حوار صريح مع عبد الوهاب الهاني
جينيف - جريدة مواطنون / الطاهر العبيدي
taharlabidi@free.fr
عبد الوهاب الهاني أحد اللاجئين التونسيين، وأحد الحقوقيين والسياسيين المطلعين على المشهد السياسي التونسي في الداخل والخارج، والمعروف بحضوره الميداني في العديد من التحركات والتظاهرات والمؤتمرات، من ضمنها مواكبته لملف اللاجئين والمساجين السياسيين التونسيين، كما أنه الممثل الدائم للجنة العربية لحقوق الانسان بجينيف، أطلق هذه الأيام نداء من أجل عودة اللاجئين التونسيين إلى تونس، ضمن ورقة كما يراها تحفظ كرامة اللاجئين وتحترم القوانين..وتنهي محنة اللجوء " الآن وليس غدا " حسب طرحه. التقيناه في العاصمة السويسرية " جينيف " على هامش إحدى المؤتمرات الإعلامية، لنجري معه هذا الحوار حول أبعاد وآفاق هذا النداء، الذي اعتنى بقضية اللاجئين التونسيين التي باتت شرخا مشوّها في جبين السلطة، ووجعا صاحيا في صدور اللاجئين، الذين منهم من تجاوز العشرين سنة وظل محروما من العودة للبلاد، ومنهم من قضى نحبه في المنافي، آخرهم هذا الأسبوع مجاهد الذيبي، حيث بدأ العد التساقطي للأعمار بين صفوف اللاجئين.. دون أن يكون لنا مقاصد من وراء هذا الحوار سوى استجلاء هذه المقاربات..
طلقتم نداء من أجل عودة اللاجئين التونسيين، وقد جعلتم له مرتكزات قانونية وثوبا حقوقيا، دعوتم فيه اللاجئين إلى الذهاب إلى القنصليات من أجل المطالبة بجوازات سفرهم، فهل لك أن توضح لنا الأبعاد والآفاق لهذا النداء
لقد سعينا من خلال هذا النداء لإخراج هذا الملف من دائرة التوظيف والابتزاز السياسي، سواء كان ذلك من بعض أطراف أجهزة السلطة أو من طرف بعض الجهات داخل المعارضة وإرجاعه إلى دائرة المطلب الحقوقي، ويعني ذلك استعمال الخطاب والأدوات الحقوقية والقانونية، لأن التوظيف والمعالجة السياسية لهذا الملف لم تؤت أكلها، بل بالعكس ساهمت في تعقيد وتأبيد القضية، بل أننا نعتقد جازمين أن التوظيف السياسي لهذه المعاناة غير أخلاقي وغير مجد سياسيا. وحول الآفاق فإن هذا النداء هو بمثابة خارطة طريق واقعية وعملية ستؤدي حتما - لو تفاعلت معها جميع الأطراف بجدية ومسؤولية - إلى تمكين مواطنينا اللاجئين بالخارج الذين يرغبون في إنهاء اللجوء من حق العودة إلى الوطن، في إطار ضمان كرامتهم وسلامتهم الجسدية والمعنوية دون ابتزاز ومقايضة.
