محمد شمام القائد السابق للتنظيم الخاص في حركة النهضة :سيرة غير تبجيلي
- الجمعة, 22 فيفري 2013
ينتمي محمد شمام إلى مجموعة
العقائديين نفسها التي صاغت السيرة الحركية " الموازية " لحركة النهضة أو
ما كان يعرف بحركة الاتجاه الإسلامي ، وتربت في كنفها القيادات
الراديكالية الحالية كعبد الكريم الهاروني و وليد البناني و غيرهما , رجل
اختلفنا معه أو اتفقنا نجح في تحويل أفكار الغنوشي و كركر من مشروع البدائل
و فرض الحريات إلى مشاريع إنضاج الثمرة و تثوير المدن إلى وقائع كان
بعضها دامي و بعضها أخر مات جنينا قبل الولادة .
محمد شمام خريج شعبة الرياضيات
تم استقطابه إلى حركة الاتجاه الإسلامي مذ كان تلميذا في المرحلة الثانوية ,
تشرب عقائد التنظيم و أفكاره و استفاق وعيه على نظريات سيد قطب و أبي
الأعلى المودودي مما جعل الأمير راشد الغنوشي يرى فيه الشخص المناسب ليكون
عنصر الاتصال بين الخلية العسكرية التابعة للتنظيم المكونة من جمعة العوني
الضابط في سلاح الطيران و إبراهيم العمري الضابط في نفس السلاح و السرجان
سيد الفرجاني رجل المهامات السرية في الاتجاه الإسلامي و عبد السلام
الخماري الضابط في جيش البر.
لتتوسع بعد ذلك مهام محمد
الشمام بعد أن اثبت كفاءاته ليصبح مشرفا على الجهاز العسكري و عنصر اتصال
بين القيادة المدنية و العسكر ليتدعم موقعه بعد حملة الاعتقالات التي شملت
القيادات العلنية و على رأسها الغنوشي سنة1981 و ليتسلم آنذاك حمادي
الجبالي قيادة الحركة خلف للغنوشي )أكتوبر 1981 - أكتوبر 1984(.
كان محمد شمام محاط بالسرية و
الغموض لدرجة أن عددا قليلا من القيادات تعلم بحقيقة دوره و مهامه حتى انه
كان لا يحضر الاجتماعات الأسبوعية التي يعقدها المكتب التنفيذي , فقد كان
له اجتماع أسبوعي مع حمادي الجبالي كانا يبحثان خلاله شواغل الجهاز الخاص و
نشاطه و عمليات التمويل و التهريب التي يقوم بها عناصره.
كان شمام يكلف ذراعه الأيمن سيد
الفرجاني الملقب حركيا بـــ’’الأمين ‘’بهذه المهام فقد كان الفرجاني أحد
القائمين على شبكة التهريب التابعة للجهاز المالي لحركة الاتجاه الإسلامي
في الثمانينات و قد خلف رجل المهمات في الخارج و الداخل محمد الصغير بكار
حيث كان يسافر إلى باريس و فرانكفورت للتزود بالمال في شكل نقدي و في أشكال
عينية عن طريق جلب سيارات محملة بالسلع يتم التفويت فيها بتونس لتمويل
الحركة بالتنسيق مع ممثل الحركة في باريس الحبيب المكني و ذلك بالتعاون مع
كامل غضبان الفلسطيني الأصل و عضو التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين
و المكلف بالتعامل مع الحركات الاخوانية في المغرب العربي.
و قد تطورت عمليات التهريب التي
يقودها سيد الفرجاني حتى وصلت إلى السلاح فيفي شهر جانفي 1986 توجه إلى
باريس بأمر من محمد شمام لتوريد 5000 قنبلة غاز مشل للحركة كي يستعملها
عناصر الجهاز في العمليات الخاصة و الاعتداءات ضد رجال الأمن و الخصوم
السياسيين و داخل أسوار الجامعة خلال الصراع مع قوى اليسار الطلابي,غير أن
أمر العملية قد تم كشفه من قبل الجهات المختصة حين اعتقل رجل الأمن يوسف
الهمامي الذي كان احد عناصر الجهاز الخاص للاتجاه الإسلامي .
