د. حياة
الحويك عطية
الجديلة
الاوكرانية
اوكرانيا
، اكثر من جديلة ذات خصوصية - هوية على راس امراة ، واكثر من مشكلة عرقية او لغوية
للناطقين بالروسية ، ، اكثر خط امداد للغاز واكثر من مزود اساسي للحبوب، اكثر من خارطة
تحوي شبه جزيرة القرم التي شكلت تاريخيا الموقع الستراتيجي الحاسم لروسيا واوروبا
وتركيا – اسيا ، اكثر من مرارة تلك الذكرى في الوعي الجمعي الروسي ، واكثر من رد
فعل سريع اميركي او اوروبي واكثر من نشاط يهودي اسرائيلي بارز للمال وللاستخبارات وللسياسة . انها كلها
معا.
فمنذ ان
قررت الستراتيجية الاميركية نقل ثقلها واولويتها الى يسمى باوراسيا، وضع الغرب
نفسه في مواجهة بين حلمين : حلم فلاديمير بوتين باتحاد اوراسي يعيد صياغة الاتحاد
السوفييتي بدون شيوعية ، وحلم اوروبي بقارة توسع نفوذها بعد شرقها الى اطرافها ، لتقف
مع الولايات المتحدة حليفا اقوى داخل حلف شمالي الاطلسي ، حيث يجمع القوتين
الغربيتين سعي النفوذ وسعي الخروج من الازمة الاقتصادية التي هزت اركان عرشيهما.
واذا
كانت الولايات المتحدة واحدة في قرارها، اما اوروبا فهي مضطرة الى الحصول على
موافقة اعضائها ال28 لاتخاذ قرار عقوبات، فان كليهما مرتبطة بروسيا بمعطى ستراتيجي
ما .
الولايات المتحدة مرتبطة بروسيا بخطوط امداد
جنودها في افغانستان، حيث يمر 40 بالمئة من الامدادات عبر الاراضي الروسية
والاسيوية المتحالفة مع موسكو. وهنا يمكن القول ان التهدئة من مصلحة الطرفين. اما اوروبا فامرها مختلف حيث انها تعاني من
تبعية اقتصادية لا تعاني منها واشنطن. حيث
ان حجم التبادل التجاري الاميركي مع موسكو يساوي ثلث مبادلات الاخيرة مع المانيا
وحدها، التي تستثمر 20 مليار دولار في روسيا.
ولذلك اخرت انجيلا ميركل اجتماع بروكسل ثلاث ساعات بحجة تفضيل انتظار
استجابة بوتين لدعوى الحوار والحل الديبلوماسي في الايام القادمة – بحسب التعبير
الالماني . ولاسباب مشابهة، لم تبد بريطانيا الحماس الذي ابداه الاخرون ضد موسكو
. اما فرنسا فهي من جهة ترفع الصوت عاليا
( كما هو حالها منذ ليبيا)، ومن جهة اخرى تضغط على مؤتمر بروكسل كي لا يناقش مسالة
حظر بيع
الاسلحة لروسيا . فماذا يفعل فرانسوا هولاند بصفقة غواصتي
ميسترال ( فلاديفوستوك – سيباستوبول ) المباعتان الى روسيا بمبلغ مليار وربع مليار دولار؟ مبلغ
لا تملك باريس المازومة اقتصاديا ترف رفض خسارته بعدم تسليم الغواصة
الثانية في نهاية 2014 . وليهدد لوران فابيوس لفظيا وليذهب برنار هنري ليفي الى
كييف كما ذهب الى بنغازي.
الاوراق
الروسية لا تنحصر في الغواصات التي تعتبر درة البحرية الفرنسية الملقبة بالسكين السويسرية،
فهناك الغاز ، الذي تستورد اوروبا ثلث حاجتها منه من غاز بروم وحدها. ولا بديل عن
مصدره الروسي وخطوطه العابرة لاوكرانيا،
طالما ان الحرب السورية قد افشلت تمرير خط اخر عبر المتوسط يحرر القارة
العجوز من حاجتها الى موسكو.
