عقوبات اقتصادية على سوريا أم على جوارها؟
د. إبراهيم علوش
العرب اليوم 30/11/2011
ترك قرار اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في 27/11/2011 بفرض حزمة من العقوبات الاقتصادية على سوريا كثيراً من التساؤلات حول تأثير مثل تلك العقوبات على دول الجوار، ومنها الأردن. فالعقوبات سيتحمل عبئها الشعب العربي السوري بالأساس، لكن آثارها السلبية لن تقتصر عليه بأية حال من الأحوال، بل ستعقد حياة الشعب العربي في العراق ولبنان والأردن بالأخص، لو تم الالتزام بها.
وإذا أخذنا التجارة البينية كمثال، سنجد في عامي 2009 و2010 مثلاً أن العراق استوعب حوالي 32% (المرتبة الأولى)، ولبنان حوالي 13% (المرتبة الثانية)، والسعودية حوالي 5% (المرتبة الخامسة) من الصادرات السورية، فيما جاءت ألمانيا وإيطاليا في المرتبة الثالثة والرابعة. وقد ارتفعت الصادرات السورية ارتفاعاً أسياً خلال السنوات الأخيرة (بالرغم من انخفاضها قليلاً عام 2009) إلى ما يقارب ال14 مليار دولار عام 2010، بعد أن كانت 3،3 مليار دولار عام 1999. فالصادرات كانت محركاً رئيسياً للاقتصاد السوري خلال السنوات الأخيرة، وللنمو وتشغيل العمالة، وبالتالي فإن العقوبات الاقتصادية على سوريا، مثل الحظر الاقتصادي على العراق من قبل، ليست إلا محاولة لتجويع الشعب السوري ولضرب اقتصاد البلد بهدف زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي.
أما الواردات عام 2010، فقد جاء حوالي 11% منها من السعودية، و10% من الصين، و7،6% من تركيا، و5،5% من الإمارات العربية المتحدة، و5،5% من إيطاليا، 4،6% من روسيا، 4،4% من لبنان، و4،3% من مصر، 4% من إيران، و4% من كوريا الجنوبية. وقد ارتفعت الواردات بدورها بشكل أسي من 3،2 مليار دولار عام 1999 إلى حوالي 17 مليار دولار عام 2010 (مع انخفاضها عام 2009).
وكل البيانات السابقة من موقع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA على الإنترنت.
ونستنتج من هذه اللوحة السريعة للصادرات والواردات السورية:
أ – أن أكثر من نصف الصادرات السورية تذهب لثلاث دول عربية فقط، هي العراق ولبنان والسعودية، وهذا يفوق المعدل العربي العام للتجارة البينية بكثير، ويعبر عن توجه عروبي في الاقتصاد السوري، ولذلك كان لا بد من ضرب هذه الحلقة بالذات، لأن الولايات المتحدة كانت قد عاقبت سوريا اقتصادياً إلى حدٍ لم يعد لها معه أي تأثير اقتصادي عليها. وكما قال أليوت إبرامز في ورقته التي وضع فيها مقترحاً لإسقاط النظام السوري: "أما الولايات المتحدة فقد مارست الحظر بالنسبة لسوريا حتى لم يعد لديها ما تفعله في هذا المجال. فلا يوجد بينها وبين سوريا أي تجارة أو استثمار تقريباً". لذا اقترح إبرامز تشديد العقوبات الاقتصادية الأوروبية والتركية على سوريا. (نص ترجمة ورقة أليوت إبرامز منشورٌ على موقع "الصوت العربي الحر" تحت عنوان: خطة الولايات المتحدة لإشعال سوريا).
