Pages

Tuesday, February 19, 2013

Allemagne: الكاتب سميح عامريVieillesse et précarité


قضايا اجتماعية

المشردون في ألمانيا و الكفاح اليومي من أجل البقاء

ليست الحياة في ألمانيا كما يبدو للكثيرين جنّة يحلو فيها العيش لكل الأشخاص، ففي بلد يتمتع بأقوى اقتصاد أوروبي يرزح الآلاف تحت نير الفقر والحرمان، وهناك أيضا غدت الحياة اليومية بالنسبة لهم مجرد صراع من أجل البقاء.
لم يكن من السهل أبدا إقناع المشردين بالتواصل أمام الكاميرا والمايكروفون، هناك من يعاني الإحباط والكآبة وهناك من اشترط مثلا مبلغا من المال، في حين رفض آخرون الحديث معنا رفضا قاطعا لقناعنتهم بأن التعبيرعن أوضاعهم لن يغيّر شيئا من واقعهم اليومي.

بؤساء في شوارع بون الألمانية

رفضت مشّردة ثملة من أصول تركية الحديث لـ DW عربية عن ظروفها لأسباب عائلية، لكنّ رفيقها الألماني فولفغانغ، رجل مقوّس الظهر في منتصف الستينات من عمره، قبل على الفور. يعيش فولفغانغ منذ عشر سنوات دون مسكن، فقد قلب طلاقه من زوجته سنة 2002 حياته رأسا على عقب، كما يقول ويضيف: "لقد أخذت(زوجته) مني كل شيء: أولادي الأربعة الذين لم أرهم منذ ذلك الحين، و لم تكتفي بالاستحواذ على البيت، بل وأيضا أفرغت حسابي البنكي، فلم يبق لي سوى الشارع".


فولفغانق يروي حكايته مع التشرد والتسول


 كان الرجل ينظر بعيون مستنجدة إلى الناس الخارجين من المصرف الذي التقيته أمامه، وهو يصف حياته اليومية بالمتعبة جدًا. "لقد عطلّت الإجراءات الإدارية المعقّدة صرف منحة تقاعدي، ولهذا السبب فأنا لا أتلقى أي مساعدة من الدولة، يقول فولفغانغ مضيفا: أقتات يوميا من التسول ومن التبرعات وعند غروب الشمس الجأ لمأوى المشردين في المدينة هربا من الليل القارس". ويعلّق فولفغانغ آماله على منحة التقاعد التي ستغيّر حياته وتمكنه أخيراً من كراء بيت وطبخ كل ما يشتهيه.
يربط المشرّد المسّن حذائه الملطخ بالوحل ثم يزفر بتنهد عميق دخان سيجارة رخيصة ويواصل: "أحّمل الدولة مسؤولية ما أصبحت عليه اليوم فقوانين الطلاق مجحفة للرجل". وختم حديثه بشيء من السخط: "يمر أمامي يوميا العشرات ببدلاتهم الفاخرة: ابتسامة محتقرة هو كل ما أجنيه منهم، في حين يرمي الآخرون البسطاء في قبعتي بعض النقود". ويرى فولفغانغ بأن "الكثير من الناس لديهم صورة نمطية عني وعن أمثالي مفادها أننا مجرد مدمني خمر ومخدرات، وهذا ليس صحيحا".

كفاح يومي من أجل البقاء


رغم حياة الشوارع فإن حلم يورغن في الحصول على عمل وبيت مازال قائما.


في زقاق من أزقة وسط مدينة بون القديمة، جلس يورغن وحيدا منتظرا أمام مخبز صغير، ويداه المرتجفتان تحملان كأسا بلاستيكيا داخله بعض النقود المعدنية. تحدث عن حاله بصوت لا يكاد يفهم: "بعد صراع مرير مع مرض السرطان، توفي والدي سنة 2001 فكنت إذا مجبرا بعد ذلك على ترك البيت، لأنني لم أقدر على تحمل مصاريفه لوحدي ومنذ ذلك الوقت وأنا أعيش حياة التشرد، تارة هنا وتارة أخرى هناك".
كشّر يورغن بمرارة عن بعض أسنان صدئة قائلا: "أتلقى كل شهر مساعدة اجتماعية قدرها 156 يورو، لكن هذا لا يكفي، ولهذا أبحث في القمامة عن قوارير فارغة و ورق قديم لبيعها، كما أذهب أحيانا إلى المقابر لتنظيف القبور" . وبالنسبة إلى يورغن فإنّ المسؤولية يتقاسمها المشرّدون والسياسيون على حد السواء، وبالرغم من بؤسه وألمه فإن الحلم مازال حياّ فيه.
يلّف يورغن قطعة من القماش الصوفي فوق ساقيه ويضيف مبتسما "كل ما أتمناه في الوقت الحالي هو أن أجد عملا جيدا وسقفا يحميني من صقيع الشتاء ولم لا أيضا امرأة". ورغم سنواته الـ 43  فإن صاحب دبلوم اللحام يبدو ظاهريا وكأنه شيخ مسن.


