تقارير جديرة بالاهمال.
فيصل جلول
يكتشف الغربيون احيانا أن مصالحهم تقتضي الا يعيش العالم الاخر كما يعيشون.ويتساءل بعضهم ماذا لو اراد الصينيون ان يعيشوا على الطريقة الغربية وان يشتري كل منهم سيارة؟ النتيجة ستكون ان مليار سيارة صينية ستهتلك كل النفط الموجود في الاسواق وان لانفط من بعد للسيارات الغربية إذن من الافضل الا يشتري اهل الصين كلهم سيارات وان يواصلوا التنقل بواسطة الدرجات الهوائية للحفاظ على نمط المعيشة في الغرب.ولا يجرؤ هؤلاء على القول ان شمول السيارة الفردية لكل الصينين سيؤدي الى تسميم الفضاء بالغازات السامة وتوسيع ثقب "الاوزون" وهم لا يفعلون عندما تكون الحجة ضعيفة الى هذا الحد. فالعالم باسره يضم اليوم أقل من مليار سيارة تطبق على انفاس البشر بسمومها وفي الصين منها أقل القليل.
وإذا كان الغربيون يخشون من انتشار نمط حياتهم في مجال السيارات فانهم يحبذون انتشاره في مجالات كثيرة أخرى ومن بينها طرق ووسائل التعبير فهم يسيطرون على صناعة الخبر في العالم وتضخ وسائل اعلامهم القسم الاعظم من المواد الجديرة بالنشر وهي تنطوي على احوال وعواطف نجومهم البارزين وآخرمنتجاتهم الطبية والتكنولوجية ووقائعهم الاقتصادية وقيم عملاتهم و حركات وافعال مجتمعاتهم السياسية ومجمل ادارتهم للعالم بل قصص زعمائهم العاطفية ويحدث احيانا أن يعيش الكون باسره على وقع تفاصيل دقيقة عن علاقة حميمة بين رئيس امريكي وشابة متدربة في البيت الابيض او عن صعوبات المساكنة بين رئيس فرنسي وزوجته الفاتنة او رئيس وزراء إيطالي وسهراته الجماعية مع صبايا المرافقة الخاصة.
ولا يكتفي الغربيون بنشر نمط حياتهم في الفضاء الاعلامي الدولي دون صعوبات تذكر بل تراهم يصرون على تعريضنا لاختبارات قياسية حول جدارتنا باستبطان معاييرهم وبما ان وسائل الاعلام هي الممر الاجباري لولوج هذا الاستبطان فانهم يطلبون منا دون ان نسألهم ان نندرج في هرمية غربية لحرية التعبير يقفون هم على رأسها فان احسنا الالتزام بهذه الهرمية صعدنا الى حيث يريدون وان لم نحسن هبطنا الى حيث يريدون أيضا. اما ما نريد نحن وما نرغب فهو امر لا يستحق العناية بل هو من قبيل التخلف قياسا على معايير عولمة الغالب على المغلوب.
لاتفعل منظمة "مراسلون بلا حدود" شيئا آخر سوى ادراجنا في هذه الهرمية عبر تقاريرها السنوية فتوزع علينا درجات الاخفاق والفشل كما توزع المدارس وثائق نهاية الفصل الدراسي على طلابها. انت ناجح بامتياز وذاك ناجح بدرجة وسط وتلك ناجحة على الحافة واخرى تحتاج الى علامات اضافية للنجاح.
وترانا بعد كل تقرير للمنظمة ننشغل كما تلامذة المدارس بالعلامة التي نالتها كل دولة من دولنا فنحتج على درجة نلناها ونحسد دولة اخرى على درجة افضل و نشكو المنظمة المذكورة بل نعاتبها لانها لم تأخذ بعين الاعتبار تماثلنا في هذا الجانب والجهود التي بذلناها في جانب آخر وكأننا نقر بتخلفنا أي بموقع المغلوب وباستحقاقنا لهذا الموقع وبهرمية الغلبة المتوجبة عليه. والمضحك في هذه السيرورة ان "مراسلين بلا حدود" تلوم البلدان الغربية ليس على احتكار صناعة الخبرالعالمي وازدواجية المعايير في صناعته وانما على تراخيها في الحرص على مستوى الصناعة وعليه تدرج هذه الدولة الغربية او تلك في هرمية اعلى او ادنى بقليل من عام الى آخر.
