أحمد المناعي: مذكرة التفاهم الممضاة في واشنطن تذّكرني بمعاهدة الحماية الفرنسية والمستهدف الأكبر في المنطقة هو الجزائر
أيار 29, 2015
(1 تصويت)
# هدى القرماني #
حليف رئيسي لواشنطن خارج حلف
شمال الأطلسي " الناتو"، صفة منحتها الولايات المتحدة الأمريكية لتونس خلال
زيارة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لها يومي 20 و21 من الشهر الحالي
تباينت ردود الأفعال حول هذه الخطوة وحول مذكرة التفاهم للتعاون طويل
المدى الممضاة عموما بين البلدين والتي اعتبرها البعض خطوة ايجابية حققت
أهدافا إستراتيجية هامة من شأنها أن تمكننا من عديد الامتيازات فيما
انتقدها البعض الآخر مشككا في ما تم الاتفاق حوله وملاحظا أنها قد تحمل
وراءها شكلا جديدا من أشكال الاستعمار.
يقول الدكتور أحمد المناعي رئيس
المعهد التونسي للعلاقات الدولية أنه في الحقيقة لم تحتج تونس إلى أن
تميزها الولايات المتحدة الأمريكية بهذه العلاقة وأنه من المغالطة أن يدّعي
رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أنه قد بذل جهدا كبيرا لإقناع
الأمريكيين بهذه الاتفاقية.
ويشير المناعي إلى أنه لا يعلم
حقا المحتوى الكامل للوثيقة التي تم إمضاؤها سوى ما تم تداوله عبر وسائل
الإعلام كما أنه لا يعتقد أن هناك من التونسيين من اطلع عليها مؤكدا أنه في
كل الأحوال يرفضها رفضا تاما لأننا حسب قوله"لا نحتاج في مقاومة الإرهاب
في تونس إلى البلدان التي ترعى الإرهاب في العالم العربي والإسلامي".
وشدد المناعي على أنه لا يجب أن
نلعب على الألفاظ والمفاهيم القانونية سواء كانت هذه "اتفاقية" أو "مذكرة
تفاهم" أو "معاهدة" أو غيرها أو الذي وقّع عليها هذا الطرف أو ذاك فهذا أمر
ثانوي حسب رأيه بقدر أن هذه الوثيقة قد أمضيت باسم تونس وأن التونسيين لا
يعلمون حقيقة فحواها.
وتساءل رئيس المعهد التونسي
للعلاقات الدولية عن ماذا تعني عبارة "حليف"؟ وما علاقة تونس على مستوى
المصالح مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ ولماذا إمضاء هذه الاتفاقية ؟
موضحا أنّ التحالف يكون بين دول مجاورة أو بين بلدان لها نفس الوزن ونفس
المصالح مضيفا أن هذه الاتفاقية التي تمت في 48 ساعة خلال زيارة الباجي
قائد السبسي فيها تراجع للسيادة التونسية التي لم يبق منها الكثير على حد
قوله وتجاوز لها خاصة بعد 14 جانفي 2011 الذي شهد انبطاح عدد كبير من
السياسيين للسفارة الأمريكية وأيضا القطرية.
وذكر المناعي أنّ المشهد الذي
لا يمكنه نسيانه هو هرولة العديد من السياسيين والماسكين للحكم سنة 2012
باستثناء رئيس الجمهورية حينها محمد المنصف المرزوقي على السفارة الأمريكية
خلال احتفالها بالعيد الوطني الأمريكي لتقديم تهانيهم لها قائلا :" يومها
انهارت بالنسبة لي بقايا السيادة التونسية".
كما انتقد المناعي أيضا تصريح
وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي اثر أحداث الروحية في 18 ماي 2011 ،والذي
استشهد خلالها العقيد الطاهر العياري، حين أعلن أننا نحتاج إلى مساعدة
الأمريكيين لمواجهة الإرهابيين، وأيضا مطالبة البعض بمساعدة الاستخبارات
الأمريكية للاستدلال على قاتل شكري بلعيد و محمد البراهمي قائلا " إنّ هذا
مخيف".
