صقور النهضة في مواجهة الحمائم ضمن معركة مفتوحة
جمهورية الغنوشي على حافة الانهيار
آسيا شلابي / قادة بن عمار / عبد السلام سكية / مصطفى صالحي / ناصر
2013/02/11
(آخر تحديث: 2013/02/11 على 21:20)
زعيم السلفية يأمر 12 ألف جهادي بالدخول إلى تونس
تواجه حركة
النهضة التونسية أخطر تحديا منذ تأسيسها، وهي التي صمدت أمام كل الهزات
والمطاردات في عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورڤيبة ثم في عهد الرئيس
الهارب زين العابدين بن علي، غير أن هذه الحركة التي عرفت كيف تحافظ على
نفسها خلال سنوات المحنة تبدو الآن أقل صمودا أمام تحديات الحكم ومغريات
المناصب، إذ بدأت تتصدع مع أول امتحان لها، وأصبح الشرخ واضحا بين ما يطلق
عليه بحمائم الحركة وهم الذين كانوا في سجون بن علي، وبين صقورها الذين
عادوا من المنفى بخطاب أكثر راديكالية.
.
النهضة بين وصاية زعامات "الخارج" وطموح قيادات "الداخل"
الغنوشي سيعزل الجبالي.. وعبد اللطيف المكي أقوى المرشحين لخلافته
مصادر لـ"الشروق": "الغنوشي كان يرى في الجبالي رئيسا لتونس"
كشفت مصادر مطلعة داخل النهضة التونسية لـ"الشروق" أن انشقاقا كبيرا حدث داخل الحركة منذ إعلان رئيس الحكومة حمادي الجبالي عن مبادرة حكومة تكنوقراط دون الرجوع إلى حزبه. وأشارت مصادرنا إلى أن الحركة تعقد اجتماعات ماراطونية في محاولة لتفادي الانقسام.
زاد التوتر بين القيادات الجامعية الشابة أو قيادات "الداخل" جناح الدولة المدنية والمصالحة الوطنية، وجناح "الخارج" ممثلا في الغنوشي ورفقائه. حيث يعيب الأول على الثاني حرصه على مركز الهيمنة أكثر من حرصه على تجنيب تونس النفق المظلم الذي قد يكرر على أرضها تجربة جزائرية إرهاصاتها الاغتيالات السياسية. وأكدت مصادرنا أن راشد الغنوشي جاهر بنيته عزل حمادي الجبالي وتركه يكمل المبادرة أي حكومة تكنوقراط ثم عرقلة المشروع باستغلال نسبة الأغلبية التي تملكها حركة النهضة، وبالتالي، فإن الجبالي قانونا "لا يمكنه التقدم في أي خطوة إلا إذا قدم استقالته وحكومته". وأفادت نفس المصادر أن الغنوشي رأى في الجبالي الشروط المطلوبة في "رجل تونس" جغرافيا وسياسيا وفكريا، فهو ابن مدينة "سوسة" مسقط رأس حاكمي تونس السابقين وأيضا صاحب فكر اقتصادي ليبيرالي، إضافة إلى انتمائه إلى التيار الإسلامي، وبالتالي، يتوفر على جميع صفات مرشح الإجماع والتوافق مع الأحزاب الأخرى. إلا أن خرجة الجبالي "التي لا تغتفر" ستسرع بعزله وتحيل الحركة إلى تحضير شخصيات أخرى يعول عليها في المرحلة القادمة.
وهنا، أشارت مصادرنا إلى أن قيادات الحركة بدأت تفكر في قائمة من إطارات الحركة، والكفة لحد الآن تميل إلى كل من علي العريض وزير الداخلية الحالي، وعبد اللطيف المكي وزير الصحة. وفي نفس السياق، ذهبت صحيفة "البيان" الإماراتية إلى التأكيد على نية حمادي الجبالي تأسيس حزب جديد بعيدا عن حزب النهضة "المتشدد" وأن قيادات من داخل الائتلاف الحاكم وصفت قراراته بأنها "انقلاب على الترويكا"، حيث قلب الطاولة على الجميع، وأعاد خلط الأوراق بشكل مفاجئ، كما أنه وضع مستقبله السياسي مع حركة النهضة في الميزان، وسيكون عليه تقديم استقالته إلى رئيس الحكومة". وأضافت المصادر أن الجبالي "معرّض حاليا لعزله وسحب الثقة من حكومته، وتكليف شخصية أخرى من حركة النهضة بتشكيل حكومة جديدة"، وهو ما يراه المراقبون أقرب إلى الواقع، لكن هذه الفرضية قد تصطدم بالعجز عن تحقيق تزكية لها داخل المجلس الوطني التأسيسي في ظل الانشقاقات الحاصلة في حزبي "التكتّل" و"المؤتمر" والتي يمكن أن تحصل داخل الحركة إذا أبدى نوّاب نهضويون انحيازهم لمواقف الجبالي. وقالت المصادر ذاتها إن رئيس الحكومة التونسية "تعرّض خلال الأشهر الماضية إلى ضغوط من قبل جناح الصقور في الحركة ومن محاولة محاصرته وتوجيه قراراته السياسية عقائديا، وبما قد يؤثّر على مصلحة البلاد، وأنه رفض ذلك بقوّة، وفي أكثر من مناسبة خيّر الانسحاب من اجتماعات مجلس الشورى والمكتب السياسي للحركة بعد تعرّضه لانتقادات حادة حول ما يعتبره جناح الصقور تغاضيا منه عن مصالح الحركة ومشروعها الأيديولوجي وأهدافها الاستراتيجية، إلى جانب رفضه لقانون العزل السياسي".
.
.
عسكر متربصون.. معارضة شرسة وسلفيون ينتظرون
النهضة في تونس تمارس... "العشق الممنوع"
تتشابك النهضة في علاقاتها المتعددة مع مختلف فعاليات الحراك السياسي في تونس، فكانت وراء انشاء فكرة "الترويكا" بحثا عن تمديد ربيع الهدنة واقتسام السلطة مع بقية الأحزاب السياسية، ناهيك على أنها فرضت نوعا من الهدوء الاستراتيجي في علاقتها مع العسكر، وكان الإعلام هو الطرف الأكثر مدعاة للتوتر مع الاسلاميين الوافدين إلى السلطة في زمن الربيع العربي. العسكر... ودّ مشروط!
أكد العسكر مرارا وتكرارا في تونس ما بعد ثورة الياسمين أنهم سيبقون بعيدا تماما عن ممارسة السياسة أو التأثير فيها، فكان الجنرال رشيد عمار الذي تم تقديمه باعتباره أحد أبرز الوجوه التي عجّلت بإنهاء حكم الجنرال بن علي، بمثابة الإعلان الجديد للعلاقة ما بين اسلاميي النهضة والعسكر. وقد أكد الجيش أنه سيترك مسافة واحدة بينه وبين مختلف الفعاليات السياسية بما في ذلك الاسلاميين، سواء كانوا من النهضة أو التيار السلفي، علما أن العسكر، استعادوا مكانتهم التي سيطر عليها البوليس السياسي في مرحلة بن علي، فظهر الأمر على أنه تصالح ما بين الجيش والشعب، وذلك، لأن الأول لم يكن متهما بالمشاركة في الاستبداد أو قتل الثوار خلال المواجهات التي أطاحت ببن علي وحكمه.
الترويكا... بذور الفتنة من الداخل!
بحثت النهضة منذ تولي السلطة عن هدنة سياسية مع بقية الأحزاب، وتحديدا تلك التي اقتسمت معها السلطة، فطلب الحزب الذي له أكثر مقاعد في المجلس التأسيسي، من المؤتمر من أجل الديمقراطية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والحزب الديمقراطي التقدمي بالانضمام لتشكيل ائتلاف حاكم بقيادة مرشحها لرئاسة الحكومة السيد حمادي الجبالي. ولكن رفض الحزب الديمقراطي التقدمي المشاركة، في حين قبل كل من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي هذا المشروع مع حركة النهضة، بعد أن تم توقيع الإتفاق وقبوله، تم إنتخاب مصطفى بن جعفر رئيسا للمجلس الوطني التأسيسي التونسي والمنصف المرزوقي رئيسا للجمهورية التونسية وحمادي الجبالي رئيسا للحكومة التونسية.
بعد تشكل هذا الإئتلاف أصبحت الترويكا تمثل 91.53٪ في المجلس الوطني التأسيسي.
وكذلك لها رئيس المجلس الوطني التأسيسي من التكتل والنائب الأول له من النهضة والنائب الثاني له من المؤتمر، لكن الترويكا ظلت تحمل في تأسيسها بذور الفناء، للدرجة التي اهتزت بسببها مع أول اغتيال سياسي حصل، وراح ضحيته شكري بلعيد من المعارضة، فانسحب من انسحب، ولجأت النهضة لسيناريو حكومة الكفاءات لعل وعسى تنقذ ما خربته الترويكا!
