Pages

Sunday, July 14, 2013

أي قضية يقاتل من أجلها الجهاديون التونسيون في سورية

أي قضية يقاتل من أجلها الجهاديون التونسيون في سورية
مجلة الوحدة الإسلامية،السنة الثانية عشر ـ العدد139 –(شعبان ـ رمضان 1434  هـ ( تموز ـ جويلية 2013م

بقلم: توفيق المديني

تفاعلت خلال الأشهر الماضية قضية المقاتلين التونسيين المجندين من قبل الجماعات السلفية الجهادية للقتال على الأرض السورية، الأمر الذي أثار تساؤلات كبيرة حول معنى قدوم شباب تونس إلى هذا البلد العربي، ليلقوا حتفهم في محرقة الموت؟ وما هي القضية التي يدافعون عنها؟ فالتقديرات في تونس تقول أن 40% من "الجهاديين" الأجانب في سورية هم من الجنسيّة التونسية، وأكثر من الثلثين منهم يقاتلون في صفوف "جبهة النصرة".
وبدأت الصحافة التونسية تتحدث مؤخراً عن ظاهرة الجهاديين التونسيين الذين يشتركون في الحرب الدائرة في سورية، لاسيما بعد أن كشفت هذه الصحافة عن وجود أيادي خارجية (دولة قطر، إضافة إلى شيوخ السلفية في دول الخليج) تعمل على تجنيد السلفيين الجهاديين التونسيين لكي يكونوا وقوداً في هذه الحرب.
وكانت جريدة "الشروق" التونسية نشرت، في 12 آذار/ مارس 2013 نقلاً عن وكالة أنباء "آسيا"، ملحقاً تفصيلياً تحدثت فيه عن عشرات القتلى التونسيين في سورية، حيث تضمّن التقرير  أسماءهم وصورهم والمحافظات التي ينتمون إليها، فضلاً عن تاريخ ومكان مقتلهم في سورية. وكان لافتاً أن أغلبيّة الجهاديين ينتمون إلى مدينة بن قردان، الواقعة جنوبي تونس. على الحدود مع ليبيا. وتعتبر بن قردان من محافظة مدنين، من أكثر المناطق تصديراً للجهاديين إلى سورية. وهي التي قال عنها زعيم تنظيم القاعدة في العراق سابقاً أبو مصعب الزرقاوي "لو كانت مدينة بن قردان بجانب الفلوجة لتحرّر العراق".
وهناك جهات عربية ومحلية تونسية  تقف وراء تجنيد الجهاديين التونسيين المُغَرَرِ بهم للقتال في سورية، وفي مقدمة هذه الجهات، دولة خليجية تغذي طموحاً منقطع النظير في الاضطلاع بأدوار تفوق حجمها الجغرافي والسياسي في المنطقة العربية والتي تشير مصادر متعددة إلى قيامها بتخصيص تمويلات بنحو 3000 دولار عن كل شاب تونسي ينخرط في القتال إلى جانب قوات المعارضة في سوريا.. هذا إلى جانب جهات أخرى تونسية دماً ولحماً، لكنها غير ذلك عاطفياً ومعنوياً، وهي حركة النهضة، وجمعيات تونسية تعمل تحت الغطاء الديني لنشر المذهب الوهابي، وتتلقى مساعدات من دول خليجية، لم تجد حرجاً من العيش على "تجارة الموت" من خلال تولي عمليات تجنيد هؤلاء "الجهاديين" الشبان والإشراف بالتنفيذ والمتابعة على عمليات نقلهم حتى إيصالهم إلى هدفهم النهائي، وهي بذلك ترتكب جريمة كبرى في حق هذا الوطن وأبنائه.
قد يكون إطلاقنا صيحة الفزع هذه قد تأخر نسبياً غير أنه لا بدّ من القول إن إيلاء هذا الملف الاهتمام اللازم بات اليوم لا يحتمل أي تأجيل خصوصاً والأرقام تفيد بأن عدد "الجهاديين" التونسيين في سورية قد تجاوز الثلاثة آلاف وهو رقم مرشح للارتفاع أكثر ما لم تسارع السلطات في بلادنا باتخاذ الإجراءات الحازمة المطلوبة لوقف النزيف.
