Pages

Friday, September 14, 2012

أصوات من المغرب العربي

 
أصوات من المغرب العربي 12/09/2012
د. حياة الحويك عطية




فيما ينعقد مؤتمر الحركة الناصرية في تونس، إحياء لفكرة العروبة على أرضية الوحدة والصراع ضد الاحتلال الصهيوني، وما يرافقهما من قيم اجتماعية واقتصادية، يصدر عن العاصمة التونسية أيضا بيان الناطق الرسمي لحزب البعث بعنوان: التطبيع خيانة وليس وجهة نظر، ويعمم موقع المقاومة الذي يديره الناشط التونسي أحمد المناعي بيانا يستنكر طرد الفضائيات السورية عن عربسات.
في صحيفة الخليج مقال للمفكر المغربي عبد الاله بلقزيز بعنوان: " تصاب الأمة بمصاب مسيحييها". يحلل فيه هذا المفكر القومي افتعال الفتنة بين مسيحيي المشرق ومسلميه في قراءة تاريخية سريعة ووافية، تبدأ من التذكير بأن مواقف قادة الطوائف المسيحية في لبنان وسورية ومصر إنما هي نتيجة تاريخ المسيحية العربية، فهؤلاء – كما يقول الكاتب – " هم حفدة المسيحيين الأول الذين استقبلوا الفاتحين العرب، وفتحوا لهم ديار الشام ومصر لتخليصهم من الحكم البيزنطي، وحاربوا في جيوشهم لرد الغزوة الصليبية المقبلة من الخارج، وهم حفدة المسيحيين العرب النهضويين، في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، الذين كتبوا تاريخ الثقافة العربية (البستاني، فرح أنطون . .) وتاريخ الإسلام ومدنيته (جرجي زيدان)، وطوروا اللسان والآداب العربية (فارس الشدياق، أديب إسحق، جبران، أبوماضي، ميخائيل نعيمة . .)، وهم حفدة القوميين العرب الأول، الذين أبدعوا - بشكل خلاق - الفكرة العربية في مواجهة الرابطة العثمانية، ثم إنهم صناع فكرة الجماعة الوطنية منذ عقود."
المهم في هذا الموقف انه ليس موقفا سياسيا بقدر ما هو وعي وخيار تاريخي - قومي ، لا يجامل المسيحيين اذ يكمل الصورة بالتذكير ان ما لحق من الظلم بالمسيحيين ، خاصة في فلسطين والعراق ، لم يكن إلا نتيجة التدخل الأجنبي، من الغزو الصليبي الى الاحتلالين الأمريكي والصهيوني. كذلك يذكر بان التطرف الديني المسلح، الذي عمل على التدمير والتهجير لم يكن حكرا على المسلمين، " وإلا فماذا نسمي المليشيات المسيحية في لبنان التي أعملت قتلاً في الفلسطينيين وفي اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين"؟ يتساءل الكاتب، ليخلص إلى طرح هو الأهم : لا يجوز ان تكون قضية العرب المسيحيين قضية مسيحية ، وإنما هي قضية قومية يضطلع بها جميع الوطنيين الواعين.
نقول ان هذه الفكرة هي الأهم لانه بدونها تعود المسألة الى مرحلة الحماية الأجنبية التي جرّها علينا الاستعمار العثماني المحتضر، في القرن التاسع عشر ، فجرّت علينا، بدورها، تدخل الدول الأوروبية في كل شؤوننا الداخلية ، منذ معاهدة الامتيازات الأجنبية، التي لم تكن إلا امتيازات تجارية لاوروبا تحت غطاء حماية الأقليات، وحتى معاهدة سايكس بيكو، وأخيرا الحروب الأهلية المعاصرة .
وإذ نعيش اليوم مرحلة بحث القوى الأجنبية عن امتيازات اقتصادية – سياسية في بلادنا ، فان الغرب قد ضم إلى علاقته بالأقليات لدفعها نحو الأصولية الانعزالية، علاقة جديدة بالغالبية المسلمة، لدفع من يتوفر منها نحو الأصولية التكفيرية الدموية ، وليذهب الجميع ضحية التجهيل المحور والمشوه والموظف للدين ، بدعم تحالف الظلاميات والأطماع.
قد تبدو هذه الأزمة في جوهرها أزمة مشرقية، ولكن حقيقة المؤامرة ضد العالم العربي تجعلها بروفة لازمات اخرى يمكن افتعالها في كل أصقاع العرب على أسس اخرى اثنية أو مذهبية . والاول هو حصة المغرب العربي منها ، خاصة بين عربه وبربره ، عندما لا تصبح العروبة هوية حضارية قومية بالمعنى الاجتماعي الحديث للقومية القائمة على المواطنة ، وإنما هوية عرقية مفتعلة.
بذا لا يكون هناك حل لكل ما يتهددنا من تفتيت، إلا بهذه الصيغة الأولى للقومية ، ويكون ارتفاع أصوات مغاربية ، بهذا الوعي وهذا الإصرار ، أمرا بالغ الأهمية في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخنا.
فكم راهن الأعداء على أن الثورة التونسية ستخرج تونس من اطارها العربي، ومن موقعها داخل معسكر المواجهة مع العدو الصهيوني، وستحكمها باسلام امريكي لا تحفظ لديه على ايباك ولا على إسرائيل. وها نحن نسمع من تونس اصواتا لا نسمعها من المشرق .
وكم يراهن الأعداء على ان احادية الدين ، وحتى المذهب في المغرب العربي ستجعله بعيدا عن فهم تعقيدات التعددية المشرقية ، وها نحن نسمع اصواتا اكثر وعيا وعقلانية من الكثير مما نسمعه في المشرق، رغم ان صدورها عندنا أمر تفرضه تلقائية الحياة بينما تحتاج هناك الى العقل والقلب معا.
تحية لهم أصدقائي المناضلين: احمد المناعي، فتحي بلحاج ، حبيب الكراي وعبد الاله بلقزيز. ولكل من معهم على الطريق.

No comments:

Post a Comment