السلفيون... مع وضد!
يمكن القول أن علاقة النهضة بالسلفيين، تقسم إلى مرحلتين، ما قبل الفيديو الشهير الذي ظهر فيه الغنوشي متحدثا للسلفيين والثانية.. ما بعده!
الفيديو المسرب أظهر على الانترنت راشد الغنوشي وهو يقول في اجتماع نادر مع سلفيين ان العلمانيين يسيطرون على كل مفاصل الدولة بما في ذلك الاقتصاد والجيش والإعلام، داعيا السلفيين إلى التحرك بحرية بعد ان اصبحت المساجد في أيدي الاسلاميين.
وأكد زعيم حركة النهضة في الفيديو على ضرورة أن يتحلى السلفيون في تونس بالصبر وألا يفرطوا في المكاسب التي حصلوا عليها بعد الثورة. وقال مخاطبا الشباب السلفي في هذا الاجتماع: "الآن ليس لنا جامع.. الآن عندنا وزارة الشؤون الدينية.. اقول للشباب السلفي: المساجد بأيدينا.. قدموا فيها ما شئتم من دروس وأطلقوا الإذاعات والتلفزيونات والمدارس"! وأضاف: "على الاسلاميين ان يملأوا البلاد بالجمعيات وأن ينشئوا المدارس القرآنية في كل مكان ويستدعوا الدعاة الدينيين، لأن الناس لازالت جاهلة بالإسلام".
تلك العلاقة لم تستمر "سمنا على عسل" وقتا طويلا، بل ان الخلافات سرعان ما طفت على السطح وتحديدا عقب تورط السلفيين في عملية الاعتداء على السفارات الأجنبية، وتحديدا الأمريكية والفرنسية، حيث كان على النهضة أن تستعمل السلاح ذاته الذي كان يستعمله بن علي ضد خصومه، وهو القمع في الشوارع والاعتقالات والمحاكمات السريعة!
الإعلام... عصي على التجنيد!
ظل الإعلام بمثابة الخصن المنيع ضد كل محاولات النهضة لاجتياحه، حتى أن العاملين في القنوات التلفزيونية العمومية وفي الجرائد التابعة للدولة، امتنعوا عن العمل تحت سلطة القيادات الجديدة التي نصبتها النهضة، وشنوا تمردا لم تنته جميع فصوله بعد.. وفي بحث منها عن شن حرب مضادة، حاولت النهضة انشاء مجموعة من الفضائيات للترويج لخطابها على غرار "القلم" والمتوسط، ولكنها لم تحقق حتى الآن النجاح المطلوب، في مقابل ارتفاع أسهم نسمة والتونسية التي يوجد صاحبها وراء القضبان.
.
.
الغنوشي جمعته علاقات مع كل الرؤساء من بن بلة إلى بوتفليقة
هذا ما قاله بن بلة لسيد احمد غزالي
لم تمر حركة النهضة التونسية بأزمة كالتي تتجرّع من كأسها في الوقت الحالي، لأنها أولا في السلطة، ولأن مقتل المعارض التونسي شكري بلعيد جعلها المتهم رغم أن كل الأدلة تؤكد أنها بعيدة عن موقع الجريمة، حركة النهضة التي جاوز سنها الأربعين، تبدو قادرة على الخروج من أزمتها، وهي كما عوّلت منذ تأسيسها على الجزائر مازالت تعوّل الآن لأجل أن تجتاز أزمة أريد لها بالقوة أن تقع فيها، وجمعت ومازالت كل قيادات حركة النهضة علاقات متميزة مع الجزائر وحتى مع رؤساء الجزائر من مؤسسيها راشد الغنوشي والمنصف بن سالم وعبدالفتاح مورو إلى أشهر الناشطين فيها على مدار أربعين سنة مثل صالح كركر وحبيب المكني ومقداد إسعاد الذي أصبح جزائريا. وإذا كان التونسيون من الديموقراطيين بالخصوص يرون أن التاريخ سيعيد نفسه من خلال تكرار سيناريو ما حدث في الجزائر، بدخول النهضة في علميات التصفية الإرهابية، فإن الغنوشي كان دائما يدين ما يحدث في الجزائر من مجازر، رغم أن تفجيرات سوسة والمنستير التي هزت تونس وأثرت على السياحة فيها بعد أن أصيب عام 1991 قرابة 15 سائحا في المنستير قد ألصقها النظام السابق في حركة النهضة، واعتبرتها توأم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وتم الزج بـ 256 من جماعة النهضة في السجون التونسية عام 1992 وحكم عليهم بالسجن مدى الحياة، تأسست حركة النهضة التونسية عام 1972 وجمعتها علاقات مع قادة إسلاميين جزائريين مثل الراحلين محفوظ نحناح وعبداللطيف سلطاني وحتى عباسي المدني، وتزامن الإعلان عن نفسها حزبا في جوان 1981 مع حكم الشاذلي بن جديد الذي فتح أبواب الجزائر لعلماء الأمة مثل الشيخ الغزالي ويوسف القرضاوي.
ولا ينسى الشيخ الغنوشي أبدا تواجده في الجزائر وترحاب الشاذلي بن جديد به عندما هرب من تونس وحُكم عليه في ثلاث مناسبات بالسجن مدى الحياة، ولكن الضغوطات التي مارسها الرئيس الهارب على الحكومة الجزائرية بقيادة سيد احمد غزالي نسفت أيامه في الجزائر، وهو ما جعل الرئيس الراحل أحمد بن بلة "يلعن" الإستقلال الذي يجعل الجزائر غير حرّة في اتخاذ قرار الترحيب بضيوفها تحت ضغط بن علي، وهاجر بعد ذلك راشد الغنوشي نحو ليبيا والسودان، ولكن أيامه في المنفى العربي لم تزد عن أسبوعين، حيث طالته دائما سهام بن علي ليستقر بعد ذلك في لندن.
في عام 1974 عندما أطلقت حركة النهضة مجلتها الشهيرة "المعرفة" كان يكتب فيها جزائريون مثل عبد اللطيف سلطاني ورشيد بن عيسى وكان لا يخلو عدد من هاته المجلة دون ذكر الجزائر وعلمائها، وكتب مرة السيد راشد الغنوشي عمودا اعترف فيه بأن النهضة أخذت من المنابع الجزائرية الصافية، وذكر الشيخ عبد الحميد بن باديس والمفكر مالك بن نبي.
وتبقى آخر أهم زيارة قادت راشد الغنوشي إلى الخارج هي زيارته للجزائر، حيث التقى بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة والوزير الأول السابق أحمد أويحيى.
.
.
مقداد إسعاد مستشار الشيخ راشد الغنوشي لـ"الشروق":
"هذه هي نصيحة بوتفليقة ولو عملنا بها لتفادينا الأزمة التي نعيشها"
التنمية أداة أساسية لمواجهة التحديات الأمنية
تعتقد أن نظام البرلماني المعتمد في تونس قد نجح؟
التجربة التي عشناها فاشلة، وأحسب انه من أهم سمات الضعف في تونس اليوم اختيارها لنظام حكم هجين، والذي يصعب أن نجد له مثيلا في التجارب السياسية في العالم، في تونس هنالك نظام برلماني من نوع خاص، مع هذا الوضع يصعب معرفة من هو الحاكم الحقيقي.
بعد الثورة تلقينا تحذيرات من التوجه إلى هذا النظام، ونذكر منهم الشيخ يوسف القرضاوي، الذي نصح بعدم الاعتماد على النظام البرلماني، وكذا السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي قال لنا لما زرناه "نحن عرب ولا بد لنا من رئيس، والنظام البرلماني خطير علينا لأن الرئيس يذهب بذهاب البرلمان"، ونحن الآن نعيش دون معرفة أين هو مركز السلطة، هل هو الرئيس منصف المرزوقي، أم رئيس الحكومة حمادي الجبالي، أم رؤساء الأحزاب.
ما موقع الشيخ الغنوشي في دائرة الحكم؟
أحسب ولا أبالغ أن الشيخ راشد الغنوشي، هو الشخصية الأولى في تونس والاكثر نفوذا فيها، ليس هذا فقط وإنما لكاريزمته داخليا وخاريجا، لا ننسى انه انتخب في المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين في المرتبة الثانية، فصوته مسموع محليا ومغاربيا ودوليا، احسب كذلك أن الشيخ و من ورائه حركة النهضة، جنبا انزلاقات كثيرة كالتي وقعت في الجزائر.