كانت قطر المتهم الرئيسي في العملية، تبقى مصادر تمويل هذه الحركات محلّ جدل بين المراقبين. وتشير المعلومات إلى أن تكتم السلطات عن الأمر قد يكون مرتبطاً بتورط بعض القياديين في الحكومة التونسية في تمويل وتسهيل إرسال الشبان التونسيين للجهاد في مالي وسورية. وكانت صحيفة "الشروق" كشفت أن "بعض أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان) على علاقة مباشرة بهذه الجمعيات وعلى علم كامل بأنشطتها"، واعدة بنشر تفاصيل كاملة عن تورط المسؤولين في وقت قريب. ولكن هذه الجمعيات، أو حتى المسؤولين في حال ثبت الأمر، ليس لها سلطة الفرض على هؤلاء الشبان، إنما يذهب هؤلاء بملء إرادتهم، وهو ما يسلّط الضوء على حجم الاستقطاب الدعوي الحاصل في الشارع التونسي.
وبحسب صحيفة "الشروق"، تقوم قطر بضخّ أموال إلى "جمعيات" تونسية غير حكومية لتجنيد جهاديين وإرسالهم إلى سورية، وتحصل هذه الشبكات من قطر على "عمولة بمبلغ 3 آلاف دولار عن كل شاب تونسي يتم تجنيده ". وفي التفاصيل يقوم "الوسيط" التونسي بعزل هؤلاء الشبان في معسكرات في المثلث الصحراوي بين ليبيا وتونس والجزائر، ثم يتمّ ترحيلهم لاحقاً إلى تركيا حيث توجد جمعيات أخرى لاستقبالهم وإدخالهم إلى الأراضي السورية بعد تدريبهم بطريقة سريعة، و"هو ما يسهّل أسرهم أو قتلهم"، بحسب الصحيفة.
ووفق مصادر لـصحيفة "السفير" اللبنانية، تقيم المجموعات الجهادية في ليبيا معاقل للتدريب في محافظة غدامس، التي لا تبعد إلا بـ 70 كم عن الحدود التونسية، يتلقى فيها هؤلاء الشبان بعض التدريبات العسكرية ثم ينتقلون إلى محافظة الزاوية ليستكملوا تدريباتهم لمدة 20 يوماً. ووفقاً للتحقيقات، فإن الجهاديين التونسيين يتوجهون إلى سورية عبر لبنان وتركيا ثم ينتقلون إلى ميناء البريقة للسفر إلى إسطنبول ومنها إلى الحدود السورية، حيث يُسلمون إلى "الجيش السوري الحر" و"جبهة النصرة". ففي حال أراد الجهادي التونسي أن ينضمّ إلى "الجيش السوري الحر" في حلب والمدن الشمالية القريبة منها يذهب عبر تركيا، أما إذا كان سيعبر إلى دمشق أو ريفها والمناطق المتاخمة فيتوجه إلى لبنان(1).
والسؤال المطروح في تونس، لماذا لا يذهب هؤلاء الجهاديون للقتال من أجل تحرير القدس، إذا كانوا مؤمنين حقاً بفكرة الجهاد، فذلك هو الجهاد الحقيقي؟ غير أن حكومة حركة النهضة التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سورية، عملت على تشجيع انتشار هذه الظاهرة، مع التساهل والاستهتار الذي تبديه قيادات حركة النهضة، لاسيما الشيخ راشد الغنوشي، ووزير الداخلية السابق، ورئيس الحكومة الحالية السيد علي العريض، في التعامل مع التيارات السلفية الجهادية. ويطالب أهالي الجهاديين المنظمات الإنسانية كذلك في دعم قضية استرجاع أبنائهم. وهنا تقول لصحيفة "السفير" اللبنانية،  مسؤولة في الرابطة التونسية لحقوق الإنسان "بصراحة عملية استرجاعهم، تعتبر عملية صعبة وشبه مستحيلة. بالنسبة لنا كمجتمع مدني وحتى بالنسبة للسلطة خاصة بعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين"، معلّقة أن بإمكان السلطة التونسية التصدي لهذه الظاهرة من خلال تكثيف الحراسة على الحدود والقيام بتحقيق جدي لكشف عمن يقف وراء الغرير بخيرة شباب تونس في هذه الأعمال الإرهابية(2).
