Search This Blog

Sunday, December 27, 2009

Troisième anniversaire du décès du Docteur Mohamed Farhat

في الذكرى الثالثة لوفاة الدكتور محمد فرحات

في يوم 18 ديسمبر 2009 ، حلت الذكرى الثالثة لوفاة المرحوم د. محمد فرحات او بالأحرى سي حمادي ، كما دأب على تسميته أصدقاءه و زملاءه و مرضاه و كل الذين عرفوه من قريب أو بعيد و ما أكثرهم . لم يكن أحد يحتاج لإضافة اللقب ، فسي حمادي تكفي لتعريف الرجل و تغني عن كل زيادة.

لا أحتاج لتوصيف عمق الحزن الذي انتابني لأيام عديدة عندما بلغني نعيه ، فقد فقدت فيه أخا عزيزا على قلبي و صديقا حميما ، و فقدت فيه الأسرة الطبية التونسية جراحا بارعا يشهد له زملاءه و طلبته و مرضاه بحذقه صناعته حد الإتقان و فقد فيه الوسط الساحلي الذي اختار سي حمادي ان يمارس فيه مهنته منذ أول تخرجه و يعيش بين أحضانه، إنسانا مسكونا بروح خدمة الناس و نشر الخير و المحبة من حوله . و ربما أضاف البعض أنه كان أيضا مناضلا سياسيا عنيدا و حقوقيا صلبا ، و قد كان ذلك فعلا و لكن بغير المفهوم الشائع للنضال اليوم لان نضال سي حمادي ، الحقوقي أو السياسي ، لا مكان فيه للحسابات من اي نوع ، و لا للمنافسة من أي شكل و لا يستند للايديولوجية أو منظومة فكرية و إنما كان نضالا بالفطرة و لغاية تكريس الكرامة لإنسانية .

عرفت سي حمادي بالشهرة سنة 1970 ، فقد كانت زوجته منيك أستاذة زوجتي في مدرسة الصحة بمستشفى فرحات حشاد بسوسة ، و هي التي كانت تحدثني عن الزوجين وعن علو أخلاقهما و تفانيهما في خدمة المرضى و الطلبة و السمعة الطيبة التي كانا يتمتعان بها في الوسط الطبي .

و حدث في السنوات التالية ان التقينا المرات العديدة في مكتبة دار الكتاب ، لصاحبها المرحوم الطيب قاسم و التي كانت تمثل وقتها بلا منازع أهم محطة يلتقي فيها المثقفون من كل النزعات في مدينة سوسة ،يتحاورون في أحداث الساعة أو في الآداب ... حتى إذا ما اكتظ فضاء المكتبة بالواقفين و علت أصواتهم حد إزعاج حركة التجارة ، دعانا سي الطيب إلى مقهى تونس المجاور لنواصل النقاش و نبتّ فيما تنازعنا فيه .

هكذا بدأت علاقاتي بسي حمادي و استمرت على هذه الوتيرة ، لقاءات بما يشبه الصدفة في المكتبة أو المقهى المجاور حتى صيف سنة 1981 حيث مكنني الحدث السياسي من اكتشاف الرجل على حقيقته و في كل أبعاده و بكل شمائله .

و تمثل الحدث السياسي في صيف 1981 قي اعتقال قيادة و أعضاء حركة الاتجاه الإسلامي و كان لسي حمادي الإطار التنظيمي القانوني الذي يمكن له ان يتحرك فيه . فقد أسس في سنة 1980 ، فرعا للرابطة التونسية لحقوق الإنسان بمعية المرحوم علي الأرنووط و المرحوم الطيب قاسم و غيرهما . و قد بذل هذا الثلاثي جهدا منقطع النظير دفاعا عن المساجين و تتبعا لأحوالهم و اتصالا بمحاميهم. و كان سي حمادي المحرك لذلك النشاط و القاطرة لبقية العناصر ، و عنصر الاتصال مع العاصمة، حقوقيين و سياسيين ، فهو أصيل تونس ، منوبة تحديدا، و صهر أحمد المستيري و مقربا من حركة الديمقراطيين الاشتراكين.

و قد كشف لي في أحد تلك الأيام سرا لا شك أنه حدد جانبا كبيرا من اختياراته في الحياة.

