في أول تعليق على خطاب الرئيس الفرنسي فرانسوا
هولاند أمام حشد السفراء الفرنسيين في اجتماعهم السنوي ،وفي الشق المتعلق
بسوريا، تساءل أحد المعلقين السياسيين على قناة ي تيلي الإخبارية ما الذي
قصده هولاند بتحييد الرئيس السوري ؟ هل هى دعوة لاغتياله ؟
هولاند صعّد اللهجة بخصوص الرئيس السوري وذكره
بالاسم عدة مرات ، محملاً إياه ما يجري في سوريا من قتل ودمار واستخدام
للأسلحة الكيميائية، في الغوطة تحديداً ، إلى أن وصل إلى ضرورة “تحييده ”
كشرط أول لتنفيذ الفترة الانتقالية وبيان مجلس الأمن الذي صدر الأسبوع
الماضي بدفع فرنسي .هولاند يريد “خفض مستوى الإرهاب ،” دون الحفاظ على
بشار الأسد الذي يقتل شعبه وما زال ” هكذا قال الرئيس الفرنسي .وابتكر بعد
تصريح “الأيام المعدودة ” للبيت الأبيض و”لا يستحق الوجود على وجه الأرض”
تصريح فابيوس وزير خارجيته ، تعبيراً جديداً في قاموس السياسة الفرنسية
حول مصير الأسد .
لا تمر مناسبة لخطاب أو مداخلة تلفزيونية،
كتلك المخصصة للعيد الوطني الفرنسي في الرابع غشر من يوليو ، إلا ويصعّد
فيها هولاند لهجته ضد الرئيس السوري ، حتى بات الأمر مثيراً للتساؤل في
الأوساط الفرنسية ، في وقت تسير فيه الدبلوماسية العالمية نحو التهدئة و
البحث عن حلول و تشجيع للحوار بين السوريين، كما تفعل موسكو , مما اضطر
أحد المعلقين السياسيين إلى تذكير رئيسه بأن الأسد ليس وحده بل تقف
وراءه طائفة ،”هي مكوّن أساسي من مكونات المجتمع السوري ولن تقف مكتوفة
الأيدي إذا استهدف الأسد ” .
وليثبت للرأي العام وقوفه إلى جانب الشعب السوري وصواب سياسته الخارجية،
عاود هولاند ضرب كفيه والتباكي لعدم حصوله على
الضوء الأخضر من حليفه الأمريكي منذ عامين ،” لمعاقبة النظام السوري ”
وتلقينه درساً ، من خلال قصف المنشآت الحيوية في دمشق وتدمير مقومات
الدولة والقضاء على الجيش وعتاده وطائراته و مطاراته ودفاعاته الجوية وفق
لائحة أهداف معروفة وموثقة مارست فرنسا قصفها في ليبيا القذافي وسبقتها
في “البروفة ” أمريكا في العراق ، قبل أن يوكل البلدان المهمة للجماعات
الإرهابية في سوريا التفافاً على الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج في مجلس
الآمن . ويذّكر هولاند ، كي لا ننسى ولن ننسى ، بأنه كان سباقاً ومحقاً
بالاعتراف بالمعارضة السورية ،ويقصد المجلس الوطني السوري ،”كالممثل الشرعي
والوحيد للشعب السوري “، هذا المجلس الذي أعلنت هيلاري كلينتون وزيرة
خارجية أوباما حينها ،عدم شرعية تمثيله للسوريين ، وفندت وثائق ويكيليكس
مؤخراً عمالة البعض من أعضائه لإسرائيل وانصياع آخرين لأوامر دول “شقيقة ”
أقسمت على تدمير سوريا وإرجاعها للعصر الحجري عقاباً لها لصداقتها بإيران .
.لم يأت هولاند على ذكر عبارة “حق السوريين في تقرير المصير ” أو حقهم في
اختيار رئيسهم بالاقتراع المباشر ،ولو من باب المجاملة الدبلوماسية أمام
حشد السفراء ممثليه في أصقاع الأرض لأن في جعبته مشروعا ً جاهزاً للشعب
السوري الذي كان تحت حمايته وحماية علمه في فترة ما وقت الانتداب .. وفيما
الجهود الروسية تسعى لتوحيد صفوف المعارضة السورية ، وتستقبل موسكو مختلف
الفرقاء السوريين يتبنى هولاند وجهة نظر معارضة متشددة ” داعشية الهوى
“لا تسعى لأي حوار بل تريد وضع الشروط المسبقة لأي مفاوضات ،غير آبهة
باستمرار الحرب وقتل المزيد من البشر . هولاند على اتصال مباشر بمعارضة
“معتدلة “على الأرض في سوريا، وهاهو يعدها بمزيد من الدعم والتسليح
لتستمرفي وهمها بإمكانية إسقاط الدولة السورية وإن بقيت متمركزة في
كيلومتر مربع واحد في منطقة الزبداني. !
