Search This Blog

Sunday, December 30, 2012

Hédi Daniel: l'administration américaine تستعدّ لحرب عدوانيةse prépare...

كتب هادي دانيال - الإدارة الأمريكية الأشدُّ خَطَراً على مُستَقبلِ البشرية تستعدّ لحرب عدوانية مُفْتَعِلَةً ذريعة خَطَرِ السلاح 29-12- 2012الكيميائيّ في سورية


عندما أعلنت صحيفة " نيويورك تايمز " مؤخّراً أنّ إدارة الرئيس الأمريكي " باراك أوباما تستنسخ في نهجها الأخطاء نفسها التي اقترفَتها إدارة سَلَفِهِ "جورج دبليو بوش" إبّان الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 ، والتي أشعلتْ المنطقة بَدَلاً مِن تهدئتها ، باعتماد الإدارتين المتتاليتين تقارير الاستخبارات الأمريكية " السي آي إي " التي جاوزَتْ عَدَمَ الدّقة إلى التضليل ، أصابتْ الصحيفةُ الأمريكية في تحذيرها مِن أن "تسونامي" الأزمة السورية ،(إن لم تجد حلا وطنيا سلميا سريعا - هذا مِن عندي طبعاً ) سيشمل سائر أرجاء المنطقة ، لأنّ صعود تيارات الإسلام السياسي الوهابية التكفيرية التي يتصدّرها تنظيم "القاعدة" وأقنعته "الجهادية" المتفرعة عنه ، لا يستهدف فقط النموذجَ السوريّ للتعايُشِ بين المكوّنات العرقية والدينية والمذهبية المُنصهِرة في بوتقةٍ وطنية واحدة، بل يتعدّاهُ إلى تفكيكٍ جغراسياسي ستكون تركيا ولبنان والعراق والأردن في مهبّهِ المُباشَر ، ولن تكون السعودية وأخواتها من الكياناتِ الخليجية في منأى عن تداعياتِهِ الحتميّة.