شارك محمد شمام في مؤتمر الحركة
السري سنة 1984 في سليمان اثر الإفراج على القيادات التاريخية و الذي
فرضته انتفاضة الخبز آنذاك , هذا المؤتمر الذي سيعيد تنصيب راشد الغنوشي
أميرا للحركة و سيفرز لجنة شرعية و الأهم من ذلك ما أصدره المؤتمر من
توصيات فكرية و حركية سميت بــ’’ الرؤية الفكرية و المنهج الأصولي ‘’ و هي
كما يصفها الأستاذ عبد الله عمامي :’’ بأنها من أشد ما اهتدى إليه الفكر
الإنساني من تنظير للعنف على أساس ديني , فهي استجماع لكل الطفرات القديمة و
الحديثة في مجالات التكفير و كل التبريرات المبيحة للجهاد ضد المجتمع’’.
بعد مؤتمر سليمان 1984 و بعد
جمع راشد الغنوشي في يده الإمارة و رئاسة المكتب التنفيذي و المكتب السياسي
العلني و هي سابقة في تقاليد التنظيم و التنظيمات الاخوانية خصوصا و
السرية عموما فهي و لمن خبروا العمل السري تعتبر مغامرة أمنية خطيرة , و لم
يكتفي بذلك بل استبعد من عضوية الكتب التنفيذي كل العناصر القوية التي
رافقت تأسيس الحركة كصالح كركر و حمادي الجبالي و أحاط نفسه بقيادات من
الصف الثاني إلا أن الوحيد الذي حافظ على مكانته التنظمية هو محمد شمام
الذي جمع بين قيادة الخلية العسكرية و جهاز الاستعلامات و الخلية الجمركية
المكلفة بعمليات التهريب.
في صائفة 1986 قرر الراحل
الحبيب بورقيبة إقالة محمد مزالي الرجل الأكثر قربا من حركة النهضة داخل
النخب الحاكمة آنذاك , أحس الغنوشي بأن المعركة قادمة لا محالة و اتفق مع
محمد شمام على طرح ما يعرف بـــ’’مشروع البدائل’’ و اتفق الرجلان على دعوة
الممثلين الجهويين و أعضاء المكتب التنفيذي لعقد مؤتمر استثنائي و هو ما
كان فعلا بعد أيام قليلة في ضاحية المنزه .
قام محمد شمام بطرح مشروع
البدائل الذي صاغه الغنوشي على المؤتمرين و قبله صادق المؤتمر على وثيقة
الفكرية و المنهج الأصولي لتدخل فعليا حيز التطبيق خاصة بعد التغيرات
الحاصلة على رأس السلطة و يعتمد مشروع البدائل على مشروع انقلاب عسكري يقوم
على تنفيذه عناصر الجهاز الخاص و انتهى المؤتمر إلى تشكيل لجنة تنسيق
تتكون من القيادات المدنية و العسكرية للإشراف على المشروع ضمت كل من محمد
شمام و المنصف بن سالم و بلقاسم الفرشيشي و سيد الفرجاني لينطلق محمد شمام
في إعداد كوادره العسكرية للمضي في مشروع الانقلاب و كون لجنة فنية متكونة
من كبار الضباط لوضع خطة التحرك و التفاصيل التقنية للانقلاب ضمت من ضباط
الجيش سامي الغربي و البشير بن احمد و الملازم بالحرس الوطني توفيق
الماجري.
في أكتوبر1986 تم فرض الإقامة
الجبرية على راشد الغنوشي و قرر على إثرها المكتب التنفيذي اعتماد خطة صالح
كركر ‘’خطة تنضيج الثمرة’’ و هي خلق الشروط الموضوعية و الذاتية لنهاك
السلطة حتى اذا وصلت لحظة المشروع الانقلابي وجد التنظيم نفسه في طريق
مفتوح إلى قرطاج و تعتمد خطة كركر على تثوير المدن و المعاهد و الاعتماد
على الحراك الطلابي و التلمذي و بث الفوضي لانهاك الأجهزة الأمنية و أعطى
المكتب التنفيذي مهلة لشمام و جهازه للقيام بالانقلاب أقصاها 8 نوفمبر
1987.
