10-04-2012/شهادة السيد زهير مخلوف
كنت
دائما ومنذ 14 جانفي 2011 أشهد جلّ التحركات في الشارع التونسي سواء في عهد السيد محمد
الغنوشي
أو السيد الباجي قايد السبسي وكنت اواجه كل ذلك بالنقد بشكل جعل أكثر الساسة يعتبرونني
متهوّرا وغير منضبط وقد كانت بيني وبين السيد الباجي اكثر من ساحة مواجهة حين كنت بالهيئة
العليا وأحيانا في مداخلات بقناة الجزيرة وخاصة
حين وقع الاعتداء على شباب القصبة ثلاثة ولم التزم الصمت مع حكومة السيد حمّادي الجبالي
-كما يعتقد البعض - فقد كانت لي مداخلتين بمقرّ
العوينة في اطار الحوار مع المجتمع المدني وكانت احداها بحضور السيد "سعيد
المشيشي" بعد ان غادر السيد "علي
العريض" وكانت كلها تنصب في نقد العقيدة الامنيّة والسلوك غير الحضاري التي تتعامل
به القوّات الامنيّة تجاه المعتصمين او المتظاهرين وقد كان خطابي عنيفا وقويّا ازاء
سلوك قوّات الامن وقد استمعنا حينها الى وعود مفادها أنّ هذه السلوكات لن تستمرّ وسيقع الحدّ منها في الايام القليلة القادمة وخلت الامر حقيقة تنتظر
بعض الوقت فحسب . ولكني صُدمت هذا اليوم 9افريل2012 من هول ما رأيت فقد شهدت بأمّي
عيني حوالي 8 اعتداءات بالعنف الشديد حيال
متظاهرين سلميين من رجال وشباب ونساء وفتياة . وكنت احتجّ تجاه هذا السلوك وذلك بالتدخّل
أكثر من مرّة لوقف الانتهاكات
.
والتقيت
أحد مساعديك سيدي الوزير الذي كان يتواصل معك مباشرة وأعلمته بانّ سلوك البوليس اليوم كان قمعيّا بشكل مرعب وشديد
ولم يُصدّق ذلك رغم اني اعلمته باني تعرّضت الى أشدّ عنف وُجّه ضدّي منذ بدأت العمل
الحقوقي من 16 عشر سنة ولم اتعرّض في عهد بن
علي الى مثل ذلك الانتهاك حيث اعتدى عليّ أكثر من4 أعوان من قوات التدخّل في مستوى جنبي الايمن ووسط عمودي الفقري بأحذيتهم العسكريّة
وقد ضربني أحدهم بمؤخرة بندقيّة القنابل المسيلة للدموع ولم يخلّصني منهم الا أحد أعوان
أمن الدولة أو كوادرها الذي كان يعرفني جيدا منذ عهد" بن علي " وقد فوجئت
من ردّة فعل صديقي المحامي المسؤول الاداري بوزارتكم الذي حكيت له عن حجم القمع الذي سُلّط عليّ وعلى
المواطنين على السواء في هذا اليوم المشهود . وقد تعاطى صديقنا مع الموضوع بشكل انكاري وكانت الصدفة( بمعنى القدرة
)كبيرة اذ وبمجرّد تجاذبنا الحديث في نفس السياق شاهدت أحد الشبان الذي كان يُعتدى عليه من طرف مجموعة من الأعوان
بالهراوات والعصي وقد ناديت بكل قوّة على مستشارك الخاص وتوجهنا معا الى مسرح الاعتداء
حيث وضعنا حدّا له تحت الطلب والالحاح وحُمل الشاب على السيارة عدد18312 وقد هاتفك
مستشارك الميداني حينها مباشرة ويا خيبة المسعى
اذ استمرّ القمع بنفس القوّة ونفس درجة العنف.
فعلى الساعة الثالثة والنصف شاهدت مشهدا مرعبا حيث انهال مجموعة من الأعوان
بالضرب على شابين وقع اعتقالهما وقد طالبت الأعوان بكل لطف بان يوقفوا تعذيبهما وانتهاك
حرمتهما الجسديّة وقد سلمت بطاقة تُثبت صفتي ككاتب عام منظمة العفو الدوليّة لاحد كوادر الأمن وما راعني الا انه يمزّق البطاقة وويوجّه
لي كل النعوت القذرة والسب والشتم مستهدفا امي ووالدي ومنتهكا عرضي ومتهجّما عليّ كالوحش الكاسر وكان يرغب في الاعتداء عليّ
لولا انّي انسحبت بهدوء . وبالصدفة التي اأكّد انها القدرة التقيت من جديد بصديقي المحامي
الذي يعمل مراقبا ميدانيّا ومستشارا خاصّا لك والذي أظنّه قد شاهد الحادثة واراد استفسار
العون الذي حدثت بيني وبينه المشاجرة باعتبار
اني وجدته معه امام باب وزارة الداخليّة وبمجرّد طلبي ملاقاته ومكافحته بحضوره قام
مستشاركم الميداني بتسريحه وابعاده حتّى لا
أكشف تجاوزاته واعتداءه وتعمّده توجيه غليظ
الكلام وأقذعه اليّ . هذه ملخص ما شاهدته هذا
اليوم الاثنين 9 أفريل 2012 ولا فائدة من ذكر بقيّة الأحداث والوقائع لانّ الاطار والهدف
لا يسمح الأن.