إلا أنّ الخطأ ، بل الخطيئة التي غفلتْ عنها أو تعمّدَت " نيويورك تايمز " تجاهُلَها ، هي أنّه مثلما أسَّسَتْ إدارة "جورج بوش الإبن" لِعدوانِها على العراق على تقارير زائفة وتضليلية تدّعي أنّ نظامَ الرئيس صدّام حسين كان يمتلك أسلحة دَمارٍ شامِلٍ ، واعترفَت الإدارةُ نفسها لاحقاً ، أي بَعْدَ خَرابِ البصرة ، بأنَّه تمَّ تضليل مخابراتها ، وهي هنا تُمْعِنُ في الكذبِ ، لأننا على يقين مِن أن إدارة "جورج بوش الصغير " لو كانت متأكدة من امتلاك بغداد أسلحة الدّمار المزعومة ، لما غامَرَتْ بشنّ حربِ الدمار الشاملة عليها.. ، فإنّ إدارة الخَلَفِ "باراك أوباما" تؤسِّسُ الآنَ لِعدْوانٍ تدميريّ شامِل مُبَيَّتٍ ليس فقط على سورية – التي كانت هَدَفاُ مُباشَراً مُدْرَجاً على أجندةِ غزْوِ العِراق لولا أن أوقَفَتْها المقاوَمَة الوطنية العِراقية في حدودِ أرض السواد – بل يشمل هذه المرّة في حزمة أهداف شرّيرة واحدة إيرانَ والمقاومة الوطنية اللبنانية والمصالح الاقتصادية والجيوسياسية الروسية والصينية ، تؤسس لهذا العدوان على تخوُّفات واهية مِن امتِلاكِ جيشنا العربي السوري أسلحة كيماوية قد يستخدمُها في لحظةٍ ما مِن الصِّراعِ الدائر حاليا ضدَّ مجموعات إرهابية يحمل أفرادُها جنسيات تركية ولبنانية ومصرية وسعودية وليبية وتونسية وقطرية وكويتية وأردنية ومغربية وأزبكستانية وأفغانية وباكستانية وصينية وأمريكية وبريطانية وفرنسية وسودانية .. ويسمونها في إعلامهم وتصريحاتهم السياسية المتهافتة "الشعب السوري".
وكما بات معلوماً ، ما أن تمَّ الكشْفُ عن فضيحةِ إدارة "بوش الثاني" واعتمادهِ كحفيدٍ لرُعاةِ البَقَرِ أكذوبةً مُرْتَجَلةً لتبرير ما لا يُبَرَّر مِن خَرْقِ القانونِ الدولي وتدمير البشَر والحجَر والشجَر في بَلَدٍ ذي سيادة وحضارة عريقة ومُؤسِّسٍ لهيئة الأمم المتحدة ، ما أن فاحت رائحة الجريمة الأمريكية المدبَّرَة ضدّ الإنسانية حتى لجأ بحماقةٍ وصفاقة إلى ذرائع تبريريّة أكثر تهافُتاً مِن الذريعة الأولى ، أعني ادِّعاءَ الإدارة الأمريكية حرْصاً ذئبيّاً على تخليص الشعب العراقي مِن "نظامٍ دكتاتوريّ" وتعويضه بنظام " ديمقراطي يضمن حقوقَ الإنسان العراقيّ".
ولئن أفضى العدوانُ الذي قادته الولاياتُ المتحدة الأمريكية سنة 2003 إلى إسقاط نظام الرئيس صدام حسين ، فإنه قبْلَ ذلك أفضى إلى زهْقِ أرواح مئاتِ الآلافِ مِن العراقيين ، وتدمير مؤسسات الدولة العراقية وتهديد وحدة الشعب العراقي وَجَعْلِ الدولة العراقية على حافّةِ التفكُّكِ الجغراسياسي ، ناهيكَ عن كيفيّةِ "احتِرامِ" الاحتلال الأمريكي لحرية وحقوق الإنسان العراقي التي كانت فضائحُ سجْنِ"أبي غريب" الإجرامية مِن تجلّياتِها. ولا يخالجُنا شَكٌّ في أنّ مَن كانَ مُسْتَهْدَفاً في العدوانِ على العِراق ليسَ صدّام حسين ونظامه بل الدولة العراقية التي تهدّد أمن الكيان الصهيوني الاستراتيجيّ بجيشها واقتصادها ومَواردها البشرية الأقوى في المنطقة وآخِرُ ما قد يفكّر فيه الغرب بأسره أن يستمر بلد عربيّ بهذه المواصفات على الخارطة السياسية الدولية بغض النظر عن طبيعة أو شكل النظام السياسي فيه.
لذلك، وفي سياق مؤامرة ما يُسمّى "الربيع العربي" لاستئناف تنفيذِ خطّة "برنارد لويس" من أجل إقامة الشرق الأوسط الكبير ، الهادفةِ إلى تفتيتِ الدولِ الواقعةِ جغراسياسيا بين الباكستان ومراكش ، واستبدالها بدويلات فاشلة تقوم على أسس عرقية ودينية ومذهبية وعشائرية ، وتدور جميعها في فَلَكِ "دولة إسرائيل اليهودية الكبرى" ، وما يُفْضي إليه ذلك بالضرورة مِن وَضْعِ اليَدِ الأمريكية الصهيونية على ترسانة الباكستان النووية والحؤول دون امتلاك إيران سلاحا نوويّاً ، وتدمير الجيوش العربية الأربعة الأكبر (العراقي ، المصري ، السوري ، والجزائري) ، والتمهيد لتأمين المصالح الإقتصادية الأمريكية في القارة الأفريقية بالقوة العسكرية ممثلةً بالقوات الأمريكية لأفريقيا "أفريكوم" لمواجهة زحْفِ التنين الاقتصادي الصيني في القارة السمراء ، ومحاصَرة تسويق الغاز الروسي والإيراني لصالح الغاز القطري وتطويق روسيا عسكريا وجيوسياسياً وتحريك الأقليات الإسلامية في الصين وروسيا ورفد مايمكن اختلاقه من بؤر توتّر إنفصالية فيهما بما يتبقى مِن قطعان الإرهابيين الأصوليين الذين تمّ تسريبهم في مهمة شيطانية إلى الأراضي السورية.
في هذا السياق تمَّ افتِعال"ثورة" في الجماهيرية الليبية سرعان ما تحوّلتْ إلى حرب استعمارية ضارية شنّها الحلفُ الأطلسي تحت ذريعة منْع الطيران الليبي من استهداف "الثوار" ، فدمّرتْ قاذفاتُ "الناتو" مؤسسات الدولة الهشّة أصلاً وبَسَطَتْ سيطَرةَ الشركات الإمبريالية الإحتكارية على ثروات ليبيا مِن النفط والغاز وغيرهما ، وحصلت "أفريكوم" على قاعدة لقيادتها في الصحراء الليبية ، وتمّ تقسيمُ الشعب الليبي الموحَّد عرقاً وديناً ومَذْهَباً على أسسٍ عشائرية قَبَليّة وجِهويّة ، تمهيداً لتقسيم ليبيا سياسياً.
وعندما حاولت الإدارة الأمريكية نَقْلَ السيناريو الليبي بحذافيرِهِ تقريباً لتطبيقه على سورية ، اصطدَمَتْ بوَضْعٍ مُخْتَلِفٍ عَصِيٍّ على هذا السيناريو الإبادِيّ ، حيث صلابة تماسُكِ مؤسسات الدولة ، وبخاصّة المؤسسة العسكريّة ، وحيث الشعب حريصٌ على دولتِهِ وعلى نَمُوذَجِها الوطنيّ في تعايش مكوّناته ، وحيث الدولة العريقة في مَدَنيّتِها بالرّغم من تكلُّس مفاصِلِها البيروقراطية وما أكله دودُ الفسادِ مِن إرْثِها الحضاريّ ، وحيث النظام السياسي الذي بالرغم مِن طابعهِ الشموليّ فقد تأسس على تداخُلِ الوطنيّ بالقوميّ وحَصَّنَ نَفْسَهُ في هذه الصيرورة ومسارِها التاريخي بعلاقاتٍ إقليمية ودولية ليس فقط يستحيل على المُعسكر المُعادِي فَصْمُ عُراها ، بل صارت في هذه اللحظة التاريخية جزءا كبير من دفاع الوطن الذاتيّ وفي الوقت نفسه جعلت مِن سورية ساحةً لتحوُّلٍ دوليّ جديد لا بُدّ أن يكون لصالح البشرية وشعوبها في صراعها مع قوى الشر والغطرسة الدولية ممثلة بالدوائر الصهيوأمريكية وأتباعها.
لذلك زجَّتْ هذه الدوائر عملاءها المحليين مِن "علقميين" و"جلبيين" و"كرزاوات" ، وحلفاءها الأطلسيين والخليجيين ، وأتباعها في الغرب الأوربي كفرنسا التي كرر " سيركوزيها" في ليبيا الدور الأحمق الذي قام به "ميترانُها" في العراق لتمرِّغَ قيَمَ الثورة الفرنسية والسياسة الديغولية المتزنة في الوحل الأمريكي وتعود من هذه الحروب الأمريكية الصهيونية بخفيّ حنين إقتصادياً.. تمّ زجّ كلَّ هؤلاء في حرب مفتوحةٍ على الدولة السورية وقيادتها الوطنية وجيشها العقائدي ، ومعهم رهوط الوهابيين الإرهابيين المتوحّشين الذين استقدمتهم مِن كلّ حَدْبٍ وصَوْب ، والذين يتوهّمون أو يُوهِمُونَ العامّةَ – الذين لا يمكِن خِداعَهُم إلى مالا نهاية - أن "الخلافة الإسلامية" يُمكِنُ أن تُدْرَجَ يوماً في أي مشروع صهيوأمريكي ، زجَّتْ هؤلاء القتَلَة لارتِكاب المجازر ضدّ الشعب السوري وإلصاقِها بجيش هذا الشعب ، الجيش العربي السوري،عَساها بذلكَ تستَصدِرُ قرارات مِن مجلس الأمن الدوليّ تُبيح لها التدخُّلَ الخارجي العسكريّ في سورية تحت البنْدِ السابع "لِدواعٍ إنسانيّة " مختلفة ، مُستخدِمة شعارات تمكين الشعب السوري مِن نِظامٍ سياسيّ يحفظ حقوق الإنسان المزعومة ، والتي يجسّدُها الآن "ثوّارهُم" بقطع الرؤوس و"الذبح على المجرور" واغتصاب المحصّنات والقاصرات وحرق المدارس ومخازن الحبوب ..إلخ.
وعندما أدّى صمود الدولة والشعب السوريين وجيشهما الباسل الذي فاجأ بقدراتِه وروحه القتالية وشمُوخِهِ الوطنيّ حتى الثعلبَ الصهيوني المخضرَم "هنري كيسنجر" ، ومؤسساتهما الإعلامية المستبسِلَة بكفاءة مهنية عائلية ، إلى تمكين الرأي العام السوري والعربي والإقليمي والدولي مِن إدراكِ حقيقة أنّ ما يُضَرِّج الأرضَ السوريّة حَرْبٌ دوليّة تعتمد التدميرَ المُمَنْهَجَ لمؤسساتِ الدولةِ السورية ، عادَت الإدارة الأمريكية "الأوبامية" إلى النَّسْجِ على مِنوالِ سابِقَتِها "البوشيّة" باتّباعِ سياسة الذرائع تحضيراً لتَدَخُّلٍ عسكريٍّ مِن خارِجِ الأمم المُتّحدة ضدّ سورية.
فأمامَ يأسِها مِن إمكانيّةِ تَمَكُّن إرهابييها المُلتَحين مِن تأمين منطقةٍ عازِلة بعد مضيّ عشرين شهراً ونيّف مِن مُحاولاتٍ مُستميتة مُورِسَتْ فيها مُخْتَلفُ خبرات تنظيم القاعدة ومؤسسة بلاك ووتر والمخابرات التركية والفرنسية والقطرية والسعودية وغيرها في القتل والتفجير والتدمير والإغتيال والتي استهدفت شعبنا أفقيا وعموديا ، وإثر القنوط الذي أصابها مِن إمكانية استِصدارِ قرارٍ أمميّ تحت البند السابع يُتيح فَرْضَ حَظْر على تحليقِ نسور الجوّ السوريّ في سماء سورية وبسط ظلال أجنحتهم على كلّ شبْر مِن تُرابها ، ناطِحةً بقرنيّ غطْرَسَتِها ثلاثَ مرّاتٍ صخرةَ الفيتو المزدوج الروسي – الصيني ، إلى أن تخَلَّعَ قرناها فاستلّتهما وحوّلتهما إلى خِنجَريّ غَدْرٍ لعلَّ وعسى ، فخَطَتْ واشنطنُ خطوةً إلى الوراء ووضعت مجموعات تنظيم القاعدة مثل "جبهة النصرة" على قائمة الإرهاب الأمريكية لذرّ الرماد في العيون ، ثمَّ التقدُّم بخطوة واسعةٍ إلى الأمام مُدّعيةً تخوُّفَها مِن احتِمالِ استخدامِ الأسلحة الكيميائية التي قد تكون في حوزة الجيش العربي السوري ، إن كان مِن طرَفِهِ أومِن طَرَفِ المجموعاتِ الإرهابية في حال وصولِ أيديها الطليقة إلى هذا السلاح ، حسب التخرّصات الأمريكية والإسرائيلية التي تعزِفُ في وقت واحِدٍ على ذات الوتَر.
واللافِتُ أنّ إقدامَ واشنطُن على وضع مجموعات القاعدة في سورية على قائمتها المتعلقة بالإرهاب لم يُتَرْجَم إلى ضغط أمريكيّ فِعْليّ على حلفاء الولايات المتحدة وأتباعها كي يكفّوا عن تمويل وتسليح هذه المجموعات ، وأن يتوقّفوا عن رفْدِها بالمسلحين وتسهيل مرورهم إلى سورية مِن الحدود التركية وسِواها.


بل على العكس مِن ذلك ، وفي الوقت نفسه ، يتم نشر منصات صواريخ "الباتريوت" الأمريكية في الأراضي التركية المحاذية لسورية، مما يشفّ عن عزمٍ أمريكيّ على شَنِّ حَرْبٍ أطلسية انطلاقاً مِن ذريعةِ "الأسلحة الكيميائية" السورية ، على الرّغم مِن تأكيد القيادة السورية مِرارا أنّ هذه الأسلحة في مكان آمِن مُسَيْطَرٍ عليه تماماً ولا يُشكّل وجودُها أيُّ خَطَر مهما طالَ النِّزاعُ أو اشتدَّ.
فما الذي يعنيه هذا كلّه؟.


