الصعود القوي لحزب العدالة و التنمية المغربي
صحيفة المستقبل اللبنانية، رأي وفكر، السبت 10/12/2011
توفيق المديني
عرف المغرب التناوب على السلطة منذ نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي قبل رحيل الملك الحسن الثاني، حيث كانت الحكومة الإئتلافية التي ترأسها عبد الرحمن اليوسفي الزعيم السابق للاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية، خير مثال على عمق ذلك التحول السياسي الديمقراطي في المغرب. ففي المغرب ,"مملكة نموذجية" حسب قول الماريشال ليوتاي, إذ يمكن للإنتخابات الديمقراطية التي جرت مؤخرا أن تحقق مصالحة بين المملكة المغربية والديمقراطية. فبعد أكثر نصف قرن من نيله الإستقلال , يبدو المغرب البلد العربي" الأكثر إرتباطا بالغرب" يمتلك الفرصة لتجديد الميثاق بين الحاكم والمحكومين، من خلال الدستور الجديد الذي أُقِرَفي 1تموز الماضي عن طريق الاستفتاء الشعبي، و الذي تنازل فيه الملك محمد السادس عن بعض صلاحياته لمصلحة تقوية منصب رئيس الحكومة .
في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم الجمعة 25 نوفمبر الماضي ،و هي الثالثة في عهد الملك محمد السادس (47سنة)،و التي خاضها 31 حزباً مغربياً، و تنافس فيها 5392 مرشحاً على 395 مقعداً نيابياً، بينها 60 للنساء و 30 للشباب دون سن الأربعين من العمر، حقق فيها الحزب المغربي الإسلامي:"حزب العدالة و التنمية " حزب المعارضة الرئيسي في البرلمان المغربي ،بزعامة عبد الإله بنكيران ،فوزا كبيراً، إذ حصل على 107 مقعداً من أصل 395 مقعدا في البرلمان المغربي، وهو ما يشكل نسبة 25 في المئة من أصوات المقترعينالبالغ عددهم 13،6مليون من اهل 33 مليون عدد سكان المغرب.
و جاء في المرتبة الثانية أقدم حزب مغربي ، وهو حزب الاستقلال الذي يقوده السيد علال الفاسي رئيس الحكومة المغربية السابق، الذي حصل على 60 مقعدا، ويليه ثالثا حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يتزعمه وزير المالية في الحكومة السابقة السيد صلاح الدين مزوار،صاحب التوجه السياسي الليبرالي بـ 52 مقعدا، فحزب الأصالة والمعاصرة ذو التوجه الاجتماعي الديمقراطي رابعا، والذي أعلن رسميا توجهه صوب المعارضة، بـ 47 مقعدا، فحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أكبر حزب يساري في المغرب، خامسا بـ 39 مقعدا.ويليه سادسا في الترتيب النهائي لتشريعيات نوفمبر في المغرب التي أتت 4 أشهر على تصويت المغاربة بنسبة 73 في المائة على الدستور الجديد، حزب الحركة الشعبية الليبرالي الاجتماعي بـ 32 مقعدا، وسابعا أتى حزب الاتحاد الدستوري اليميني بـ 23 مقعدا، وثامنا وبـ 18 مقعدا جاء حزب التقدم والاشتراكية اليساري.
المتابع لمسيرة "حزب العدالة والتنمية " المغربي، يلمس بوضوح الصعود المتدرج من نصيبه الانتخابي في المغرب، فبعد فوزه بتسعة مقاعد في العام 1997، تصاعدت شعبيته حيث حصل في الانتخابات التشريعيّة ، التي جرت في 27 أيلول 2002، وهي أول انتخابات تجرى بعد تولي الملك محمد السادس الحكم .فارتفع التمثيل البرلماني للحزب ثلاثة أضعاف وأصبح القوة السياسية الثالثة في البلاد، مع امتلاكه 10 في المئة من الأصوات و42 نائباً من أصل 325 - ليس بعيداً عن الحزبين التاريخيّين الكبيرين: الاتّحاد الاشتراكي للقوى الشعبية (50 نائباً) وحزب الاستقلال (48 نائباً).ثم زاد الحزب من نصيبه في العام 2007 حين جرت الانتخابات السابقة التي حل فيها ثانيا وحصد 47 مقعدا، في حين كان حزب الاستقلال يملك 57مقعداً.
