بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على من جاء رحمة للعالمين
حضرة الرائد، عبدالله عبعباب
لقد حصل لي شرف قراءة كتابكم و التعرف عليكم أكثر من خلال ما تفضلتم به من تفاصيل كانت مجهولة أو ربما متجاهلة لدى الكثير من جيلي الذي لم يعرف المستعمر و لا يعرف شيئا عن بناء دولة الاستقلال و ما حفّ بها من مصاعب تفوق مصاعب مرحلة النضال ابّان الحركة الوطنية بل لا أبالغ في القول عندما أؤكد لكم من خلال ما قرأت لكم و من بعض المذكرات الأخرى. و هي قليلة للأسف: إن المعركة الحاسمة للاستقلال كانت قد بدأت بعد 20 مارس 1956 لما احتوت عليه من عدة تحدّيات عويصة تنوء بها الجبال. وأوّل هذه التحدّيات كانت إجبار المستعمر على الرحيل و احترام تعهّداته تجاه دولة فتية فقيرة ذات إمكانيات جد متواضعة في كلّ الميادين بل ربّما معدومة أصلا، إلاّ من عزائم مواطنيها رجالا و نساء. فكان لزاما تطهير البلاد من التواجد العسكري و الإداري الجاثم على أرض تونس المستقلّة. بالتوازي مع إعادة بناء الدولة و توحيد القضاء و بسط السيادة الكاملة. فالاستقلال التام حسب رأيي كان يوم 12 ماي 1964 و ليس يوم 20 مارس 1956. فليس من السهل بمكان أن تحافظ دولة فتية على استقلالها و تذود على سيادتها و هي لا تزال آنذاك لم تخرج من آثار عدوان 75 سنة من الاحتلال الأجنبي و الإرادة المسلوبة. لولا وطنية أبناءها و إيمانهم بعدالة قضيتهم و الشعور بمسؤولية البناء و التشييد في كلّ المجالات، بعزيمتهم الفولاذية التي تحطّمت عليها كل أطماع الطامعين. عندما أقرأ عن تاريخ رجال الحركة الوطنية و ما عانوه في سبيل الوطن لاسترجاع سيادته، أشعر بالخجل و ينتابني الندم على ما خُضت فيه ربما في وقت من الأوقات مع الخائضين بغير علم في أعراض هؤلاء الرجال الذين عبّدوا لنا الطريق لحياة حتى و إن كانت متواضعة، و لكنها لا تقارن ـ أكيدا ـ بحياة تحت الأجنبي المحتل أو نظام عميل مسلوب الإرادة كنظام البايات. إن ما تجشمتَم انجازه، بكل تجرد من الذات و بكلّ أمانة ـ ولا نزكي على الله أحدا ـ يُعتبر شهادة، نورتم بها الأجيال و ستكون مادة دسمة للمؤرخين فأسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتكم. فلكم الشكر جزيل الشكر و العرفان على ما قدمتموّه من إيضاحات تاريخية ذات أهمية و بال، خاصة في معركة الجلاء ببرج الخضراء التي لم نكن نعلم عنها شيئا من قبل. لا ندري لماذا وقع تجاهلها بهذا الحدّ و بالتالي تجاهل أبطالها و شهدائها و هي لا تقلّ أهمية عن معركة بنزرت و التي شاءت الأقدار أن تتزامنا في اليوم و الشهر و السنة… وهنا استسمحكم في بعض الإيضاحات في هذا الشأن: ـ لقد ذكرتم أنكم تلقيتم أمرا بالانسحاب من الأماكن المحرّرة و امتثلتم بمرارة للأوامر.. لكن بعد ذلك تبين أن رئيس الجمهورية ليس له علم بذلك!! بل ربّما كان الحال حتى مع كاتب الدولة للدفاع المرحوم الباهي الادغم …. فمن كان يا ترى، وراء هذا القرار الخطير و المهين في نفس الوقت؟ و ما هي غايته في ذلك؟ ـ لماذا تعمّدتم تبرير العملية أمام الرئيس رغم معارضتكم لها؟ و لم تصارحونه بالحقيقة؟ ـ هناك شخص يدعى حمادي خذير اغتيل في تطاوين قبيل وصول بورقيبة بسويعات إلى هناك سنة 1956.. والأنباء الرائجة إلى الآن، تتحدث عن أن هذا الشخص كان مكلفا من بورقيبة أو من الشق البورقيبي لاغتيال بعض أتباع الأمانة العامة في تطاوين.. هذه مسالة أخرى بقيت غامضة و تُركت للتأويل العامي لا أكثر.. فهل لكم كذلك ما يفيد في هذا الصدد؟