ويرى المحللون المتابعون لموضوع الجهاديين التونسيين، أن عدداً من الذين توجّهوا إلى سورية، قاتلوا في ليبيا ضدّ نظام معمر القذافي، وهم ليسوا من المرتزقة بل يسعون لتنفيذ قناعات تشرّبوها من الفكر الجهادي التجنيدي في بلادهم.ويشجّع المناخ العام في تونس ما بعد الثورة على انتشار هذه الظاهرة، مع التساهل والاستهتار الذي تبديه حركة "النهضة" الحاكمة في التعامل مع التيارات السلفية الجهادية. ولعل منح تونس اللجوء السياسي لأبي قتادة الأردني، صاحب فتوى قتل النساء والأطفال في الجزائر بحجة عدم مساندتهم للجهاديين في بلد المليون شهيد، هو خير دليل على تساهل الحكومة التونسية. من جهة أخرى، ترى المعارضة التونسية أن السبب الكامن وراء هذا السلوك هو حاجة حركة النهضة لأصوات التيار السلفي خلال الانتخابات المقبلة.
وفي هذا الصدد، صرح يوم الاثنين 3 حزيران 2013 الحقوقي و رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية, الدكتور أحمد  المناعي, "لافريكان مانجر"(3) أنه لا يستبعد تورط رئيس حركة النهضة، الشيخ راشد الغنوشي في شبكات تسفير الشباب التونسي إلى سوريا "بدعوى الجهاد ضد النظام السوري"و ذلك عبر تمويل قطري بحسب تقديره .و أكد المناعي أن الحكومة التونسية سواء تعلق الأمر بحكومة حمادي الجبالي أو حكومة علي العريض ليست بمتورطة في الحرب ضد سوريا بل هي اتخذت عدد من المواقف تجاه النظام السوري فحسب، مستبعداً أن يكون لكلتا الحكومتين يد في تمويل شبكات تسفير الشباب التونسي إلى سوريا.
هذا ونشرت القناة الإخبارية السورية تقريراً مصوراً يظهر أن "مشيخة" قطر قامت ببعث العديد من الجمعيات الخيرية في تونس بعد الثورة والتي تعمل كغطاء لتجنيد ما وصفتهم بـ"الإرهابيين"للتوجه إلى سوريا. وبينت القناة المذكورة أن هذه الجمعيات تتغلغل داخل الطبقات الفقيرة في تونس وتستغل وضعها الاقتصادي الضعيف بهدف تجنيد الشباب إلى سورية. وأوضحت أن "أنصار الشريعة" تلقوا عروضاً من جهات رسمية تونسية بالإفراج عن عدد من المعتقلين منهم في التحركات الأخيرة مقابل تسهيل انتقالهم إلى الأراضي السورية عبر تركيا، وأن هناك مصادر قريبة من السلفيين كشفت أن النهضة برئاسة زعيمها راشد الغنوشي متآمرة مع مشيخة قطر لتجنيد الإرهابيين إلى سوريا مقابل إطلاق سراحهم وذلك حسب نفس المصادر.
وقال الدكتور أحمد المناعي إنه يتوقع أن الحكومة السورية لن تفرج على التونسيين المتورطين في حمل السلاح و عدد من العمليات الإرهابية إلى جانب "جبهة النصرة " وإنما ستفرج عن التونسيين الذين تم إلقاء القبض عليهم وهم بصدد التسلل من الحدود التركية و مازالوا لم يحملوا السلاح. هذا وقد أعلنت رئاسة الجمهورية السورية إصدارها اليوم 3 حزيران 2013 عفوا في شأن عدد من المساجين التونسيين في سوريا و ذلك بحسب ما أوردته إذاعة "إكسبرس أف.ام". هذا و قال مفتي سوريا أحمد حسون أمس الأحد 2 حزيران 2013 إنه سيتم الإفراج قريباً عن عدد من التونسيين الموقوفين في السجون السورية.