إنّ هذا السلوك الأمريكيّ يؤشِّرُ أنّ إدارة "باراك أوباما" وحلفاءها الغربيين تتصدّرهم بريطانيا الشمطاء والإقليميين ويتقدّمهم سلاجقةُ أنقرة وتلموديّوا تل أبيب ، والخليجيين وبخاصّة المُرتَعِدَةُ فرائصُهُم مِن قوافي الشعراء النبطيين فكيف يكون حالهم إزاء زئير أسود الشام ، أعني طبعاً نعْجَةَ الدَّوحَةِ وناقةَ الرِّياض في مُفرَدِهما وجمعِهِما ، فكلّ هؤلاء وَمَن يَتَمَعَّشُ مِن بلاطاتِهم أو يُوهِمُهم خاسئاً أنّ بمقدورِهِ أن يبيعهم الدّمَ السوريّ ، قد عقدوا العزم " سيكون عزمَ الفَرَزْدَقِ على مَرْبَعٍ إن شاء الله" على شنِّ حَربٍ لإسقاط نظامِنا الوطني ، وتدمير مؤسسات دولتنا وبخاصة مؤسستنا العسكرية ، في حالِ فَشَلِ مجموعاتهم المسلحة في تنفيذ هذه المهمة الإستعمارية الكأداء.


وهذه الحرب العدوانية الوشيكة لن تكون على سورية فقط ، بل ستشمل إيرانَ والمقاومة الوطنية اللبنانية وحتى أولئك المطمئنين إلى هدنة مع العدو الصهيوني برعاية "مرسي" في غزّة، وسيكون الكيانُ الصهيونيُّ طَرَفاً أساسيّاً في شنّها إلى جانب القواعد الأطلسية في تركيا والأمريكية في الكيانات الخليجية.


وإذا كان نَشْرُ مِنَصّاتِ صواريخِ "الباتريوت" على الحدود التركية مع سورية ، مؤشِّراً على مشاركةِ القواعد الأطلسية والأمريكية في تركيا ، فإن إعلان قائد قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة " هيرفي لادسو" بأنّ المنظمة الدولية بصدد إرسالِ معدّاتِ وقايةٍ من الأسلحة الكيميائية لأفراد القوة الدولية في هضبة الجولان السوري المحتل وعددهم 1050 عسكريا ، وما تلاه مِن قرار طوكيو- وهي القريبة من دوائر اتخاذ القرار الأمريكية – بسحب عساكرها الخمسين مِن الجولان المحتلّ ، لا يدَع مجالا للشكّ بما تسرَّبَ إلينا من معلومات عن مصادر دولية مطلعة بأنّ شَبَحَ الحرب باتَ أكثر حُضورا وقتامةً.


كما أنّ تسريب أخبار عن العثور على قنابل غازات سامة في أماكن الصراع أو عثور المسلحين على أقنعة حامية من الغاز السام في مواقع للجيش العربي السوري ، محاولات أولية للإيحاء بأن الأسلحة الكيميائية السورية على قاب قوسين أو أدنى من الاستخدام في هذه الحرب ، مع احتمال كبير لتزويد المجموعات المسلحة بأسلحة كيميائية ودفعهم إلى استعمالها لترويج "مصداقية" ما لفرضيّة واشنطن وذريعتها.
السؤال هُنا : إذا كنا حاسمين في أنَّهُ لو كانت إدارة "بوش الابن" واثقة مِن امتِلاك بغداد أسلحة دمار شامل لما أقدَمَت على غزوها ، فكيف بالمُقابل تُقدِمُ على حرب ضدّ دمشق إذا كانت متيقّنة من امتلاك الجيش العربي السوري أسلحة كيميائية؟.


والجواب أن واشنطن وتل أبيب تعلمان جيدا أن الأسلحة الكيميائية السورية ليست موجودة عند جيشنا للاستعمال بل لخلق توازن رعب مع الأسلحة النووية الإسرائيلية ، إلا أنّ الولايات المتحدة تستخدِمُها الآن كذريعة لحرب تدفع إليها الدوائر الصهيونية واشنطنَ دَفْعاً لتأمينِ حماية "إسرائيل" التي باتت متيقنة مِن أنّ وجودها باتَ مُهدَّدا أمام قوة المقاوَمة في لبنان أو فلسطين المحتلة فما بالك إن وَجَدَتْ نفسَها وحيدة في حرب أمام سورية أو إيران أو كليهما ، ولذلك فإن استكمال الحرب الدائرة في سورية وتصعيدها بمشاركة القواعد الأمريكية والأطلسية في المنطقة وبمشاركة جيوش دول عربية و إقليمية باتت في حالة عداء مُعلَن مع سورية إضافة إلى عشرات آلاف الإرهابيين الإسلاميين الذين يتصدى لهم الجيش العربي السوري الآن ، كلّ هذا تنظر إليه الدوائر الصهيونية كفرصة تاريخية ربما يستحيل أن تتكرر ، ومن "الطبيعي" أن تنتهزها "إسرائيل" التي نشأت وترعرعت وقويت شوكتُها بانتهاز الفرص.


وللأسف فإنّ أحمق البيت الأبيض "الجديد" لم يتعلّم مِن درس الهزائم التي لحقت بالقوة الأمريكية الغازية في أفغانستان والعراق ، ويبدو أنه لا يريد أن يقتنع بحقيقة أنّ أيّ عدوان قد تشنّه واشنطن ولندن وتل أبيب وحلف الناتو وأتباعهم على سورية وإيران و"حزب الله" – مجتمعين أو كلاً على حِدَة – مِن أجل السيطرة على المنطقة بأسرها ، يتصدّى لها بعزيمة واقتِدار ملايين الصواريخ السورية والإيرانية وربما الروسية والصينية ، التي ستجعل مساحات شاسعة في الكثير مِن دول العالم بما فيها الكيانات الخليجية وبلدان أوربية قاعاً صَفْصَفاً ، بحيث ترزحُ البشرية ولمدّة طويلة تحت كابوس أقلّ نتائجه المؤكدة دمار الاقتصاد العالميّ بالكامل.


فهَل بقيَ في دوائر القرار الأمريكيّ بَعْضُ عَقْلٍ يكبَحُ جُنونَ الشركاتِ الإحتكارية الإمبريالية الشرّير الشَّرِس ، الذي يَسعى "فيروس" الصهيونية العالمية إلى أن يُفْلِتَهُ مِن عقالِه؟
* كاتب و شاعر سوري 




 

Friday, December 28, 2012

Olfa Riahi: entretien Achourouk

«الشروق» تحاور ألفة الرياحي المدونة التي كشفت قضية وزير الخارجية في نزل الــ«شيراتون»

الجمعة 28 ديسمبر 2012 الساعة 09:54:27 بتوقيت تونس العاصمة


Slide 1 تونس (الشروق)
تحتاج الحقيقة دائما الى الكثير من التفاصيل للوصول إليها لذلك كان لنا حديث مع ألفة الرياحي المدوّنة والناشطة صلب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتي فجّرت قضية وزير الخارجية رفيق عبد السلام.

«الشروق» التقت مع ألفة الرياحي في هذا الحوار الذي كشفت من خلاله تفاصيل كثيرة وجديدة حول ما دار في شبكة التواصل الاجتماعي الـ«فايس بوك» والموقع الخاص للمدونة حول حادثة «الوزير والشيراتون».

تناقلت المواقع الاجتماعية الـ«فايس بوك» و«تويتر» ومدونتك الخاصة خبرا مفاده أن وزير الخارجية رفيق عبد السلام يقوم بعديد التجاوزات المالية والأخلاقية، ويتردّد على نزل الشيراتون ويدفع الفواتير من مال الحكومة، ألا تعتبرين هذا اتهاما خطيرا للوزير؟

هذه ليست اتهامات بل حقائق وأملك وثائق تؤكد ما كتبته في مدونتي وعلى صفحات الـ«فايس بوك» وفي بداية عملي للبحث عن الحقيقة اكتشفت أن القضية هي أخلاقية ولكن لم أكترث لأني لا أؤمن بنشر فضائح الآخرين ولكن عندما علمت أن وزير الخارجية يدفع فواتير قضائه ليالي بنزل الشيراتون من مال هذا الشعب قرّرت فضح هذا التجاوز الخطير ومازلت متمسّكة بأن المشكل ليس في قيامه بعلاقة لا أخلاقية مع امرأة متزوجة ولكن أن يدفع من مالنا فهذا هو المشكل الخطير.

كيف اكتشفت تفاصيل هذه القضية؟

منذ حوالي شهرين بدأت الوثائق تصلني وعددها ثلاث وأولوها وثيقة خلاص بتاريخ 13 جانفي 2012 يعني مباشرة بعد تسميته كوزير خارجية في 24 ديسمبر 2011 وكان المبلغ 424 دينارا، ثم يوم 14 جانفي وتمّ سداد 424 دينارا ويوم 17 جانفي 332 دينارا، وللعلم تحتوي هذه المبالغ على أسعار الغرف فقط وليس معها مصاريف الأكل وخاصة وجبة الصباح وفي شهر فيفري أيضا عاد وزير الخارجية ليحجز غرفة يوم 16 من هذا الشهر بثمن 372 دينارا ويوم 23 فيفري بـ 339 دينارا وآخرها يوم 18 جوان 2012 حجز غرفة بـ 516 دينارا وعندما بحثت عمّن دفع ثمن هذه الفواتير الست وجدت ان وزارة الخارجية هي التي سدّدت المبالغ عن طريق صكين من الشركة التونسية للبنك تحت عدد 91 و84 وتم خلاصهما في شهر جويلية.