خرج "حزب العدالة والتنمية" من رحم حركة "الشبيبة الإسلامية" المتطرفة في الستينيات، وبعد أن حلت حركة "الشبيبة الإسلامية " بعد تورط بعض قيادييها، لا سيما مؤسسها عبد الكريم معطي، في اغتيال عمر بن جلون، القائد النقابي و أحد مسؤولي الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية في العام 1975، تم تأسيس "جمعية الإصلاح و التوحيد" في العام 1982، التي أصدرت نشرة أسبوعية بعنوان " الإصلاح"، وبعد حظرها في العام 1990، أعيد إصدارها تحت عنوان "السبيل". وقد عبرت جماعة «الإصلاح والتجديد» دائما عن مواقف معتدلة في تعاطيها مع طبيعة النظام المغربي , إذقبلت منذ عدة سنوات الدخول في اللعبة السياسية الديمقراطية المغربية من دون أي إشتراط لتغيير قوانينها المتوافق عليها بين جميع الحساسيات السياسية والمؤسسة الملكية في المغرب. واستطاع أعضاء هذه الجماعة أن يشاركوا لأول مرة في الإستحقاقات التي شهدها المغرب عام 1997 من خلال إنضمامهم إلى حزب "الحركة الشعبية الديمقراطية الدستورية" بقيادة الدكتور عبد الكريم الخطيب. واستطاع الحزب الذي كان في طي النسيان أن يفوز بتسعة مقاعد. ثم انضم إليه لاحقا عدد آخر من نواب الأحزاب الأخرى فصارت له كتلة برلمانية من 14 نائبا. وفي خطوة ذكية منه أيد الحزب في البداية حكومة عبد الرحمن اليوسفي لكسب ثقة السلطة قبل أن يتحول إلى أشد المعارضين لها , وقبل ذلك غير إسمه ليصبح حزب " العدالة والتنمية" إعلاناً للسمة الإسلامية الواضحة. ومنذ ذلك الوقت لم تعد تربطه بالحزب القديم الذي دخل بإسمه الإسلاميون لأول مرة تحت قبة البرلمان المغربي, سوى وجود زعيمه الدكتور الخطيب الذي يعتبر من رعيل القيادات الوطنية والحزبية العريقة أمثال عبد الرحمن اليوسفي وزعيم حزب الإستقلال علال الفاسي, وبات يحتل مركزا شرفيا داخل الحزب.
حزب "العدالة والتنمية" يمثل الإسلام السياسي المعتدل في المغرب. وأصبحت أبواب الحوار مفتوحة على مصراعيها بين هذا "الاسلام المعتدل" المتمثل بحزب "العدالة والتنمية"، وبين الإدارة الأميركية، حتى أن الأمين العام السابق للحزب سعد الدين العثماني قام بزيارة إلى واشنطن في سنة 2007، تطبيقا لما جاء في تقرير أخير رفعه معهد "راند" إلى الإدارة الأميركية، ويوصي فيه بتشجيع الحركات الإسلامية المعتدلة في خضم الحرب المفتوحة ضد الحركات السلفية والتكفيرية منها التي لا تقبل بالديموقراطية والتي لها مع الغرب علاقات عنف متبادل.
بموجب الدستورالجديد ، الذي يلزم الملك بدعوة أمين عام الحزب الفائزفي الانتخابات في مهلة لا تتخطى الـ24 ساعة ليكلّفه بتشكيل الحكومة ، كلّف الملك محمد السادس السيّد عبد الإله بنكيران، وهو دون شكّ أقرب قادة حزب العدالة والتنمية إلى القصر الملكي، بتشكيل الحكومة الجديدة، حيث يترك الدستور للرئيس المكلّف الحرية في اختيار التحالفات والائتلافات الحكومية.
حزب العدالة والتنمية المغربي يتماهى مع الحزب التركيّ، حامل الاسم عينه ، والتابع لرئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان، الذي يثير نجاحه الإعجاب. لا يحب حزب "العدالة والتنمية" المغربي تعبير "حزب إسلامي"تطلق عليه، بل هو يصر بدل ذلك على "المرجعية الإسلامية"على غرار الأحزاب الديمقراطية المسيحيّة في أوروبا. فهو حزب يؤمن بالليبرالية الاقتصادية، لكن يعتبر أن الإصلاح الحقيقي يكمن في محاربة الفساد، و إجراء إصلاح خاص على الصعيديْن الإداري والقضائي ، وإقامة نظام تربويّ جيّد، و إعطاء المسألة الاجتماعية الأولوية في عمل الحكومة التي سيشكلها.
No comments:
Post a Comment