د. حياة الحويك عطية
اوروبا الفقيرة من اين ستاكل؟
منطقيا
لن يعنينا الفقر في اوروبا الا بقدر ما عنى اوروبا الفقر لدينا ، اما واقعيا فان
ما كشف عنه مؤخرا من مستويات الفقر المتوقعة في القارة العجوز يمكن ان يثير قلق
دول الشرق الاوسط والغنية منها بشكل خاص . لماذا ؟ لان اوروبا قد عودتنا منذ فجر
التاريخ ان تحاول ملء جيبها من خزائننا ولو بالقوة العسكرية. وقد تكون اكثر خبثا وذكاء
في تحقيق ذلك من حليفتها الولايات المتحدة الاميركية.
وكالة
الاحاصاءت الاوروبية يوروستات ، نشرت هذا الاسبوع ارقاما تقول ان ربع سكان القارة
الاوروبية (4و24) سيكونون مهددين بالفقر عام 2011 مقارنة ب 4و23 لعام 2010 ، مما
يترجم تفصيلا بنقص الغذاء ونقص الماوى وعدم التمكن من دفع فواتيره للانارة
والتدفئة والخدمة المنزلية، ان وجد. والملاحظ ان الزيادة بنسبة واحد في المئة خلال
عام واحد هي مؤشر على ارتفاع هذه النسبة خلال الاعوام القادمة اذا لم تحل الازمة
الاقتصادية التي تعاني منها القارة.
واذا كانت هذه النسب تتركز في دول اوروبا
الشرقية ، فانها لا توفر اوروبا الغربية ودول غربي المتوسط. مما
جعل الجدل القائم حول ميزانية الاتحاد لمرحلة 2014 -2020 يدور حول المساعدات
الغذائية وما اذا كانت ستقرر في اطار اوروبي ام انه سيترك لكل دولة ان تتخذ قرارها
بشانها على حدة.
غير ان ثمة قرار اخر هو ما يجب ان يقلقنا
في هذه المنطقة من العالم ، الا وهو القرار السياسي – الاقتصادي- العسكري ، المتعلق
بالدول العربية الثرية او التي تقف على عتبة الثراء. واذ نقول على عتبة الثراء
فانما نعني دول المتوسط العربي التي تقف على عتبة نادي الطاقة عبر اكتشاف الغاز
الغني على شواطئها ، بحيث ان بعضها باشر عمليات التنقيب ، كلبنان، وبعضها الاخر يتهيأ
له متى ازيلت المعوقات ، كسوريا وفلسطين ،على شاطئ غزة ، لان غاز الجزء الاخر من
فلسطين هو بيد اسرائيل وقد باشرت استخراجه.
وهنا اذكر انني فوجئت عندما زرت المجموعة
الاوروبية في بروكسل للمرة الاولى بان العراق ملحق بدائرة دول الخليج ، لا بدائرة
الدول العربية ، وعندما سالت المسئول عن الدائرة اسر لي بان السبب الاساسي هو
النفط، رغم ان التبرير المعلن هو البعد الجغرافي. اذن هو تصنيف بين غني وفقير. ومن
هنا فان دول بلاد الشام، مرشحة لان تصبح دول انتاج طاقة ، وبالتالي دولا غنية ،
وكما كانت العين على ثروة الخليج العربي، فان العين لن تبتعد عن ثروة المتوسط.
توثب جشع تجلى اولا في المسالة الليبية ،
حيث لم تتدخل اوروبا لتخليص ليبيا من ديكتاتور ظلامي ، بل انها تدخلت وعينها
وقلبها على مليارات القذافي ومخزون النفط والغاز ، واشترطت على المجلس الانتقالي
توقيع الاتفاقيات المتعلقة بذلك قبل المبادرة الى اية خطوة على طريق التدخل.
والان ، لا يمكن لأي تحليل للمسالة السورية
او لما يجري في غزة ( خاصة العلاقة مع قطر) وفي مصر وفي لبنان إلا بالعودة الى
خريطة الغاز والخطط المستقبلية المتعلقة به، وصراع الدول والشركات عليه. كما لا
يمكن ان تفهم القضية الايرانية ، والعلاقة التركية- الروسية الا في هذا الاطار .
اذن ، كان لنا في المشرق العربي عموما ،
وفي بلاد الشام خصوصا ، من موقعنا لعنة تاريخية- جغرافية جعلتنا على مدى التاريخ
هدفا لكل حروب الاستعمار ، وستضاف الى هذه اللعنة لعنة اخرى جديدة هي لعنة
الجيولوجيا ، لعنة ما في باطن ارضنا وبحرنا ، خاصة وان القارة التي تقابلنا على
الضفة الاخرى لهذا البحر قارة مهددة بالجوع ، قارة تاريخها هو الاستعمار ونهب
الشعوب ، قارة لا تعتبر ثقافتها اننا بشر يستحقون الحياة الكريمة منذ اطلق علينا
ارسطو اسم البرابرة وقال عنا فلاسفة الورمان اننا نلتقط الطعام من الارض بأفواهنا
كما الحيوانات. مع فارق جديد، هو ان اوروبا الاستعمار القديم كانت تأتي الينا
بجيوشها ، لكنها هذه المرة اكتشفت اسلوبا جديدا اقل كلفة وأسرع تدميرا ، إلا وهو
قتل بعضنا بيد البعض الاخر ، وتمويل هذا القتل من المال العربي .
No comments:
Post a Comment