كيف تأكدت من صحة الوثائق التي بحوزتك وخاصة أن القضية تتعلق برجل دولة وصهر رئيس حركة النهضة الحزب الحاكم؟

أملك رقم حساب وزارة الخارجية وأنا متأكدة من صحة الوثائق وهذا البحث دام شهرين ونصفا ولم يأت من فراغ وتأكدت ايضا انه يوم 18 جوان 2012 كان الوزير موجودا في نزل الشيراتون في نفس اليوم الذي حجزت فيه أيضا هذه السيدة. وللعلم فإن هذه الفاتورة دفعها الوزير من ماله الخاص ونقدا وليس باستعمال صك والفاتورة مكتوب عليها اسم هذه المرأة وتحتها مباشرة اسم رفيق عبد السلام وزير الخارجية.

وهل هناك تجاوزات أخرى للوزير؟

نعم وأريد أن أسأل وزير الخارجية ماذا تفعل بهذا العدد الهام من السيارات الحكومية التي على ذمتك؟ وإن كنت تملك هذه السيارات وعلى ذمتك مجموعة من السائقين لماذا لم تعد الى منزلك؟ ولماذا اخترت هذا النزل رغم علمك بأن أثمان الحجز فيه مرتفعة جدا وعندما سمعت ردّه على هذه القضية تأكدت انه مذنب فهو صرّح بأنه يقضي الليلة هناك لأنه ينهي أعماله متأخرا ألا يملك بيتا وعلى ذمته سيارات الدولة وأن هذه السيدة قريبة وهذا غير صحيح وهي متزوجة.

ماهي الخطوة القادمة التي ستقومين بها بعد نشرك لهذه القضية؟

أولا أطالب بفتح تحقيق فوري عاجل حول هذه «الفضيحة» وخاصة في الخبر المتعلق بإهدار المال العام لمصالح شخصية وإن سكتنا اليوم عن ألاف الدنانير فسنجد أنفسنا أمام تجاوزات قد تفوق المليارات وسأكشف عن قريب فضائح جديدة.

هناك من يرى أنك نشرت هذه الوثائق في هذه الفترة بالذات لأن هناك تحويرا وزاريا وهناك رغبة من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في الحصول على هذه الوزارة بالذات؟

للتوضيح لا أملك بطاقة انخراط في هذا الحزب ولكني متعاطفة جدا معه وناشطة صلبه وأنا متأكدة أني لو طرحت عليهم هذه القضية لمنعوني من نشرها لأن فيها جانبا أخلاقيا ولكن نشرتها في مدونتي الخاصة والتي يبلغ عدد المنخرطين فيها من تونس وخارجها 250 ألفا وقد نشرت فيها سابقا عديد القضايا التي تخصّ رجال أعمال كانوا متورطين مع النظام السابق وعلى شخصيات سياسية وآخرها قضية الشابين من ولاية المهدية المتهمين بنشر صور مسيئة عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم أحدهما قابع في السجن وحكم عليه 7 سنوات والآخر فارّ وطلب اللجوء السياسي.

هل ستنشرين قريبا عددا آخر من قضايا الفساد المالي والأخلاقي لوزراء الحكومة والسياسيين؟

هذا مؤكد فسأواصل محاربتي للفساد وأنا أملك وثائق خطيرة على تجاوزات عدد من وزراء الترويكا والمعارضة، وبعد نشري لقضية وزير الخارجية استطعت الحصول على 10 ملفات أخرى للسياسيين وبهذه الطريقة شجعت الناس على كشف الحقيقة دون خوف.

هل هي حرب تشنينها على الحكومة بصفة مباشرة؟

للعلم أنا كنت من المعارضين لفكرة إسقاط الحكومة يوم 23 أكتوبر 2012 لأنها شرعية ومنتخبة ولكن محاربتي للفساد ناتجة عن حبي لوطني وعندما أنقدها لكي يخاف باقي الوزراء والمسؤولين من القيام بأي تجاوز في حق هذا الوطن فهذا لصالح الجميع.

هل وصلتك تهديدات من أي جهة ما؟

بصراحة أنا لا أخاف من أي تهديدات ولكن بدأت الحرب على الـ«فايس بوك» من أنصار حزب النهضة ولكن تعودت كلما نشرت أي قضية أهاجم من جهة معيّنة.

وزير الخارجية يوضّح

في تصريح أدلى به للقناة الوطنية (برنامج بتوقيت الأولى) قال السيد رفيق عبد السلام تعقيبا على مسألة الفواتير بنزل الشيراتون إن العملية تأتي في إطار استهداف الحكومة والنهضة ووزير الخارجية تحديدا. وأضاف انه يتوقع المزيد من الحملات ضد بعض الوزراء على خلفية التجاذبات الجارية بسبب التحوير الوزاري المرتقب.
وبرر الوزير مبيته في النزل المذكور بأنه لا يملك منزلا في تونس ويحدث أن يعود متأخرا من مهمات في الخارج دون أن يتأخر للعمل في الوزارة فيغتنم قرب النزل من الوزارة للمبيت هناك مؤكدا أن المعاملة بكاملها تمرّ عبر المصلحة المعنية بوزارة الخارجية مضيفا انه لم يدفع أية أموال.

شكوى

ذكرت السيدة «ن ـ س» ابنة خال السيد رفيق عبد السلام وزير الخارجية أنها قررت التقدم بشكوى إلى القضاء ضد المدونة ألفة الرياحي التي نشرت تفاصيل قضية إقامتها في نزل الشيراتون القريب من وزارة الخارجية في نفس الوقت مع الوزير.

وقدمت هذه المرأة تصريحا لإذاعة موزاييك ذكرت فيه أنها متزوجة وأم، وأنها ذهبت لمقابلة قريبها الوزير، وتعذر عليه استقبالها في الوزارة  فانتظرته في النزل، وذلك بعلم زوجها الذي هو أيضا قريب الوزير. وأضافت أن زوجها يتضامن معها في الشكوى ضد المدونة التي سببت لها ضررا طال سمعتها وكرامتها.
منى البوعزيزي

Thursday, December 27, 2012

Ahmed Bouazzi:أهمية التعليم في سياسة الدولة

أهمية التعليم في سياسة الدولة
بقلم د. أحمد بوعزّي٭

لئن كان التعليم يوفّر للدولة التونسية الفتية إطاراتها في ستينات وسبعينات القرن الماضي فقدْ فقدَ هذا الدور في القرن الواحد والعشرين، لأن كمية المتخرّجين أصبحت أكثر بكثير من إمكانية استيعاب الوظيفة العمومية لهم من جهة ولأن تكوين إطارات ذات معرفة وثقافة عامة وقدرة على العمل لتحمّل مسؤولية التخطيط والبحث والتطوير لم يكن من أهداف حكومات النظام النوفمبري الذي حكم من 1987 لمدة ثلاث وعشرين سنة، وأصبح الانتداب في الوظيفة العمومية في عهده يقع بالواسطة وبعد "الفرز الأمني" لإقصاء المعارضين لبن علي.

لم تفتح الدولة أي كلية للتربية لتكوين إطارات للتدريس تفكّر وتُصلح وتحيّن برامج التعليم، فُتحت فقط معاهد لتكوين المعلّمين ثمّ أغلقت في النهاية، وكانت الدولة تنتدب منذ الستينات جزءا من المعلمين والأساتذة غير مكَوَّنين وغير مؤهَّلين في أغلب المواد أو مجازين في مادة أخرى وحتى بعد إحداث مناظرة الكبّاس في نهاية التسعينات فإن التعتيم على نتائجها وخضوع نتائجها للفرز الأمني جعلها مشكوكا في أمرها، وكان هدف المناظرة أساسا هو حل ترقيعي للاستجابة للعدد المهول للمترشّحين، ورغم عدالة الفكرة لو لم يقع الشك في نزاهتها فإن الناس كرهوها لقلة عدد الخطط الشاغرة كل سنة، ولم تجد الحكومة الانتقالية الثانية (عهد الباجي قايد السبسي والطيب البكوش) من حل غير انتداب المدرّسين على أساس اجتماعي بحت ودون تكوين في ميدان التعلّمية ممّا سيزيد من انحطاط مستوى المتخرجين من التعليم الحكومي في المستقبل.