هل يمكن أن يكون اغتيال شكري بلعيد بداية لعمل مسلح طويل وعنيف؟
الإرهاب يضرب في الظلام وهو العدو الأول لنا، واخش ما أخشاه أن تنزلق تونس نحو العنف والتصفيات والاغتيالات، المؤسسة الأمنية الآن لها مسؤولية وعبء ثقيل لتعقب ومواجهة العناصر الإرهابية. وما أؤكد عليه أن المؤسسة الأمنية لا يمكن لها التوفيق في مهمتها دون أن تجد مساعدة من الطبقة السياسية والنخب، وهؤلاء يجب عليهم أن يتقبلوا أوزانهم ولا يفكروا في أخذ ما ليس لهم.
أؤكد انه لمواجهة المسائل الأمنية، لا يجب إغفال التنمية المحلية وخاصة في المناطق الحدودية التي تعد أهم اهتماماتي، وأود تبليغ إخواني الجزائريين أن لا يخشوا تكرار فشل الاستثمارات التي عرفوها في الثمانينيات.
.
.
إعلان الجبالي عن حكومة تقنوقراطية أخرج الخلاف إلى العلن
صراع الداخل والخارج والانفراد بالمراجعات.. يرهنان مستقبل حركة النهضة
أخرج الإعلان المفاجئ لرئيس الحكومة التونسية، حمادي الجبالي، عن حكومة تقنوقراطية تتشكل من كفاءات وطنية غير متحزبة، لاحتواء الأزمة السياسية بعد اغتيال المعارض شكري بلعيد، الصراع والخلاف الخفي داخل قيادات حركة النهضة إلى العلن، البعض يرده إلى صراع قديم جديد بين قيادات الداخل التي عانت من السجون، وقيادات الخارج التي صالت وجالت بعيدا عن الملاحقات، وآخرون يردونه إلى اعتماد مراجعات عميقة وجوهرية في فكر الحركة اقتداء بمنهج أردوغان، الذي أثبت نجاحه في تركيا، رغم اختلاف الظروف، ولكن بعيدا عن إجماع داخلي حولها. وما يؤكد هذا الخلاف وحالة التوتر بين الجناحين، ذهاب حمادي الجبالي، أمين عام الحركة، بعيدا في تمسكه بمشروعه، الذي يعني أيضا وزراءه المنتمين الى الحركة ويتولون حقائب سيادية، إلى حد التهديد بالاستقالة في حالة رفضه، وقال إن مصلحة تونس قبل أي مصلحة أخرى، رغم أنه يعلم أن رئيس الحركة راشد الغنوشي، عارض الفكرة بشدة، شأنه شأن رئيس الكتلة البرلمانية في المجلس الوطني التأسيسي صحبي عتيق، الذي قال حينئذ "رفضنا هذا المقترح لأن رئيس الحكومة - وهو أيضا أمين عام حركة النهضة - اتخذ هذا القرار دون استشارة الائتلاف أو حركة النهضة، الحزب الأكثر تمثيلية في البرلمان"، خاصة وأنه تردد أن الجبالي تمسك بموقفه في اجتماع سياسي وصفته بعض المصادر بالعاصف، استمر حتى ساعات الصباح الأولى، ليرد عليه معارضوه بالاحتكام إلى الشارع، وإبطال مفعول رسائل الجنازة المليونية للمعارض شكري بلعيد، بإخراج الآلاف من المساندين للحركة.
حالة الخلاف أو التوتر هذه، اعترف بها قياديون في حركة النهضة، وأكدوا أن العلاقة متوترة بين قياديي الحركة الذين أمضوا سنوات في الخارج، وعلى رأسهم راشد الغنوشي، والمناضلين الّذين أمضوا سنوات في السجون التونسية، وعانوا من الاعتقالات والمطاردات الأمنية خاصة في عهد الرئيس بن علي، وعلى رأسهم رئيس الحكومة حمادي الجبالي، الذي قضي 16 سنة في السجون، وسمير ديلو، وزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية، مشيرين إلى أن سجناء النهضة لم يتمتعوا بحقوقهم ولم يعترف لهم بالجميل إلى اليوم، مقابل ذلك حازت قيادات الخارج على امتيازات وعادت إلى تونس بعد الثورة، ووظّفوا زوجاتهم وأبناءهم وأفراد عائلاتهم، ما ترك نوعا من الحساسية بين الجناحين.
ولم يتأخر المتابعون في إسقاط هذا الخلاف على وقائع أشغال المؤتمر التاسع للحركة، سواء في الكواليس أو في النتائج، حيث فاز القيادي عبد اللطيف المكي، السجين السياسي، وأمين عام السابق للاتحاد العام التونسي للطلبة بـ450 صوت في المنافسة على رئاسة المؤتمر، بينما لم يحصل لطفي زيتون، القادم من لندن، مستشار رئيس الحكومة للشؤون السياسية، إلا على 17 صوتا.
يضاف الى هذا الاعتبار الحاسم، أن التغيير داخل الحركة بعد دخولها المعترك السياسي من أجل حصولها على الاعتماد كحزب سياسي والوصول الى الحكم، لم يقتصر على تغيير الاسم من حركة الاتجاه الإسلامي إلى حركة النهضة أواخر الثمانينيات، بل امتد إلى اعتماد مراجعات فكرية وسياسية عميقة، من قبل القيادة بالخارج من أجل التكيّف مع الواقع والمعاصرة، في حين بقيت قواعد الحركة في الداخل متمسكة بفكر الاتجاه الإسلامي، وبعد إدراك قيادة الحركة هذا التباين في القناعات ومخاطره، شرعت في تسريب المراجعات تدريجيا والكشف عنها حال طرح المسائل.
وكان أبرز المراجعات التي كادت تعصف بوحدة الصفوف، تراجع الحركة عن مبدأ اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسيّ للدستور الجديد، وهو موقف عارضه القياديان الحبيب اللوز والصادق شورو، ما كشف عن وجود تباين واضح بين موقفين، معتدل يقوده الغنوشي، يعتمد منطق التدرج في تطبيق الشريعة، وآخر محافظ يقوده الصادق شورو، الذي انتخب على رأس مجلس الشورى بحصوله على 731 صوت في المؤتمر التاسع من بين 1200 صوت في المجموع، والصبحي عتيق، رئيس الكتلة البرلمانية في المجلس التأسيسي وآخرون.
وذهب البعض إلى حد اتهام قيادات الخارج بإخراج الحركة من تونس إلى العمل في الخارج، بعد مؤتمر 1992 المنعقد بباريس، وتثبيت قيادة الخارج، وتقرر فيه منح رئاسة الحركة من جديد للشيخ راشد الغنوشي، واعتبر محللون أن "ما يراه البعض ازدواجية في خطاب حركة النهضة والتجاذب، إنما يعكس صراعات داخل هذه الحركة، يسميها البعض صراع أجيال، بين الشيوخ المناضلين المؤسسين للحركة، وبين الجيل الجديد الذي التحق بها مؤخرا، وصراعا آخر بين جناحين، الجناح المتشدد والجناح المعتدل، وصراعا في مستوى ثالث بين مساجين الحركة الذين قبعوا في السجون لسنوات طويلة وبين المنفيين خارج تراب الوطن".
مظاهر الخلاف امتدت إلى حد مناقشة أداء راشد الغنوشي، داخل الحركة، حيث أصبح محل تجاذب بين متمسك بقيادته باعتباره الضامن لوحدة الحركة، وبين من يريد إنهاء دوره القيادي والمرجعي، ويطالبونه بأن "يتجه إلى العمل الدعوي وتأطير ما يعرف بالشباب المسجدي وضرورة الابتعاد عن السياسة".
.
.
بطلب من زعيم السلفية الجهادية أبو عياض
12 ألف مسلح تونسي في سوريا يريدون العودة
أكدت مصادر مطلعة لـ"الشروق"، أن هنالك 12 ألف تونسي في سوريا ينتمون للجماعات المسلحة هنالك، يستعدون للعودة إلى تونس، تلبية لنداء زعيم السلفية الجهادية المدعو أبو عياض. حذّرت تقارير أمنية تونسية، من الوضع الحالي الذي تمر به البلاد، والذي يشهد تناميا وصف بالمخيف للعناصر المسلحة، وما زاد من المخاوف إمكانية عودة التونسيين الذين انضموا للجيش السوري الحر، في مواجهة قوات بشار الأسد، وقدرت المصادر عددهم بـ12 ألفا، وفي حالة وصول هؤلاء إلى تونس سيكون الوضع خطيرا للغاية. وبحسب المصدر، فإن المؤسسة الأمنية التونسية ليست بالقوية، حيث يبلغ عدد قوات الجيش 35 ألف عنصر، أما الشرطة في حدود 160 ألف، و هي غير قادرة على مواجهة هذا السيل البشري، الذي يضاف إليه عدد معتبر من الجهاديين المتواجديون في تونس حاليا، بعدما طلب منهم زعيم السلفية الجهادية أبو عياض، البقاء في تونس وعدم الالتحاق بالجماعات المسلحة في مالي وسوريا.