وأوضح المناعي أن التونسيين المتواجدين بسوريا هم ثلاثة أنواع، فهنالك شق منهم تورط في العمليات الإرهابية ضد النظام السوري، وشق آخر أراد الدخول إلى سوريا لكنه لم يتسن له ذلك، حيث تم إلقاء القبض عليهم على الحدود التركية، وأما الشق الثالث فيتمثل في الجالية التونسية الموجودة بسوريا و التي تقدر بنحو3000 تونسي بحسب تقديره. وطالب المناعي بتطبيق قانون الإرهاب على العائدين من سوريا بعد الإفراج عنهم خصوصاً وأنهم تورطوا في شبكات إرهابية دولية مشدداً على ضرورة أن يقوم القضاء بالنظر في ملفات العائدين من سوريا. وأشار الحقوقي أحمد المناعي أن الحكومة السورية أظهرت في عديد المرات رغبتها في إعادة العلاقات مع الدولة التونسية باعتبار أن تونس أول دولة قطعت العلاقات معها ومن الجيد أن تقوم بإرجاع العلاقات معها. وأوضح المناعي أنه على الرغم من تنقّل عدد من الوفود التونسية إلى سوريا إلا أن الحكومة التونسية لم تبدِ ـ على الرغم من العديد المناسبات ـ رغبة في إعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد.
وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة تتعلق بعدد القتلى التونسيين الذين سقطوا في ساحات المعارك المختلفة في سورية، فإن المصادر السورية تتحدث عن سقوط أكثر من 200 قتيلاً تونسياً، وأن عدد الموقوفين والأسرى التونسيين في السجون السوريّة يفوق  الـ300 تونسيّ، وأن عدد السلفيين الجهاديين الذين قدموا إلى سورية لمقاتلة النظام السوري، يصل إلى نحو 3000 تونسي.
انتشار "جهاد النكاح" في تونس واستهتار حكومة النهضة
تصاعدت مع ظاهرة الجهاديين التونسيين، قضية "جهاد النكاح"، التي تقوم على إرسال فتيات تونسيات لتلبية الحاجات الجنسية للمقاتلين في سورية، بعدما غزا مصطلح "جهاد النكاح" الساحتين التونسية والعربية إثر صدور عدد من الفتاوى تجيز للمسلحين غير المتزوجين في سورية أو الذين لا يمكنهم ملاقاة زوجاتهم إمكان إبرام عقود نكاح شرعية. وهذه العقود تقوم مع بنات أو مطلقات لمدة قصيرة لا تتجاوز الساعة يتم على إثرها الطلاق وذلك لإعطاء الفرصة لمقاتل آخر. أما المبرّر الشرعي لهذه الفتوى فكان تمكين "المجاهدين" من حقهم الشرعي في المعاشرة، وهو ما يزيد من عزائمهم ويرفع قدراتهم ومعنوياتهم القتالية، بحسب الفتوى.
ويعود أصل مصطلح "جهاد النكاح"، كما بات معلوماً، إلى فتوى للداعية السعودي محمد العريفي الذي قال منذ أشهر في إحدى تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" إن "زواج المناكحة الذي تقوم به المسلمة المحتشمة البالغة 14 عاماً فما فوق أو مطلقة أو أرملة هو جائز شرعاً مع المجاهدين في سورية". وبعدما أحدثت الفتوى ضجة كبيرة، سارع العريفي إلى نفي ما نُسب إليه، مؤكداً في خطبته الدينية مؤخراً أن ما قيل بشأنه حول جهاد النكاح "كلام باطل لا يقوله عاقل".
وفي هذا الشأن، يقول الباحث في علم الاجتماع عبد الستار السحباني إن مصطلح "جهاد النكاح" هو مصطلح مفهوم في تونس، انتشر كغيره من المفاهيم الأخرى على غرار الزواج العرفي نتيجة صعود الاتجاه السلفي، الذي يملك رؤية خاصة للمجتمع والمرأة. ويروّج الاتجاه السلفي لجهاد المناكحة في إطار "الجهاد المقدس" أو "الحرب المقدسة" التي تدور الآن على الأراضي السورية. هذه الظاهرة الغريبة والشاذة على المجتمع التونسي تتحمل فيها الحكومة التونسية المسؤولية التامة نظراً لعدم تحركها لأخذ الإجراءات اللازمة في ما يخص موضوع الجهاد في سوريا، على الرغم من علمها".