لماذا نقبل الانتساب الى مدرسة "مراسلين بلا حدود" وما الذي يحملنا على التعاطي بهذا القدر من الدونية مع تقاريرها في حين تمر هذه التقارير مرور الكرام في وسائل الاعلام الغربية ولا تستخدم الا لادانتنا وللاشارة الى تخلفنا؟ لماذا نرضى بالخضوع لاختبار اجنبي لا يمكن النجاح فيه لان معياره ان تكون صحفنا مثل صحفهم وهم تقدموا علينا بقرون وهل نريد صحفا مثل صحفهم وان كنا نريد فما الحاجة اليها اليس من الافضل ان نترجم صحفهم وننسخها بدلا من تبديد اموالنا في صناعة صحف مشابهة؟ لماذا نقبل احكام هذه المنظمة على وسائل اعلام عربية دون ان يكون بين اعضائها من يجيد العربية؟ فهل نتخيل ان لديها الوسائل اللازمة لقراءة ومتابعة كل ما يصدر عنا بلغتنا وتقييمه تقييما علميا موضوعيا ومن ثم تنويطه؟ وان كانت تمتلك الوسائل التي تحتاج الى تمويل بعشرات الملايين من الدولارات لمتابعة صحفنا فهل تمتلك الوسائل المماثلة لتقييم كل وسائل الاعلام في العالم.؟ ولماذا نهتم بهذه التقارير ونساجل معها وحولها طالما أن الصحف صحفنا وليست صحفهم وهي تنطق باسمنا وليس باسمهم وتخاطب قراءنا وليس قراءهم.
لا ليس هذا الكلام للتستر على التافه من وسائل اعلامنا وليس حجة على المطالبين بحرية التعبير بل حجة لهم. انه بالضبط وسيلة للقول اننا شعب حر لا يحتاج الى اساتذة في حرية التعبير قدر حاجته الى حسن استخدام التعبير وفق سلم اولويات مفيد لنا ويلبي حاجاتنا اولا. وليس هذا الكلام دعوة للرقابة على تقارير المنظمة بل اشارة ال وجوب التعاطي معها بالاهمال الذي تستحقه فهل نفعل؟
انتهى
فيصل جلول
يكتشف الغربيون احيانا أن مصالحهم تقتضي الا يعيش العالم الاخر كما يعيشون.ويتساءل بعضهم ماذا لو اراد الصينيون ان يعيشوا على الطريقة الغربية وان يشتري كل منهم سيارة؟ النتيجة ستكون ان مليار سيارة صينية ستهتلك كل النفط الموجود في الاسواق وان لانفط من بعد للسيارات الغربية إذن من الافضل الا يشتري اهل الصين كلهم سيارات وان يواصلوا التنقل بواسطة الدرجات الهوائية للحفاظ على نمط المعيشة في الغرب.ولا يجرؤ هؤلاء على القول ان شمول السيارة الفردية لكل الصينين سيؤدي الى تسميم الفضاء بالغازات السامة وتوسيع ثقب "الاوزون" وهم لا يفعلون عندما تكون الحجة ضعيفة الى هذا الحد. فالعالم باسره يضم اليوم أقل من مليار سيارة تطبق على انفاس البشر بسمومها وفي الصين منها أقل القليل.
وإذا كان الغربيون يخشون من انتشار نمط حياتهم في مجال السيارات فانهم يحبذون انتشاره في مجالات كثيرة أخرى ومن بينها طرق ووسائل التعبير فهم يسيطرون على صناعة الخبر في العالم وتضخ وسائل اعلامهم القسم الاعظم من المواد الجديرة بالنشر وهي تنطوي على احوال وعواطف نجومهم البارزين وآخرمنتجاتهم الطبية والتكنولوجية ووقائعهم الاقتصادية وقيم عملاتهم و حركات وافعال مجتمعاتهم السياسية ومجمل ادارتهم للعالم بل قصص زعمائهم العاطفية ويحدث احيانا أن يعيش الكون باسره على وقع تفاصيل دقيقة عن علاقة حميمة بين رئيس امريكي وشابة متدربة في البيت الابيض او عن صعوبات المساكنة بين رئيس فرنسي وزوجته الفاتنة او رئيس وزراء إيطالي وسهراته الجماعية مع صبايا المرافقة الخاصة.
