خبير فى شئون الجماعات الإسلامية لـ«الوطن»:حكومة «إخوان تونس» نقلت الجهاديين إلى تركيا للقتال فى سوريا
الأحد 17-01-2016 AM 10:56
كتب :
أسامة خالد
«هادى يحمد» أثناء حواره مع «الوطن»
منذ انفجار ثورات
الربيع العربى، وفى كل ساحات «الجهاد الإسلامى» بالشرق الأوسط، كان الشباب
التونسى فى مقدمة الساعين إلى القتال فى صفوف التنظيمات الإرهابية، ما شكل
لغزاً كبيراً، استعصى على الفهم، خاصة أن تونس واحدة من أكثر المجتمعات
العربية انفتاحاً وإيماناً بقيم الدولة المدنية والعلمانية. فكيف يمكن
لمجتمع يؤمن بالمساواة والدولة المدنية والحرية أن ينتج كل هذا العنف، وأن
يقدم إلى ماكينة الإرهاب الدائرة فى الشرق الأوسط نحو 6 آلاف شاب من خيرة
شبابها، ليزيدوها إشعالاً؟ السؤال حملناه إلى خبير الجماعات الإسلامية
التونسى، هادى يحمد، فقدم تحليلاً للظاهرة، وكشف العديد من الخيوط عن
العلاقة بين التنظيمات الإرهابية وحركة النهضة الإخوانية.
«هادى يحمد»: 6 آلاف تونسى يقاتلون فى صفوف «داعش»
■ كيف تفسر ظاهرة انخراط الشباب التونسى فى التنظيمات الإرهابية المنتشرة فى المنطقة العربية؟
- هذه المسألة معقدة، لأن الشخصية التونسية على
مدى التاريخ هى شخصية منفتحة، وأقرب إلى المدنية والعلمانية، وفى رأيى، أن
المجتمع التونسى هو الأقرب لتبنى الدولة المدنية، فى ظل المساواة الكاملة
بين المرأة والرجل، كما أن الفكر المتسامح يسود المجتمع التونسى بالكامل،
لكن فى المقابل، نجد أعداداً كبيرة من التونسيين انخرطت فيما يسمى
«الجهاد»، سواء فى العراق أو سوريا أو ليبيا، ووصلت أعدادهم اليوم إلى نحو 6
آلاف تونسى، يقاتلون فى صفوف تنظيم داعش، والحقيقة أن ضخامة العدد تعود فى
رأيى إلى الحرية المطلقة التى تمتعت بها السلفية الجهادية بعد الثورة
مباشرة، فوقتها شهدت تونس حالة من الانفلات، سواء كان أمنياً أو سياسياً،
ما أصاب الدولة بالضعف، وتمكن السلفيون من استغلال هذا الوضع جيداً، خاصة
أخطاء الدولة بعد الثورة، ومنها إطلاق سراح 3 آلاف جهادى من السجون، بموجب
عفو تشريعى عام سنته حكومة محمد الغنوشى فى فبراير 2011، نتيجة ضغوط القوى
الإسلامية، وشمل العفو كل السجناء المنتمين لحركة النهضة، وسجناء الإسلام
الجهادى والسلفى، وخرج هؤلاء ليتمتعوا بكامل الحرية، فسيطروا على 400 مسجد،
وأقاموا الخيام الدعوية فى كل أنحاء البلاد، وبدأ التيار ينشط فى الشارع
بكل حرية، ومع تصاعد الأحداث فى سوريا، بدأت عملية تجييش الشباب التونسى
بمباركة حكومة الترويكا الإخوانية، والرئيس منصف المرزوقى، وأقيم جسر جوى
بين تونس وإسطنبول، لنقل الجهاديين التونسيين لدعم العمليات المسلحة فى
سوريا.