ويمتد خطر العناصر الإرهابية التونسية إلى الجزائر، وهو ما تجلى في عملية تيڤنتورين التي شارك فيها 11 عنصرا إرهابيا تونسيا، كما شارك إرهابيون تونسيون في محاولة الاعتداء على ثكنة بولاية خنشلة قبل أيام، وشكلت المعطيات الحالية من خلال استهداف عناصر إرهابية من تونس في الجزائر، تحديا جديدا ستواجهه الجزائر وتونس، الأمر الذي يتطلب تنسيقا بين المؤسستين الأمنيتين لكليهما، وهو الأمر الذي دفع وزير الداخلية دحو ولد قابلية، للقاء نظيره التونسي علي العريض للتباحث حول تلك المسائل.
.
.
القيادي في الجبهة الشعبية ناصر العويني لـ"الشروق":
"النهضة بعثت الآلاف للقتال في سوريا بالتنسيق مع المخابرات القطرية والسعودية"
قلت أن حقيقة اغتيال شكري بلعيد لن تظهر في حال استمرار علي العريض في منصبه كوزير للداخلية؟
- وزير الداخلية علي العريض، اتهم شكري بلعيد، في قضية عرشين متناحرين، وتم الاستنجاد حينها بشكري بلعيد، وكان احد العرشين المتخاصمين ينتمي له علي العريض، وصرح بلعيد حينها انه لا يمكن حل القضية لان احد العرشين يستقوي بالعريض، الأمر الذي اغضب وزير الداخلية فوضعه نصب عينيه وناصبه العداء.
تتهمون النهضة كذلك؟
- نعم النهضة تتحمل الجزء الأكبر، هل تعلمون أن وزير الداخلية علي العريض أعاد مسؤولين للعمل في الوزارة وفي مناصب حساسة بعدما ابعدوا عنها قبل 19 سنة، داخل وزارة الداخلية. هنالك فصائل تعمل تحت سلطة حركة النهضة، وليس تحت سلطة الدولة التونسية، لقد وضعت النهضة أجهزة أمنية في الداخلية خاصة بها.
هل تقف النهضة وراء تنامي التيار السلفي؟
- هذا مؤكد، طريقة تعامل وزارة الداخلية مع هذا التيار تثير الكثير من علامات الاستفهام، و الخطر الآن لم يعد في تونس فقط، والدليل تورط11 تونسيا في عملية تيڤنتورين بالصحراء الجزائرية، هنالك معلومات تفيد أن المكاتب الجهوية لحركة النهضة في المناطق الحدودية مع ليبيا، قامت بتسفير الآلاف من التونسيين إلى سوريا بالتنسيق مع المخابرات القطرية و السعودية، وأضيف على ما سبق، أن تحقيقات أمنية قد أثبتت أن عناصر إسناد لجماعات إرهابية بمناطق جندوبة والقصرين، كانت لهم اتصالات مع بعض القياديين في النهضة، لكن وزارة الداخلية لم تحرك ساكنا.
.
.
العريض... من كرسي الإعدام إلى مقعد الداخلية
من مواليد مدينة مدنين في الجنوب التونسي، تخرّج مهندسا أولا من مدرسة البحرية التجارية بالساحل التونسي، واكب مؤسسات الحركة وخاصة المؤتمر ومجلس الشورى منذ أوائل الثمانينيات.
أشرف بين 1982 وسنة 1986 على لجنة مشروع الأولويات الذي أفرز ورقات أساسية في بلورة مشروع الحركة أهمّها:
ترأس علي العريض مجلس شورى الحركة من سنة 1982 إلى مؤتمر ديسمبر 1986، وتولى صحبة حمادي الجبالي إدارة قيادة الحركة الداخلية وتوثيق العلاقة مع الوسط السياسي، في أجواء من الملاحقة الأمنية الشديدة بين محاكمة القيادة في سنة 1981، والانفراج السياسي في سنة 1984 الذي أعقبه مؤتمر أعاد انتخاب القيادة التاريخية على رأس الحركة.
وشغل العريض عضوية المكتب التنفيذي للحركة، وكان رئيسا للمكتب السياسي منذ مؤتمر سنة 1988، حتى تاريخ اعتقاله في 23 ديسمبر 1990، كما كان الناطق الرسمي بالنيابة للحركة.
حكم عليه سنة 1987 بعشر سنوات سجنا غيابيا، ثم حوكم في نفس السنة بالإعدام الذي أسقط عنه بعفو رئاسي سنة 1988، ومثل سنة 1992 أمام المحكمة العسكرية التي أصدرت ضده حكما بالسجن 15 سنة، ولأن ثورة 14 جانفي رفعت أقواما وأنزلت آخرين، كان العريض من الفئة الأولى، فقد صعد السلم بطريقة صاروخية وبتربعه على كرسي الداخلية في 23 ديسمبر 2011، التي كانت رعبه قبل سنوات.
.
الحبيب اللوز .. من عالم المقاولات إلى النضال الدعوي
الحبيب اللوز من مواليد 1953 بمدينة صفاقس، خريج العلوم الاقتصادية، عمل مقاولا في بداية السبعينات، ثمّ تفرغ للدعوة والتدريس، حيث كان كثير التنقل بين مساجد ولاية صفاقس.
تربى على يديه إخوة كثيرون. شغل عاملا للمنطقة بعد مؤتمر 1979، ثم التحق بالعمل المركزي ليشرف على الدعوة، ثم عضوا في مجلس الشورى منذ سنة 1979 حتى إلى 1991.
هو عضو مؤسس لحركة الإتجاه الإسلامي والنهضة، وقد تولى رئاسة مجلس الشورى ما بين سنتي 1988 حتى 1991 على فترات متقطعة، ثم رئاسة الحركة في شهر جوان 1991 حتى تاريخ إيقافه في سبتمبر من سنة 1991.
عرف بمواقفه المبدئية وعارض تغيير إسم الحركة وكان يرى ضرورة أن تدخل الحركة الساحة السياسية بصفتها الإسلامية وأن يتجسد ذلك في خطابها، فهو يعتبر أن المعركة الحقيقية هي معركة الهوية قبل أن تكون معركة سياسية.
اختار البقاء في تونس على الهجرة، كان عضوا بالمكتب السياسي للحركة والناطق الرسمي بالنيابة إثر اعتقال علي لعريض. عرف بالتزامه بالعمل الجماعي وبحرصه على الشورى ووقوفه عند قرار المؤسسات. حكم عليه غيابا بعشر سنوات سجنا في محنة 1981 وقد خرج في تلك الفترة إلى الجزائر مع عائلته وعاد سنة 1984 إثر وفاة والدته. تعرض إلى التعذيب الشديد عندما أوقف، خيره النظام بين السجن والحرية، على أن يتبرأ من الحركة فاختار السجن.
.
الصادق شورو.. مانديلا تونس ورجل الإجماع
نجح الصادق شورو الحاصل على دكتوراه في الكيمياء من جامعة تونس أن يوفق بين نضاله في جماعة الإخوان المسلمين ومهنته كأستاذ بكلية الطب، حيث ترأس حركة النهضة سنة 1988 إلى حين اعتقاله في 17 فيفري 1991، وكان من مؤسسي المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للطلبة.
حوكم أمام المحكمة العسكرية بتونس في صائفة 1992 على رأس 265 متهم من قياديي حركة النهضة. وقد طالب الادعاء العام بإعدامه، ولكن اكتفت المحكمة بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة. ومما أوثر عنه أمام المحكمة العسكرية قوله: "يا سيادة القاضي، إذا كنتم بعملكم هذا تريدون اجتثاث حركة النهضة من مجتمعها ومن التربة التي أنبتتها، فهي شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء". شارك الصادق شورو بعد ثورة الياسمين في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ضمن قوائم حركة النهضة التي فازت بأغلبية المقاعد ليصبح الشيخ عضوا بمجلس صياغة الدستور التونسي الجديد.
شورو أقدم سجين في تونس يلقبه المرزوقي "بمنديلا تونس" لايزال حسب رفاقه في الحركة يتمتع بشعبية وإجماع كبيرين داخل النهضة وخارجها ولايزال من القيادات المهمة وصاحب الكلمة المسموعة ومصدر المشورة.
.