نلاحظ أن النداء دعا اللاجئين للمطالبة " ببطاقة ناخب " من ضمن الوثائق المطلوبة، ألا يعني ذلك نوعا من التسييس لهذا الملف، حيث تعرّض كذلك إلى العفو العام الذي بدا ضبابيا في ورقتكم؟
بطاقة الناخب يا سيدي هي جزء من حقوق المواطنة، والمطالبة بها لا تعني تسييسا للملف ما دامت حقا لكل التونسيين والتونسيات في إطار القانون. أما العفو العام فهو ليس عفوا سياسيا، بل هو قانون تشريعي يسنه البرلمان من أجل طي صفحة الماضي المؤلمة، وإعادة الاعتبار للضحايا والمتضررين من كل الأطراف، ومهما كانت اتجاهاتهم، وهذه من صلاحيات السلطة التشريعية التي تحرص قبل كل شيء على ضمان وحماية وديمومة السلم داخل المجتمع، فورد هذا المطلب كخاتمة لخارطة الطريق وليس كمقدمة لها. بمعنى أنها تتويج لمسار مرحلي وتراكمي يمكّن البلاد من تسوية مخلفات الماضي. وأود هنا أن أشير إلى أن بلادنا تحكمها نواميس وقوانين منذ أمد بعيد. وقد نص المشرّع على أن العفو التشريعي هو من مشمولات البرلمان، وعلى أنه يتخذ في شكل قانون ". وهو ما دفعنا إلى التوجه إلى السادة والسيدات أعضاء مجلس النواب بقطع النظر عن انتماءاتهم، كما توجهنا إلى رئيس الدولة بصفته رئيسا لكل التونسيين مهما تباينت مواقفهم، والضامن لمؤسسات الدولة، باقتراح مشروع قانون عفو تشريعي على مجلس النواب، بالتشاور مع كل المعنيين وفي مقدمتهم الضحايا، ووضعنا لذلك أفقا زمنيا معقولا، أي أثناء الدورة النيابية الحالية 2009 / 20014. واسمح لي أن أذكّر بأن مطلب العفو التشريعي مطلب أجمعت عليه الطبقة السياسية والحقوقية، لكنها فشلت في تحويله إلى أولوية ومطلب وطني شامل، ومن الغريب أن يرفع بعضهم هذا المطلب دون التوجه للمؤسسات المعنية به، فتحوّل هذا المطلب النبيل إلى مجرد شعار للمزايدة الكلامية. وأريد هنا أن أثني على مبادرتين يتيمتين لحمل مطلب العفو التشريعي تحت قبّة البرلمان، قام على الأولى نائبان عن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي – أثناء رئاسة السيد عبد الرحمان التليلي السجين حاليا فرج الله كربته- وهما المرحوم عبد العزيز شعبان، والأستاذ محمد المختار الجلالي المحامي، وكذلك مبادرة نواب حركة التجديد مؤخرا، أشير أن ندائنا طالب بتشريك أصحاب المصلحة، والمعنيين بالأمر في إعداد مشروع القانون حتى يكون تشاركيا لا فوقيا
هناك من يعتبر أن هذا النداء هو نوع من سحب البساط من تحت المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين، التي انطلقت عبر مؤتمرها التأسيسي بجينيف يومي 20 و21 جوان 2009، الذي لاقى تعاطفا حقوقيا وسياسيا داخليا وخارجيا، وأثار حراكا إعلاميا بارزا؟
في البداية أود أن أذكر أن إيماننا بالديمقراطية يعني إيماننا بالتعددية، التي لا تقتصر على تعددية الأطر السياسية أو الثقافية أو الحقوقية، بل تعني أيضا تعدد المقاربات لمعالجة المشاكل التي تطرح على مجتمعاتنا. أما موضوع عودة اللاجئين فإنه من وجهة نظرنا قرارا فرديا لا يمكن أن يخضع للتأميم. كما أذكّر أن موضوع العودة طرح في أوساط اللاجئين في فترات تاريخية سابقة، على الأقل منذ سنة 94. والتغطية الإعلامية الواسعة ليست في نظرنا مقياسا للنجاعة.
لقد واكبنا مؤتمر جينيف وتحاورنا مع جل الأصدقاء المشاركين فيه، وللتاريخ فإن جلهم يتقاسمون نفس الروح القانونية والحقوقية والعملية التي وردت في نداءنا.
أما عن المنظمة فأود في البداية إبداء الملاحظات التالية:
- على المستوى تسمية المهجرين والمنفيين فإنه مصطلح شاعري لا يصف حالة واقعية ولا وضعا قانونيا، فالنفي أو التهجير ممنوع قانونا بنص الدستور، ولم يحصل أن مارست الحكومات التونسية المتعاقبة هذه العقوبة التي تعد جريمة ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي كعقوبة الإبادة الجماعية. فالأمر إذا يتعلق بلاجئين سياسيين فروا من البلاد خشية القمع، والفرق شاسع جدا بين النفي واللجوء.