ويقول الدكتور أن ما يخيفه أكثر
اليوم هو أن هناك استعدادا لدى الكثير من السياسيين لتقبل الأمر بسهولة
وتقبل هذا الاستعمار الجديد مضيفا أنه يأسف لعدم وجود أي ردود فعل جادة إلى
حد اليوم للسياسيين سواء في الحكم أو في المعارضة أو لأعضاء نواب الشعب
الذين لم يكلفوا أنفسهم الدعوة بمساءلة الحكومة حول هذه المذكّرة آملا أن
يتّخذ السياسيون موقفا من هذه القضية وأن يبحثوا على الأقل عن فحوى هذه
الوثيقة حتى لا تكون وثيقة عبودية جديدة واستعمار جديد على حد قوله.
ومنتقدا أيضا من يرحبون بهذه
الاتفاقية ويدافعون عنها بقولهم أنها ستمنح تونس إمكانيات تسلح أكبر وأفضل
وستفتح الباب أمام الطلبة التونسيين للدراسة ذكّر المناعي أن علاقة تونس
بالولايات المتحدة الأميركية طيبة منذ البداية وأن لنا علاقات جيّدة معها
حتى أن تونس من أول البلدان التي اعترفت بها في نشأتها الأولى. كما استحضر
زيارة الرئيس الحبيب بورقيبة إلى واشنطن في 1961 أين حظي باستقبال كبير.
ويعتبر المناعي أن ما يحدث الآن
في العالم العربي هو المرحلة المثلى والعليا للاستعمار ولكن هذه المرة
يقول "نحن نستعمر بأيدينا وبأموالنا وبإمكانياتنا.."
وأشار محدثنا إلى أنّ بعض
الأصداء التي سمعها من بعض المختصين في هذا المجال تقول بأن العملية
الإرهابية بمتحف باردو في 24 مارس 2015 كانت إشارة الانطلاق للحماية
الأمريكية لتونس.
وأضاف المناعي أن هذه الاتفاقية
قد وقّعت في واشنطن في شهر ماي وهو شهر مشؤوم في تاريخ تونس حسب اعتقاده
لأنه في 12 ماي 1881 وقّع محمد الصادق باي على معاهدة الحماية الفرنسية وهي
حماية استمرت 75 سنة ولم نستطع التخلص منها بسهولة. ولذلك فبالنسبة إليه
فهو يرفض هذه الاتفاقية قائلا " حتى ولو اطلعنا على فحواها ورأينا فيها فتح
خزائن الولايات المتحدة الأمريكية في وجه التونسيين فأنا أرفضها لأنها
تذكرني بطريقة أو بأخرى بمعاهدة الحماية وبمرحلة عصيبة عشناها تحت
الاستعمار والعبودية".
ويرى رئيس المعهد التونسي
للعلاقات الدولية أنه يجب أن نقيّم هذه الاتفاقية من خلال العودة مبدئيا
إلى الإستراتيجية التونسية في الدفاع عن نفسها عبر مختلف الفترات التي مرت
بها تونس بداية من الاعتراف بها كدولة مستقلة.
ويذكر الدكتور أنه لحماية نفسها
من المخاطر الخارجية حرصت تونس منذ الاستقلال على الانضمام إلى الأمم
المتحدة وخضعت بذلك إلى ميثاق هذه المنظمة وعديد الاتفاقيات الأخرى.
كما سعت تونس في فترة الخمسينات
وخاصة الستينات مع بداية استقلال الجزائر سنة 1962 وأيضا مع وصول معمر
القذافي إلى الحكم في ليبيا وظهور عديد الخلافات مع البلدين إلى تمتين
العلاقات مع المغرب ومع مصر باعتبار أن الأولى تكبح جماح الجزائر والثانية
تكبح جماح ليبيا.
وأضاف المناعي أن تونس تنتمي
إلى المعسكر الغربي منذ بداية الاستقلال وحتى قبل ذلك فقد اختارت أن تعتمد
على بلدان جنوب أوروبا وخاصة ايطاليا وفرنسا للدفاع عنها في حالة وجود أي
مخاطر أجنبية ولكن الاحتماء بالغرب لم يكن نافعا لحماية تونس من المخاطر
الآتية من البحر حسب محدثنا فقد تمكنت إسرائيل من الهجوم في حمام الشط سنة
1985 وسط صمت البحرية والطيران الايطالي وأيضا الأسطول السادس الأمريكي
الذي كان حينها متواجدا في عرض البحر رغم تفطنهم لمرور الطائرات
الإسرائيلية ولم يكلفوا وسعهم حتى بإعلام السلطات التونسية بذلك ونفس الشيء
تكرر أيضا سنة 1988 حين سكتت كل قوى البحر الأبيض المتوسط عن الهجوم
الإسرائيلي الثاني في تونس .