كتائب أبو عياض.. الخطر القادم
تشكل السلفية الجهادية الخطر القادم لحركة النهضة، حيث اعتقلت الشرطة التونسية مؤخرا قياديا بارزا في تنظيم سلفي جهادي، متهم بالضلوع في هجوم استهدف في 14 سبتمبر الجاري، السفارة والمدرسة الأميركيتين في العاصمة، أثناء احتجاجات على عرض الفيلم المسيء للإسلام، وأسفر الهجوم عن مقتل 4 أشخاص وإصابة العشرات، وذلك احتجاجا على عرض الفيلم الذي أنتج في الولايات المتحدة ويسيء للإسلام وللرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأوردت أسبوعية "آخر خبر" التونسية، أن "عددا كبيرا" من مهاجمي السفارة الأمريكية ينتمون إلى "كتائب أبو عياض".
.
النهضة بين وصاية زعامات "الخارج" وطموح قيادات "الداخل"
الغنوشي سيعزل الجبالي.. وعبد اللطيف المكي أقوى المرشحين لخلافته
مصادر لـ"الشروق": "الغنوشي كان يرى في الجبالي رئيسا لتونس"
كشفت مصادر مطلعة داخل النهضة التونسية لـ"الشروق" أن انشقاقا كبيرا حدث داخل الحركة منذ إعلان رئيس الحكومة حمادي الجبالي عن مبادرة حكومة تكنوقراط دون الرجوع إلى حزبه. وأشارت مصادرنا إلى أن الحركة تعقد اجتماعات ماراطونية في محاولة لتفادي الانقسام.
زاد التوتر بين القيادات الجامعية الشابة أو قيادات "الداخل" جناح الدولة المدنية والمصالحة الوطنية، وجناح "الخارج" ممثلا في الغنوشي ورفقائه. حيث يعيب الأول على الثاني حرصه على مركز الهيمنة أكثر من حرصه على تجنيب تونس النفق المظلم الذي قد يكرر على أرضها تجربة جزائرية إرهاصاتها الاغتيالات السياسية. وأكدت مصادرنا أن راشد الغنوشي جاهر بنيته عزل حمادي الجبالي وتركه يكمل المبادرة أي حكومة تكنوقراط ثم عرقلة المشروع باستغلال نسبة الأغلبية التي تملكها حركة النهضة، وبالتالي، فإن الجبالي قانونا "لا يمكنه التقدم في أي خطوة إلا إذا قدم استقالته وحكومته". وأفادت نفس المصادر أن الغنوشي رأى في الجبالي الشروط المطلوبة في "رجل تونس" جغرافيا وسياسيا وفكريا، فهو ابن مدينة "سوسة" مسقط رأس حاكمي تونس السابقين وأيضا صاحب فكر اقتصادي ليبيرالي، إضافة إلى انتمائه إلى التيار الإسلامي، وبالتالي، يتوفر على جميع صفات مرشح الإجماع والتوافق مع الأحزاب الأخرى. إلا أن خرجة الجبالي "التي لا تغتفر" ستسرع بعزله وتحيل الحركة إلى تحضير شخصيات أخرى يعول عليها في المرحلة القادمة.
وهنا، أشارت مصادرنا إلى أن قيادات الحركة بدأت تفكر في قائمة من إطارات الحركة، والكفة لحد الآن تميل إلى كل من علي العريض وزير الداخلية الحالي، وعبد اللطيف المكي وزير الصحة. وفي نفس السياق، ذهبت صحيفة "البيان" الإماراتية إلى التأكيد على نية حمادي الجبالي تأسيس حزب جديد بعيدا عن حزب النهضة "المتشدد" وأن قيادات من داخل الائتلاف الحاكم وصفت قراراته بأنها "انقلاب على الترويكا"، حيث قلب الطاولة على الجميع، وأعاد خلط الأوراق بشكل مفاجئ، كما أنه وضع مستقبله السياسي مع حركة النهضة في الميزان، وسيكون عليه تقديم استقالته إلى رئيس الحكومة". وأضافت المصادر أن الجبالي "معرّض حاليا لعزله وسحب الثقة من حكومته، وتكليف شخصية أخرى من حركة النهضة بتشكيل حكومة جديدة"، وهو ما يراه المراقبون أقرب إلى الواقع، لكن هذه الفرضية قد تصطدم بالعجز عن تحقيق تزكية لها داخل المجلس الوطني التأسيسي في ظل الانشقاقات الحاصلة في حزبي "التكتّل" و"المؤتمر" والتي يمكن أن تحصل داخل الحركة إذا أبدى نوّاب نهضويون انحيازهم لمواقف الجبالي. وقالت المصادر ذاتها إن رئيس الحكومة التونسية "تعرّض خلال الأشهر الماضية إلى ضغوط من قبل جناح الصقور في الحركة ومن محاولة محاصرته وتوجيه قراراته السياسية عقائديا، وبما قد يؤثّر على مصلحة البلاد، وأنه رفض ذلك بقوّة، وفي أكثر من مناسبة خيّر الانسحاب من اجتماعات مجلس الشورى والمكتب السياسي للحركة بعد تعرّضه لانتقادات حادة حول ما يعتبره جناح الصقور تغاضيا منه عن مصالح الحركة ومشروعها الأيديولوجي وأهدافها الاستراتيجية، إلى جانب رفضه لقانون العزل السياسي".
.
.
عسكر متربصون.. معارضة شرسة وسلفيون ينتظرون
النهضة في تونس تمارس... "العشق الممنوع"
تتشابك النهضة في علاقاتها المتعددة مع مختلف فعاليات الحراك السياسي في تونس، فكانت وراء انشاء فكرة "الترويكا" بحثا عن تمديد ربيع الهدنة واقتسام السلطة مع بقية الأحزاب السياسية، ناهيك على أنها فرضت نوعا من الهدوء الاستراتيجي في علاقتها مع العسكر، وكان الإعلام هو الطرف الأكثر مدعاة للتوتر مع الاسلاميين الوافدين إلى السلطة في زمن الربيع العربي. العسكر... ودّ مشروط!
أكد العسكر مرارا وتكرارا في تونس ما بعد ثورة الياسمين أنهم سيبقون بعيدا تماما عن ممارسة السياسة أو التأثير فيها، فكان الجنرال رشيد عمار الذي تم تقديمه باعتباره أحد أبرز الوجوه التي عجّلت بإنهاء حكم الجنرال بن علي، بمثابة الإعلان الجديد للعلاقة ما بين اسلاميي النهضة والعسكر. وقد أكد الجيش أنه سيترك مسافة واحدة بينه وبين مختلف الفعاليات السياسية بما في ذلك الاسلاميين، سواء كانوا من النهضة أو التيار السلفي، علما أن العسكر، استعادوا مكانتهم التي سيطر عليها البوليس السياسي في مرحلة بن علي، فظهر الأمر على أنه تصالح ما بين الجيش والشعب، وذلك، لأن الأول لم يكن متهما بالمشاركة في الاستبداد أو قتل الثوار خلال المواجهات التي أطاحت ببن علي وحكمه.
الترويكا... بذور الفتنة من الداخل!
بحثت النهضة منذ تولي السلطة عن هدنة سياسية مع بقية الأحزاب، وتحديدا تلك التي اقتسمت معها السلطة، فطلب الحزب الذي له أكثر مقاعد في المجلس التأسيسي، من المؤتمر من أجل الديمقراطية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والحزب الديمقراطي التقدمي بالانضمام لتشكيل ائتلاف حاكم بقيادة مرشحها لرئاسة الحكومة السيد حمادي الجبالي. ولكن رفض الحزب الديمقراطي التقدمي المشاركة، في حين قبل كل من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي هذا المشروع مع حركة النهضة، بعد أن تم توقيع الإتفاق وقبوله، تم إنتخاب مصطفى بن جعفر رئيسا للمجلس الوطني التأسيسي التونسي والمنصف المرزوقي رئيسا للجمهورية التونسية وحمادي الجبالي رئيسا للحكومة التونسية.
بعد تشكل هذا الإئتلاف أصبحت الترويكا تمثل 91.53٪ في المجلس الوطني التأسيسي.
وكذلك لها رئيس المجلس الوطني التأسيسي من التكتل والنائب الأول له من النهضة والنائب الثاني له من المؤتمر، لكن الترويكا ظلت تحمل في تأسيسها بذور الفناء، للدرجة التي اهتزت بسببها مع أول اغتيال سياسي حصل، وراح ضحيته شكري بلعيد من المعارضة، فانسحب من انسحب، ولجأت النهضة لسيناريو حكومة الكفاءات لعل وعسى تنقذ ما خربته الترويكا!
السلفيون... مع وضد!
يمكن القول أن علاقة النهضة بالسلفيين، تقسم إلى مرحلتين، ما قبل الفيديو الشهير الذي ظهر فيه الغنوشي متحدثا للسلفيين والثانية.. ما بعده!
