الوجه الآخر للثورات العربية | 17/01/2013 | ||||||||||||||||
د. حياة الحويك عطية | |||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||
لكل
حدث سياسي وجهه المعلن ووجهه الآخر الذي يظل للتاريخ أن يزيح النقاب عنه.
وما يسميه السذج أو المتحذلقون نظرية المؤامرة، ان هو في الحقيقة الا تضارب
مصالح الدول والقوى بدءا من المصالح الاقتصادية التي تقع في أساس المصالح
الأخرى. فما من قوة عظمى اقليمية أو دولية تصبح كذلك الا بناء على
استراتيجية دقيقة وواضحة الأهداف، فإن تضاربت هذه الاستراتيجيات كانت خطة
كل قوة لتمرير ما يخصها بكل الأساليب (المؤامرة) وإن تلاقت كان التحالف.
واذا كانت كل الاستراتيجية ناجحة لا ترسم الا بناء على الخريطة الجغرافية
بأبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية، فإنها لا تكون فعّالة الا بقدر
ما تكون استشرافية قادرة على التوقع ووضع الاجابات لكل التوقعات
والاحتمالات.
من هنا لم تكن الثورات العربية الا حتمية طبيعية للتطورات التي شهدها العالم العربي والعالم، ولكن لم يكن للقوى العظمى الا وأن تتوقع ذلك وتضع احتمالاتها وخططها. وكما في كل حدث عربي لا تنفذ خطط القوي الا بواسطة الضعفاء الذين ينتفخون اذ يوكل اليهم دور ما، خاصة عندما يشعرون بأن لهذا الدور أن يساهم في ضمهم الى نادي الاقوياء أو على الأقل في حمايتهم. خاصة عندما يصبح الهدف الوحيد للتغيير هو القفز الى السلطة، السلطة داخل البلد المعني أو السلطة على مستوى الفضاء العربي، ولا قيمة لما تتم تغطية هذا الهدف به من حجب المصطلحات الجميلة والقيم السياسية وحتى الدينية مما تشتاق اليه نفوس شعوب عانت من غياب حقوق الوطن وحقوق المواطن. ثمة وجه للثورات العربية عاشته الشوارع وثمة وجه قدم لنا الا اعلاميا، ولكن ثمة وجه آخر صنع، كالعادة، بعيدا عن الكاميرات، في عواصم الغرب. ومن هنا يكون للصحافيين وللباحثين العرب المقيمين هناك فرصة كبيرة في التقاط الأحداث والوقائع والوثائق والمعلومات التي يمكن لها أن ترسم مشهدا للعمق الحقيقي للقصة. مشهد لا يكتمل الا بمعايشة أخرى للأرض الساخنة، أرض الحدث نفسه. وهو ما يتطلب ثلاثة شروط: وضوح الرؤية، شبكة العلاقات والاستعداد للجهد والتعب. شروط ثلاثة تأمنت لعمل وثائقي بالغ الأهمية قدمه لنا الصحافي اللبناني، المقيم في باريس نضال حمادة في كتاب صادر عن دار الفارابي في بيروت بعنوان: الوجه الآخر للثورات العربية. تناول أربعة ملفات أساسية هي الملف الليبي، الملف التركي، الملف القطري وأخيرا الملف السوري. ولا شك في أن اختيار الملفات المذكورة يعود، إضافة الى أهميتها، الى دور العاصمة الفرنسية في كل منها، حيث يفاجئنا حماده بكم كبير من المعلومات التي تغير الكثير من زوايا النظر الى كل من هذه الملفات. معلومات يوضح الكاتب أنه اعتمد فيها الى ستة أنواع من المصادر: سياسيون وبرلمانيون وصحافيون فرنسيون، العسكر ورجال الأمن (الذين يصفهم بأنهم الاكثر دقة والاكثر منهجية في تحليلهم)، الباحثون في مراكز الدراسات الاستراتيجية وأساتذة العلوم السياسية وناشطو حقوق الانسان، رجال المال والأعمال، الوسط السوري المعارض في فرنسا، الأحزاب الأوروبية والأحزاب الكردية الناشطة في العاصمة الفرنسية. بالتواصل مع كل هؤلاء، وبحركة حثيثة بين باريس، بيروت، القاهرة ودمشق، تمكن حمادة من عرض الأحداث لنا كما تدبر وتحاك في دوائر التأثير والقرار الدوليين اعتمادا على الخبر من مصدره الأساس بعيدا عن انفعالات المشهد التلفزيوني الضاغط الذي يفرض على الانسان العربي – كما يقول الكاتب مؤكدا على انه حرص على تجنب الخوض في التحليل وعن الدخول في التفسيرات أحادية الجانب، تاركا للقارىء حرية الاستنتاج. غير أن كم المعلومات التي يوردها الكتاب بخصوص الشأن الاقتصادي لا يترك مجالا للقارىء الا وأن يستنتج أن الاقتصاد هو السبب الأول والأخير في كل ما جرى ويجري على الأرض العربية. وأن توق الشعوب للحريات، للتغيير، للديمقراطية وللتخلص من الفساد، هو حقيقة واقعة ومحرك بخاري لأية ثورة، لكنه استغل من قبل الغرب وتركيا وبعض العرب لتحقيق تلك الاطماع الاقتصادية إضافة الى مصالح اسرائيل في الفضاء العربي. كلام قد لا يبدو جديدا، فقد قاله الكثيرون، لكن الجديد هنا أن كتاب نضال حماده يقدمه بالوقائع والأرقام والأدلة ولا يترك مجالا للتحليل الذي يحتمل الصح والخطأ. |
|||||||||||||||||
En soutien à la résistance des peuples pour leur indépendance, leur dignité et leur souveraineté!
Pages
▼
No comments:
Post a Comment