وعلى الرغم من غرابة الفتوى، إلا إن الساحتين العربية والتونسية قد استجابتا لتطبيقها بشكل كبير. وبحسب شهادات بعض العائدين من سورية هناك ما لا يقل عن 13 فتاة تونسية حتى الآن التحقن بصفوف المجاهدين في سورية. وتتزامن هذه الشهادات مع إبلاغ عائلات تونسية عن اختفاء بناتهن المراهقات وسط ترجيحات بسفرهن إلى سورية لـ"الجهاد". وفي هذا الإطار، نفت نائبة رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بلقيس مشري أن تكون الرابطة قد سجلت أي حالة مشابهة، من دون أن تستبعد أن تكون هناك شبكات متورطة أيضاً في إرسال فتيات تونسيات للنكاح.
وفي شهر مارس 2013 تفاجأ التونسيون بتسجيل مصوّر انتشر على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي يظهر فيه ذوو فتاة محجبة تدعى "رحمة عطية" (16 عاماً) أكدوا أنهم لم يجدوها في المنزل صباحاً وقد علموا بعد ذلك بأنها توجهت إلى سورية. بعد انتشار نداء عائلتها، عادت "رحمة" لكنها كانت في حالة نفسية صعبة، وقد رفضت الإفصاح عن تفاصيل رحلتها إلى سوريا حتى لأفراد عائلتها. وتؤكد عائلة "رحمة"، التي تعمدت إبعادها عن الأنظار، أن ابنتها ليست متشددة في الدين لكنها خضعت لتأثير زملاء لها في الدراسة عُرفوا بانتسابهم إلى التيار السلفي الجهادي، ومن الأرجح أن يكونوا قد "غسلوا دماغها" وأقنعوها بالسفر إلى سوريا "لمؤازرة المجاهدين هناك". وفي السياق، يضيف السحباني، أنه "يتم استدراج الفتيات المراهقات عن طريق شبكات تتولى غسل أدمغتهن"(4).
على الصعيد الرسمي، فقد صرّح وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي، لإذاعة "شمس أف أم"، بأن فتوى "جهاد النكاح" لا تلزم الشعب التونسي ولا مؤسسات الدولة. كما لم تخف وزارة المرأة والأسرة تسجيل حالات اختفاء عدة للأطفال المراهقين إثر ظهور شبكات متخصصة تستهدف الشباب والأطفال من الجنسين لتجنيدهم عبر ممارسة التجييش الفكري والعقائدي. وقد دعت الوزارة التونسيين إلى تكثيف الإحاطة بأبنائهم وتوعيتهم بخطورة الانجراف وراء هذه الدعوات التي تستغل عوامل انعدام الفكر النقدي ونقص الثقافة الدينية لديهم من أجل زرع أفكار التعصب والكراهية وإرسالهم إلى بلدان تعيش صراعات داخلية بدعوى الجهاد.
وفي موقف يتطابق مع مواقف المعارضة الديمقراطية، ومع آراء ومواقف الغالبية العظمى من الشعب التونسي، قال مفتي الجمهورية التونسية الشيخ عثمان بطيخ(5): إن الجهاد في سورية ليس جهاداً وإنما هو استغلال للشباب والتغرير بهم بالنظر لظروفهم المعيشية الصعبة مشيراً إلى أن الجهاد نوعان جهاد لمقاومة المحتل وجهاد النفس وهو الجهاد الأكبر حسب وصفه. وأشار خلال اللقاء الدوري لخلية الإعلام والاتصال الملتئم يوم الجمعة 19 نيسان 2013 بقصر الحكومة إلى أن السوريين مسلمون والمسلم لا يجاهد ضد المسلم داعياً إلى ضرورة توعية هؤلاء الشباب بكافة الوسائل بما في ذلك الإعلام للقضاء نهائياً على هذه الظاهرة التي قال أنها تسببت في الإحراج حتى للسوريين أنفسهم.
وأعرب مفتي الجمهورية في ذات السياق عن استغرابه مما أسموه "جهاد النكاح "قائلاً في هذا الصدد:" هذا فساد أخلاقي وتربوى وهو بغاء"، مشيراً إلى أن هناك 16 بنتاً تم التغرير بهن وإرسالهن إلى سورية والأصل في الأشياء أن البنت التونسية واعية عفيفة تحافظ على شرفها وتجاهد النفس لكسب العلم والمعرفة على حد تعبيره.