إن التعليم هو أهم ميدان في سياسة أي دولة بعد إنجاز الاستقلال السياسي، إذ هو يؤثر في كل الميادين الأخرى، فهو الذي يكوّن أصحاب القرار وكل الإطارات في كل الوزارات، فإذا ارتفع مستوى المتخرجين من التعليم فإن مستوى الخدمات سيتحسّن في كل الميادين الأخرى وإذا انهار مستوى التعليم فإن الاقتصاد والصحة والأمن والعدالة والخدمات والمرافق العمومية ستفقد فاعليتها ويصبح العيش غير مستطاب في البلاد بأسرها. والمدرسة هي التي تكوّن المواطن وتصقل أخلاقه وتصرفاته وعلاقته مع المجتمع، فإن فشلت في ذلك فإن العلاقات الاجتماعية والسياسية تنهار وينتشر العنف والجريمة. وبالتالي فالمدرسة هي أهم ركيزة في اهتمام أي حكومة ناجحة وفعّالة.

نحن في عصر ينعته كثيرون بعصر تصادم الحضارات يجد فيه كل شعب نفسه مدعوا إلى حماية بلاده وأفراده من السيطرة والاستعباد والتبعية ولا يمكن لتلك الحماية أن تكون فعّالة إذا لم يخلق مدرسة ذات أهداف واضحة لفائدة البلاد والأفراد وذات جودة عالية تمكّن النشء من المعرفة والمهارات لتواجه تحدّيات العولمة.

إن التواصل بين الدولة والمواطن يمرّ عبر وسائل الإعلام وعبر نشر القوانين والمناشير الحكومية وكل ذلك يستعمل وسائل التعبير وأولها اللغة، ولذلك فإن أول أهداف المدرسة هي تمكين الشاب – أيْ مُواطن المستقبل – من  وسيلة لغوية موحّدة بين المواطنين للتعبير الشفوي والكتابي حتى يتمكّن من إيصال آرائه وأفكاره ومواقفه إلى العموم وإلى الدولة بالخصوص ليفيدها وليحمي نفسه منها. والتعبير الكتابي والشفوي الموحّد واستعمال المصطلحات الموحّدة يصلح كذلك في الميادين الاقتصادية أي في مواقع الانتاج الصناعي، وفي الميادين الاجتماعية أي في الإدارات والأماكن العمومية بصفة عامة. وتلعب اللغة في كل هذا دورا رئيسيا ولهذا يجب أن يكون إقرار أيّ لغة للتدريس ناتج عن دراسة بيداغوجية واجتماعية واقتصادية وبعد استشارة واسعة لدى قوى المجتمع السياسية والمدنية، دون أن يؤثر ذلك سلبيا على التمكّن من اللغات المدروسة الأخرى.

ومن أهم أدوار المدرسة هي توفير الوسائل التي تمكّن المواطن من التعلّم والتكوّن مدى الحياة حتى يستطيع أن يتكيّف مع التطور المتسارع للتكنولوجيا التي تقضي بدورها على حرف قديمة وتبعث حرفا جديدة. كما على المدرسة أن تنزع عادات الخمول والاتكال لتكوّن التلميذ على عقلية الريادة والاستنباط التي بدونها لا يمكن لشعب أن يجد له مكانا محترما بين الشعوب وبذلك فقط يمكن لكل مواطن أن يساهم بصورة فعالة في الاقتصاد ليحسن مردوده في الإنتاج في هذا العصر الذي يتسم بحدّة المنافسة في كل الميادين. والمواطن الذي حصل على تكوين ذي جودة عالية وذي محتوى مدروس يصبح قادرا على حماية نفسه وحماية وطنه والدفاع عنهما، كما يستطيع ان يتمتّع بمواطنة كاملة سواء من حيث الحقوق أو الواجبات.
٭أستاذ جامعي

Achourouk: Les Djihadistes tunisiensالجهاديون التونسيون en Syrie

الجهاديون التونسيون في سوريا : شباب.. في المحرقة!

الخميس 27 ديسمبر 2012 الساعة 09:16:52 بتوقيت تونس العاصمة


Slide 1
يوم الجمعة الماضي، 21 ديسمبر 2012 في حدود الساعة الرابعة و15 دقيقة مساء أقلعت طائرة الخطوط الجوية التركية في الرحلة عدد 664 في اتجاه اسطنبول، كانت تنقل أمّا ذهبت للبحث عن ابنها الذي سبقها الى تركيا ثم الى سوريا للقتال.


من يقف وراء تلك الرحلات؟ من يموّلها؟ الى جانب من يقاتل التونسيون في سوريا؟ ما هو عددهم الحقيقي؟ لماذا لا يعودون الى تونس؟ ما سرّ إيقاف عدد منهم وقتل البعض الآخر؟ من يقف وراء اختراق بعضهم؟

«قم ودّع اليوم الأخير»

قبل اقلاع طائرة «البوينغ» التركية بدقائق اتصلنا بإمرأة كانت متجهة الى اسطنبول، لعلها تلتحق بابنها الذي هاتفها من هناك ليبلغها بأنه متجّه للجهاد في سوريا نصرة لأهل الشام.
السيدة سنيةبن مصطفى، والدة الشاب وائل قالت ان ابنها يبلغ من العمر 19 سنة يزاول دراسته بالمدرسة العليا للتجارة (HEC) بقرطاج، وهو أصيل ولاية المنستير.
قالت انه شاب متوازن، لم يعرف عنه تطرّف أو غلوّ، كان متميّزا في دراسته.

كانت تتكلم وتقطع حديثها من حين الى آخر باكية حدّ الصراخ، قالت أيضا، لقد أصبح متدينا بعد الثورة، وكانت حياته عادية الى أن هاتفني من اسطنبول ثم يوم الاحد من أنطاكيا على الحدود التركية السورية، وكانت آخر مكالمة.
أضافت، بأنهم أبلغوها بأن الرحلة بين أنطاكيا والأراضي السورية على القدمين وقد تطول لأيام، لذلك قرّرت اللحاق به لارجاعه الى تونس ومنعه من الدخول الى المحرقة كما اسمتها.
وقالت لقد تم ابلاغها بأن عددا من الشبان الذين توجّهوا للقتال يريدون الرجوع الى تونس ولكنهم خائفون.

سألناها ممن يخافون؟ فقالت لا أدري. كانت كثيرة البكاء، وطلبت الدعاء لها ولابنها وائل بأن تتمكّن من الوصول إليه قبل دخول سوريا، لترجعه معها.
السيدة سنية أفادتنا أيضا بأن ابنها غادر رفقة ثلاثة من أصدقائه، أبلغوها بأن لهم دروس تدارك في تونس، وقالت: «لقد ذهبت مع ابني الى محطة سيارات الاجرة، وكان آخر لقاء بيننا».
كان بكاؤها لا ينقطع الا بانقطاع الاتصال بيننا، اذ أقلعت الطائرة في حدود الساعة الرابعة والربع.

مهندس الاعلامية: الجهادي المطلوب

نهاية الأسبوع المنقضي حملت الطائرة التركية عددا آخر من الشبان الذين يرغبون في القتال ضد القوّات النظامية في سوريا.
من بين الذين توجّهوا الى جبهة القتال الشاب قيس البالغ من العمر 25 سنة وهو مهندس اعلامية متخرّج حديثا ولم يتجاوز الشهر علىحصوله على عمل بمؤسسة مهمّة قيس لم يغادر الاجواء التونسية بمفرده، بل كان ضمن وفد متكوّن من 7 شبان لا يتجاوز أكبرهم الثلاثين سنة.
والدته، التقيناها بأحد الاحياء شمال العاصمة كان الطقس ممطرا، وكانت تتحدّى المطر، للالتقاء بنا لعلها تظفر بخبر عن رفض تركيا السماح للاجانب بالدخول خلسة الى التراب السوري، رغم علمها باستحالة ذلك.
والدة قيس، كانت متوتّرة، وكانت متراوحة بين أمل صغير برؤية ابنها ثانية وبين اليأس من امكانية رجوعه، خاصةبعد أن اتصل بها نهاية الأسبوع ليعلمها بأنه دخل التراب السوري وأنه لا عودة عن قراره.
لحق به والده الى اسطنبول وحاول ثنيه عن قراره، لكن دون فائدة.
والدته قالت لقد كان مغرما بتربية السمك وكان عازف قيتارة ماهرا، لم يعرف عنه أي شكل من أشكال التديّن الا بعد الثورة، وفي المدّة الأخيرة كان كتوما.