- أما الهالة الإعلامية التي رافقت تأسيس هذه المنظمة فقد أبرزت خطابا سياسيا حرص بإلحاح على توظيف معاناة اللاجئين في إطار الصراع مع السلطة القائمة، بل اعتبرها البعض " جزء من خطة التحرير الشامل "، كما ذهب البعض الآخر إلى تبخيس النضال الحقوقي، معتبرا أنه " لو بقي المساجين في السجن لكان أفضل لهم "، وهو خطاب غير أخلاقي وغير مسؤول سياسيا تجاه الضحايا
- أما على مستوى الأداء فقد مرت اليوم 5 أشهر على الولادة الرسمية للمنظمة- التي تفضلت بذكرها – دون أداء يذكر وهو ما ولد تساؤلات كبيرة وامتعاضا واسعا داخل العائلة الكبرى للاجئين التونسيين.
كم كنت أود لو نظرنا إلى المستقبل، مستقبل العائدين وليس ماضي اللاجئين، مستقبل البناء وليس ماضي الحقد والتشفي والتشكي.
ما هي في تصوركم حظوظ نجاح النداء، خصوصا وأن الدوائر الإدارية في القنصليات التونسية بالخارج، تسعى لحل المشكلة بطريقة أمنية، كما تبين من خلال البعض الذين اشترطت عليهم الإمضاء على إحدى البيانات الموالية، ومارست ضدهم نوعا من المقايضة؟
لقد أسّسنا لهذا النداء الجماعي كخارطة طريق موجهة لكل الأطراف، تبدأ بالتوجه لبعثاتنا الدبلوماسية والقنصليات وتنتهي بالعفو التشريعي في نفس تدرّجي، مع تحميل مؤسسات الدولة المعنية والأحزاب والنخب مسؤوليتها، ونعتقد أن السلطة هي مجموعة مؤسسات متداخلة، وهدفنا هو إخراج هذا الملف من دائرة الابتزاز السياسي والأمني من كل الأطراف.
لماذا لم يلتحق للإمضاء على هذا النداء إلا بعض الأفراد؟
لم تنشر بعد القائمة النهائية للإمضاءات، ولا نذيع سرّا إذا اعترفنا أن هذا النداء قوبل بمواجهة عنيفة منقطعة النظير من طرف العقليات الحاونوتية، التي لم تنجح في الترفع عن منطق التوظيف السياسي للمعاناة البشرية، وأشير هنا إلى خطر العقلية التأميمية التي دأبت عليها عديد التنظيمات العقائدية، التي تعتبر الفرد ملكا للحزب، والحزب ملكا للقيادة، والقيادة ملكا للزعيم وحاشية الزعيم. كما أود التنبيه من الخلط المنهجي الحاصل عند كثير من مواطنينا اللاجئين، حيث يعتبر البعض أن حل المشكلة لا يتم إلا عبر تسوية ملف علاقة حزبه بالسلطة، وهو لعمري وهم قاتل. فقد أثبتت التجربة أنه بالإمكان إطلاق سراح المساجين السياسيين دون التوصل إلى تسوية سياسية مع حركتهم، كما أثبتت التجربة العكس أيضا، حيث تم مثلا تطبيع العلاقة مع حركة الاتجاه الإسلامي سابقا النهضة حاليا بعد 7 نوفمبر 1987 في حين كان العديد من المساجين يقبعون في المعتقلات،
ونحن على أمل كبير في أن ينخرط مواطنوننا اللاجئون في هذا التوجه المستقبلي لعودتهم واندماجهم في تونس.