السلفيون
أكثر المستفيدين من الربيع العربى لأنهم كانوا مقموعين أثناء حكم «بن
على».. وكتابات «سيد قطب» هى المرجعية للتنظيمات الجهادية فى تونس
■ إذاً فقد باركت حكومة النهضة انضمام الشباب التونسى إلى التنظيمات المسلحة فى سوريا؟
- بالفعل، فقد كانت هناك مباركة سياسية لهذا
العمل، خاصة فى الشوارع والمساجد، التى تحولت إلى أوكار للامتداد الجهادى،
سواء فى الخطابة أو صلوات الجمعة التحريضية، وتقلد أتباع تلك التنظيمات
الجهادية مناصب رفيعة فى الدولة، منها إدارة الشئون الدينية، خلال فترة حكم
الترويكا، وشهدت البلاد دعوات صريحة للجهاد فى سوريا، واتخذت التجربة
التونسية مسارين، الأول هو تجييش الشباب وإخراجهم بأعداد كبيرة للسفر إلى
ليبيا وسوريا والعراق، حيث تجاوز عدد المنضمين منهم لتنظيم داعش فى ليبيا
الـ1500 تونسى، أما المسار الثانى، فهو العمل الجهادى داخل تونس، اعتباراً
من منتصف عام 2013، عقب اغتيال عضو المجلس التأسيسى محمد البراهمى، كما جرت
عمليات أخرى فى الدولة، منها مقتل 12 مجنداً والتنكيل والتمثيل بجثثهم،
ومع مرور الوقت، بدأنا نسمع عن كتيبة تسمى نفسها «عقبة بن نافع»، وهى تنشط
اليوم فى منطقة الشعانبى الجبلية، وبدأ العمل المسلح فى تونس بنصب أكمنة
لقتل الجنود، وتحولت تلك الجبال إلى أوكار للجماعات الإرهابية، واللافت أن
الجهاديين التونسيين لا يفضلون الجهاد الداخلى، وإنما يفضلون الجهاد
الخارجى، فهناك معلومات تؤكد أن الإرهابيين فى الشعانبى والجبال الأخرى لا
يتعدى عددهم الـ150 فرداً، وهو عدد يمكن أن يزيد أو ينقص، لكنه لا يقارن
بالأعداد التى خرجت من تونس تحت بند ما يسمونه بـ«الجهاد الخارجى». وهناك 6
آلاف مقاتل خارج البلاد، فقد عاد منهم إلى تونس خلال العامين الماضيين 600
فقط، كانوا فى سوريا والعراق، يخضعون حالياً للمراقبة الأمنية.
■ هل انضم مقاتلون من جنسيات أخرى لكتيبة عقبة بن نافع، خاصة أن قوات الأمن عثرت على جثة سورى فى تونس؟
- الإسلاميون لا يتحركون من واقع الوطنيات أو
القوميات، لكنهم ينظرون إلى حدود الدولة الإسلامية، فهم يذهبون إلى الجهاد
فى أى منطقة إسلامية، ومثلاً هناك قيادات جهادية غير تونسية فى جبال
الشعانبى، حيث نجد جزائريين مثل أبوصخر، الصادرة ضده عدة أحكام بالإعدام فى
بلاده، وتم قتله فى كمين للأمن التونسى مؤخراً، وأعتقد أن كتيبة «عقبة»
لها ارتباط بتنظيمى القاعدة وداعش، حيث يوجد بها نيجيريون وماليون،
بالإضافة إلى جنسيات أخرى، لكن التونسيون هم العمود الفقرى لهذه الكتيبة،
كما أن عدداً من الجهاديين الجزائريين كانوا يقودون الكتيبة، لأنهم كانوا
الأسبق فى الجهاد.