ولا يكتفي الغربيون بنشر نمط حياتهم في الفضاء الاعلامي الدولي دون صعوبات تذكر بل تراهم يصرون على تعريضنا لاختبارات قياسية حول جدارتنا باستبطان معاييرهم وبما ان وسائل الاعلام هي الممر الاجباري لولوج هذا الاستبطان فانهم يطلبون منا دون ان نسألهم ان نندرج في هرمية غربية لحرية التعبير يقفون هم على رأسها فان احسنا الالتزام بهذه الهرمية صعدنا الى حيث يريدون وان لم نحسن هبطنا الى حيث يريدون أيضا. اما ما نريد نحن وما نرغب فهو امر لا يستحق العناية بل هو من قبيل التخلف قياسا على معايير عولمة الغالب على المغلوب.
لاتفعل منظمة "مراسلون بلا حدود" شيئا آخر سوى ادراجنا في هذه الهرمية عبر تقاريرها السنوية فتوزع علينا درجات الاخفاق والفشل كما توزع المدارس وثائق نهاية الفصل الدراسي على طلابها. انت ناجح بامتياز وذاك ناجح بدرجة وسط وتلك ناجحة على الحافة واخرى تحتاج الى علامات اضافية للنجاح.
وترانا بعد كل تقرير للمنظمة ننشغل كما تلامذة المدارس بالعلامة التي نالتها كل دولة من دولنا فنحتج على درجة نلناها ونحسد دولة اخرى على درجة افضل و نشكو المنظمة المذكورة بل نعاتبها لانها لم تأخذ بعين الاعتبار تماثلنا في هذا الجانب والجهود التي بذلناها في جانب آخر وكأننا نقر بتخلفنا أي بموقع المغلوب وباستحقاقنا لهذا الموقع وبهرمية الغلبة المتوجبة عليه. والمضحك في هذه السيرورة ان "مراسلين بلا حدود" تلوم البلدان الغربية ليس على احتكار صناعة الخبرالعالمي وازدواجية المعايير في صناعته وانما على تراخيها في الحرص على مستوى الصناعة وعليه تدرج هذه الدولة الغربية او تلك في هرمية اعلى او ادنى بقليل من عام الى آخر.
لماذا نقبل الانتساب الى مدرسة "مراسلين بلا حدود" وما الذي يحملنا على التعاطي بهذا القدر من الدونية مع تقاريرها في حين تمر هذه التقارير مرور الكرام في وسائل الاعلام الغربية ولا تستخدم الا لادانتنا وللاشارة الى تخلفنا؟ لماذا نرضى بالخضوع لاختبار اجنبي لا يمكن النجاح فيه لان معياره ان تكون صحفنا مثل صحفهم وهم تقدموا علينا بقرون وهل نريد صحفا مثل صحفهم وان كنا نريد فما الحاجة اليها اليس من الافضل ان نترجم صحفهم وننسخها بدلا من تبديد اموالنا في صناعة صحف مشابهة؟ لماذا نقبل احكام هذه المنظمة على وسائل اعلام عربية دون ان يكون بين اعضائها من يجيد العربية؟ فهل نتخيل ان لديها الوسائل اللازمة لقراءة ومتابعة كل ما يصدر عنا بلغتنا وتقييمه تقييما علميا موضوعيا ومن ثم تنويطه؟ وان كانت تمتلك الوسائل التي تحتاج الى تمويل بعشرات الملايين من الدولارات لمتابعة صحفنا فهل تمتلك الوسائل المماثلة لتقييم كل وسائل الاعلام في العالم.؟ ولماذا نهتم بهذه التقارير ونساجل معها وحولها طالما أن الصحف صحفنا وليست صحفهم وهي تنطق باسمنا وليس باسمهم وتخاطب قراءنا وليس قراءهم.
لا ليس هذا الكلام للتستر على التافه من وسائل اعلامنا وليس حجة على المطالبين بحرية التعبير بل حجة لهم. انه بالضبط وسيلة للقول اننا شعب حر لا يحتاج الى اساتذة في حرية التعبير قدر حاجته الى حسن استخدام التعبير وفق سلم اولويات مفيد لنا ويلبي حاجاتنا اولا. وليس هذا الكلام دعوة للرقابة على تقارير المنظمة بل اشارة ال وجوب التعاطي معها بالاهمال الذي تستحقه فهل نفعل؟
انتهى
No comments:
Post a Comment