وكالة الأسفار

سألنا والدته، كيف تحصّل ابنها على تذكرة السفر ومن وفّر له المبلغ، وكيف جاءته فكرة الذهاب الى سوريا للجهاد، قالت إنها ليست على علم بكل تلك التفاصيل، إلا أن احدى قريباتها، التي بدت مطلعة بشكل جيّد بكل تفاصيل الموضوع، قالت إن تذكرة الطائرة اقتطعها صحبة أصدقائه من وكالة للأسفار وسط العاصمة.
توجّهنا الى وكالة الاسفار، واتصلنا باحدى العاملات بها، وسألناها ان كان بامكانها أن توجّهنا لكيفية الوصول الى تركيا ثم الى سوريا.
فأجابت بكل عفوية، لماذا سوريا؟ انها بلاد حرب، فقلت لها  للجهاد.

عندها تراجعت وقالت لا أستطيع، يمكنني أن أقتطع لك تذكرة مع الحجز بالطائرة في اتجاه تركيا لأي أمر يهمّك ونحن لا نسأل عن سبب السفر ولكني لا أستطيع ان أوجّهك الى أي وجهة كانت هذا فضلا عن أنني لا أنصحك بالتوجه الى سوريا.
من يدلهم وكيف يصلون؟

لكن السؤال المطروح من يدلّ المتطوّعين للقتال في سوريا، عن الطريق وعن كيفية الوصول؟
أحد أفراد عائلة شاب وصل الى سوريا، التقيناه بمقهى وسط العاصمة كان متدينا وطلب منّا عدم ذكر اسمه لحساسية الموقف وخطورته قال إنه كان من الملازمين لقريبه وكان رفقة بعض الاصدقاء يؤدون الصلاة في جامع حي الغزالة بولاية أريانة وقال إن الإمام كان دائما يحثنا على الجهاد ونصرة «إخواننا في سوريا» ضد نظام بشار الأسد وقال إن أحد الشيوخ وكانوا يلقبونه بأبي عيسى، يشجع الشباب على الجهاد في سوريا.
سألناه عمّن يوفّر المبالغ المالية للسفر وكيف تتم الرحلة، فأجابنا بخلوّ ذهنه وبعدم معرفته.

التمويل وجمعيات في الخدمة

كان من الصعب معرفة المموّل لهذه الرحلات والطريق التي يسلكها الجهاديون للوصول الى ذلك تمكنا بعد أكثر من أسبوع من الوصول الى وثائق متعلقة باستنطاق بعض الشبان من المشتبه في صلتهم «بتسفير» المقاتلين الى سوريا.
في المحضر عدد 19ـ3ـ12 بتاريخ 27 سبتمبر 2012 تم فيه استنطاق أحد المشتبه بهم من قبل الإدارة الفرعية لمكافحة الارهاب التابعة للحرس الوطني وقد حصلنا على الوثيقة المودعة بملفات قضية بالمحكمة الابتدائية بتونس.
وقد ورد باحدى صفحات المحضر على لسان المشتبه به قوله: «أؤكد لكم أنه بعد ان عرضتم عليّ نتيجة تسخير البريد التونسي بخصوص الحوالتين الوادرتين عليّ فإنني أفيدكم ان الأولى وقيمتها 710دنانير التي أرسلها إلي المدعو «م.ب.ر» فهي خاصة بتبرّع منه لصندوق «جمعية العبادلة» كقيمة قصاصات وقع ارسالها إليه للمساهمة في حملة «أغيثوا سوريا» والذي يقع منه تمويل خروج الأخوة للجهاد في سوريا..».
وفي وثيقة أخرى من نفس المحاضر ورد على لسان احد المشتبه بهم وهو «أ.ش» فإن جمعية العبادلة هي «جمعية دعوية خيرية مقرها بنزرت ومرخص لها».
بالرجوع الى الرائد الرسمي للاعلانات القانونية والشرعية والعدلية عدد 37 المؤرخ في 27 مارس 2012 فإننا نجد بالصفحة 1944 ما يفيد حصول «جمعية العبادلة الخيرية» على الترخيص بعد حصولها على وصل الايداع RR880978523TN ومن أهدافها «تقديم مساعدات مالية وعينية للأفراد والأسر المحتاجة ومساعدة المرضى وتسهيل تقديم العلاج لهم والمساهمة في أعمال الإغاثة وتقديم المساعدات في الحالات الطارئة.. والعمل على نشر تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف ونصرة قضايانا العربية والاسلامية».

والملاحظ في الخطاب الاستعمال المتكرر لكلمة نصرة وهي ستكون كلمة المفتاح لاحقا.
إذن، مبدئيا، هناك عمليات تبرّع لقصاصات توزّع في الشوارع القصاصة بقيمة دينار، ثم تجمع تلك الأموال وترسل الى الشخص المعني للجمعية، ثم تقدّم الأموال لمساعدة بعض المتطوعين للجهاد في سوريا.

الوسطاء

الشخص الذي يقوم بتسفير الجهاديين انطلاقا من تونس، يقول في استنطاقه، انه تحصل على رقم شخص سوري «حمد» عن طريق شاب تونسي موجود في سوريا ضمن المقاتلين فاتصل به عبر الهاتف واتفق معه على ارسال بعض الشبان للالتحاق بالقتال في سوريا فاشترط عليه ان يكونوا محرزين على رخص سياقة حتى يتسنى لهم تسخيرهم للقيام بعمليات تفجيرية.
وقال لقد تمكنت من استقطاب «م.ج» و«م.ب» و«م» و«أ.ش» رفقة شخصين آخرين من دوّار هيشر بالعاصمة إضافة الى استقطاب 9 آخرين عن طريق شاب أرسلهم بنفس الطريقة وقال إنهم من متساكني حي التضامن.

تشجيع مالي

نفس الشخص يعترف بأن المدعو «حمد» السوري الجنسية وعده بأن يرسل إليه مبلغ 4 آلاف دولار اي ما يعادل 6 آلاف دينار تونسي كتشجيع له على ارسال المجموعات الى سوريا للجهاد، الا انه لم يف بوعوده الى حد التاريخ.
وينفي في نفس الاستنطاق تلقيه اي حوالة  بها مبلغ مالي من اي طرف من المجندين او الاشخاص السوريين او اليمنيين او العراقيين الذين يتعامل معهم على حدّ قوله.

الأئمة وأسطورة «أبو أحمد»

شخص من عائلة شاب توجه الى سوريا، قال إن بعض أئمة المساجد وبعض «الشيوخ» يحرّضون الشبان ويؤطرونهم للجهاد ثم يتم ربط الصلة بينهم وبين شخص آخر في تركيا.
من هو هذا الشخص وكيف يتم ارسال الشبان عن طريقه وكيف يتمكنون من الدخول الى سوريا انطلاقا من تركيا؟

حسب شهادات بعض الاشخاص ووفق الملفات التي حصلت عليها «الشروق» والمتعلقة بأعمال احد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس او بأعمال الإدارة الفرعية لمكافحة  الارهاب التابعة للحرس الوطني وحسب تصريحات الشخص «أ.ش» المتهم في قضية متعلقة بتسفير أشخاص الى سوريا فإن شخصا مقيما في تركيا اسمه «أبو احمد» هو الذي يتولى استقبال المقاتلين في تركيا وتوجيههم.
هناك بعض الشبان ممن قاتلوا سابقا في ليبيا ضد نظام القذافي ثم توجهوا بعد اندلاع الثورة السورية الى القتال ضد نظام الاسد بعد ان اكتسبوا خبرة قتالية في ليبيا.

وهناك شبان آخرون، يتم ارسالهم الى ليبيا وتحديدا الى معسكر «أبو فارس» لتلقي التدريبات العسكرية ثم يتم ارسالهم الى سوريا، او يعودون الى تونس ويرسلون بعد ذلك الى سوريا عن طريق تركيا.
هذا بالاضافة الى ان بعض التونسيين كانوا يقاتلون بالعراق توجهوا الى «بلاد الشام» للجهاد ونصرة أهل الشام.

طريق الموت

لكن ما هي الطريق التي يسلكها المقاتلون؟

نفس المصادر تفيد بأنه يتم انطلاقا من تونس الاتصال «بأبي احمد» الذي تبين أنه سوري مقيم في تركيا.

يتحصل المتطوع على تذكرة السفر من احدى الوكالات بتونس ثم يتوجه عبر مطار تونس قرطاج الدولي الى اسطنبول ثم من هناك يبدأ «أبو احمد» بتوجيهه اذ ينتقل المتطوع من اسطنبول الى أنطاكيا.
ومدينة أنطاكيا هي مدينة تاريخية تبعد عن اسطنبول قرابة 750 كلم وهي قريبة من البحر الابيض المتوسط، وهي مدينة تركية ومن المفارقات انها تتبع لواء الاسكندرون الذي كان تابعا لةسوريا سابقا، سلمتها فرنسا اثناء احتلال سوريا الى الأتراك منذ سنة 1939 تستعمل اليوم كقاعدة متقدمة للتمويل اللوجستي ضد النظام السوري ولتسلل المقاتلين وتدوم الرحلة بين اسطنبول وأنطاكيا ثلاثة أيام.

