Pages

Thursday, July 04, 2013

Mohamed Bououd: Hollande à Tunis




  • هولاند في تونس اليوم:


فرنسا تحاول استعادة حضور أوشك أن يندثر... وتونس تبحث عن متنفّس جديد

محمد بوعود

وصل اليوم إلى تونس، في زيارة رسمية، الرئيس الفرنسي فرونسوا هولاند، مرفوقا بوفد هام يحوي في صفوفه أكثر من عشرة وزراء وعشرات من رجال الأعمال والمستثمرين من شتى القطاعات.


زيارة هولاند هذه تتنزّل، لا في المجال الاقتصادي فحسب، بل هي زيارة يمكن اعتبارها تاريخية، نظرا للتوقيت الحسّاس الذي تمّت فيه، ونظرا أيضا للملفات التي سيقع تداولها بالدرس، والعالقة بين الطرفين، خاصة منذ انقطاع حبل الودّ نوعا ما بين باريس وحكّام تونس الجُدد، سواء الذين عقبوا الثورة مباشرة، والذين رأوا في موقف وزيرة الداخلية الفرنسية ساعتها، دعما واضحا وجليا للديكتاتورية، أو الحكام الذين جاؤوا عقب انتخابات 23 أكتوبر الفارط، والذين يبدو أن هواهم خليجي/ أمريكي، أكثر منه فرنسي/أوروبي.


فزيارة حاكم الاليزيه، تأتي في ظرفية اقل ما يُقال بخصوصها أن ظرفية محتقنة تونسيا، متذبذبة فرنسيا، وغامضة إقليميا.


فعلى المستوى الوطني، يشكّل التوتّر السياسي الذي يصل إلى حد الاحتقان وبوادر العنف، المحور الأساسي للحياة السياسية التونسية، خاصة في ظل مناقشة الدستور وتمرير قانون تحصين الثورة، وهي المسائل الجوهرية التي يبدو أن باريس تنظر اليها بحذر.

ففرنسا التي كثيرا ما تعاملت مع تونس على أنها من ضمن أهم المواقع في المنظومة الفرنكفونية العالمية الدائرة في فلك باريس، أو بعبارة أخرى هي بالنسبة لها عامود أساسي في "الحوش الخلفي" لفرنسا الثقافة، وفرنسا الحضارة، وفرنسا الطموح الاستعماري الذي لا يستطيع أن يختبئ طويلا، حتى وان زُيّن بالشعارات الرنانة، كحقوق الانسان والحريات والنموذج المجتمعي والحداثة والمدنية والمبادئ الكونية وغيرها، والتي تتبناها نخبة لا بأس بها من طليعة المجتمع التونسي، لكنها بلا شكّ تتعارض كلّيا مع توجهات الحُكّام الجُدد، رغم أن أغلبيتهم الساحقة لم تجد الحماية الا في فرنسا سنوات الجمر.

ولعل في تفاصيل زيارة السيد هولاند نفسه، ما يوحي بأن الحضور الفرنسي اليوم إلى تونس ليس لمجرّد النزهة أو زيارات الصداقة، فالرجل يحمل في جُعبته الكثير من الملفات، لعل على رأس أولوياتها الشأن الاقتصادي المتعثّر في كلا البلدين، سواء بسبب الكساد والأزمة الاقتصادية العالمية بالنسبة لباريس، أو بسبب التخبّط وعدم وضوح الرؤية والعنف بالنسبة لتونس.


والاقتصاد، الذي يحتل صدارة الاهتمام في جدول الزيارة لا يقل أهمية عن باقي الشواغل التي جاء الرئيس الفرنسي ليطرحها في بلادنا، وبالتأكيد فهو يبحث عن حلول لها، وليس لمجرّد الطرح.


فما تعرفه العلاقة بين البلدين من فتور، حتى وان كان غير ظاهر للعيان، هو نتاج تراكمات عدّة، قد يضيق المجال لحصرها، لكنها بالتأكيد متأتية من احتراز باريس على كثير من السياسات الحكومية الحالية في تونس، مقابل جفاء من نهضاوي تجاه باريس، وتولية وجه نحو قبلة أخرى، ومحاولة الاستغناء عن الحليف التقليدي لتونس، الذي ترى حركة النهضة أنه يعطي بشروط، لعل أهمها الشعارات التي لا تتوافق مع منهجها السياسي والإيديولوجي، في حين أن عواصم الوجهة الجديدة كالدوحة والرياض وواشنطن، لا تشترط مثل هذه الشعارات، بقدر ما يهمّها فقط الولاء، وبقدر ما هي مُنفقة أكثر للأموال، مقابل تقتير من باريس التي تعاني بدورها من أزمة اقتصادية حادة، نتيجة الوضع العالمي بصفة عامة، ونتيجة خروجها بخفّي حنين أيضا من ثورات الربيع العربي ومن غزو العراق وافغانستان وحتى من بعض إفريقيا أيضا.