في الوقت الذي يتعرض فيه العديد من الصحفيين في تونس إلى السجن والمحاكمات، وبعض صحف المعارضة إلى المحاصرة والتضييق، إلى جانب تعنيف العديد من الحقوقيين والناشطين وتجويعهم، تطلقون أنتم هذا النداء، ما يجعل هذه المبادرة وكأنها جاءت في الوقت الضائع ومتسللة عن الواقع السياسي بالبلاد ؟
لقد أشرنا في ديباجة النداء إلى حاجة بلادنا لإصلاحات سياسية جريئة لا رجعة فيها، أصبحت اليوم مطلبا وطنيا يجمع عليه كل الشركاء في الوطن. وذكرنا على رأسها تعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وحرية الصحافة ومكافحة الفساد. أما على مستوى التوقيت فإنني أنبه إلى خطر عقلية " كل شيء وإلا بلاش " فكل القضايا التي ذكرتها تعالج بآليات مختلفة، وتحضرني هنا قول الزعيم لينين " إذا كنت أمام مشكلة معقدة فعليك أن تجزئها لتيسير حلها". وإني أود التذكير بتجربة الشيلي حيث بدأت عودة اللاجئين منذ سنة 83 في حين أن الانتقال الديمقراطي بدأ سنة 88، كما ذكرنا بذلك الدكتور أحمد العش.
وفي علاقة مباشرة بعودة اللاجئين وبصفتي كناشط حقوقي وسياسي وكمراقب دائم للحياة السياسية ألاحظ تغييرا في نبرة بعض المسئولين تجاه هذا الملف، من ذلك ما ورد على لسان السيد وزير العدل وحقوق الانسان منذ أكثر من سنة ونصف أمام مجلس حقوق الانسان والهيئات التعاقدية للأمم المتحدة، والبرلمان والصحافة الوطنية، الذي لم يستعمل اللغة الخشبية والتخوينية التي دأب عليها مسئولين آخرون.
لماذا لم يقع التنسيق بينكم وبين المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين، حتى تتضافر الجهود بدلا من تشتتها؟
هذا النداء موجه لجميع الأطراف المهتمة بهذا الملف. وعلينا دعم المبادرات الخيرة والمسئولة والابتعاد عن المنطق الأحادي الذي يجد جذوره في منطق الفرقة الناجية، والذي سيحيلنا ضرورة - لا قدر الله - إلى إعدام كل المبادرات المدنية المستقلة. فمثلا نجاحنا في إطلاق سراح المساجين قامت عليه قرابة العشر جمعيات تونسية، وتخللته عديد المبادرات المستقلة من عرائض ونداءات فردية أو جماعية واعتصامات وإضرابات جوع فردية وجماعية، دون أن يصرخ أحد بشق عصا الطاعة عن رابطة حقوق الانسان. فالتعددية هي عين الديمقراطية وضمان الثراء وشرط التنافس النزيه، من أجل خدمة القضية.
بلغنا أن نداءكم لاقى مساندة من العديد من الأطراف الحقوقية والسياسية وشخصيات وطنية من داخل تونس، في حين انه لم يحض بالتفاف اللاجئين في الخارج، إلى ما يعود ذلك حسب رأيك؟
يبدو وأنك مطلع جدا على خفايا القلوب والنوايا. نداءنا يا سيدي الكريم موجه لجميع الأطراف بدءا باللاجئين الذين يرغبون في العودة. ودعني أعود إلى تجربة الشيلي حيث لم يعد إلى البلاد إلا 25 % ، أما الآخرون فقد آثروا البقاء وهذا من حقهم المشروع، لأن اللجوء في جوهره مرحلة انتقالية تفضي.إلى العودة أو الاندماج التام في بلد الإقامة. وأما ما ذكرته من تفاعل الطبقة السياسية والحركة الحقوقية مع هذا النداء فإن ذلك يضاعف من إحساسنا بالمسؤولية، ويحثنا على تكثيف جهودنا من أجل الحل العاجل والكريم لهذه المعاناة
" اليوم وليس غدا ".