ـ هل لكم من التفاصيل أكثر ما ورد في كتابكم عن ثوار الأمانة العامة بتطاوين؟ و هل هؤلاء الثوار كانوا ينوون قتال الجيش الفرنسي؟ أم كانت مهمّتهم قتال شق بورقيبة في الحزب؟ و كيف سمح بورقيبة للجيش الفرنسي بالقضاء على مناضلين تونسيين يشهد لهم الجميع بالوطنية و العمل في صلب الحركة الوطنية؟ مهما بلغ الخلاف بين الأخوة في الدين و الوطن؟ هذه المأساة بقيت غامضة كل الغموض خاصة على الجيل الذي لم يعشها .. فأنا أذكر ـ و أنا في سن الحدث ـ أن الناس يمتنعون عن الخوض فيها سواء في مجالسهم الموسعة أو الضيقة لشدّة الإرهاب و بطش الدولة آنذاك اللذان عقبا هذه العملية. ومما زاد الطين بلّة هو اكتشاف محاولة الانقلاب الشرايطي و جماعته. و هذه كذلك باعتباركم من المعاصرين لها.. فهل لكم أن توضحوا للأجيال إسرارها و دوافعها و نتائجها وعاقبتها على سير نظام الحكم؟ كنت أتمنى ـ شخصيا ـ لو أن الزعيم صالح بن يوسف رحمه الله، وبعد أن أحرزت تونس على استقلالها التام سنة 1956 أن يقلع عن المعارضة المسلحة و يٌكوّن حزبا سياسيا مدنيا يُثري به الحياة السياسية للدولة الفتية و يؤسس لنظام ديمقراطي مؤسساتي يحفظ كرامة المواطن و يبني دولة حديثة و يقضي على كل أشكال التخلّف والانحطاط…. فلو جنح إلى هذا الخيار الحضاري.. لوفر على الشعب الكريم نصف قرن من معاناة الحكم الفردي و الكبت السياسي و الحرياتي… فالغرب لم يتقدّم في كلّ المجالات بالأنظمة الفردية، ولا بالانغلاق و التناحر بين أبناء البلد الواحد رغم اختلافهم المذهبي.. و لكن تقدموا واستولوا على العالم ماديا وتقنيا واقتصاديا.. بأنظمة مؤسساتية ديمقراطية تضمن الحقوق الفردية و العامة للدولة و المواطن على حد السواء.
حضرة الرائد، هناك موضوع آخر نتمنى أن يحضى منكم بتوضيح للقارئ الكريم خاصة من يبحث عن الحقيقة بكل موضوعية .. هذا الموضوع قد أسال كثيرا من حبر الفضوليين و ذهب الناس في ذلك كل مذهب.. فمنهم من فسره بموضوعية، ومنهم من قابله بالجحود و نكران الجميل، و منهم من أهمله باعتبار أن كل تاريخ مرحلة المرحوم بورقيبة حسب رأيه، فيه دخن.. . الخ… هذا الموضوع الهام هو مشاركتكم سنة 1987 في أشغال محكمة امن الدولة أثناء محاكمة حركة الاتجاه الإسلامي.. ولقد سبق لي أن حاولت تصويبها في كتاب الدكتور إعلية علاني. » الحركات الإسلامية في الوطن العربي »
يقول الكاتب اعلية علاني في (ص) 190-191« لماذا لم يقع إعدام الغنوشي سنة 1987 .. و يُرجح الكاتب لتفسير ذلك أسبابا ثلاثة:
- الأسلوب الذي اتبعه وزير الداخلية آنذاك زين العابدين بن علي في التعامل مع هذه القضية.
- الضغوطات الخارجية وخاصة الغربية منها لفائدة الغنوشي.
- الوساطات الداخلية. » انتهى كلام المؤلف.
ويتلخص ردي على الدكتور العلاني في الفقرة التالية: » لئن كان السبب الأول قد أكده الأستاذ راشد الغنوشي نفسه لمجلة المجلة سنة 1988 بقوله «أن الوزير الأول زين العابدين بن علي قد رفض تنفيذ ما طلب منه بورقيبة وهو قتلي وقتل إخواني الآخرين لأنه لم ير لهذا الطلب أي مبرر أخلاقي أو قانوني…» ص191 من هذا الكتاب. فإن الثاني والثالث لا يتفق مع الحقيقة والواقع. ولعل تصريح الشيخ عبد الفتاح مورو (الرجل الثاني في الحركة آنذاك) للمؤلف في(ص) 203 هو الأقرب إلى الصواب. حيث يُؤكد بقوله « وقد حصلت تدخلات خارجيّة قبيل المحاكمة وأثناءها من طرف الفرنسيين والسعوديين… لكن بورقيبة كان جامحا وغاضبا… وتمادى في عمليّة التصعيد.. » إما السبب المباشر الذي لم يقع بموجبه الحكم بالإعدام حضوريا من طرف هيئة محكمة أمن الدولة سنة 1987 على بعض قيادات الحركة، هو امتناع النائبين السادة عبد الله عبعاب ومحمد كريم المستوري من التصويت لصالح حكم الإعدام حضوريّا على بعض القيادات. الشيء الذي أغضب بورقيبة آنذاك وأمر بتعديل قانون المحكمة فيما بعد ليصبح أقرار حكم الإعدام بالأغلبية وليس بالإجماع. في ذلك التاريخ كان لا يقع إقرار حكم الإعدام إلا بإجماع أعضاء هيئة المحكمة والمتركبة من ثلاثة قضاة ونائبين من مجلس النواب… » انتهى
و في الأخير حضرة الرائد سي عبدالله أضع بين يديكم شهادة متواضعة لي مباشرة على بعض من أحداث مدينة قفصة سنة 1980 حيث كنت منخرطا مباشرا في صفوف الجيش الوطني بفوج 31 للمصفحات بقابس.. و قد حصل لي شرف التدخل المباشر لتطهير مدينة قفصة من المرتزقة آنذاك. شكرا لكم جزيل الشكر على ما قدمتموه للوطن العزيز سواء أثناء فترة مقاومة المحتل أو أثناء بناء دولة الاستقلال أو في شهادتكم للتاريخ التي ستستفيد منها الأجيال بإذن الله.