وهذه الشعارات التي تحرص باريس ان تراها سائدة في الدول الحليفة والصديقة لها، يحاول اليوم فروسوا هولاند، خلال هذه الزيارة بالذات، الضغط من أجل التزام الطرف التونسي بها، خاصة وأن كثيرا من النخب التونسية، بما فيها جزء من ترويكا الحُكم، قد عبّرت لباريس في عديد المرّات عن امتعاضها ممّا يجري انجازه داخل المنظومة الدستورية والقانونية في تونس اليوم، من محاولات للأسلمة، واتجاه نحو شمولية جديدة، قد تكون باسم الدين هذه المرة.


ولعلّ في الخطوات التي ينوي السيد هولاند انجازها خلال زيارته، خير دليل على أن باريس لا تأتي إلى تونس مستجدية، أو طامعة في أسواق للاستثمار، بقدر ما تأتي بإشارات واضحة لا تقبل التاويل، مفادها أنها معنية بالمستقبل السياسي والدستوري وبالمنظومة القانونية التي تخطّها تونس في هذه المرحلة الانتقالية أكثر من أي شيء آخر.


فجلب السيدة سهير بلحسن، ضمن الوفد الرسمي للرئيس فرونسوا هولاند، رغم أنها بحكم المتعاقدة كإطار في وزارة الخارجية الفرنسية، لا معنى له إلا أن ساكن الاليزيه يبعث بإشارة قوية إلى أولي الأمر في قرطاج والقصبة وباردو، مفادها أنه معنيّ بحقوق الإنسان والحريات في تونس، وأن التي دعت ذات يوم إلى وجوب التدخّل الفرنسي لحماية الحريات في تونس، ليست نكرة، بل إنها تتنزّل ضمن الطاقم الرسمي للدبلوماسية الخارجية الفرنسية، وبالتالي فصرختها أو طلبها ذاك، وجد آذانا صاغية، وتتبنّاه فرنسا على أعلى مستوى.


أما الإشارة الثانية، فهي بلا شكّ اعتزامه زيارة قبر الشهيد فرحات حشاد، لا لشعور بالذنب ربما أو لتأنيب من ضمير على قتله من قبل الدولة الفرنسية ذات يوم، بل هي رسالة واضحة لا لُبس فيها بأن فرنسا تعتبر اتحاد الشغل شريكا فعليا في صنع القرار في تونس، وتعترف به وبتاريخه وعراقته وتأثيره وقدرة قيادته على إدارة الملفات السياسية والاجتماعية على نفس الدرجة من الكفاءة والمسؤولية، بما يُعتبر تسديد ضربة قوية إلى كل القوى التي تشكّك في هذا الهيكل، وتحاول تشويه هذه المنظمة العريقة، التي تقرأ حتى فرنسا لها ألف حساب.


كما سيحاول الرئيس الفرنسي بلا شكّ تمرير رسائل باريس من خلال الكلمة التي سيلقيها من على منبر المجلس الوطني التأسيسي اليوم الجمعة، والتي خصّص لها السيد مصطفى بن جعفر جلسة عامة استثنائية ممتازة، وقد تقول إشاراته ما لا تفصح عنه عباراته، وقد يفصح أيضا، عن مخاوف فرنسا الرسمية من بعض ما تسمّيه النخبة بالمطبّات في ثنايا الدستور، والتي تُشتم منها رائحة التراجع عن المبادئ الكونية لحقوق الإنسان وحرية الضمير وحرية المعتقد والدين الرسمي للدولة وغيرها من المسائل المتعلقة بالمرأة والإعلام والتعبير والتنظم وما إلى ذلك مما قد لا يعجب باريس، وقد يجعلها غير راضية عن مسودة الدستور، وبما قد يؤثّر حتما على القادم من النقاشات.


إضافة إلى ذلك فان السيد فرونسوا هولاند سوف يجري محادثات على أعلى مستوى مع الرؤساء الثلاثة، وسيتباحث بلا شكّ في عديد مجالات التعاون التي تهمّ العلاقة بين البلدين، لكنه في المقابل أيضا، من المرجّح أن لا يكتفي بمقابلة رؤوس الترويكا الحاكمة فقط، بل سوف يقابل عددا من الشخصيات الوطنية والأمناء العامين للأحزاب السياسية، ورؤساء الكتل البرلمانية، والأمناء العامين للمنظمات المهنية وقد يلتقي الأخ الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، بما سيوفّر أرضية تجعل من زيارة السيد فرونسوا هولاند، زيارة شاملة يطّلع من خلالها على مختلف وجهات النظر التي تموج بها الساحة التونسية في هذه الفترة الانتقالية، التي ترى باريس أن من واجبها، ربما بحكم رابط أخلاقي واقتصادي وتاريخي، أنها معنيّة بدرجة أولى بالمساعدة على إنجاحها.