و في هذه الأثناء لم يكتفي شمام
بالإعداد للمعركة الكبيرة بل حاول بما أمكن له المشاركة في خطة كركر
‘’إنضاج الثمرة’’من خلال عملية تفجير فنادق سوسة و المنستير حيث تم تحريك
فصيل شبابي للقيام بالعملية مكون من محرزة بودقة أميرا و فوزي سراج و فتحي
جبران و محمد شرادة يوم 2 أوت 1987 في ذكرى ميلاد الرئيس بورقيبة .
كانت صائفة 1987 الفترة الأكثر
نشاطا للخلية الجمركية التابعة للتنظيم الخاص في تهريب الأسلحة إلى داخل
البلاد و تخزينها في منازل الضباط لإبعاد الشبهة و الذين كان من بينهم
النقيب السلايمي و العريف أول صالح العابدي و عون الأمن يوسف الهمامي و
ضابط الديوانة البرني الورتاني و اثر عملية سوسة –المنستير قامت الأجهزة
الأمنية بحملة اعتقالات واسعة شملت القيادات العلنية بمن فيهم راشد الغنوشي
و اللافت في الأمر هذه المرة فان الاعتقال شمل قائد الجهاز الخاص محمد
شمام و ذلك في 27 أكتوبر 1987 قبل أيام قليلة من لحظة الانقلاب ليواصل سيد
الفرجاني تنفيذ الخطة بالتعاون مع لجنة العسكريين و قد سافر الفرجاني إلى
لندن في 20 أكتوبر 1987 موفدا من الجناح الخاص للقاء الدكتور صالح كركر
أمير الحركة آنذاك لغاية الحصول على الفتوى الشرعية و البيان الانقلابي
غير أن بن علي كان الأسبق إلى السلطة و أفشل مخطط الانقلاب بانقلاب أخر .
بعد وصول بن علي للسلطة و
تطبيع العلاقات مع حركة الاتجاه الإسلامي بدأت السلطة في الإفراج عن معتقلي
الحركة و على رأسهم الغنوشي و قيادات التنظيم المدني و المجموعة الأمنية
المكلفة بانقلاب 8 نوفمبر 1987 و كان شمام من بين المفرج عنهم لتعود
الحركة إلى اعتماد العمل السري و اعتماد خطة الغنوشي المعروفة ‘’بفرض
الحريات’’.
بعد انتخابات أفريل 1989 غادر
راشد الغنوشي البلاد و هو ما يعطي مؤشرا بأن المعركة قادمة و كونت الحركة
شبكة تهريب بين تونس و الجزائر بالتعاون مع عناصر من الجبهة الإسلامية
للإنقاذ في الجزائر تستغل في الأزمات الأمنية لتهريب الملاحقين من العناصر
القاعدية و الأعضاء ليستفيد محمد شمام من خدمات هذه الشبكة في أكتوبر 1990
حين غادر تونس متوجها إلى الجزائر .
و قامت الجزائر آنذاك بترحيل كل
عناصر النهضة الذين فرو إليها نحو السودان التي قد وصلت فيها الجبهة
الإسلامية القومية إلى السلطة بقيادة عمر البشير و حسن الترابي و كانت
الخرطوم مأوى الإسلاميين من كل حدب و صوب حتى أن أسامة بن لادن أقام فيها
في تلك الفترة و بعث العديد من المشاريع الاقتصادية و الظواهري قد فر
بتنظيمه و الجماعة الليبية المقاتلة و غيرها من المجاميع المسلحة و المدنية
.
إلا أن محمد شمام قد تم
استثنائه من قرار الترحيل و بقي يتمتع بوضع لاجئ في أحد أحياء مدينة
البليدة و ذلك بتوصية من محفوظ نحناح الأمين العام لحركة حمس فرع جماعة
الإخوان المسلمين في الجزائر حتى سنة 2005 حين مكنته المفوضية الدولية
لشؤون اللاجئين من اللجوء الإنساني في دولة السويد .
بعد رحيل بن علي لم يقدم محمد
شمام على العودة إلى تونس إلا حين صعدت حركة النهضة إلى حكم و ذلك في 21
ديسمبر 2011 وسط استقبال كبير حضرته القيادات التاريخية للحركة على رأسهم
الغنوشي و الحبيب اللوز و الصادق شورو و عبد الله الزواري .
No comments:
Post a Comment