بعد محطة أنطاكيا

ثم من أنطاكيا الى الحدود السورية سيرا على الأقدام، وتدوم هذه الرحلة ايضا ثلاثة أيام ويتم استقبال المتطوعين من قبل بعض الاشخاص حسب الوجهة التي سيقاتل في صفها الجهادي، ومن الاشخاص المعروفين داخل التراب السوري «أبو هادي» هو الذي يتولى ايصال الجهادي الى معسكر التدريب ومن هناك تبدأ  رحلته في القتال ضد نظام الاسد.
ويعرف «أبو هادي» بأنه هو الذي يربط الصلة بين المقاتلين والجيش السوري الحر (ASL) في حين تفيد وثائق التحقيق التي حصلت «الشروق» على نسخة منها ان السوري المكنى «بأبي عبادة» هو المختص في تمرير الشباب التونسي  من تركيا الى سوريا خلسة.

أسماء سرية

ويتم التنسيق معه ايضا انطلاقا من تونس عبر برمجية السكايب (skype) وينشط باسم مستعار وهو mddh.alymn.

أما السوري المدعو «حمد» فهو ينشط على الانترنات باسم «Khalel khal» وقد تمكن عبر شبكة من الناشطين من تأطير عدد من الشبان في شبكة الانترنات ثم يتم لاحقا الاتصال بهم عبر الهاتف او عبر السكايب قبل ايصالهم الى سوريا، وينشط ايضا باسم okka.chem أبو عبادة وحمد ليست لهما صلة بالجيش السوري الحر، انما يرسلان المجاهدين الى صف «جبهة النصرة لأهل الشام» وهي المحسوبة أكثر على ما يعرف بالتيار السلفي وقد وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا على لائحة المنظمات الارهابية، ولم تعرف علاقتها بتنظيم القاعدة بعد، اذ هناك من المحللين والمتابعين من يؤكد هذه العلاقة وهناك من ينفيها تماما.

الشخص التونسي «أ.ش» نفى اثناء استنطاقه اي صلة له بتنظيم القاعدة.
وقال ان «الشبان الذين تحولوا الى سوريا يلتحقون بجبهة النصرة وكتيبة الايمان ولواء التوحيد».

جبهة النصرة

وحسب الوثائق والاشخاص الذين التقيناهم فإن أغلب التونسيين الذين يتوجهون الى سوريا يقاتلون الى صف «جبهة النصرة»، وهي الوجهة التي يدعو اليها العديد من الاشخاص في تونس من أئمة وشيوخ لذلك يستعملون كثيرا مصطلح النصرة.
ولهؤلاء تمايز على الجيش الحر، اذ يصرّح «أ.ش» بأنه طلب من «حمد» السوري توفير الحماية «للأخوة ومنع اختراقهم ووصول الجيش الحر لهم» اذ يعتبرونه مخترقا من قبل العلمانيين وقياديوه يؤسسون لدولة ديمقراطية حداثية، في حين تعمل «جبهة النصرة» على اقامة إمارة اسلامية تعتمد الشريعة دون غيرها.
وحسب نفس المعطيات فإن أكثر من سبعين بالمائة من المقاتلين التونسيين يقاتلون الى جانب «جبهة النصرة» وبقية الكتائب المتحالفة معها.
وحسب مصادر اعلامية فإن 40 بالمائة من المقاتلين الاجانب في سوريا  هم تونسيون اكثر من الثلثين منهم يقاتلون ضمن جبهة النصرة الاسلامية.

عدد المقاتلين

حسب برقية لوكالة «رويترز» للأنباء فإن ميخائيل ليبيديف (Mikaïl Lebedev) نائب المندوب الروسي بالأمم المتحدة، قال ان عدد المقاتلين الاجانب في سوريا يتجاوز 15 ألف مقاتل وكان ذلك في مارس 2012 غير أن التقرير الصادر عن مؤسسة «كيليام» البحثية في لندن، وهي مؤسسة بحث في المجموعات الاسلامية، اعتبر ان عدد المقاتلين الأجانب في سوريا في حدود 1500 مقاتل في حدود شهر سبتمبر 2012.
وتجمع أغلب التقارير لمراكز البحث وللمنظمات والهيئات الرسمية أن المقاتلين ينحدرون من 29 دولة.

التقرير الأسبوعي لمراكز البحث الأمريكية لا يختلف عن بقية التقارير ويعتبر أن عدد المقاتلين الأجانب لا يتجاوز 1400 مقاتل.
نفس المركز البحثي يفيد بأن ما لا يقل عن 33 تقريرا إعلاميا بريطانيا وفرنسيا وعربيا اتجهوا نحو هذا العدد للمقاتلين الأجانب، وقد صدر التقرير في جوان 2012.

مصادر لها صلة بما يجري على الحدود التركية ـ السورية ومصادر أخرى من تونس على اطلاع بعمليات تسفير الشباب إلى سوريا تؤكد أن عددهم يرتفع من شهر إلى آخر وقال المدون والمصور علي القربوسي ان أكثر من 300 شاب تونسي اتجه إلى سوريا منذ الصائفة الماضية، وتؤكد كلامه تقارير الصحافة التركية، هذا فضلا عن عدد المقاتلين من جنسيات أخرى وخاصة اللبنانيين الذين يدخلون سوريا للقتال انطلاقا من مدينة طرابلس اللبنانية ذات الأغلبية السنية.
وتجمع أغلب المصادر الاعلامية والبحثية على أن عدد المقاتلين يمكن أن يتجاوز 2000 مقاتل أجنبي إلى شهر ديسمبر 2012 وقد اعتبرت مصادر من الأمم المتحدة أن 40٪ من المقاتلين الأجانب هم تونسيون أي ان عددهم إلى حدود شهر ديسمبر قد يصل إلى 800 مقاتل تونسي 70٪ منهم يقاتلون إلى صف «جبهة النصرة» والكتائب المتحالفة معها أو التابعة لها، أي في حدود 560 مقاتلا.

الانسجام الايديولوجي والتمويل والفصائل

إن التونسيين الذين يتوجهون إلى سوريا ليسوا منسجمين ايديولوجيا وسياسيا ومن جهة التمويل، مثلهم مثل بقية المقاتلين، ولكنهم يلتقون حول نفس العدو أي الجيش النظامي ويتوزعون على الهياكل التنظيمية المقاتلة، وهي أساسا الجيش السوري الحر، وتعرف قياداته خلافات حادة لعدم القدرة التامة على السيطرة على المقاتلين على أرض الميدان وهو يعمل على حلّ الخلافات بين القادة الميدانيين في قيادة مشتركة.
ويضم الجيش السوري الحر المجالس العسكرية والضباط المنشقين عن نظام الأسد والألوية الثورية.

ثم جبهة التحرير السورية وهي مكونة من كتائب إسلامية يقودها أحمد الشيخ، وتنسق مع الجيش السوري الحر في العمليات.
ثم «جبهة النصرة» التي لها صلة «بلواء الأمة» وهي الأكثر تنظيما وانضباطا في سوريا إضافة إلى «لواء التوحيد» وتتمركز أساسا في المناطق الشمالية وفي الحدود مع تركيا والحدود مع لبنان تم تشكيلها أواخر سنة 2011 وأصدرت أول بيان لها يوم 24 جانفي 2012.
وكانت جريدة «لوكانار أنشييني» (Le canard enchaîné) الفرنسية قد أوردت بأن جهات قطرية وتركية وأمريكية وفرنسية لها صلة بالجبهة على الحدود السورية التركية. في حين تفيد تقارير أخرى أن السعودية تمول الجيش السوري الحر.

عقاب صقر صديق الحريري والتسجيل الصوتي

تم مؤخرا تسريب تسجيل في لبنان يكشف عن تورط رجل الأعمال اللبناني عقاب صقر المقرب من السياسي سعد الحريري. ويكشف التسجيل عن مكالمة هاتفية بين عقاب صقر ومقاتل في سوريا يكنّى بأبي النعمان، وقد نشرت جريدة الأخبار اللبنانية المقربة من «حزب الله» المساند للنظام السوري، تفاصيل  التسجيلات.