وهو أمر لطالما أرّق عاصمة الأنوار، وجعل الخشية من فقدان حليف موثوق مثل تونس، تطغى على الدبلوماسية الفرنسية، التي لا يخفى على أحد عدم توافقها مع حُكّام تونس الحاليين، في عديد النقاط، لكنها صبرت وصابرت، إلى تمكنت من الإعداد لهذه الزيارة التي سبقتها بعشرة أيام، زيارة مماثلة أداها السيد فرونسوا هولاند إلى الدّوحة، اختتمت باعتزال، الراعي الرسمي لثورات الربيع العربي، الشيخ خليفة بن حمد، وتسلمي السلطة إلى ابنه الأمير تميم.


والسيد هولاند، يأتي اليوم وهو على دراية تامة بالمتغيرات الدولية، ومطّلع جيّدا على ما يجري تخطيطه للمنطقة، ويحمل رؤية شاملة عن مستقبل الربيع العربي وبالخصوص مستقبل حركات الإسلام السياسي، لذلك فالاعتقاد الأقرب إلى الصواب هو أن رئيس فرنسا سوف يتحدّث من منطلق القوي القادم للبحث عن حلول ترضي فرنسا، وليس من موقع القادم لترضية الآخرين.


من جانبها تسعى سلطة الحكم في تونس إلى تجنّب عديد الملفات الحارقة، والتي لا تريد بلا شكّ أن يتطرّق إليها الزائر الكبير، خاصة ما يتعلق بالدستور، الذي قد يسبّب أي تدخّل فيه لفرونسوا هولاند، إحراجا كبيرا لحركة النهضة أمام قواعدها وحلفائها، إضافة إلى مسائل لا يعرفها التونسيون لكنها تسبّب قلقا للاوساط الرسمية الفرنسية، سواء لناحية الشباب التونسي المتورّط في القتال في مالي، أو أولئك الذين هاجموا موقع عين آميناس النفطي الجزائري، والذي قُتل فيه سبعة فرنسيين، في حين أن المهاجمين أغلبهم تونسيون والباقي أفارقة لكنهم خرجوا من تونس، حسب تقرير ختم البحث الذي أعدته الاستخبارات العسكرية الجزائرية وأمدّت السلطات الفرنسية بنسخة منه.


كما ان الوضع غير المستقرّ على الحدود مع الجزائر، والمنفلت في أغلب الأحيان على الحدود الجنوبية الشرقية لتونس، وما يوفّره ذلك من إمكانيات لتحرّك جماعات القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وغيرها من الجماعات المتشدّدة التي تتحرّك في الصحراء لقتال الجيش الفرنسي في شمال مالي، وزعزعة استقرار حلفاء فرنسا في الساحل الإفريقي كمالي وموريتانيا والنيجر والتشاد.


كل هذه الملفات التي يحملها فرونسوا هولاند في جُعبته، والتي يبحث لها عن حلول، ويمرّر من خلالها رسائل واضحة وصريحة، سوف تجعل بلا شك حكومة الترويكا وعلى رأسها حركة النهضة، تراجع حساباتها، وتحاول أن تختار بين حليف تقليدي جاء يمدّ يده ويبحث عن تجديد ودّ قديم، وبين عواصم غير مضمونة، أنفقت في البدء بكرم البداوة، لكنها بدأت تنكفئ على نفسها، وخيّم فوقها ضباب القصور التي بدأ البوم ينعق في ردهاتها.


الحكومة التونسية سوف تجد نفسها مُجبرة بلا شكّ على إعطاء السيد هولاند عديد الاجابات، وقد تذهب حدّ تقديم تنازلات أيضا، وان كان طعمها لن يكون مستساغا، لكن البحث عن منافذ للتمويل، ومجالات للانفتاح وأسواق للاستثمار، وبخاصة البحث عن سند قويّ وثابت في عالم متغيّر ومضطرب، كلها سوف تدفع الحُكم في تونس إلى التماهي مع زيارة هولاند ايجابيا، لأنها ليست زيارة عادية، بقدر ما هي زيارة تاريخية، سوف يكون لها ما بعدها دون أدنى شكّ.

No comments:

Post a Comment