وتابع رئيس المعهد التونسي
للعلاقات الدولية أن تونس اختارت منذ سنة 1994 ربط علاقات مع حلف شمال
الأطلسي عندما أسست هذه المنظمة ما يسمى بالحوار المتوسطي والذي جمع بينها
وبين 7 دول من بلدان البحر الأبيض المتوسط تتمثل في كل من إسرائيل ومصر
والأردن والمغرب وموريتانيا وتونس والجزائر التي انضمت إلى هذه المجموعة
سنة 2000 وذلك بهدف تبادل المعلومات والخبرات على المستوى الأمني وخاصة على
مستوى مسألة الإرهاب والتي بدأ حينها الحديث عن هذه الظاهرة.
وأشار محدثنا إلى أنّ
الأمريكيين ومنذ سنة 2007 حين دخلت الصين بقوة في إفريقيا سعوا إلى إنشاء
قيادة عسكرية أمريكية في إفريقيا تحت مسمى "أفريكوم" ووضعوا مقرا وقتيا
لهذه القيادة في "شتوتغارت" الألمانية في انتظار إيجاد مقر لها في إحدى
الدول الإفريقية لكنهم وجدوا صدا من قبل الدول التي طلبوا منها ذلك كالمغرب
والجزائر ومصر وتونس فيما بعد والذي رفض الرئيس التونسي حينها زين
العابدين بن علي هذا المطلب ما جعل الأمريكيين وفق تحليل الدكتور يفكرون
منذ ذلك الوقت في إزاحته.
هذا وأكد المناعي أن تونس ليست
البلد الأول أو الوحيد الذي نال صفة حليف أساسي لواشنطن خارج حلف شمال
الأطلسي بل أن هناك عديد الدول ولكن أكثر البلدان إما أنها حليف قوي
للولايات المتحدة الأمريكية كإسرائيل أو مستعمرة أو شبه مستعمرة لها
كأفغانستان.
المستهدف الأكبر في هذه المنطقة هو الجزائر
يرى رئيس المعهد التونسي
للعلاقات الدولية أن القضية الأساسية اليوم هي محاولة الولايات المتحدة
الأمريكية استهداف الجزائر وأن هذه الاتفاقية سوف تحرج الحكومة التونسية في
علاقتها مع الجزائر التي تشعر اليوم بأنها مستهدفة ومحاصرة من جهة من
المغرب ومن جهة ثانية من تونس وهو ما أشارت إليه عديد المقالات الصحفية.
وأضاف أن الحكومة الجزائرية لم
تدْلِ بأي تصريح رسمي إلى حد الآن لكن الحكومة الجزائرية يقول عوّدتنا
بدبلوماسية هادئة ومن المؤكد أنها ستصدر في وقت من الأوقات بيانا حول هذا
الموضوع.
ويشدد المناعي على أن جانبا
كبيرا من الحرب القائمة اليوم هي حرب سرية عن طريق أطراف موالية للولايات
المتحدة الأمريكية وأن الأمريكيين لا يحتاجون التواجد على الأرض لضرب أي
بلد مثلما فعلوا مع العراق في سنة 1990 وسنة 2003 حين هاجموها من البحر
الأحمر.
أما بالنسبة لليبيا فيرى
الدكتور أحمد المناعي أنها بلد مفتوح الآن أمام الأمريكيين خاصة أمام وجود
موالين لها داخلها وأن حلف شمال الأطلسي سبق أن هاجم ليبيا في 2011 كما أن
الّأوروبيين قد لوّحوا بالتدخل فيها جوا لاستهداف المنظمين لعمليات الهجرة
السرية مشيرا في ذات الوقت إلى أن مشكل ليبيا حاليا من الداخل وليس من
الخارج.
نشر في
حوارات و تحقيقات