روى لي سي حمادي أنه و بعد تخرجه و رجوعه إلى تونس سمع ذات يوم نداء في الإذاعة الوطنية يطلب أطباء متطوعين للالتحاق بقافلة صحية متوجهة إلى إحدى جهات الريف التونسي ٍ فاستجاب للنداء و راح للشعبة الدستورية لتسجيل اسمه ، و استقبله المسئول بحفاوة بالغةٍ، و طلب منه بطاقة انخراطه في الحزب . و رد عليه سي حمادي بأنه لا ينتمي للحزب و ذلك لأسباب كثيرة منها العائلية ، كان مسئول الشعبة يعرفها . فقد كان عمه هو المرحوم صالح فرحات العضوالمؤسس للحزب الدستوري القديم . ولكن مسئول الشعبة أصرّ على أنه لا تطوع بدون بطاقة انخراط.

هكذا بكل بساطة بدون بطاقة انخراط ، لا يمكن التطوع لفعل الخير أوهكذا أراد مسئول الشعبة الدستورية.

غير أن سي حمادي سيجعل من حياته كلها تطوعا لفعل الخير و من طبه وسيلة لخدمة الناس وبالخصوص الفقراء و المساكين

و حصل أن وقع له مشكل مع إدارة مستشفي حشاد سنة 1985 فقدم استقالته و قبلها الوزير الأول ٱنذاك و كان رد فعل الناس في محيطه ألاستشفائي عفويا و حازما حيث أعلن الأطباء و الممرضون و العمال في مستشفى حشاد (أكثر من 800 فرد) الإضراب و فوجئت الإدارة بشعبية هذا الزعيم الصامت فحاولت التراجع لكن سي حمادي لم يتراجع .

في سنة 1989 خاض سي حمادي تجربة سياسية لم يخترها. فقد ترشح للانتخابات التشريعية لذلك العام في دائرة سوسة على قائمة حركة الديمقراطيين الاشتراكين و حرص أن يظهر في القائمة كمستقل و قد خلفت له هذه الإطلالة السريعة على السياسة مرارة كبيرة . و قد روى لي أنه زجّ به زجا في هذه الانتخابات لكن مرد مرارته أن الحركة لم تكن على غاية الاستعداد لهذا الموعد فقد لاقت منذ البداية صعوبات جمة في جمع التزكيات المطلوبة .

المفاجأة

انقطعت السبل بيننا لسنوات عديدة فقد كنت أتحاشى من منفاي مهاتفته خوفا من إحراجه و إن كان لا يبالي بذلك و ذات يوم من أيام ربيع سنة 1996 كانت المفاجأة السارة . فقد حضر سي حمادي و منيك إلى باريس و هتف لي فطرت للقائه و بقينا ساعة كانت من أجمل ساعات حياتي. و ظهر لي يومها أن الزوجين قد توجا مسيرتهما الروحية بالانخراط في التصوف بعد زيارتهما في السنة السابقة مقام مولانا جلال الدين الرومي في مدينة كنيا بتركيا.

كان ذلك آخر لقاء مع سي حمادي و إن كان قد سعى للقائي في آخر إقامة له بباريس سنة 2005 , غير أن " محاسبا سياسيا" جحد عنه رقم هاتفي .

و وفاءا للصديق الوفي كانت زيارتي لقبره من أولى الزيارات لقبور من افتقدتهم طيلة هذه السنوات الطويلة. و يرقد الفقيد في مقبرة هرقلة, على رمي حجر من الدار التي صمم هندستها و بناها بكل ذوق على شاطئ هذه القرية منذ أكثر من أربعين سنة و قد غرست منيك على رأس قبره زيتونة " يكاد زيتها يضيء و لو لم تمسسه نار..."

رحم الله سي حمادي فقد كان و سيظل صرحا !

لا بد من كلمة عن منيك، و إن كانت ألحت علي في آخر لقاء بها، الشهر الماضيٍ أن لا أتكلم عنها تواضعا. لكني اضطر لذلك خشية أن لا تتجدد الفرصة و أيضا لتسديد دين. فمعذرة أيتها الأميرة.