الأسباب وراء ظاهرة "التشرد"

وللحديث عن الموضوع من زاوية سوسيولوجية بحتة، التقت DW عربية البروفسور يورغ بلاسيوس، مدير معهد العلوم الإجتماعية والسياسية بجامعة بون، في مكتبه الفسيح بإحدى الأحياء المرموقة في المدينة.  لا أحد في المجتمع ـ حسب رأيه ـ يكترث بحال المشردين، هم مجموعة من الأشخاص تنتقل من مكان لآخر ولهذا السبب فهم لا يثيرون اهتمام أحد هنا، لا المجتمع ولا رجال السياسة. بل على العكس من ذلك،  يعتبرهم المجتمع عبئا على ميزانية الدولة وعلى صناديق المقاطعات.

 يتصفح البروفسور، مثبتا برفق نظارته، دراسة قام  بها أحد طلابه حول ظاهرة التشرد في ألمانيا. ويتابع "ليس لدينا لغاية اليوم إحصاءات دقيقة حول هذه الظاهرة، لكن التقديرات تشير إلى وجود حوالي 300.000 شخص ليس لديهم سكن في ألمانيا بينهم حوالي 20.000 يعيشون في الشوارع و6000 أطفال شوارع".
البروفيسور يورغ بلاسيوس يفسر الأسباب الإجتماعية لظاهرة التشرد


وردا على سؤال حول غياب سياسة اجتماعية من قبل الدولة خاصة بالمشردين يرد البروفسور بشيء من السخرية:" كيف نطالب من هم في السلطة بخلق سياسة اجتماعية في الوقت الذي لا يذهب فيه هؤلاء للتصويت في الانتخابات؟". لكن بالرغم من أنه لا توجد حلول جذرية لإعادة إدماجهم في المجتمع إلا أن تغيير أوضاعهم أصبح شيئا ضروريا. "علينا أن نمنحهم أولا مسكنا خاصا بهم وهو شيء يبدو صعبا في ظل أزمة السكن الراهنة ولأنهم أيضا تعودوا على نمط حياة مختلف".

المشردون هم أيضا جزء من المجتمع

وفي مكان شبه مهجور ليس بعيدا عن محطة القطار الرئيسية في المدينة تجمع العشرات من الأشخاص في مجموعات صغيرة متفرقة أمام مأوى للمشردين، بعضهم كان يحتسي البيرة والآخر كان يدخن السجائر، تبدو على وجوههم ملامح البؤس والتعب. هناك كانت DW عربية في ضيافة غرهارد رودن،المسؤول الجهوي عن الإندماج والتأهيل في منظمة "كاريتاس" الخيرية.
وضع رودن قطعتي سكر في فنجان القهوة وحركه مفسرا ظاهرة التشرد في ألمانيا بالقول: "أسباب التشرد عديدة وهي اجتماعية بالأساس كالمشاكل العائلية والزوجية أو مادية كالعجز عن دفع الكراء/ أجور السكن بالنسبة للأشخاص ذوي الدخل المحدود وهناك أيضا خريجي السجون".
غرهارد رودن يرى أن التضامن الإجتماعي مع هذه الفئة ضروري


يُصَنف النظام الاجتماعي في ألمانيا كنموذج يحتذى به على المستوى العالمي، فقد أخذ في عين الاعتبار جميع فئات المجتمع وهنا تكمن مهمة رودن، فهو يعمل على تقديم يد العون لأولئك الذين يفتقدون لمأوى أو مهددون بفقدانه. ويقول في هذا الصدد: "تتمثل خدماتنا أولا في تأمين متطلبات الحياة اليومية الضرورية وتقديم الرعاية الصحية والنفسية. يتحمل صندوقي المدينة والتأمين الصحي طبعا جميع المصاريف".
يأتي إلينا يوميا العشرات لتناول الغداء هنا، لأننا نقدم وجبة غذائية بسعر يورو واحد، وفي المجمل لحوالي 13.000 شخص في ألمانيا". أما فيما يخص علاقة المواطن العادي بهذه الفئة الاجتماعية فيرى رودن بأن المجتمع الألماني "مجتمع رأسمالي"،  وبالتالي فإن إمكانية فقدان العمل أو المسكن واردة، وهو أيضا "مجتمع تضامني" بما معناه أنه لا يمكن إلا أن نعتبرهم جزءا منه وأن نتضامن طبعا معهم.

DW.DE

No comments:

Post a Comment