آخرون يقولون أن نداءكم حرر في وزارة الداخلية، والبعض الآخر يذهب إلى حد القول بأنه جاء بإيعاز من جهات أمنية ما خلف احترازا في التوقيع عليه؟
نحن عبد الوهاب الهاني كتبنا الآلاف من المقالات التي تعنى بالشأن التونسي طيلة العقدين من الزمن الذي قضيناه في اللجوء، كما بادرنا وشاركنا في مئات التحركات والعرائض والنداءات والاعتصامات وإضرابات جوع لفائدة المضطهدين مساجين أو لاجئين، كما رافقنا المئات من مواطنينا طالبي اللجوء، وساعدناهم على إعداد ملفاتهم في عديد الدول الأوروبية لا نريد منهم جزاء ولا شكورا، وألقينا مئات البيانات الشفاهية والكتابية أمام مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، وعديد المؤتمرات الأممية إنشاء وارتجالا لاقت كلها الاستحسان والتقدير وتناقلها الاعلام العالمي، دون أن نحتاج لمن يكتب أو يقرأ لنا، قمنا بذلك تأدية لواجبنا الوطني تجاه أبناء البلد وخدمة لقضايانا العربية العادلة، في حين كان مناضلو آخر لحظة يهتمون بشؤونهم ومشاريعهم الاقتصادية، والله والشعب والتاريخ هم الفيصل بيننا، أما عن هؤلاء الذين فشلوا طيلة 20 سنة في تحقيق أي مكسب يذكر لقضايا الحريات وحقوق الانسان في البلاد، وهم في الآن نفسه يقدمون أنفسهم مطلعين على أقبية وزارة الداخلية ومكاتبها، فحري بهم أن ينتبهوا إلى أن هذا النداء حرص قبل كل شيء على إخراج هذا الملف من دائرة التعاطي الأمني، والتسلل خلسة لملاقاة أعوان الأمن، فالهدف من نداءنا هو أن يدخل اللاجئ إلى مقرات السفارات والقنصليات رافع الرأس، مطالبا بحقه في كنف احترام القانون والمؤسسات.
في المدة الأخيرة نشرت ورقة من 20 صفحة باللغة الفرنسية، تعرضت فيها للعديد من المسائل التاريخية ومحطات من فعل المعارضة، منها هجومكم على أداء قيادة حركة النهضة، ما جعل العديد من المتابعين يتساءلون عن أسباب هذا التحامل، الذي يوصف بالثارات السياسية بينكم وبين حركة النهضة، التي لك فيها العديد من الصداقات الحميمية ورفقاء درب؟
كان نداء 10 سبتمبر 2009 - ذكرى إعلان عهد الأمان سنة 1857 – بمثابة التأسيس السياسي والفكري، للتعاطي العقلاني والواقعي مع قضية اللاجئين، فقد تناولنا فيه تعريف اللاجئين وحالات انتفائه، كما قمنا بمقاربة تاريخية لتقييم اللجوء التونسي، وتضمن النص التذكير بتاريحية موضوع العودة، وإن كنا تعرضنا بالنقد لأداء هذا الطرف أو ذاك، وهذه الوزارة أو تلك، وهذا المسئول أو ذاك فإن ما قمنا به يدخل في إطار واجب النظر والتحليل والنقد، وليس من باب التشهير،
فلا يمكن لنا أن نتناول موضوع اللجوء دون التعرض لأداء حركة النهضة فيه، بحكم انتماء أغلب اللاجئين إليها، والاحترازات المسجلة لا تمنعنا من الدفاع عن المنتمين لحركة النهضة وغيرهم، والمحافظة على علاقات أخوية قوامها روابط الوطن والعروبة والإسلام.
وبالعودة إلى نداء 10 سبتمبر فقد أبرزنا فيه وجود تيار داخل السلطة يرغب في حل المشكلة وتيار آخر يرغب في تأبيدها ونجد نفس التقاطع داخل المعارضة وذلك لأسباب مختلفة.