في السنة الماضية 2008 ، نشرت منيك كتابا صغيرا يعرّف بسي حمادي و يذكر الأصدقاء به .هكذا جاء في مقدمتهٍٍِ، و يحتوي الكتاب على كثير من الصور العائلية، تتصدرها صورة للزوجين الشابين في شارع سان مشال بباريسٍ، في منتصف سنوات الخمسين من القرن الماضي . و تؤرخ هذه الصورة لبداية رحلتهما الطويلة عبر الجغرافيا طبعا و لكن أيضا عبر الثقافات و العقليات و الصور النمطية و الأحكام المسبقة .

فالذين يعرفون بعض الشيء عن العلاقات بين الفرنسيين، أبناء الشعب الغالبٍ، و التونسيين، أبناء الشعب المغلوب، المرتبطين بالعقد الاستعماري في ذلك الزمان، يقرون بغرابة زواج الفتى التونسي بالفتاة الفرنسية وقتها. و الأمر يشبه المعجزة في حال منيك.

فهذه الفتاة منحدرة من عائلة فرنسية نبيلة. كان أبوها " كنت "، و كاتولكي و تقتضي الأعراف في هذه الأوساط ألا تتزوج الفتاة خارج طبقتها الاجتماعية، و هاهي تخرق كل الأعراف و القيم و تتزوج من عربي مسلم منحدر من بلد مستعمر. طبعا حمادي فرحات لم يكن أي كان، فهو أيضا جمع المجد من أطرافه.

وما يزيد تعقيدا بالنسبة لمنيك، أن أباها كان ضابطا ساميا في البحرية الحربية الفرنسية ، و البحرية سلك معروف بتمسك المنتمين إليه بقيم اجتماعية و أخلاقية و سلوكيات محافظة و حتى مع شيء من العنصرية تجاه الشعوب الأخرى، فما بالك بالشعوب المستعمرة , ثم إن هذا الأب كان أحد رواد المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي لفرنسا ، و رفيق الجنرال ديغول !

غير أني فهمت أخيرا سر هذه المعجزة، عندما أهدتني منيك كتابا* يعرّف بوالدها و بكفاحه و تضحيته

( فقد أعدمته السلطة النازية ). و قد كتبت في نص الإهداء الفقرة التالية "كان أبي ينزع للروحانيات و يهتم بدراسة الأديان و بالخصوص الإسلام و البوذية. و كان كلما نزل إلى القاهرة من الإسكندرية حيث قاعدة سفينته، يزور جامع الأزهر و يجلس الساعات الطويلة في قاعة الصلاة و يقول " هنا أشعر أني

في بيتي ". بيت الله كان بيته، و هذا كاف لفهم البقية و منها صنف التربية التي لقنها لأطفاله .

أحمد المنّاعي

18-12-2009

*

تحمل إحدى محطات المترو بباريس اسم هذا المقاوم :

Honoré d’Estienne d’Orves : Pionnier de la Résistance, éditions : France –Empire- Paris 1999


1 comment:

Ahmed Manai said...

Cher Si Ahmed, Chère Lella Malika,

Nous pensons à vous, assis dans notre petit camion devant la mer, nous attendons d’embarquer sur le Habib- tout à fait comme nos voisins émigrés qui s’en vont au pays fêter l’Aïd. Notre voiture est bien remplie car elle a avalé tout ce qui encombre les appartements de la famille. Notre voyage se termine en beauté ; nous avons été heureux de vous rencontrer, si Ahmed, et de cet amical déjeuner dans votre appartement. Merci Lella Malika pour ces délicieux « rouleaux ». J’aurais bien aimé vous voir. Je vous ai parfaitement reconnue grâce à la petite photo sur le miroir- me souvenant de vos yeux ravissants- j’espère qu’à mon prochain séjour en France, je pourrais vous rencontrer- et encore plus, nous espérons que le vent tournera et vous amènera sur nos rivages, à la maison de Hergla qui serait bien contente de vous recevoir avec vos gentils enfants.

Nous vous embrassons affectueusement en vous souhaitant paix et sérénité. Si Ahmed, nous avons été frappés par votre courage et votre parfaite droiture- Honnête homme, vous êtes, comme on disait au XVIIIème siècle-
Monique et Hamadi Farhat
17/ 04/ 1996