ضغوط الإسلاميين أدت إلى الإفراج عن ثلاثة آلاف جهادى من السجون بعد الثورة بعفو من «الغنوشى»
■ كيف تقيّم وضع تيارات الإسلام السياسى فى تونس حالياً؟
- يلتفون بالأساس حول حركة النهضة الإسلامية، فرع
الإخوان فى تونس، ورغم أن القيادة الحالية للحركة تتبرأ من التنظيم، لكن
من يعرف تاريخها يعلم جيداً أنها جزء لا يتجزأ من التنظيم العالمى للإخوان،
كما أن رئيسها وزعيمها التاريخى، راشد الغنوشى كان عضواً فى المكتب
السياسى للتنظيم الدولى، خلال فترة معينة، وحين نتحدث عن الإسلام السياسى
فى تونس، فإننا نتحدث عن حركة النهضة بصفة خاصة، ورغم وجود أحزاب أخرى
محسوبة على تيار «الإسلام السياسى»، سواء لها نشاط سياسى، أو تريد خوض
العملية السياسية، فبجانب «النهضة» هناك حزب التحرير الإسلامى، ذو الانتشار
العالمى، حيث يوجد فى أكثر من مكان فى العالم العربى، وحتى فى أوروبا، فله
وجود فى بريطانيا، كما يوجد فى عدة دول بآسيا، منها إندونيسيا وماليزيا،
كما أن هناك أحزاباً إسلامية أخرى صغيرة على الساحة، منها حزب الإصلاح ذو
الجذور السلفية، ويؤمن بالانخراط فى العمل السياسى، كما توجد أحزاب صغيرة
أخرى متفرعة عن حزب النهضة، منها العدالة والبناء، وهو ضعيف جداً، وكل هذا
هو ما نستطيع أن نطلق عليه الأحزاب السياسية الإسلامية.
■ وماذا عن التيارات السلفية؟
- هناك السلفية العلمية الرافضة للدخول فى أى
أنشطة سياسية، فمكانها هو المساجد، وعملها هو الدعوة، وتحصل على دعم خارجى
معلوم، وتنشط تحت رقابة الدولة، لأنها لا تمارس السياسة مطلقاً، أما تيار
السلفية الجهادية فبرز بشكل خاص بعد الثورة فى 2011، واستفاد مما يسمى
بـ«الربيع العربى»، وبعد شهرين من الثورة تقريباً ظهر ما يسمى بتنظيم
«أنصار الشريعة»، وبدأ فى ممارسة نشاط واسع دون ترخيص رسمى، فكانت البداية
بالعمل الدعوى، سيطروا من خلاله على العديد من المساجد، حتى جاءت نقطة
التحول الحقيقية فى فبراير 2013، مع اتجاههم إلى العنف باغتيال الشهيد شكرى
بالعيد، ما كان حدثاً مهماً فى تاريخ السلفية الجهادية فى تونس، فوقتها
تورط عناصرها فى عملية الاغتيال، ودخلوا فى مواجهة أمنية مع الدولة، وتم
وصفهم بالإرهابيين منذ 2013.
جهاديون جزائريون يقودون كتيبة «عقبة بن نافع» بمشاركة 150 تونسياً ومقاتلين عرب وأفارقة
كما تورطت السلفية الجهادية بعدها فى عمليات
اغتيال أخرى، منها اغتيال الشهيد محمد البراهمى، عضو المجلس التأسيسى،
وتواصلت العمليات الإرهابية للتيار، حتى وصلت ذروتها فى العام الماضى،
بتنفيذ 3 عمليات كبرى فى سوسة، وشارع محمد الخامس بالعاصمة، وتفجير ملف حرس
الرئاسة، ومن وقتها دخلنا معتركاً خطيراً، واليوم نحن نواجه ظاهرة الإسلام
السياسى بفرعيها، فجزء ينشط ويتبنى ظاهرياً العملية الديمقراطية والحياة
السياسية، ويشارك فى الحكم، وجزء آخر خارج العملية السياسية، يقود صراعاً
مع الدولة، وهناك علاقة أيديولوجية لا شك فيما بين الفرعين، فحين نبحث
الأصول الفكرية للسلفية الجهادية، التى تتبنى العنف اليوم، نجد أن بعضها
إخوانية، مثل كتابات سيد قطب، المرجع الأساسى لهذا التيار فى تونس.