المعروف أن عبد الوهاب من عائلة سياسية عرفت بوفائها للخط البورقيبي، فما تأثير ذلك عليك من خلال توزعك بين المعارضة وبين التعامل مع شخصيات من رموز السيستيم القديم ؟
أتشرف بانتمائي لعائلة دستورية وطنية ساهم أبنائها في معركة الاستقلال الكبرى، والدفاع عن حياض الوطن، وبناء الدولة المستقلة، وخدمة الغلابة والمقهورين، إنني لم آت للمعارضة بحقد شخصي أو عائلي أو قبلي أو جهوي، ولكن بإرادة وطنية خالصة، تهدف للإصلاح وخدمة الناس وخدمة الوطن وهو ما تعلمته منذ حداثة سني. وإني أعتقد أن الساحة السياسية والحقوقية والفكرية في بلادنا في أمس الحاجة إلى أشخاص ذوي ثقافات وتجارب سياسية متعددة، يقومون بدور جسر العبور وتقريب وجهات النظر، وتنضيج الإجماع الوطني بين مختلف العائلات والأجيال السياسية والفكرية، التي تمثل ثراء هذا الوطن.
البعض يرى أنكم في كل مرة ومتى وقع حراك في صفوف المعارضة، تدخلون على الخط لتكسير المبادرات، ومحاولة اللعب على التوازنات السياسية داخل السلطة؟
أنا أخي الكريم مناضل لا يدخل على الخط، ولكن غالبا ما يكون مبادرا في الحراك والكتابة، هاجسه الوحيد الرفع من الأداء السياسي والحقوقي في البلاد.
في المدة الأخيرة اتخذت كتاباتك شكلا من أشكال التقرب من السلطة، ونذكر على سبيل المثال ما كتبته في نفس اليوم الذي تعرضت فيه مدينة الرديف للفيضانات، حيث ثمنت دور الجيش والحماية في توزيع المساعدات، في حين تبين لاحقا أن المساعدات لم توزع بطريقة عادلة، ولاح استياء كبيرا لدى المتضررين، حسب بعض المصادر؟
إن تثمين دور جيشنا الوطني والحماية المدنية، ومصالح التجهيز والهلال الأحمر التونسي الذي هو حقيقة لا يتناقض مع الإشارة للنواقص والخلل، وهو ما تضمنه نصّنا الذي كتبناه إبان الحدث بل وأثناء الحدث ودون تردد وبدون حسابات، في حين لم نسمع أصوات بعض الأحزاب إلا بعد يومين أو أسبوع كامل، وقد طالبنا في هذا المقال بإطلاق سراح مساجين الحوض المنجمي، وإبعاد المتطفلين على عمل الإغاثة الإنسانية من الطامعين في التوزير أو في مقعد في البرلمان، كما طالبنا بإعادة النظر في الخطة الوطنية لمكافحة الكوارث، بعقلية جديدة تجمع بين الحقوق المدنية والسياسية من جهة، وبين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحق في التنمية من جهة أخرى، إن المعارضة ليست بالضرورة ديمومة كلمة "ضد " في كل مكان وزمان، وهي المعارضة الإيديولوجية الشعبوية العدمية، التي لا تحسن إلا الاحتجاج اللغوي، بل أن المعارضة في نظرنا هي مسؤولية تقوم حتما عبر التعاطي الجريء، الذي يرصد النواقص بدون مواراة ويثمّن الايجابيات دون تردّد، ويقترح الحلول القابلة للتطبيق.