محمد العماري ـ أصيل مدينة تطاوين.
mohammedlamari@yahoo.fr
_______________
باريس في 18 نوفمبر 2011
بعد ثلاثين سنة على أحداث مدينة قفصة
: شاهد عيّان يروي بعض التفاصيل
أجرى الحوار: د. أحمد المناعي
يصادف يوم 27 جانفي 2010 الذكرى الثلاثين لعملية الهجوم على مدينة قفصة بالوسط الغربي للبلاد التونسية من طرف مجموعة مسلّحة من التونسيين بتواطؤ مع السلطات الليبية و الجزائرية آنذاك. و بهذه المناسبة يدلي السّيد محمد العماري لموقع المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة، بما شاهده و عاشه في ذلك اليوم باعتباره كان عسكريا سابقا منخرطا بوحدات فيلق 31 للمدرّعات، وممن عاينوا عن قرب هذه الحادثة الأليمة.
المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة/ س
في البداية كيف كانت الحادثة وتطوراتها الميدانيّة؟
الحادثة كانت يوم الأحد 27 جانفي 1980 عند الساعة الثانية صباحا، عندما انطلقت المجموعة المسلحة المتكونة من قرابة 50 مسلّحًا، حيث هاجمت على الساعة الثانية صباحًا مراكز الأمن من شرطة و حرس وطني داخل المدينة بالتوازي في الهجوم على ثكنة أحمد التليلي التي تقع وسط المدينة. كانت آنذاك شبه خالية من وحدات الفيلق 11 للمشاة، التي كانت وقتئذٍ في مهمّة دورية بالصحراء بالجنوب التونسي لمدّة شهر. فلم يكن متواجدًا فيها أثناء الهجوم غير فصيل للحراسة و آخر للقيادة و المصالح و كذلك فصيل تابع لفوج الشرف كانوا في طريقهم إلى العاصمة بعد مهمّة استقبال الرّئيس بورقيبة في مدينة توزر. أما ثكنة الهادي خفشة التي تقع على أطراف المدينة لم يكن متواجدا فيها ساعتها إلا حوالي 300 من المجندين الجدد، كانوا تحت تأثير تطعيم (تي. أ. بي) وهو تطعيم إجباري لكل مستجدّ و يستوجب راحة بـ 48 ساعة بعد كلّ تطعيم. و قد تم اقتحام الثكنتين بعد معركة ضارية بينهم و بين الحراس أُستُعمل فيها السلاح الأبيض و الناري و كاتم الصوت، انتهت بإعدام الحراس رمْيًا بالرّصاص من طرف المهاجمين و سقوط قتلى و جرحى من الجانبين، ثم، وعن طريق أحدهم سبق له أن قضى الخدمة العسكرية داخل الثكنة المستهدفة، عمدوا إلى استخراج كميات من السلاح الخفيف و الذخيرة، عجزوا على استعماله فيما بعد لأسباب فنّية. ومثلما استفيد فيما بعد من بعض الناجين، التحقت المجموعة المهاجمة لثكنة احمد التليلي ومراكز الأمن، ببقيّة المسلحين داخل ثكنة الهادي اخفشّة بعد ما عاثوا فسادًا في طريقهم في المدنيين، الذين في أغلبهم من الباعة المتجوّلين حسب ما تبيّن من سياراتهم المهشمة والمحمّلة بالبضائع. وقد تم لهم كذلك تعطيل حافلة جزائرية في طريقها إلى طرابلس بتخريبهم لمحركها بقذائف RBG واستخدامها كحاجز من طرفهم بعد ما أوقفوا ركابها في شكل رهائن. كما عمدوا من جهة أخرى إلى قتل كثير من المواطنين ممن امتنعوا عن حمل السلاح معهم و الالتحاق بصفوفهم لإنجاز « الثورة » حسب زعمهم. و في حدود الساعة الثامنة صباحًا ساق المهاجمون كل من في الثكنة (حوالي 300 مجند) إلى معهد ثانوي قريب حيث تم احتجازهم كرهائن في قاعة رياضية هناك. و في حدود الساعة الحادية عشر وصلت وحدتان من فوج 33 لمدرّعات الاستطلاع بقيادة المقدم آنذاك الطاهر بوبكر من مدينة القصرين التي تبعد حوالي 125 كلم شمال غرب قفصة. و في حدود الساعة الثانية بعد الظهر و بعد تطهير الثكنات و التّمركز داخلها و حول المعهد الثانوي الذي يتحصّن فيه المسلحون و قرابة 300 جندي عزلا كرهائن، بدأت هذه القوة بالهجوم و فتح النار. و في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر وصلت وحدة مدرّعات ثقيلة من الفوج 31 للمصفحات بمدينة قابس التي تبعد حوالي 136 كلم جنوب شرق قفصة، تلته سريّة من المشاة التابعين لفوج 91 للواء.. و عند الساعة الرابعة عصرا كان كل شيء قد تم تقريبا: من تحرير الجنود الرهائن الذين اغتنموا بدورهم فرصة اشتباك المسلّحين مع قوات الجيش و التملص من الأسر و التفرّق داخل المدينة و الوصول إلى الخطوط الخلفية لقوات الجيش للاحتماء بها.. إلى قتل و أسر جُل المسلحين إلاّ القليل منهم الذين استطاعوا الانسحاب و التخفي داخل الأحياء السكنية. و في اليوم الموالي أي 28 جانفي، تم تمشيط بعض الأحياء من أهمها حي النور معقل المسلحين، حيث تم استرجاع الأسلحة المستخرجة من الثكنة و أسلحة أخرى و معدّات اتّصال و وثائق. كما تم القبض على بعض الفارين على أيدي قوات الطلائع (قوات خاصة) التي قامت حينئذ بالتمشيط بالاشتراك مع قوات المدرعات. كما تمّ في الأيام الموالية ملاحقة المختفين والذين استطاعوا الخروج من مدينة قفصة و التسلل إلى الأماكن المجاورة مثل ما حدث مع « أحمد المرغني » القائد العسكري للعملية و اثنين من مرافقيه وإلقاء القبض عليهم بضواحي حامة قابس يوم 6 فيفري، بعد استسلام « عز الدين الشريف » قائدها السياسي وأصيل مدينة قفصة. و قد تبيّن بعد ذلك أن « أحمد المرغني » (أصيل مدينة جرجيس بالجنوب الشرقي للبلاد التونسية) قد غادر مسرح العمليّة يوم 27 جانفي صباحًا بعدما تبين له فشل العملية و كان ينوي الرجوع إلى التراب الليبي
..
المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة/ س:
ما قولك في ما أشيع وقتها بأن المهاجمين قد سيطروا على المدينة سيطرة كاملة لمدّة أسبوع؟
إن المسلّحين لم يتمكّنوا من السيطرة حتى على بعض أجزاء من المدينة، بل لم تكن سيطرتهم في ظل غياب تواجد قوات للردع، إلا على بعض النقاط المحدودة ولبضع ساعات فقط بسبب عدم خبرتهم القتالية. هذا من جهة و من جهة أخرى، ـ و هذا الأهم ـ عدم استجابة سكان مدينة قفصة لهم و لنداءاتهم المتكررة لحمل السلاح والالتحاق بهم. هذا الفشل أصبح تاما بدخول قوات الجيش للمدينة وإعلان السيطرة عليها.
المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة/ س: هناك من يقول بأن معاركا ضارية قد دارت بين الجيش و المسلحين، بدليل أن صوت الرصاص لم يتوقف لمدة أيام؟
عدم انقطاع صوت إطلاق النار ليس دليلا دائما على ضراوة المعارك، بل هو في الغالب إجراء عادي للتغطية الميدانيّة للقوات أثناء التمشيط و ملاحقة العناصر المسلحة و المتخفية داخل بعض أحياء المدينة، و إلقاء القبض عليهم من طرف قوات الطلائع كما أسلفت.. وهو ما قد تم بالفعل: من وضع اليد على كل أماكن الاختفاء و المعدات و الوثائق، إلى إيقاف جل المسلحين ما عدا الذين قتلوا في بداية العملية أو تسللوا خارج محيط مدينة قفصة
.
المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة/ س
هناك من يقول أيضا أن الضراوة هذه ناتجة على التكوين العالي للمسلحين على السلاح ؟
ربما هذا قول من يجهل حقائق الأمور.. فالتدريب »العالي » على السلاح لا يُجدي نفعا في المعارك إذا لم يُصاحبه تكوينا عاليا وخبرة في فن القتال.. أما واقع هؤلاء من خلال تعاطيهم مع الأحداث منذ البداية و اعتداءاتهم الوحشية على الأرواح البريئة والعزل من السلاح يدل على أنهم عصابة و ليسوا مقاتلين
.
المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة/ س:
ما حقيقة ما أشيع من تدخل وحدات أجنبية ميدانية و مشاركتها في « تحرير » مدينة قفصة؟
لم يكن هناك احتلال لمدينة قفصة حتى يكون هناك تحرير، بل هي عملية تحرير لرهائن وتطهير للمدينة بالمفهوم العسكري، كانت قد تمّت على أيدي قوات الجيش التونسي و الآمن الداخلي دون الاستعانة ـ أو حتى الحاجة إليها أصلا ـ بأي قوات ميدانية أجنبية عكس ما يُرَوّج البعض لذلك. و للتاريخ فأن المساعدة الفرنسية و المغربية بعد ذلك كانت قد انحصرت لوجستيكيًا فقط. حيث وضعتا طائرات نقل عسكريّة عملاقة على ذمّة الجيش التونسي لنقل بعض القوات و المعدات و الذخائر إلى الجنوب الشرقي لتعزيز الوحدات المتواجدة هناك: فهي ليست لفكّ الحصار على قفصة، مثلما يتوهّم البعض، و باعتبار أن المسالة وقع تطويقها منذ الساعات الأولى و القضاء عليها، بل تحسبًا لهجوم ليبي على الأراضي التونسية بعد التوتّر الشديد الذي حدث لاحقا بين البلدين اثر اكتشاف وانكشاف ملابسات العملية و التورّط المفضوح للنّظام الليبي فيها.