الفيديو المسرب أظهر على الانترنت راشد الغنوشي وهو يقول في اجتماع نادر مع سلفيين ان العلمانيين يسيطرون على كل مفاصل الدولة بما في ذلك الاقتصاد والجيش والإعلام، داعيا السلفيين إلى التحرك بحرية بعد ان اصبحت المساجد في أيدي الاسلاميين.
وأكد زعيم حركة النهضة في الفيديو على ضرورة أن يتحلى السلفيون في تونس بالصبر وألا يفرطوا في المكاسب التي حصلوا عليها بعد الثورة. وقال مخاطبا الشباب السلفي في هذا الاجتماع: "الآن ليس لنا جامع.. الآن عندنا وزارة الشؤون الدينية.. اقول للشباب السلفي: المساجد بأيدينا.. قدموا فيها ما شئتم من دروس وأطلقوا الإذاعات والتلفزيونات والمدارس"! وأضاف: "على الاسلاميين ان يملأوا البلاد بالجمعيات وأن ينشئوا المدارس القرآنية في كل مكان ويستدعوا الدعاة الدينيين، لأن الناس لازالت جاهلة بالإسلام".
تلك العلاقة لم تستمر "سمنا على عسل" وقتا طويلا، بل ان الخلافات سرعان ما طفت على السطح وتحديدا عقب تورط السلفيين في عملية الاعتداء على السفارات الأجنبية، وتحديدا الأمريكية والفرنسية، حيث كان على النهضة أن تستعمل السلاح ذاته الذي كان يستعمله بن علي ضد خصومه، وهو القمع في الشوارع والاعتقالات والمحاكمات السريعة!
الإعلام... عصي على التجنيد!
ظل الإعلام بمثابة الخصن المنيع ضد كل محاولات النهضة لاجتياحه، حتى أن العاملين في القنوات التلفزيونية العمومية وفي الجرائد التابعة للدولة، امتنعوا عن العمل تحت سلطة القيادات الجديدة التي نصبتها النهضة، وشنوا تمردا لم تنته جميع فصوله بعد.. وفي بحث منها عن شن حرب مضادة، حاولت النهضة انشاء مجموعة من الفضائيات للترويج لخطابها على غرار "القلم" والمتوسط، ولكنها لم تحقق حتى الآن النجاح المطلوب، في مقابل ارتفاع أسهم نسمة والتونسية التي يوجد صاحبها وراء القضبان.
.
.
الغنوشي جمعته علاقات مع كل الرؤساء من بن بلة إلى بوتفليقة
هذا ما قاله بن بلة لسيد احمد غزالي
لم تمر حركة النهضة التونسية بأزمة كالتي تتجرّع من كأسها في الوقت الحالي، لأنها أولا في السلطة، ولأن مقتل المعارض التونسي شكري بلعيد جعلها المتهم رغم أن كل الأدلة تؤكد أنها بعيدة عن موقع الجريمة، حركة النهضة التي جاوز سنها الأربعين، تبدو قادرة على الخروج من أزمتها، وهي كما عوّلت منذ تأسيسها على الجزائر مازالت تعوّل الآن لأجل أن تجتاز أزمة أريد لها بالقوة أن تقع فيها، وجمعت ومازالت كل قيادات حركة النهضة علاقات متميزة مع الجزائر وحتى مع رؤساء الجزائر من مؤسسيها راشد الغنوشي والمنصف بن سالم وعبدالفتاح مورو إلى أشهر الناشطين فيها على مدار أربعين سنة مثل صالح كركر وحبيب المكني ومقداد إسعاد الذي أصبح جزائريا. وإذا كان التونسيون من الديموقراطيين بالخصوص يرون أن التاريخ سيعيد نفسه من خلال تكرار سيناريو ما حدث في الجزائر، بدخول النهضة في علميات التصفية الإرهابية، فإن الغنوشي كان دائما يدين ما يحدث في الجزائر من مجازر، رغم أن تفجيرات سوسة والمنستير التي هزت تونس وأثرت على السياحة فيها بعد أن أصيب عام 1991 قرابة 15 سائحا في المنستير قد ألصقها النظام السابق في حركة النهضة، واعتبرتها توأم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وتم الزج بـ 256 من جماعة النهضة في السجون التونسية عام 1992 وحكم عليهم بالسجن مدى الحياة، تأسست حركة النهضة التونسية عام 1972 وجمعتها علاقات مع قادة إسلاميين جزائريين مثل الراحلين محفوظ نحناح وعبداللطيف سلطاني وحتى عباسي المدني، وتزامن الإعلان عن نفسها حزبا في جوان 1981 مع حكم الشاذلي بن جديد الذي فتح أبواب الجزائر لعلماء الأمة مثل الشيخ الغزالي ويوسف القرضاوي.
ولا ينسى الشيخ الغنوشي أبدا تواجده في الجزائر وترحاب الشاذلي بن جديد به عندما هرب من تونس وحُكم عليه في ثلاث مناسبات بالسجن مدى الحياة، ولكن الضغوطات التي مارسها الرئيس الهارب على الحكومة الجزائرية بقيادة سيد احمد غزالي نسفت أيامه في الجزائر، وهو ما جعل الرئيس الراحل أحمد بن بلة "يلعن" الإستقلال الذي يجعل الجزائر غير حرّة في اتخاذ قرار الترحيب بضيوفها تحت ضغط بن علي، وهاجر بعد ذلك راشد الغنوشي نحو ليبيا والسودان، ولكن أيامه في المنفى العربي لم تزد عن أسبوعين، حيث طالته دائما سهام بن علي ليستقر بعد ذلك في لندن.
في عام 1974 عندما أطلقت حركة النهضة مجلتها الشهيرة "المعرفة" كان يكتب فيها جزائريون مثل عبد اللطيف سلطاني ورشيد بن عيسى وكان لا يخلو عدد من هاته المجلة دون ذكر الجزائر وعلمائها، وكتب مرة السيد راشد الغنوشي عمودا اعترف فيه بأن النهضة أخذت من المنابع الجزائرية الصافية، وذكر الشيخ عبد الحميد بن باديس والمفكر مالك بن نبي.
وتبقى آخر أهم زيارة قادت راشد الغنوشي إلى الخارج هي زيارته للجزائر، حيث التقى بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة والوزير الأول السابق أحمد أويحيى.
.
.
مقداد إسعاد مستشار الشيخ راشد الغنوشي لـ"الشروق":
"هذه هي نصيحة بوتفليقة ولو عملنا بها لتفادينا الأزمة التي نعيشها"
التنمية أداة أساسية لمواجهة التحديات الأمنية
تعتقد أن نظام البرلماني المعتمد في تونس قد نجح؟
التجربة التي عشناها فاشلة، وأحسب انه من أهم سمات الضعف في تونس اليوم اختيارها لنظام حكم هجين، والذي يصعب أن نجد له مثيلا في التجارب السياسية في العالم، في تونس هنالك نظام برلماني من نوع خاص، مع هذا الوضع يصعب معرفة من هو الحاكم الحقيقي.
بعد الثورة تلقينا تحذيرات من التوجه إلى هذا النظام، ونذكر منهم الشيخ يوسف القرضاوي، الذي نصح بعدم الاعتماد على النظام البرلماني، وكذا السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي قال لنا لما زرناه "نحن عرب ولا بد لنا من رئيس، والنظام البرلماني خطير علينا لأن الرئيس يذهب بذهاب البرلمان"، ونحن الآن نعيش دون معرفة أين هو مركز السلطة، هل هو الرئيس منصف المرزوقي، أم رئيس الحكومة حمادي الجبالي، أم رؤساء الأحزاب.
ما موقع الشيخ الغنوشي في دائرة الحكم؟
أحسب ولا أبالغ أن الشيخ راشد الغنوشي، هو الشخصية الأولى في تونس والاكثر نفوذا فيها، ليس هذا فقط وإنما لكاريزمته داخليا وخاريجا، لا ننسى انه انتخب في المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين في المرتبة الثانية، فصوته مسموع محليا ومغاربيا ودوليا، احسب كذلك أن الشيخ و من ورائه حركة النهضة، جنبا انزلاقات كثيرة كالتي وقعت في الجزائر.
هل يمكن أن يكون اغتيال شكري بلعيد بداية لعمل مسلح طويل وعنيف؟
الإرهاب يضرب في الظلام وهو العدو الأول لنا، واخش ما أخشاه أن تنزلق تونس نحو العنف والتصفيات والاغتيالات، المؤسسة الأمنية الآن لها مسؤولية وعبء ثقيل لتعقب ومواجهة العناصر الإرهابية. وما أؤكد عليه أن المؤسسة الأمنية لا يمكن لها التوفيق في مهمتها دون أن تجد مساعدة من الطبقة السياسية والنخب، وهؤلاء يجب عليهم أن يتقبلوا أوزانهم ولا يفكروا في أخذ ما ليس لهم.
