، يوم 23 جوان الماضي و الذي تضمّن فقرة مهمّة تناولت قضية براكة الساحل بآلامها و آمالها ،وقدّم فيها سيادته اعتذار الدّولة التونسية للشعب و للمؤسسة و للضحايا و عائلاتهم ، أسوقها لكم اليوم للذّكرى و للتّذكير كما جاءت على لسانه  :

" من هذه الآلام الصّامتة المنسيّة الّتي قلّ من ينتبه إليها هناك آلام العسكريين الذين أطردوا من الجيش الوطني سنة 1991 في إطار ما سمي بقضية "برّاكة الساحل" وخاصة آلام عائلاتهم.
لا يختلف اثنان في حق المؤسسة العسكرية في حفظ نفسها من التسييس والاندساس، لأن الجيش لا يكون الجيش إلا إذا كان جيش الجميع لا يوظّفه نظام أو شخص أو مجموعة أو حزب. لكن لا يختلف اثنان أيضا أن البتّ في تهمة الاندساس والتسييس مهمة قضاء عادل نزيه يعطي لكل ذي حق حقه.

لكن ما حدث في هذه القضية من تعذيب وتنكيل وطرد تعسفي وملاحقة ومنع من الارتزاق شكّل ولا يزال وصمة عار في جبين النظام السياسي السابق، وصمة تضاف لكل وصمات العار الأخرى التي ساهمت في اندلاع ثورتنا المجيدة.

لقد شكّل التعذيب المشين الذي تعرّض له العسكريون الملاحقون في القضية المفتعلة تعدّ على الكرامة البشرية وتعدٍّ على المواطنة وتعدٍّ على كرامة الجيش لأنّ الزيّ الّذي انتزع في حصص التعذيب كان الزي العسكري والشخص الذي لقي على أيادي الجلادين كل أصناف الإهانة والإذلال كان لحدّ تلك اللحظة عسكريا. وبالتالي، فإنّ المؤسسة العسكرية بأكملها هي التي أهانها النظام السابق عبر تعامله مع هذه القضية. 

ورغم كل هذه السنين فإنّ الجرح مازال ينزف في ذاكرة الضحايا وأهاليهم وهو لن يندمل إلا إذا تحمّلت كل الأطراف مسؤوليتها كاملة وبكل الشجاعة المطلوبة. 
ومن هذا المكان، وبصفتي رئيس الجمهورية، أتقدّم لضحايا قضية "براكة الساحل" باعتذار الدّولة التونسية وأتقدّم إلى أهلهم بكل عبارات الأسى والمواساة والأسف لكل ما لحقهم من غبن طوال العقدين الأخيرَين. وأعبّر أيضا عن إدانة السلطة السياسية الشرعية التي أفرزتها الثورة لسياسة التهميش والريبة والمحاصرة التي انتهجتها السلطة السياسية الفاسدة واللاّشرعية التي أطاحت بها الثورة المباركة. وكما أنّ الثورة والشرعية أعادت كامل الاعتبار للجيش ككل فإنه سيتم ردّ الاعتبار لضحايا "براكة الساحل" عبر استقبالهم وتكريمهم في حفل خاصّ بقصر قرطاج في القريب العاجل. إضافة إلى هذا، فإنّ وزارة الدفاع الوطني التي اتخذت العديد من الإجراءات ذات الصبغة المادية والرمزية لصالح المعنيين بالأمر، تبذل قُصَارَى جهدها، ونحن معها، لتوفير الموارد الضرورية لجبر الضّرر في إطار تفعيل قانون العفو التشريعي العام.

نحن عازمون على أن تجد هذه القضية الأليمة نهاية مشرّفة تضمن ردّ الحقوق لأصحابها حتى لا يتواصل الجرح نزيفا ولا قدر الله تعفّنا. "
إنّنا و نحن نستذكر مرور هذه الذكرى العظيمة لميلاد هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،لا بدّ أن نشيد بالموقف الشجاع و الحضاري الذي اتخذ يوم 23 جوان الماضي على طريق التسوية النهائية طريق جبر الضرر المعنوي و المادي ، لما خلّف هذا الاعتذار الرّسمي من ارتياح كبير في نفوس العسكريين و عائلاتهم ، و نأمل أن تتلو هذه البادرة إجراءات عملية تمكّن كلّ العسكريين الذين استبيحت حقوقهم في العهد السّابق من استعادتها و العيش مستقبلا مطمئنين لسيادة القانون، وأن تجري العدالة الانتقالية على كل من تآمر و تورّط في هذه المؤامرة الخسيسة مدنيا كان أم عسكريا، حتى ينظّف جيشنا الوطني ثوبه من هذا الحدث ،وحتّى ينال كلّ ذي حق حقّه، و حتّى لا يتكرّر هذا أبدا في المستقبل.
-----------------------------------------------------------------
      نقيب مهندس /أستاذ العلوم العسكرية بالأكاديمية العسكرية سابقا      

No comments:

Post a Comment