وفي خطة فندها للحل في سوريا ترجمتها كالتالي
الشرط الأول تحييد بشار الأسد كما قال وردد
في خطابه ” دون الحفاظ على الأسد ” وهي رسالة موجهة لحلفائه بأن باريس
ستدعم تحفظاتهم على مصير الأسد وهي على العهد في مواصلة تأجيج الحرب بدلا
من نزع فتيلها حتى يتحقق هذا الهدف . والشرط الثاني هو ” تقديم ضمانات
قوية لجميع قوى المعارضة المعتدلة ، من سنة وأكراد ” ويقصد جبهة النصرة
وأخواتها ، وهنا يسعى هولاند إلى القضاء على الهوية السورية وعلى العروبة
في سوريا فلا يوجد شعب سوري وإنما مكونات عرقية طائفية شعب سني وشعب كردي
وشعب درزي وشعب علوي مما استدعى رداً عنيفأ من دمشق والتذكير بتاريخ فرنسا
الإستعماري ومحاولاتها لتقسيم سوريا على أسس مذهبية . وفي شرطه الثالث
والأخير يدعو هولاند إلى إشراك جميع الدول في الحل للأزمة السورية بدءاً
بالدول الخليجية و تركيا وايران وأصدقائه “المعارضة المعتدلة ” .
بعد الاستماع لمثل هذا الخطاب من رئيس دولة
تملك حق التصويت في مجلس الأمن و تسعى إلى الدفاع عن حقوق الإنسان
والأقليات وحقوق المرأة في المحافل الدولية، يجدر التساؤل عن الدور الذي
يمكن أن تلعبه فرنسا مستقبلا ً في أروقة الدبلوماسية العالمية إن لم يكن
دوراً تخريبياً مدمراً للسوريين كما لليبيين قبلهم، وكأن مجازر داعش وصور
اللاجئين الغرقى في المتوسط والقتلى السوريين في مجمل الأرض السورية ليست
بعد كافية للجم الأفواه عن دعم “إرهابيين معتدلين بالسلاح والمال ” .
فرنسا كانت رأس الحربة في الأزمة السورية منذ بدايتها ،انسحبت من دمشق
بإغلاق سفارتها وراهنت على سقوط الدولة والمؤسسات السورية وصمتت عن قتل
الأقليات عندما كانت القوى ” المعتدلة ” حليفتها تدمر كنائس حلب في عيد
الفصح الشرقي ، وتغاضت عن تدخلات حليفها التركي أردوغان في إدلب وجسر
الشغور لإيصال القاعدة إلى تلك المدن وتهجير أهلها الآمنين من بيوتهم ،
وتسلل مسؤوليها كاللصوص خلسة إلى الشمال السوري لدعم الأكراد وتحريضهم
على الدولة المركزية للانفصال عنها ، وبعد خمس سنوات هولاند يأسف لأن
العالم “أضاع الكثير من الوقت ” دون ايجاد حل في سوريا ويتساءل ماذا عليه
أن يفعل للقضاء على الإرهاب ؟ هو ليس جاداً كما حليفه الأمريكي في القضاء
على داعش لا في العراق ولا في سيناء ولا في ليبيا يفضل بقاء التنظيم
كفزاعة للمنطقة بأسرها ولدول الخليج تحديداً ،سوق السلاح الجديدة للمصانع
الفرنسية .
كم هو مستاء اليوم الرئيس الفرنسي من سماع
الإقتراح الروسي في تشكيل جبهة واسعة لمواجهة الإرهاب، تكون سورية شريكة
فيها ومن التقارب والتعاون المصري السوري لمكافحة داعش .
من المؤكد أنه سيسعى مع حلفائه وهم كثر، وعلى
رأسهم إسرائيل ،لوأد محاولات الصلح وطي صفحة الحرب ،وما خطابه هذا إلا
المقدمة لإعطاء نوطة النشاز في افتتاحية أوركسترا اجتماعات الأمم المتحدة
القادمة والنقاشات حول سوريا.
No comments:
Post a Comment