اما
اوكرانيا فان 70 بالمئة من غازها ياتي من
روسيا، 80 بالمئة من صادراتها تمر عبر روسيا،
وديونها للاخيرة وصلت 3 مليارات
دولار.
واذا كانت الخسارة عالمية، فيما يتعلق بالانتاج
الغذائي ، خاصة الحبوب، حيث تحتل اوكرانيا المرتبة الثالثة عالميا في انتاج الذرة
والثامنة في انتاج القمح. فان الغرب هو
الخاسر الاكبر لانه يحصل عليها باسعار مخفضة ولا بدائل لديه.
معادلات
كثيرة لا يغيب اي منها عن بال اللوبي اليهودي العالمي ولا عن بال اسرائيل االذين
يتمتعان بنعمة لا مثيل لها اسمها الجنسية المزدوجة . يحملها برنار هنري ليفي في
فرنسا كما حملها بيروزوفسكي في روسيا ،
بحيث سيطر بضعة رجال ، اطلق عليهم لقب الاباطرة على الاقتصاد- خاصة النفط والمعادن
- والاعلام الروسيين في عهد يلتسين، وجيروه للاستثمار والبناء في اسرائيل.
(ابراهاموفتش ، خودركوفسكي، غوسينسكي، سمولينسكي، فيكسلبيرج- دريباسكا - فريدمان -
تشوبايس). ومثلهم في اوكرانيا فيكتور
بينتشوك وإيغور
كولومويسكي ( 6,5 مليار دولار)، الذي ويتولى رئاسة الاتحاد اليهودى الأوروبي . بعد
ان اسسه، مع الاوكراني الاخر، فاديم رابينوفيتش.
ارتباط هؤلاء جميعا بالادارة
الاسرائيلية لا يعني بالضرورة ان يكونوا في صف المعارضة ، ولكن عاملين اساسيين
يجعل اسرائيل ولوبيهاتها تتورط في كييف : الاول معارضة حادة لسياسات بوتين ، من
جهة لانه هو من وضع حدا لنفوذ الاباطرة اليهود المذكورين، بل ونفى معظمهم خارج
روسيا ، حتى ان بيروزوفسكي مات في لندن في ظروف غامضة . والثاني ان سياسات روسيا
في اوروبا وفي الشرق الاوسط وفي اسيا لا تصب حاليا في مصلحة اسرائيل ولا في مصلحة
لوبيهاتها. وعليه ياتي تدخل الموساد في الحراك الشعبي – كما كان الحال في جورجيا ،
وفي الثورة البرتقالية في اوكرانيا نفسها- منطقيا في باب التحليل كما ان كما من
الوقائع التي اوردتها الصحف الاوروبية نفسها تاتي لتثبته. من مثل نقل مصابين الى
اسرائيل على نفقة المجلس اليهودي . غير ان الملفت هنا ما ذكره الاعلام الغربي ايضا
من ان جماعات من الاسلاميين التتار بقيادة رفعت شوباروف تقف الى جانب هؤلاء.
رغم ذلك كله تكتب لو فيغارو : "
ان اوروبا تنتظر بفارغ الصبر قبول بوتين بالحوار
لكن تسارع الاحداث سبقها، ضربها الذهول
شلتها السرعة "
اما
القيصر الروسي المطمئن الى كل القبضات التي يمسك بها اليد الاوروبية ، فيعرف ايضا
ان مصافحة اليد الاميركية تفيده، ولكن بعد ان يمتلك يدا حديدية على الارض، لذلك مد
عصا حين طلب من صندوق النقد الدولي متابعة
مناقشة دعم الدول الناشئة: الهند والصين ، بدون واشنطن، ثم تواصل مع اوباما قائلا
: لا يجب ان نختلف لاجل اوكرانيا. فهل
يعود العالم الى طاولة التقاسم التي جلس عليها قطبا الحرب الباردة يوما ، وتقاسما،
برضى ام بقسر ، بعلانية ام من تحتها، العالم ومن ضمنه اوروبا واوكرانيا؟
No comments:
Post a Comment