عبد الوهاب الهاني عند البعض شخصية غير واضحة المعالم ،هناك من يصفك بالانتلجنسيا الإسلامية، وآخرون ب" البارازيت" ومنهم بالمناضل الذي لا يستكين، وأنت تقدم نفسك بالمستقل، علاقاتك متشعبة ومتداخلة مع كل القوى السياسية والأطر الحقوقية في الداخل والخارج، كنت الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للطلبة، في المهجر واصلت الاشتغال في المجال الحقوقي والإعلامي، وخصوصا اهتممت بملف اللاجئين، وقضايا مكافحة التعذيب، ساهمت في تأسيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية برئاسة الدكتور منصف المرزوقي ثم انسحبت منه في صمت، فهل لنا أن نعرف هذا التشابك في شخصيتك حيث لا تفوتك رقائق الأمور ما ظهر منها وما بطن، سواء داخل المعارضة أو السلطة؟
إن تجربة الاتحاد العام التونسي للطلبة التي تدرجت في المسؤوليات فيها، وكنت أحد رموزها، علمتني أن جوهر النضال المدني يستدعي الاطلاع الدقيق على الأوضاع وموازين القوى، والتواصل مع مكونات المشهد، وبناء علاقات أساسها الاحترام المتبادل، والبحث على القواسم المشتركة حتى وإن كانت ضعيفة جدا للبناء عليها، كما علمتني أن المبدئية لا تعني التقوقع في خطاب غوغائي عدمي مقطوع الأوصال بالواقع، بل أنها تعني البحث اليومي والدائم على توفير الشروط الميدانية لتحقيق المطالب، كما علمني محيطي العائلي مبدأ التدرج وسياسة المراحل البورقيبية التي مكنت البلاد من تحقيق أقصى الأهداف بأقل التكاليف.
ثمة من يقول: أن عبد الوهاب الهاني لو عاد إلى تونس فيمكن أن تقع تصفيته، ذلك لأن النظام سوف لن ينسى له أنشطته الحقوقية، التي في كثير من الأحيان سببت بعض الاحرجات للسلطة ، فكيف ترى أنت هذه الصورة؟
أنا يا أستاذ مناضل لا أخشى في الحق لومة لائم، وضحيت ب20 سنة من خيرة سنين عمري لاجئا بين فرنسا وسويسرا، ولم انقطع يوما عن النضال رغم قسوة الحياة، مثلي في ذلك الزعماء الكبار الذين خدموا بلادنا ولم يملكوا شجرا ولا أطيان ولا أرصدة، ولم تخفهم السجون والمعتقلات والمنافي ولا خطر الموت من أجل أن يحيا الوطن.
أنت الممثل الدائم بجينيف للجنة العربية لحقوق الانسان، التي أبلت البلاء الحسن في قضية العدوان على غزة، إلى جانب مؤازرة تقرير " غول ستون"، فلو لم يقع التعامل ايجابيا من طرف السلطة مع نداءكم هذا، فهل ستحولون هذه القضية إلى مقرات هيئات وبعثات المتحدة في جينيف، واستثمار علاقاتكم هناك، أم تخشون أن تتهموا بما يسمى الاستقواء بالخارج؟
أود في البداية أن أحيي سعادة السفير عبد الوهاب الجمل الممثل الدائم لبلادنا لدى الأمم المتحدة بجينيف، والذي أبلى البلاء الحسن بصفته رئيسا للمجموعة العربية لدى مجلس حقوق الانسان أثناء اعتماد تقرير القاضي الفاضل" غول ستون"، حيث تمثل دورنا في إقناع الدول بالتصديق على توصيات هذا التقرير، وكان نجاحا لنا كعرب ومسلمين وأفارقة نموذجا حيث تمكننا من التنسيق بين الدبلوماسيين والمجتمع المدني والإعلاميين لنفرض على المجموعة الدولية ملاحقة مجرمي الحرب الاسرائليين. أما عن عودة اللاجئين التونسيين فإننا متفائلون بالتفاعل الايجابي مع هذا الملف آجلا أو عاجلا. ونحن حريصون كل الحرص على أن يحل هذا الموضوع في إطار وطني بين التونسيين ودون تدخل أجنبي، وأريد أن أذكر بالكلمة النبراس التي نطق بها الدكتور هيثم مناع عشية عودته لسورية الحبيبة بعد ربع قرن من اللجوء " لن أعود على ظهر دبابة".
جريدة مواطنون / العدد 126 / 25 - 11 - 2009
No comments:
Post a Comment