وبعد أن لاحظ أن البلاد التي يصح فيها الجهاد على سبيل المثل هي فلسطين قائلاً في هذا الشأن إن الجهاد في فلسطين"لا يتم بالضرورة بالتنقل إلى الأراضي الفلسطينية وإنما عبر نصرتها والوقوف معها"، حسب رأيه. واعتبر في ردّه على سؤال حول الزواج العرفي أن الزواج العرفي باطل وأن الزواج في تونس لا يصح إلا بعقد مدني وفق ما نصت عليه أحكام مجلة الأحوال الشخصية باعتبارها القانون المتعارف عليه بيننا حسب قوله. وعلى صعيد آخر أعرب عن أسفه لما يحدث اليوم في جامع الزيتونة المعمور من خلافات وانشقاقات قائلاً إن هذا المعلم الديني المصنف تاريخياً قبل جامع الأزهر بالقاهرة كان دوماً منارة للعلم والمعرفة.
وأوضح المفتي أن جامع الزيتونة لم يعد ملائماً للتدريس منذ سنة 1958 بالنظر إلى أن الأخذ بناصية العلوم الحديثة كالفيزياء والكيمياء وغيرها يتطلب فضاءات ملائمة وتوفر معدات معينة. وكان الشيخ عثمان البطيخ قد قدم قبل ذلك بسطة ضافية عن مؤسسة الإفتاء في تونس التي تأسست سنة 1956 بمقتضى أمر رئاسي. واستعرض مهام المفتي الذي يُعَّدُ الحكم الوحيد المؤهل لإصدار الفتاوى. وقد شدّد مفتي الجمهورية التونسية في هذا الشأن على أن مؤسسة الإفتاء حريصة على تطوير أدائها والإجابة عن استفسارات المواطنين والإعلاميين حتى تسهم في القطع مع الفتاوى التي تدخل إلى بيوت التونسيين دون استئذان من الفضائيات الأجنبية.
وطالبت منظمة غير حكومية تونسية، أسستها عائلات شبان تونسيين سافروا إلى سوريا للقتال، السلطات التونسية "بوقف نزف" هجرة التونسيين إلى سوريا تحت مسمى "الجهاد" والكشف عن "العصابات" التي "تغرر" بأبنائهم. وقال رئيس "جمعية إغاثة التونسيين في الخارج" المحامي باديس الكوباكجي إن "الآلاف من التونسيين المغرر بهم يقاتلون اليوم إلى جانب المعارضة في سوريا"، داعياً السلطات إلى "وقف نزف هجرة التونسيين إلى سوريا تحت مسمى الجهاد" و"الكشف عن العصابات المتسترة بالدين التي تغرر بشباب تونس".
وأضاف إن "جمعيات خيرية" هي التي تتولى انتداب "جهاديين" تونسيين وإرسالهم إلى سورية. وأوضح أن هذه الجمعيات "تتلقى تمويلات ضخمة من دول في منطقة البترو/دولار(الخليج العربي) للقيام بالانتدابات في كامل تونس" وأنها "تغير مقراتها باستمرار حتى لا ينكشف أمرها". وتابع إن "أمنيين" عملوا مع نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي "سهلوا سفر تونسيين إلى سوريا".
هوامش:
(1)- نسرين حامدي، تعبئة دينية ومال خليجي وتدريب ليبي .. فتركيا ولبنان، عـن رحلة "الجهاد" التونسي إلى سوريا،صحيفة السفير 18مارس 2013.
(2)- المرجع السابق عينه.
(3)- مها قلالة، في حوار مع الدكتور أحمد المناعي: لا أستبعد تورّط الغنوشي في الحرب ضد سوريا وفي تمويل قطر لشبكات الإرهابيين عن طريقه تونس- افريكان مانجر، تاريخ 3 يونيو/حزيران 2013.
(4)- جهاد النكاح في تونس شبكات تنشط ودولة تتبرأ، صحيفة السفير 13/4/2013.
(5)- مفتي الجمهورية التونسية في اللقاء الإعلامي الدوري: الجهاد في سوريا ليس جهاداً.. والزواج العرفي باطل، صhttp://www.wahdaislamyia.org/issues/139/image/backgrounds/line1.gifحيفة الصباح 20نيسان 

No comments:

Post a Comment