د. حياة الحويك عطية
اميركا ما تزال ...
الوضع في مصر مقلق للولايات
المتحدة ، ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب دعت معهد بروكنغز الى المشاركة في
جلسة استماع حول مصر قبل زيارة كيري لها، والنتيجة نصيحة بالتدخل في مسار الاحداث
هناك طالما – والتعبير للتقرير الاميركي – ان واشنطن ما تزال تملك نفوذا يسمح لها
بالتتحكم بالبوصلة المصرية .
تعبير "ما تزال" يعكس
سلطة ولكنه يعكس في الوقت ذاته توقعا بانحسار هذه السلطة، وتداركا لذلك قبل حلول
المحذور.
هذا الانحسار قد يبدو محكوما
بمعادلة هي هي بالنسبة لكل ازمات الشرق الاوسط ، فواشنطن قلقة بشان مصر، ولكنها
قلقة اكثر بشان الوضع في سوريا ، في ايران، في تركيا، في العراق وفي افغانستان.
وسياستها بشان هذه البؤر المقلقة واحدة ، كما وصفها احد المحللين الاميركيين: وضع
القضايا الساخنة على نار هادئة. لماذا؟ لان الرئيس الاميركي وادارته الجديدة
يريدان اعطاء الاولوية للبرنامج الداخلي ، وعلى راسه الاصلاح الصحي الذي يريد
الرئيس ان يسجله التاريخ باسمه الذي اختاره : " اوباما كير" اضافة الى
القضايا الاخرى المعروفة والتي تعتمد عليها شعبيته. من هنا فان توسع اية ازمة في
الشرق الاوسط سسنتقص من رصيده ويشغل الكونغرس.
تركيا مقلقة لان احباطها ، براي
خبراء بروكينغز سيدفع بها نحو حلف شنغهاي ، وهذا ما بدا جديا منذ زيارة بوتين الى
انقرة. والصراع بين تركيا وايران على النفوذ في المنطقة مقلق ، خاصة وان خبراء
واشنطن انستيتيوت يرون ان ايران لن تهادن اميركا لان شعبية الحكم ومشروعيته
قائمتانعلى العداء للولايات المتحدة. اما فلسطين فلم تعد مقلقة ولذلك يبدو ان
الادراة الجديدة لا تحمل ولا تنوي اية مبادرة بشانها، اللهم الا حصلت معجزة وتفجرت
انتفاضة جديدة.
وتبقى العقدة السورية ، العقدة
الكبرى في تقرير مصير الشرق الاوسط بل والعالم . واشنطن قلقة من سيطرة التكفيريين
والارهابيين ولكنها لا تستطيع التخلي عن المعارضة السورية ، مما يعني تخليها عن
حلفائها الخليجيين وعن تركيا، وهؤلاء الحلفاء لا يريدون حلا سوريا تشارك فيه طهران
وينتهي ببقاء الرئيس الاسد، لانهم وببساطة تورطوا في اللاعودة. غير ان كيري
يعرف ان رؤيته لتطبيق حل اميركي في سورية تصطدم بالموقف الروسي الداعم للرئيس
الاسد. واشنطن غير راغبة في اغضاب روسيا لعدة اسباب ليس اقلها اثنين : الملف
النووي الايراني وتامين انسحاب القوات الاميركية من افغانستان. ففي الاول لا يمكن
ضبط تقدم ايران نحو السلاح النووي بدون موسكو وفي الثاني تتحكم روسيا باحدى الممرات الرئيسية التي
ستسلكها القوات الاميركية، وهي ما يعرف بخطوط الامداد الشمالية، والتي تتعرج
وجهتها من كابول مرورا بنفق سالانغ وانتهاء باراضي الجمهوريات السوفياتية السابقة
في آسيا الوسطى. وهي خطوط لا بد من التعويل عليها لاخلاء المعدات العسكرية
الاميركية الثقيلة من افغانستان. تعويل قد يصبح مرفوضا اذا تجاوزت الادارة
الاميركية المساعدات الانسانية للمعارضة السورية الى تزويد المقاتلين بالسلاح ،
خاصة الثقيل منه.
ولتفادي ذلك قررت واشنطن اعتماد القوة الناعمة ، بدعم سخي للمعارضة المعتدلة تستعمله في المساعدات الانسانية وتوفير الخدمات
الحكومية الاساسية في المناطق التي تسيطر عليها بحيث تكسب المواطنين ضد النظام وضد
المجموعات الارهابية في ان واحد.
هنا اختلفت رؤيتها مع الحلفاء ، فلا
يكفي بالنسبة لهؤلاء ان ندعم المعتدلين، اولا لان ذلك قد يؤدي الى حل سياسي لا
يقضي كليا على النظام القائم ، وثانيا لان الكثير من هذه المجموعات المسلحة هو
صنيعتها ، وبالتالي فان ارتدادات القضاء عليه او حتى اضعافه ستنعكس ليس فقط على
سوريا بل وعلى لبنان والعراق ومن ثم سائر دول المنطقة. ومن هنا يمكن فهم التصعيد
الذي شهدناه هذا الاسبوع باتجاه لبنان والعراق. ويمكن فهم التمرد اللبناني الرسمي
على اوامر السفيرة كونيللي.
واذا كان ذلك يعني اننا نقف اليوم
امام خيارين :اما الاتجاه نحو حل سياسي يعتبر منعطفا للمنطقة كلها ، واما الاتجاه
نحو متداد النار بحيث لا تترك احدا، فان الولايات المتحدة ليست هي الشيطان الاكبر هذه
المرة.
No comments:
Post a Comment