محمد العماري ـ منخرط سابق بسلاح المدرعات
حضرة الرائد، عبدالله عبعباب
لقد حصل لي شرف قراءة كتابكم و التعرف عليكم أكثر من خلال ما تفضلتم به من تفاصيل كانت مجهولة أو ربما متجاهلة لدى الكثير من جيلي الذي لم يعرف المستعمر و لا يعرف شيئا عن بناء دولة الاستقلال و ما حفّ بها من مصاعب تفوق مصاعب مرحلة النضال ابّان الحركة الوطنية بل لا أبالغ في القول عندما أؤكد لكم من خلال ما قرأت لكم و من بعض المذكرات الأخرى. و هي قليلة للأسف: إن المعركة الحاسمة للاستقلال كانت قد بدأت بعد 20 مارس 1956 لما احتوت عليه من عدة تحدّيات عويصة تنوء بها الجبال. وأوّل هذه التحدّيات كانت إجبار المستعمر على الرحيل و احترام تعهّداته تجاه دولة فتية فقيرة ذات إمكانيات جد متواضعة في كلّ الميادين بل ربّما معدومة أصلا، إلاّ من عزائم مواطنيها رجالا و نساء. فكان لزاما تطهير البلاد من التواجد العسكري و الإداري الجاثم على أرض تونس المستقلّة. بالتوازي مع إعادة بناء الدولة و توحيد القضاء و بسط السيادة الكاملة. فالاستقلال التام حسب رأيي كان يوم 12 ماي 1964 و ليس يوم 20 مارس 1956. فليس من السهل بمكان أن تحافظ دولة فتية على استقلالها و تذود على سيادتها و هي لا تزال آنذاك لم تخرج من آثار عدوان 75 سنة من الاحتلال الأجنبي و الإرادة المسلوبة. لولا وطنية أبناءها و إيمانهم بعدالة قضيتهم و الشعور بمسؤولية البناء و التشييد في كلّ المجالات، بعزيمتهم الفولاذية التي تحطّمت عليها كل أطماع الطامعين. عندما أقرأ عن تاريخ رجال الحركة الوطنية و ما عانوه في سبيل الوطن لاسترجاع سيادته، أشعر بالخجل و ينتابني الندم على ما خُضت فيه ربما في وقت من الأوقات مع الخائضين بغير علم في أعراض هؤلاء الرجال الذين عبّدوا لنا الطريق لحياة حتى و إن كانت متواضعة، و لكنها لا تقارن ـ أكيدا ـ بحياة تحت الأجنبي المحتل أو نظام عميل مسلوب الإرادة كنظام البايات. إن ما تجشمتَم انجازه، بكل تجرد من الذات و بكلّ أمانة ـ ولا نزكي على الله أحدا ـ يُعتبر شهادة، نورتم بها الأجيال و ستكون مادة دسمة للمؤرخين فأسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتكم. فلكم الشكر جزيل الشكر و العرفان على ما قدمتموّه من إيضاحات تاريخية ذات أهمية و بال، خاصة في معركة الجلاء ببرج الخضراء التي لم نكن نعلم عنها شيئا من قبل. لا ندري لماذا وقع تجاهلها بهذا الحدّ و بالتالي تجاهل أبطالها و شهدائها و هي لا تقلّ أهمية عن معركة بنزرت و التي شاءت الأقدار أن تتزامنا في اليوم و الشهر و السنة… وهنا استسمحكم في بعض الإيضاحات في هذا الشأن: ـ لقد ذكرتم أنكم تلقيتم أمرا بالانسحاب من الأماكن المحرّرة و امتثلتم بمرارة للأوامر.. لكن بعد ذلك تبين أن رئيس الجمهورية ليس له علم بذلك!! بل ربّما كان الحال حتى مع كاتب الدولة للدفاع المرحوم الباهي الادغم …. فمن كان يا ترى، وراء هذا القرار الخطير و المهين في نفس الوقت؟ و ما هي غايته في ذلك؟ ـ لماذا تعمّدتم تبرير العملية أمام الرئيس رغم معارضتكم لها؟ و لم تصارحونه بالحقيقة؟ ـ هناك شخص يدعى حمادي خذير اغتيل في تطاوين قبيل وصول بورقيبة بسويعات إلى هناك سنة 1956.. والأنباء الرائجة إلى الآن، تتحدث عن أن هذا الشخص كان مكلفا من بورقيبة أو من الشق البورقيبي لاغتيال بعض أتباع الأمانة العامة في تطاوين.. هذه مسالة أخرى بقيت غامضة و تُركت للتأويل العامي لا أكثر.. فهل لكم كذلك ما يفيد في هذا الصدد؟