ب – أن معامل الانكشاف، الذي يساوي نسبة الصادرات زائد الواردات مقسومة على الناتج المحلي الإجمالي، يفوق ال50%، وهذا يدل على أهمية التجارة الخارجية بالنسبة للاقتصاد السوري. ولكن حتى هذا المؤشر لا يعطي التجارة الخارجية حقها. فالاقتصاد السوري يقوم على أربعة أعمدة: الزراعة، الصناعة، النفط، والسياحة. والقصة ليست قصة نسب مئوية فحسب، بل قصة بنية هيكلية، أي أنها نوعية أكثر منها كمية. فالسياحة وحدها ولدت أكثر من 8،3 مليار دولار من العائدات عام 2010، من جراء زيارة 4،6 مليون عربي، و1،5 مليون مغترب سوري، و2،3 مليون من غير العرب لسوريا، حسب الأرقام الرسمية السورية، وقد ضُرب القطاع السياحي بقسوة عام 2011، وضاعت معظم عائداته التي ذهبت إلى تركيا التي تستفيد مباشرة، بهذه الطريقة على الأقل، من زيادة حدة التوتر في سوريا والإقليم. وكذلك تلقت سوريا أكثر 2،5 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر عام 2010، حسب الأرقام الرسمية السورية أيضاً، وهو ما كان يفوق المتوقع، ولكن الاستثمار الأجنبي المباشر حساس جداً لارتفاع منسوب المخاطرة وعدم اليقين، وهي العوامل التي تؤثر على الاستثمار المحلي بدوره، وهو المطلوب أمريكياً بالطبع. أما القطاع النفطي فيؤمن للحكومة السورية ثلث عائداتها بالقطع الأجنبي، ومن هنا جاء الحظر الأوروبي على واردات النفط والغاز السورية، خاصة أن 90 بالمئة من صادرات النفط السورية تذهب للدول الأوروبية. وما عدا ذلك، فإن الصادرات السورية في معظمها زراعية وصناعية خفيفة، فهذه حرب اقتصادية بلا أدنى شك، وقطع الأرزاق أشد وطأة من قطع الأعناق في الكثير من الأحيان.
ج – أما الجانب الإيجابي في هذه الصورة المكفهرة فهو أن تركيز سوريا على العلاقات الاقتصادية العربية، ناهيك عن خريطة تحالفاتها السياسية، ستجعل العقوبات الاقتصادية غير فعالة على الأقل في حالة العراق ولبنان وروسيا والصين وإيران. وقد تعاني سوريا بعض الشيء على المدى القصير قبل أن تجد بدائل – متوفرة في النهاية – لأسواق الدول التي تقاطعها استيراداً وتصديراً ما دام الأمر لم يصل إلى حظر دولي عبر الأمم المتحدة، وهو ما نأمل أن تضمنه روسيا والصين.
وليست سوريا بلداً يعيش على الاستيراد حتى يجوع ويعرى إذا لم يستورد الطعام والثياب من الخارج، بل لديه البنية التحتية لقدر معقول من الاكتفاء الذاتي في أسوأ الأحوال، وهو ما يتطلب تعزيز روابط السوق الداخلية وتعميقها، بالإضافة لضرورة إيجاد بدائل إقليمية ودولية للخليج العربي وأوروبا الغربية. فالصين بأمس الحاجة للنفط ومشتقاته، والهند تحتاج للفوسفات الذي تصدره سوريا، وآسيا هي الصاعدة اقتصادياً، وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية هي الآفلة. ومستوى المعيشة قد يتأثر، لكن العقوبات لن تخضِع سوريا، بل قد تخرج أقوى إذا مدت خيوطاً باتجاه منظمة شنغهاي للتعاون ويسار أمريكا اللاتينية.
وعلى كل حال، على تركيا أن تتذكر أن تجارتها مع سوريا بلغت مليارين ونصف المليار دولار تقريباً عام 2010، وأن صادرات تركيا إلى سوريا بلغت تقريباً ثلاثة أضعاف صادرات سوريا إلى تركيا، كما أن سوريا والعراق منفذها التجاري إلى دول الخليج العربي! وتركيا تقامر بكل ذلك مقابل طموح إمبراطوري لن يتحقق.
الانعكاسات المحتملة للعقوبات على سوريا على الأردن:
وقع الأردن وسوريا اتفاقية تجارة حرة في 8/10/2001 كان يفترض أن تلغي الضرائب الجمركية على 99% من السلع التي يتم تبادلها بين الدولتين. وقد أصدرت غرفة تجارة عمان تقريراً في 28/11/2011 قالت فيه أن التبادل التجاري مع سوريا خلال الأشهر التسعة المنصرمة قد ازداد حوالي 15% وصولاً إلى حوالي 400 مليون دولار، مقارنة بنفس الفترة خلال العام الماضي. وعبر تقرير الغرفة عن أمله أن لا يتأثر التبادل التجاري بين الأردن وسوريا بسبب عقوبات الجامعة العربية، وأن لا تتأثر التجارة الأردنية مع لبنان وتركيا باعتبار سوريا المنفذ البري الوحيد للأردن إليهما... وهو ما عبر عنه كثيرٌ من الأردنيين مؤخراً، بعضهم رسميون سابقون...