أؤكد انه لمواجهة المسائل الأمنية، لا يجب إغفال التنمية المحلية وخاصة في المناطق الحدودية التي تعد أهم اهتماماتي، وأود تبليغ إخواني الجزائريين أن لا يخشوا تكرار فشل الاستثمارات التي عرفوها في الثمانينيات.
.
.
إعلان الجبالي عن حكومة تقنوقراطية أخرج الخلاف إلى العلن
صراع الداخل والخارج والانفراد بالمراجعات.. يرهنان مستقبل حركة النهضة
أخرج الإعلان المفاجئ لرئيس الحكومة التونسية، حمادي الجبالي، عن حكومة تقنوقراطية تتشكل من كفاءات وطنية غير متحزبة، لاحتواء الأزمة السياسية بعد اغتيال المعارض شكري بلعيد، الصراع والخلاف الخفي داخل قيادات حركة النهضة إلى العلن، البعض يرده إلى صراع قديم جديد بين قيادات الداخل التي عانت من السجون، وقيادات الخارج التي صالت وجالت بعيدا عن الملاحقات، وآخرون يردونه إلى اعتماد مراجعات عميقة وجوهرية في فكر الحركة اقتداء بمنهج أردوغان، الذي أثبت نجاحه في تركيا، رغم اختلاف الظروف، ولكن بعيدا عن إجماع داخلي حولها. وما يؤكد هذا الخلاف وحالة التوتر بين الجناحين، ذهاب حمادي الجبالي، أمين عام الحركة، بعيدا في تمسكه بمشروعه، الذي يعني أيضا وزراءه المنتمين الى الحركة ويتولون حقائب سيادية، إلى حد التهديد بالاستقالة في حالة رفضه، وقال إن مصلحة تونس قبل أي مصلحة أخرى، رغم أنه يعلم أن رئيس الحركة راشد الغنوشي، عارض الفكرة بشدة، شأنه شأن رئيس الكتلة البرلمانية في المجلس الوطني التأسيسي صحبي عتيق، الذي قال حينئذ "رفضنا هذا المقترح لأن رئيس الحكومة - وهو أيضا أمين عام حركة النهضة - اتخذ هذا القرار دون استشارة الائتلاف أو حركة النهضة، الحزب الأكثر تمثيلية في البرلمان"، خاصة وأنه تردد أن الجبالي تمسك بموقفه في اجتماع سياسي وصفته بعض المصادر بالعاصف، استمر حتى ساعات الصباح الأولى، ليرد عليه معارضوه بالاحتكام إلى الشارع، وإبطال مفعول رسائل الجنازة المليونية للمعارض شكري بلعيد، بإخراج الآلاف من المساندين للحركة.
حالة الخلاف أو التوتر هذه، اعترف بها قياديون في حركة النهضة، وأكدوا أن العلاقة متوترة بين قياديي الحركة الذين أمضوا سنوات في الخارج، وعلى رأسهم راشد الغنوشي، والمناضلين الّذين أمضوا سنوات في السجون التونسية، وعانوا من الاعتقالات والمطاردات الأمنية خاصة في عهد الرئيس بن علي، وعلى رأسهم رئيس الحكومة حمادي الجبالي، الذي قضي 16 سنة في السجون، وسمير ديلو، وزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية، مشيرين إلى أن سجناء النهضة لم يتمتعوا بحقوقهم ولم يعترف لهم بالجميل إلى اليوم، مقابل ذلك حازت قيادات الخارج على امتيازات وعادت إلى تونس بعد الثورة، ووظّفوا زوجاتهم وأبناءهم وأفراد عائلاتهم، ما ترك نوعا من الحساسية بين الجناحين.
ولم يتأخر المتابعون في إسقاط هذا الخلاف على وقائع أشغال المؤتمر التاسع للحركة، سواء في الكواليس أو في النتائج، حيث فاز القيادي عبد اللطيف المكي، السجين السياسي، وأمين عام السابق للاتحاد العام التونسي للطلبة بـ450 صوت في المنافسة على رئاسة المؤتمر، بينما لم يحصل لطفي زيتون، القادم من لندن، مستشار رئيس الحكومة للشؤون السياسية، إلا على 17 صوتا.
يضاف الى هذا الاعتبار الحاسم، أن التغيير داخل الحركة بعد دخولها المعترك السياسي من أجل حصولها على الاعتماد كحزب سياسي والوصول الى الحكم، لم يقتصر على تغيير الاسم من حركة الاتجاه الإسلامي إلى حركة النهضة أواخر الثمانينيات، بل امتد إلى اعتماد مراجعات فكرية وسياسية عميقة، من قبل القيادة بالخارج من أجل التكيّف مع الواقع والمعاصرة، في حين بقيت قواعد الحركة في الداخل متمسكة بفكر الاتجاه الإسلامي، وبعد إدراك قيادة الحركة هذا التباين في القناعات ومخاطره، شرعت في تسريب المراجعات تدريجيا والكشف عنها حال طرح المسائل.
وكان أبرز المراجعات التي كادت تعصف بوحدة الصفوف، تراجع الحركة عن مبدأ اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسيّ للدستور الجديد، وهو موقف عارضه القياديان الحبيب اللوز والصادق شورو، ما كشف عن وجود تباين واضح بين موقفين، معتدل يقوده الغنوشي، يعتمد منطق التدرج في تطبيق الشريعة، وآخر محافظ يقوده الصادق شورو، الذي انتخب على رأس مجلس الشورى بحصوله على 731 صوت في المؤتمر التاسع من بين 1200 صوت في المجموع، والصبحي عتيق، رئيس الكتلة البرلمانية في المجلس التأسيسي وآخرون.
وذهب البعض إلى حد اتهام قيادات الخارج بإخراج الحركة من تونس إلى العمل في الخارج، بعد مؤتمر 1992 المنعقد بباريس، وتثبيت قيادة الخارج، وتقرر فيه منح رئاسة الحركة من جديد للشيخ راشد الغنوشي، واعتبر محللون أن "ما يراه البعض ازدواجية في خطاب حركة النهضة والتجاذب، إنما يعكس صراعات داخل هذه الحركة، يسميها البعض صراع أجيال، بين الشيوخ المناضلين المؤسسين للحركة، وبين الجيل الجديد الذي التحق بها مؤخرا، وصراعا آخر بين جناحين، الجناح المتشدد والجناح المعتدل، وصراعا في مستوى ثالث بين مساجين الحركة الذين قبعوا في السجون لسنوات طويلة وبين المنفيين خارج تراب الوطن".
مظاهر الخلاف امتدت إلى حد مناقشة أداء راشد الغنوشي، داخل الحركة، حيث أصبح محل تجاذب بين متمسك بقيادته باعتباره الضامن لوحدة الحركة، وبين من يريد إنهاء دوره القيادي والمرجعي، ويطالبونه بأن "يتجه إلى العمل الدعوي وتأطير ما يعرف بالشباب المسجدي وضرورة الابتعاد عن السياسة".
.
.
بطلب من زعيم السلفية الجهادية أبو عياض
12 ألف مسلح تونسي في سوريا يريدون العودة
أكدت مصادر مطلعة لـ"الشروق"، أن هنالك 12 ألف تونسي في سوريا ينتمون للجماعات المسلحة هنالك، يستعدون للعودة إلى تونس، تلبية لنداء زعيم السلفية الجهادية المدعو أبو عياض. حذّرت تقارير أمنية تونسية، من الوضع الحالي الذي تمر به البلاد، والذي يشهد تناميا وصف بالمخيف للعناصر المسلحة، وما زاد من المخاوف إمكانية عودة التونسيين الذين انضموا للجيش السوري الحر، في مواجهة قوات بشار الأسد، وقدرت المصادر عددهم بـ12 ألفا، وفي حالة وصول هؤلاء إلى تونس سيكون الوضع خطيرا للغاية. وبحسب المصدر، فإن المؤسسة الأمنية التونسية ليست بالقوية، حيث يبلغ عدد قوات الجيش 35 ألف عنصر، أما الشرطة في حدود 160 ألف، و هي غير قادرة على مواجهة هذا السيل البشري، الذي يضاف إليه عدد معتبر من الجهاديين المتواجديون في تونس حاليا، بعدما طلب منهم زعيم السلفية الجهادية أبو عياض، البقاء في تونس وعدم الالتحاق بالجماعات المسلحة في مالي وسوريا.