ـ هل لكم من التفاصيل أكثر ما ورد في كتابكم عن ثوار الأمانة العامة بتطاوين؟ و هل هؤلاء الثوار كانوا ينوون قتال الجيش الفرنسي؟ أم كانت مهمّتهم قتال شق بورقيبة في الحزب؟ و كيف سمح بورقيبة للجيش الفرنسي بالقضاء على مناضلين تونسيين يشهد لهم الجميع بالوطنية و العمل في صلب الحركة الوطنية؟ مهما بلغ الخلاف بين الأخوة في الدين و الوطن؟ هذه المأساة بقيت غامضة كل الغموض خاصة على الجيل الذي لم يعشها .. فأنا أذكر ـ و أنا في سن الحدث ـ أن الناس يمتنعون عن الخوض فيها سواء في مجالسهم الموسعة أو الضيقة لشدّة الإرهاب و بطش الدولة آنذاك اللذان عقبا هذه العملية. ومما زاد الطين بلّة هو اكتشاف محاولة الانقلاب الشرايطي و جماعته. و هذه كذلك باعتباركم من المعاصرين لها.. فهل لكم أن توضحوا للأجيال إسرارها و دوافعها و نتائجها وعاقبتها على سير نظام الحكم؟ كنت أتمنى ـ شخصيا ـ لو أن الزعيم صالح بن يوسف رحمه الله، وبعد أن أحرزت تونس على استقلالها التام سنة 1956 أن يقلع عن المعارضة المسلحة و يٌكوّن حزبا سياسيا مدنيا يُثري به الحياة السياسية للدولة الفتية و يؤسس لنظام ديمقراطي مؤسساتي يحفظ كرامة المواطن و يبني دولة حديثة و يقضي على كل أشكال التخلّف والانحطاط…. فلو جنح إلى هذا الخيار الحضاري.. لوفر على الشعب الكريم نصف قرن من معاناة الحكم الفردي و الكبت السياسي و الحرياتي… فالغرب لم يتقدّم في كلّ المجالات بالأنظمة الفردية، ولا بالانغلاق و التناحر بين أبناء البلد الواحد رغم اختلافهم المذهبي.. و لكن تقدموا واستولوا على العالم ماديا وتقنيا واقتصاديا.. بأنظمة مؤسساتية ديمقراطية تضمن الحقوق الفردية و العامة للدولة و المواطن على حد السواء.
حضرة الرائد، هناك موضوع آخر نتمنى أن يحضى منكم بتوضيح للقارئ الكريم خاصة من يبحث عن الحقيقة بكل موضوعية .. هذا الموضوع قد أسال كثيرا من حبر الفضوليين و ذهب الناس في ذلك كل مذهب.. فمنهم من فسره بموضوعية، ومنهم من قابله بالجحود و نكران الجميل، و منهم من أهمله باعتبار أن كل تاريخ مرحلة المرحوم بورقيبة حسب رأيه، فيه دخن.. . الخ… هذا الموضوع الهام هو مشاركتكم سنة 1987 في أشغال محكمة امن الدولة أثناء محاكمة حركة الاتجاه الإسلامي.. ولقد سبق لي أن حاولت تصويبها في كتاب الدكتور إعلية علاني. » الحركات الإسلامية في الوطن العربي »
يقول الكاتب اعلية علاني في (ص) 190-191« لماذا لم يقع إعدام الغنوشي سنة 1987 .. و يُرجح الكاتب لتفسير ذلك أسبابا ثلاثة:
- الأسلوب الذي اتبعه وزير الداخلية آنذاك زين العابدين بن علي في التعامل مع هذه القضية.
- الضغوطات الخارجية وخاصة الغربية منها لفائدة الغنوشي.
- الوساطات الداخلية. » انتهى كلام المؤلف.
ويتلخص ردي على الدكتور العلاني في الفقرة التالية: » لئن كان السبب الأول قد أكده الأستاذ راشد الغنوشي نفسه لمجلة المجلة سنة 1988 بقوله «أن الوزير الأول زين العابدين بن علي قد رفض تنفيذ ما طلب منه بورقيبة وهو قتلي وقتل إخواني الآخرين لأنه لم ير لهذا الطلب أي مبرر أخلاقي أو قانوني…» ص191 من هذا الكتاب. فإن الثاني والثالث لا يتفق مع الحقيقة والواقع. ولعل تصريح الشيخ عبد الفتاح مورو (الرجل الثاني في الحركة آنذاك) للمؤلف في(ص) 203 هو الأقرب إلى الصواب. حيث يُؤكد بقوله « وقد حصلت تدخلات خارجيّة قبيل المحاكمة وأثناءها من طرف الفرنسيين والسعوديين… لكن بورقيبة كان جامحا وغاضبا… وتمادى في عمليّة التصعيد.. » إما السبب المباشر الذي لم يقع بموجبه الحكم بالإعدام حضوريا من طرف هيئة محكمة أمن الدولة سنة 1987 على بعض قيادات الحركة، هو امتناع النائبين السادة عبد الله عبعاب ومحمد كريم المستوري من التصويت لصالح حكم الإعدام حضوريّا على بعض القيادات. الشيء الذي أغضب بورقيبة آنذاك وأمر بتعديل قانون المحكمة فيما بعد ليصبح أقرار حكم الإعدام بالأغلبية وليس بالإجماع. في ذلك التاريخ كان لا يقع إقرار حكم الإعدام إلا بإجماع أعضاء هيئة المحكمة والمتركبة من ثلاثة قضاة ونائبين من مجلس النواب… » انتهى
و في الأخير حضرة الرائد سي عبدالله أضع بين يديكم شهادة متواضعة لي مباشرة على بعض من أحداث مدينة قفصة سنة 1980 حيث كنت منخرطا مباشرا في صفوف الجيش الوطني بفوج 31 للمصفحات بقابس.. و قد حصل لي شرف التدخل المباشر لتطهير مدينة قفصة من المرتزقة آنذاك. شكرا لكم جزيل الشكر على ما قدمتموه للوطن العزيز سواء أثناء فترة مقاومة المحتل أو أثناء بناء دولة الاستقلال أو في شهادتكم للتاريخ التي ستستفيد منها الأجيال بإذن الله.