■ لكن هل حدث تقارب بين الإخوان والسلفيين بعد الثورة؟
- بالطبع، فقد تقارب الجانبان كثيراً بعد الثورة،
ما ظهر فى السنوات الأولى من حكومات الترويكا التى تشكلت بعد الثورة،
وسيطرت عليها حركة النهضة، فوقتها حدث استقطاب سياسى كبير بين المعسكر
الديمقراطى من جهة، وبين المعسكر الإسلامى من جهة أخرى، وتحالفت السلفية
الجهادية مع «النهضة» فى الشارع، وخاضوا سوياً صراعات موحدة فى أكثر من
مكان، منها اعتصام «باردو» أمام البرلمان، وكان الاستقطاب واضحاً بين
الطرفين، فنسق السلفيون والإخوان تحركاتهم فى تحالفات وحركات موحدة، ورفعوا
شعار الوحدة الإسلامية ضد ما يسمونه بـ«المعسكر الديمقراطى والعلمانى»،
فهناك تشابك على مستوى القواعد بين الإسلام السياسى، الذى يمارس العملية
السياسية، وبين أنصار التيار الجهادى.
■ نفهم من ذلك أن «النهضة» تورطت فى عنف التيارات السلفية؟
- الحقيقة أن «النهضة» نأت بنفسها عن استعمال
العنف ضد الدولة منذ الثورة، لكن كان واضحاً أن هناك توظيفاً للعناصر
الجهادية، أو صمتاً من جانبها على ممارسات تلك العناصر، وكأنها تبارك ذلك،
فمثلاً فى أحداث مهاجمة الإسلاميين للسفارة الأمريكية، صمتت «النهضة» وحكام
الترويكا بطريقة غريبة، لأن السلطة وقتها كانت خليطاً بين الحركتين،
النهضة الإخوانية والسلفية الجهادية، ويبدو التشابك بين الحركتين واضحاً،
خاصة فى القواعد، لكن الملاحظ اليوم أن قاعدة «النهضة» متسلفة، أو أصولها
ذات امتداد تكفيرى، وهى لم ترتق إلى الانفتاح الذى يمارسه قادة الحركة
الآن، وبذلك نحن أمام ازدواجية فى الحركة، نجدها واضحة ما بين القيادة
المنفتحة والقواعد المؤمنة بالدولة الإسلامية، وهو ما يجعل تلك القواعد
تقسم التونسيين ما بين مسلم موحد أو علمانى كافر، وأعتقد أن أحد تحديات
«النهضة» فى مؤتمرها المقبل، المقرر عقده خلال العام الحالى، هو الحسم
الفكرى لتلك الاختيارات المختلف عليها بين القواعد والقيادات، والتخلى عن
الخلاف بين الصفة الدينية ومدنية الدولة، فهناك التباس فى تبنى الخطاب
الدينى، خاصة أن الغنوشى والمحيطين به ما زالوا يتحدثون بالخطاب الإسلامى
الدينى.
■ هل تعتقد أن السلفيين كانوا أكثر المستفيدين من الربيع العربى؟
- بالطبع، وأعتقد أن المسألة واضحة الآن،
فالإسلام السياسى والسلفيون كانوا أكثر المستفيدين من الربيع العربى، لأن
حزب النهضة مثلاً، وغيره من الأحزاب الإسلامية كانوا مقموعين فى فترة حكم
نظام بن على، وكان يتم القبض عليهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب، نظراً
لتبنيهم أفكار الجهاد، سواء فى تونس أو خارجها، وعندما جاءت الثورة، كان
التيار الإسلامى هو الأكثر استفادة من أجواء الحرية التى تلت ثورات الربيع
العربى، سواء فى مصر أو ليبيا أو تونس، وأعتقد أننا فى تونس لدينا أمر
إيجابى مقارنة بالآخرين، وهو أن الشعب التونسى معروف بمساندته للدولة
المدنية، لكن هناك أمراضاً اجتماعية خرجت إلى العلن كالمارد المحبوس فى
قمقم، وعندما فُتح هذا القمقم خرج علينا، ونحن اليوم أمام مشكلة حقيقية
تعانى منها مجتمعاتنا العربية، وهى المرض بالإسلام السياسى، الذى يعد أحد
أمراضنا الثقافية.