عمليات تفجيرية

بالرجوع إلى محاضر الأبحاث المجراة في القضية عدد 25202/12 أمام محكمة تونس، والتي حصلت «الشروق» على نسخ منها، فإن عددا من الشبان التونسيين يتم ارسالهم إلى سوريا لتفجير أنفسهم، إذ يقول «أ.ش» بأن حمد السوري اتصل به واتفق معه على أن يرسل إليه بعض الشبان للالتحاق «بجهة النصرة» شرط أن تكون لديهم رخص سياقة حتى يتم تسخيرهم للقيام بعمليات تفجيرية وبالفعل تمكن من ارسال عدد من الشبان.

وسيط الجهاديين عميل للمخابرات

كما تفيد نفس الوثائق بأن التونسي اتفق مع «أبو أحمد» على ارسال 10 شبان عبر مطار تونس قرطاج الدولي إلى تركيا ثم إلى سوريا، وهو ما تم فعلا، والشبان العشرة كلهم من مدينة بن قردان الواقعة جنوب البلاد التونسية على الحدود مع ليبيا «لقد علمت أنهم لقوا حتفهم هناك».
ونفس الشخص اتفق مع «أبو أحمد» على ارسال مجموعة أخرى وبمجرّد دخولها التراب السوري ألقي القبض على أفرادها من الشبان التونسيين الموقوفين حاليا لدى الوحدات الجوية للجيش السوري، وكانت التلفزة السورية قد عرضت شبانا تونسيين  ألقي عليهم القبض ونفس الشخص اتصل به «ح»  وهو من الموجودين  في العراق وأعلمه بأن «المجاهدين يرغبون في الانضمام اليهم»  أي أنهم يريدون الالتحاق بالجبهة في سوريا ولكن يريدون  أيضا «الزواج من نساء يلتحقن بهم هناك».

 من يكون إذن «أبو أحمد»

 عندما نتابع مصير  الشبان الذين يمرّون  عن طريق وساطته ويكون هو على علم فإما أن يتم إلقاء القبض  عليهم من قبل النظام  السوري بمجرد  تجاوزهم  الحدود التركية أو أن يتم قتلهم  فشبان بن قردان  لقوا حتفهم بعد أن توسط في دخولهم وهو ما يرجح فرضية علاقته  بالمخابرات التركية والسورية على حدّ السواء وما يدعم  هذه الفرضية  هو تصريحات عدد من الشبان الذين قاتلوا في العراق أو توجهوا إلى سوريا أو الذين  يتم التحقيق معهم في تونس إذ ورد  بالمحضر عدد 18ـ3ـ12 بتاريخ 27 سبتمبر 2011  أنه تبين بأن«أبو أحمد» يعمل لصالح المخابرات السورية وقد قطع عدد من الوسطاء والشبان الصلة به إلا أن البعض الآخر مازال يتعامل معه.
 وتشير كل القرائن إلى أن «أبو أحمد» هو عميل للمخابرات  السورية لذلك فإن اعتقال أو قتل من يدخل سوريا عبر وساطته ليس عسيرا.  والشبكة كما وصفها «أ ـ ش»  المكونة من الأطراف السورية الرئيسية  المختصة في تسفير التونسيين للجهاد بسوريا هم «كل من أبو أحمد وحمد» إضافة  إلى شخص آخر يدعى زياد السوري وآخر يدعى  دعاء مهمته إدخال الشباب التونسي من الحدود التركية إلى سوريا».

 مسؤولية الدولة

 العديد من العوامل  تجعل بعض الشبان يتوجهون إلى الجهاد سواء كانت موضوعية أو ذاتية بين من يؤمن فعلا بفكرة الجهاد والدفاع عن خيارات ومبادئ  وأمثولات فكرية ودينية  وبين من تقاطعت العديد من الظروف الاجتماعية والشخصية والاقتصادية والسياسية والعائلية لتجعل منه مقاتلا في سوريا.  عند استنطاق  أحد الأشخاص الذين يمثلون ركيزة لتسفير  الشبان التونسيين إلى سوريا قال «إنه  لم يكن على علم  بأن ذلك العمل يشكل مخالفة للقوانين  خاصة وأن الدولة التونسية وعن طريق مسؤوليها بمن فيهم رئيس الجمهورية عبرت عن مساندتها للشعب السوري وذلك بالتصريح مباشرة بهذا الموقف أو بقطع العلاقات الديبلوماسية  مع النظام»  فضلا عن المشاركة في المؤتمرات والمقصود  بها ما يعرف بأصدقاء سوريا إضافة  إلى ذلك فإن  أحد المحامين أثناء دفاعه عن منوبه أمام قاضي التحقيق في قضية تسفير شبان إلى سوريا يقول «إن ما قام به منوبه من أفعال يندرج  في إطار التوجه العام للحكومة في تونس من مساندة للشعب السوري»  وبهذا المعنى فإن المواقف الرسمية تم تشفيرها لدى العديد من الشبان على أنها رسائل لا تمانع في ذهابهم  إلى سوريا للقتال هناك.

 سوريا المحرقة

 كل التقارير  الواردة من جبهة القتال تؤكد بأن سوريا أصبحت محرقة حقيقية وأن الحسابات  بين الدول خاصة قطر والسعودية إضافة إلى تركيا وفرنسا وأمريكا وروسيا والصين وإيران هي الطاغية على المشهد مما جعل العديد من الشبان التونسيين الذين لا يتجاوز معدل أعمارهم 25 سنة وعلى أقصى تقدير 30 سنة يكونون وسط  تلك المحرقة  فيكون مصيرهم  مجهولا، وهناك تقارير تفيد بأن الجرحى منهم يقتلون  وأن عمليات دفن من يقتل  في الجبهة صعبة وعسيرة جدا إضافة إلى التعذيب الرهيب الذي يتعرض له من يقع أسيرابيدجيش  أو بوليس بشار الأسد.

 عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع  عن حقوق الانسان قال لـ «الشروق» إنه راسل  وزارة الخارجية في هذا الصدد وسيراسل قريبا وزارة الداخلية لإيجاد  حل حقيقي لمشكل توجه الشبان للقتال في سوريا وقال  إن الرابطة تتابع  هذه القضية بإنشغال  وانها على صلة ببعض العائلات.

 إن عددا من المقاتلين التونسيين يتم استعمالهم في معادلات الربح والخسارة  بمعناها المادي الضيق وفي معادلات  سوق السياسة وطنيا ودوليا بقطع النظر عن مدى اقتناعم بالقضية.

مكاملة هاتفية حول تمويل المقاتلين

فحوى المكالمة الهاتفية التي جرت بين رجل الأعمال اللبناني عقاب صقر ومقاتل في الجبهة السورية «أبو النعمان»، مأخوذة من جريدة الخبر اللبنانية

أبو النعمان: «السلام عليكم».

عقاب صقر: «وعليكم السلام تفضل».

أبو النعمان : «يا أستاذ عقاب نحن جماعة مزنوئين كتير ومحاصرين، ويعني ما في يوم يومين بتسقط المنطقة عنّا يعني قصف طيران ومدفعية فوزديكا ما في محور من المحاور الا وعمبيضربونا منو فرجاء ساعدونا بدنا سلاح».

عقاب صقر: «تفضل قلّي السلاح اللي بدك شو يعني تحديداً شو الكميات؟».

أبو النعمان: «يعني الحقيقة بدنا شي 300 حبة آر بي جي وعشرين قاذف واذا امكن توفير 250 ألف طلقة روسية ، و300 بارودة على سلاح نوعي اذا في مجال».

عقاب صقر: «كل هول لأي منطقة بدكن ياهن تحديداً»؟

أبو النعمان: «أعزاز تل رفعت عندان وريف حلب بالكامل وانت عرفان شو عمبيصير عنّا يعني. من مبارح صار فايتين علينا من ثلاث محاور تقريبا من ادلب (…) ومن جوا حلب عمبيطلعولنا شبيحة».

عقاب صقر: «طيب مين بدو يستلم وين بدو يصير التسليم كيف بدا تتم العملية؟».

أبو النعمان: «هو التسليم متل العادة بيقسموهن… بيكون هونيك أبو البراء مع الشباب والسيارات بيستلموهن وبوجهن على حلب، بس بدنا بأسرع وقت ممكن لأنو بتعرف الحاجة كبيرة والقصف شغال والمجاميع مفرقة ذخيرة ما في ، يعني الشباب كل واحد يا دوب معاه مخزن مخزنين وبتعرف الاستهلاك كبير فدبرونا بأي طريقة من الطرق الله يخليك . ما بعرف شو بدي قلك ما في من بعد الله الاّ غيركن».

عقاب صقر: «إنت رح تكون على التسليم؟».

أبو النعمان: «لا أخوي بيكون أبو النور مع الشباب والسيارات متل العادة بيستلموا منك».
ـ انتهى ـ
منجي الخضراوي