ويمتد خطر العناصر الإرهابية التونسية إلى الجزائر، وهو ما تجلى في عملية تيڤنتورين التي شارك فيها 11 عنصرا إرهابيا تونسيا، كما شارك إرهابيون تونسيون في محاولة الاعتداء على ثكنة بولاية خنشلة قبل أيام، وشكلت المعطيات الحالية من خلال استهداف عناصر إرهابية من تونس في الجزائر، تحديا جديدا ستواجهه الجزائر وتونس، الأمر الذي يتطلب تنسيقا بين المؤسستين الأمنيتين لكليهما، وهو الأمر الذي دفع وزير الداخلية دحو ولد قابلية، للقاء نظيره التونسي علي العريض للتباحث حول تلك المسائل.
.
.
القيادي في الجبهة الشعبية ناصر العويني لـ"الشروق":
"النهضة بعثت الآلاف للقتال في سوريا بالتنسيق مع المخابرات القطرية والسعودية"
قلت أن حقيقة اغتيال شكري بلعيد لن تظهر في حال استمرار علي العريض في منصبه كوزير للداخلية؟
- وزير الداخلية علي العريض، اتهم شكري بلعيد، في قضية عرشين متناحرين، وتم الاستنجاد حينها بشكري بلعيد، وكان احد العرشين المتخاصمين ينتمي له علي العريض، وصرح بلعيد حينها انه لا يمكن حل القضية لان احد العرشين يستقوي بالعريض، الأمر الذي اغضب وزير الداخلية فوضعه نصب عينيه وناصبه العداء.
تتهمون النهضة كذلك؟
- نعم النهضة تتحمل الجزء الأكبر، هل تعلمون أن وزير الداخلية علي العريض أعاد مسؤولين للعمل في الوزارة وفي مناصب حساسة بعدما ابعدوا عنها قبل 19 سنة، داخل وزارة الداخلية. هنالك فصائل تعمل تحت سلطة حركة النهضة، وليس تحت سلطة الدولة التونسية، لقد وضعت النهضة أجهزة أمنية في الداخلية خاصة بها.
هل تقف النهضة وراء تنامي التيار السلفي؟
- هذا مؤكد، طريقة تعامل وزارة الداخلية مع هذا التيار تثير الكثير من علامات الاستفهام، و الخطر الآن لم يعد في تونس فقط، والدليل تورط11 تونسيا في عملية تيڤنتورين بالصحراء الجزائرية، هنالك معلومات تفيد أن المكاتب الجهوية لحركة النهضة في المناطق الحدودية مع ليبيا، قامت بتسفير الآلاف من التونسيين إلى سوريا بالتنسيق مع المخابرات القطرية و السعودية، وأضيف على ما سبق، أن تحقيقات أمنية قد أثبتت أن عناصر إسناد لجماعات إرهابية بمناطق جندوبة والقصرين، كانت لهم اتصالات مع بعض القياديين في النهضة، لكن وزارة الداخلية لم تحرك ساكنا.
.
.
العريض... من كرسي الإعدام إلى مقعد الداخلية
من مواليد مدينة مدنين في الجنوب التونسي، تخرّج مهندسا أولا من مدرسة البحرية التجارية بالساحل التونسي، واكب مؤسسات الحركة وخاصة المؤتمر ومجلس الشورى منذ أوائل الثمانينيات.
أشرف بين 1982 وسنة 1986 على لجنة مشروع الأولويات الذي أفرز ورقات أساسية في بلورة مشروع الحركة أهمّها:
ترأس علي العريض مجلس شورى الحركة من سنة 1982 إلى مؤتمر ديسمبر 1986، وتولى صحبة حمادي الجبالي إدارة قيادة الحركة الداخلية وتوثيق العلاقة مع الوسط السياسي، في أجواء من الملاحقة الأمنية الشديدة بين محاكمة القيادة في سنة 1981، والانفراج السياسي في سنة 1984 الذي أعقبه مؤتمر أعاد انتخاب القيادة التاريخية على رأس الحركة.
وشغل العريض عضوية المكتب التنفيذي للحركة، وكان رئيسا للمكتب السياسي منذ مؤتمر سنة 1988، حتى تاريخ اعتقاله في 23 ديسمبر 1990، كما كان الناطق الرسمي بالنيابة للحركة.
حكم عليه سنة 1987 بعشر سنوات سجنا غيابيا، ثم حوكم في نفس السنة بالإعدام الذي أسقط عنه بعفو رئاسي سنة 1988، ومثل سنة 1992 أمام المحكمة العسكرية التي أصدرت ضده حكما بالسجن 15 سنة، ولأن ثورة 14 جانفي رفعت أقواما وأنزلت آخرين، كان العريض من الفئة الأولى، فقد صعد السلم بطريقة صاروخية وبتربعه على كرسي الداخلية في 23 ديسمبر 2011، التي كانت رعبه قبل سنوات.
.
الحبيب اللوز .. من عالم المقاولات إلى النضال الدعوي
الحبيب اللوز من مواليد 1953 بمدينة صفاقس، خريج العلوم الاقتصادية، عمل مقاولا في بداية السبعينات، ثمّ تفرغ للدعوة والتدريس، حيث كان كثير التنقل بين مساجد ولاية صفاقس.
تربى على يديه إخوة كثيرون. شغل عاملا للمنطقة بعد مؤتمر 1979، ثم التحق بالعمل المركزي ليشرف على الدعوة، ثم عضوا في مجلس الشورى منذ سنة 1979 حتى إلى 1991.
هو عضو مؤسس لحركة الإتجاه الإسلامي والنهضة، وقد تولى رئاسة مجلس الشورى ما بين سنتي 1988 حتى 1991 على فترات متقطعة، ثم رئاسة الحركة في شهر جوان 1991 حتى تاريخ إيقافه في سبتمبر من سنة 1991.
عرف بمواقفه المبدئية وعارض تغيير إسم الحركة وكان يرى ضرورة أن تدخل الحركة الساحة السياسية بصفتها الإسلامية وأن يتجسد ذلك في خطابها، فهو يعتبر أن المعركة الحقيقية هي معركة الهوية قبل أن تكون معركة سياسية.
اختار البقاء في تونس على الهجرة، كان عضوا بالمكتب السياسي للحركة والناطق الرسمي بالنيابة إثر اعتقال علي لعريض. عرف بالتزامه بالعمل الجماعي وبحرصه على الشورى ووقوفه عند قرار المؤسسات. حكم عليه غيابا بعشر سنوات سجنا في محنة 1981 وقد خرج في تلك الفترة إلى الجزائر مع عائلته وعاد سنة 1984 إثر وفاة والدته. تعرض إلى التعذيب الشديد عندما أوقف، خيره النظام بين السجن والحرية، على أن يتبرأ من الحركة فاختار السجن.
.
الصادق شورو.. مانديلا تونس ورجل الإجماع
نجح الصادق شورو الحاصل على دكتوراه في الكيمياء من جامعة تونس أن يوفق بين نضاله في جماعة الإخوان المسلمين ومهنته كأستاذ بكلية الطب، حيث ترأس حركة النهضة سنة 1988 إلى حين اعتقاله في 17 فيفري 1991، وكان من مؤسسي المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للطلبة.
حوكم أمام المحكمة العسكرية بتونس في صائفة 1992 على رأس 265 متهم من قياديي حركة النهضة. وقد طالب الادعاء العام بإعدامه، ولكن اكتفت المحكمة بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة. ومما أوثر عنه أمام المحكمة العسكرية قوله: "يا سيادة القاضي، إذا كنتم بعملكم هذا تريدون اجتثاث حركة النهضة من مجتمعها ومن التربة التي أنبتتها، فهي شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء". شارك الصادق شورو بعد ثورة الياسمين في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ضمن قوائم حركة النهضة التي فازت بأغلبية المقاعد ليصبح الشيخ عضوا بمجلس صياغة الدستور التونسي الجديد.
شورو أقدم سجين في تونس يلقبه المرزوقي "بمنديلا تونس" لايزال حسب رفاقه في الحركة يتمتع بشعبية وإجماع كبيرين داخل النهضة وخارجها ولايزال من القيادات المهمة وصاحب الكلمة المسموعة ومصدر المشورة.
.
كتائب أبو عياض.. الخطر القادم
تشكل السلفية الجهادية الخطر القادم لحركة النهضة، حيث اعتقلت الشرطة التونسية مؤخرا قياديا بارزا في تنظيم سلفي جهادي، متهم بالضلوع في هجوم استهدف في 14 سبتمبر الجاري، السفارة والمدرسة الأميركيتين في العاصمة، أثناء احتجاجات على عرض الفيلم المسيء للإسلام، وأسفر الهجوم عن مقتل 4 أشخاص وإصابة العشرات، وذلك احتجاجا على عرض الفيلم الذي أنتج في الولايات المتحدة ويسيء للإسلام وللرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأوردت أسبوعية "آخر خبر" التونسية، أن "عددا كبيرا" من مهاجمي السفارة الأمريكية ينتمون إلى "كتائب أبو عياض".
No comments:
Post a Comment