محمد العماري ـ أصيل مدينة تطاوين.
mohammedlamari@yahoo.fr
_______________
باريس في 18 نوفمبر 2011
بعد ثلاثين سنة على أحداث مدينة قفصة
: شاهد عيّان يروي بعض التفاصيل
أجرى الحوار: د. أحمد المناعي
يصادف يوم 27 جانفي 2010 الذكرى الثلاثين لعملية الهجوم على مدينة قفصة بالوسط الغربي للبلاد التونسية من طرف مجموعة مسلّحة من التونسيين بتواطؤ مع السلطات الليبية و الجزائرية آنذاك. و بهذه المناسبة يدلي السّيد محمد العماري لموقع المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة، بما شاهده و عاشه في ذلك اليوم باعتباره كان عسكريا سابقا منخرطا بوحدات فيلق 31 للمدرّعات، وممن عاينوا عن قرب هذه الحادثة الأليمة.
المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة/ س
في البداية كيف كانت الحادثة وتطوراتها الميدانيّة؟
الحادثة كانت يوم الأحد 27 جانفي 1980 عند الساعة الثانية صباحا، عندما انطلقت المجموعة المسلحة المتكونة من قرابة 50 مسلّحًا، حيث هاجمت على الساعة الثانية صباحًا مراكز الأمن من شرطة و حرس وطني داخل المدينة بالتوازي في الهجوم على ثكنة أحمد التليلي التي تقع وسط المدينة. كانت آنذاك شبه خالية من وحدات الفيلق 11 للمشاة، التي كانت وقتئذٍ في مهمّة دورية بالصحراء بالجنوب التونسي لمدّة شهر. فلم يكن متواجدًا فيها أثناء الهجوم غير فصيل للحراسة و آخر للقيادة و المصالح و كذلك فصيل تابع لفوج الشرف كانوا في طريقهم إلى العاصمة بعد مهمّة استقبال الرّئيس بورقيبة في مدينة توزر. أما ثكنة الهادي خفشة التي تقع على أطراف المدينة لم يكن متواجدا فيها ساعتها إلا حوالي 300 من المجندين الجدد، كانوا تحت تأثير تطعيم (تي. أ. بي) وهو تطعيم إجباري لكل مستجدّ و يستوجب راحة بـ 48 ساعة بعد كلّ تطعيم. و قد تم اقتحام الثكنتين بعد معركة ضارية بينهم و بين الحراس أُستُعمل فيها السلاح الأبيض و الناري و كاتم الصوت، انتهت بإعدام الحراس رمْيًا بالرّصاص من طرف المهاجمين و سقوط قتلى و جرحى من الجانبين، ثم، وعن طريق أحدهم سبق له أن قضى الخدمة العسكرية داخل الثكنة المستهدفة، عمدوا إلى استخراج كميات من السلاح الخفيف و الذخيرة، عجزوا على استعماله فيما بعد لأسباب فنّية. ومثلما استفيد فيما بعد من بعض الناجين، التحقت المجموعة المهاجمة لثكنة احمد التليلي ومراكز الأمن، ببقيّة المسلحين داخل ثكنة الهادي اخفشّة بعد ما عاثوا فسادًا في طريقهم في المدنيين، الذين في أغلبهم من الباعة المتجوّلين حسب ما تبيّن من سياراتهم المهشمة والمحمّلة بالبضائع. وقد تم لهم كذلك تعطيل حافلة جزائرية في طريقها إلى طرابلس بتخريبهم لمحركها بقذائف RBG واستخدامها كحاجز من طرفهم بعد ما أوقفوا ركابها في شكل رهائن. كما عمدوا من جهة أخرى إلى قتل كثير من المواطنين ممن امتنعوا عن حمل السلاح معهم و الالتحاق بصفوفهم لإنجاز « الثورة » حسب زعمهم. و في حدود الساعة الثامنة صباحًا ساق المهاجمون كل من في الثكنة (حوالي 300 مجند) إلى معهد ثانوي قريب حيث تم احتجازهم كرهائن في قاعة رياضية هناك. و في حدود الساعة الحادية عشر وصلت وحدتان من فوج 33 لمدرّعات الاستطلاع بقيادة المقدم آنذاك الطاهر بوبكر من مدينة القصرين التي تبعد حوالي 125 كلم شمال غرب قفصة. و في حدود الساعة الثانية بعد الظهر و بعد تطهير الثكنات و التّمركز داخلها و حول المعهد الثانوي الذي يتحصّن فيه المسلحون و قرابة 300 جندي عزلا كرهائن، بدأت هذه القوة بالهجوم و فتح النار. و في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر وصلت وحدة مدرّعات ثقيلة من الفوج 31 للمصفحات بمدينة قابس التي تبعد حوالي 136 كلم جنوب شرق قفصة، تلته سريّة من المشاة التابعين لفوج 91 للواء.. و عند الساعة الرابعة عصرا كان كل شيء قد تم تقريبا: من تحرير الجنود الرهائن الذين اغتنموا بدورهم فرصة اشتباك المسلّحين مع قوات الجيش و التملص من الأسر و التفرّق داخل المدينة و الوصول إلى الخطوط الخلفية لقوات الجيش للاحتماء بها.. إلى قتل و أسر جُل المسلحين إلاّ القليل منهم الذين استطاعوا الانسحاب و التخفي داخل الأحياء السكنية. و في اليوم الموالي أي 28 جانفي، تم تمشيط بعض الأحياء من أهمها حي النور معقل المسلحين، حيث تم استرجاع الأسلحة المستخرجة من الثكنة و أسلحة أخرى و معدّات اتّصال و وثائق. كما تم القبض على بعض الفارين على أيدي قوات الطلائع (قوات خاصة) التي قامت حينئذ بالتمشيط بالاشتراك مع قوات المدرعات. كما تمّ في الأيام الموالية ملاحقة المختفين والذين استطاعوا الخروج من مدينة قفصة و التسلل إلى الأماكن المجاورة مثل ما حدث مع « أحمد المرغني » القائد العسكري للعملية و اثنين من مرافقيه وإلقاء القبض عليهم بضواحي حامة قابس يوم 6 فيفري، بعد استسلام « عز الدين الشريف » قائدها السياسي وأصيل مدينة قفصة. و قد تبيّن بعد ذلك أن « أحمد المرغني » (أصيل مدينة جرجيس بالجنوب الشرقي للبلاد التونسية) قد غادر مسرح العمليّة يوم 27 جانفي صباحًا بعدما تبين له فشل العملية و كان ينوي الرجوع إلى التراب الليبي
..
المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة/ س:
ما قولك في ما أشيع وقتها بأن المهاجمين قد سيطروا على المدينة سيطرة كاملة لمدّة أسبوع؟
إن المسلّحين لم يتمكّنوا من السيطرة حتى على بعض أجزاء من المدينة، بل لم تكن سيطرتهم في ظل غياب تواجد قوات للردع، إلا على بعض النقاط المحدودة ولبضع ساعات فقط بسبب عدم خبرتهم القتالية. هذا من جهة و من جهة أخرى، ـ و هذا الأهم ـ عدم استجابة سكان مدينة قفصة لهم و لنداءاتهم المتكررة لحمل السلاح والالتحاق بهم. هذا الفشل أصبح تاما بدخول قوات الجيش للمدينة وإعلان السيطرة عليها.
المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة/ س: هناك من يقول بأن معاركا ضارية قد دارت بين الجيش و المسلحين، بدليل أن صوت الرصاص لم يتوقف لمدة أيام؟
عدم انقطاع صوت إطلاق النار ليس دليلا دائما على ضراوة المعارك، بل هو في الغالب إجراء عادي للتغطية الميدانيّة للقوات أثناء التمشيط و ملاحقة العناصر المسلحة و المتخفية داخل بعض أحياء المدينة، و إلقاء القبض عليهم من طرف قوات الطلائع كما أسلفت.. وهو ما قد تم بالفعل: من وضع اليد على كل أماكن الاختفاء و المعدات و الوثائق، إلى إيقاف جل المسلحين ما عدا الذين قتلوا في بداية العملية أو تسللوا خارج محيط مدينة قفصة
.
المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة/ س
هناك من يقول أيضا أن الضراوة هذه ناتجة على التكوين العالي للمسلحين على السلاح ؟
ربما هذا قول من يجهل حقائق الأمور.. فالتدريب »العالي » على السلاح لا يُجدي نفعا في المعارك إذا لم يُصاحبه تكوينا عاليا وخبرة في فن القتال.. أما واقع هؤلاء من خلال تعاطيهم مع الأحداث منذ البداية و اعتداءاتهم الوحشية على الأرواح البريئة والعزل من السلاح يدل على أنهم عصابة و ليسوا مقاتلين
.
المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة/ س:
ما حقيقة ما أشيع من تدخل وحدات أجنبية ميدانية و مشاركتها في « تحرير » مدينة قفصة؟
لم يكن هناك احتلال لمدينة قفصة حتى يكون هناك تحرير، بل هي عملية تحرير لرهائن وتطهير للمدينة بالمفهوم العسكري، كانت قد تمّت على أيدي قوات الجيش التونسي و الآمن الداخلي دون الاستعانة ـ أو حتى الحاجة إليها أصلا ـ بأي قوات ميدانية أجنبية عكس ما يُرَوّج البعض لذلك. و للتاريخ فأن المساعدة الفرنسية و المغربية بعد ذلك كانت قد انحصرت لوجستيكيًا فقط. حيث وضعتا طائرات نقل عسكريّة عملاقة على ذمّة الجيش التونسي لنقل بعض القوات و المعدات و الذخائر إلى الجنوب الشرقي لتعزيز الوحدات المتواجدة هناك: فهي ليست لفكّ الحصار على قفصة، مثلما يتوهّم البعض، و باعتبار أن المسالة وقع تطويقها منذ الساعات الأولى و القضاء عليها، بل تحسبًا لهجوم ليبي على الأراضي التونسية بعد التوتّر الشديد الذي حدث لاحقا بين البلدين اثر اكتشاف وانكشاف ملابسات العملية و التورّط المفضوح للنّظام الليبي فيها.
محمد العماري ـ منخرط سابق بسلاح المدرعات
No comments:
Post a Comment