وقد بلغ حجم التجارة البينية السورية-الأردنية عام 2010 أكثر من 600 مليون دولار حسب دائرة الإحصاءات العامة الأردنية. كما يرتبط البلدان بعلاقات تجارية واقتصادية متشعبة لا تقاس فقط بحجم التبادل التجاري، بل بالجغرافيا واستحقاقاتها. فكثير من التجار الأردنيين يستوردون بضائعهم عبر ميناء اللاذقية، لأن الشحن عبر المتوسط أقل كلفة من الشحن عبر البحر الأحمر، وهو ما أصبح أكثر تعقيداً مع ازدياد كلفة التأمين على الشحن البحري إلى ذلك الميناء.
والأردن يستورد 60% من قمحه من سوريا، ونتحدث هنا عن تأمين الخبز اليومي للناس. وبالمقابل، تستورد سوريا الإسمنت من الأردن. وقد أدى انخفاض استيراد الفواكه من سوريا خلال الفترة الماضية إلى ارتفاع أسعار التفاح والبرتقال بالتحديد في الأردن، وهو ما يؤشر على ما سيأتي لو تدهور الوضع الأمني والاقتصادي في سوريا. فتخيلوا لو حدث هذا على نطاق أوسع لخبز المواطنين الأردنيين اليومي!
كما أن منطقتي الرمثا وإربد تعتمدان إلى حد كبير على نقل السلع والأشخاص بين الأردن وسوريا، وقد تأثر ذلك القطاع بشدة منذ بدأت الاضطرابات في سوريا.
وهنالك مناطق حدودية أردنية ترتبط بشبكة الكهرباء السورية، وترتبط سوريا بخط الغاز العربي عبر الأردن. فماذا سيحدث لكل هذا؟!
وللتأكيد على تأثير الجغرافيا على الاقتصاد، نشير أن وزارة السياحة والآثار الأردنية ذكرت أن عائدات السياحة انخفضت 16% في الأشهر السبعة الأولى من عام 2011 مقارنة بعام 2010، وانخفضت أكثر من الربع لشهر تموز 2011 وحده، مقارنة بتموز 2010. والسبب هو أن الرحلات السياحية غالباً ما تتضمن زيارة مصر والأردن وسوريا ضمن حزمة واحدة، وبالتالي فإن ظروف مصر وسوريا أثرت بشكل مباشر على الأردن سياحياً، والسياحة قطاع أساسي في الاقتصاد الأردني تجاوزت عائداته 3 مليار دولار عام 2010. والسائح الأجنبي لن يأتي للتمتع بمرافق الأردن السياحية إذا اشتعلت حرب أهلية في سوريا أو حدث فيها تدخل تركي.
ويدفع الأردن اليوم الثمن الغالي بسبب فقدانه لموقعه السابق في السوق العراقية ولشحنات النفط العراقي بأسعار رمزية من جراء الغزو الأمريكي للعراق، وينعكس ذلك الآن بشكل مباشر على ازدياد العجز في الميزان التجاري وفي الحساب الجاري الأردني بشكل فلكي. وإذا كانت الولايات المتحدة قد دفعت مبالغ تعويضية للأردن عامي 2003 و2004 عن ذلك الغزو، فإن الخسائر طويلة المدى للاقتصاد الأردني كانت أكبر بما لا يقاس من تلك التعويضات، فهل من مصلحة الأردنيين أن يكرروا مجدداً تلك التجربة مع سوريا، وهذا دون أخذ الانعكاسات الأمنية والسياسية لانفجار الوضع في سوريا على الأردن بعين الاعتبار، والتكاليف الاقتصادية التي سيتكبدها الأردنيون من جراء تلك المغامرة الرعناء وغير المحسوبة، إلا على قياس غيرهم؟!! ودون أخذ الموقف المبدئي والرابط القومي العربي والشامي بعين الاعتبار!
The Free Arab Voice www.freearabvoice.org
No comments:
Post a Comment