ولعلّي بهذه المقدّمة التي استعرضت فيه النزر القليل مما شاهدته
بين العاشرة صباحا والرابعة مساء اقول لك سيدي
الوزير أنّه قد عهدتني صادقا مخلصا مناضلا -ان صدق ظنّك بي - وقد عايشنا نفس ظروف الاعتقال
والتعذيب والمحنة والسجن مشتركين وقد انتصرت اليك عديد المرّات بعد الخروج من السجن وفضحت انتهاكات السلطة ضدّك وضدّ اخوة لك وخرقت
الصمت الذي كان يُضرب عليك وكنت تهاتفني عند كل انتهاك وألبّي النداء وأكون بجانبك دائما في زمن
عزّ فيه الصديق المساند و كنّا نتلقّى من أجل مساندتك العنت والاعتداء والقمع
بشتّى أشكاله وكنّا نرتجي بذلك مثوبة عند الله اذ
انه لم يكن احدنا يتصور مطلقا ان النظام سيتغيّر وقد خذلك حينها كلّ اخوتك بدون
استثناء وكان المجتمع المدني بيساره ويمينه يناضل من اجلك ويمضي البيانات ولم يكن يرغب
حينها ان تكافئه بشرو نقير من مكافئة او هديّة
. ولكن وبعد ان اهدت اليك الثورة هذا المنصب وجدناك تخون عهودك تجاه من ناضل من أجلك
ودفع الغالي والنفيس لرفع الضيم عنك وتتنكّر لأبسط معاني حقوق الانسان الدنيا المتمثّلة في تجنّب
الاعتداء على الحرمة الجسديّة للنساء والرجال وحتّى الأطفال وقد بلغت أذيّتك جلّ أصدقاءك من الحقوقيين والسياسيين
ونشطاء المجتمع المدني . وهذا ما عاينته هذا اليوم بأمّ عيني والله على ما أقول شهيد
. وعجبت اليك سيدي الوزير عمّا قدّمته من حجج
وتعلات واهيّة بالتلفزة " بأنّ المنع الصادر كان نتيجة سوء تكسّب الحرفيين
والمهنيين والتجّار والمقاهي بسبب المسيرات"
وانا أقول لك انني - ابن الميدان ولا فخر -
اذ ان المسيرات التي تؤطّرها الأحزاب والمجتمع المدني تجلب الخير الكثير للمقاهي
والمحلات والمطاعم ولا تعطل لا الدروس ولا
السياحة ولا التجارة ولا النشاط ولي في ذلك ادلّة دامغة سانشرها في الوقت المناسب وقد طالبك
المجتمع المدني كله بالتراجع عن قرارك منذ يوم 6أفريل 2012 في رسالة ممضاة من الرابطة
التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ومعها 30 جمعيّة وتعهّدوا لك بضبط المسيرة والاحتفال وكان الأجدر بك وانت الذي
خبرت المجتمع المدني والأحزاب وخبرت ارادتهم في حسن التنسيق
والانضباط.وانت السياسي المحنّك الذي كان الأجدر به ان يسحب البساط بالمغرضين
والمناوئين الذين ينتظرون بفارغ الصبر هذا المنع وهذا القمع وأسقطوك في الفخّ مباشرة
عند اوّل امتحان. ثمّ انّه سيدي الوزير نجدكم دائما تقنعون ابناءكم بوجود مؤامرة ضدّ
النظام بمجرّد رفع بعض الشعارات المناوئةوانا
أذكّرك باننا في عهد بن علي وبالتحديد سنة 2006 أيام الاعتداء على "حزب الله
"في لبنان وبعدها حين وقع الاعتداء على غزّة كنّا نخرج في مسيرات وننادي باسقاط
نظام بن علي ونخّونه وننعته بالولاء للصهيونيّة
وننعت البوليس بخضوعه لعبوديّة ليلى بن علي التي نصفها دائما "بالحجّامة" ولم يردّ النظام حينها الفعل وهو الذي كان أشدّ الأنظمة قمعا واستبدادا . فماذا سيقول عنكم خصومكم وأصدقاءكم وهم الذين
عايشوا مثل هذه الأوضاع ؟وهل سيقولون انّ الوضع ساء أكثر من ذي قبل ؟ وانا حين اقارن ما كنّا نقوم به في السنوات الماضية
وما يحدث اليوم أحار في تفسير ردود فعل السلطة الجديدة المنتخبة ولا أجد مبرّرا للمنع المقنّع والعنف المبالغ فيه
المسلّط على المواطنين العزّل وانا أاكد لك سيدي الوزير ان ردود فعل المواطنين العنيفة تجاه قوّات الأمن
لم تأت الا متأخّرة وقد حزنت وتالمت الى ما آلت اليه من عنف شديد تجاههم وانا اتعاطف
مع كل الأبرياء منهم ممن لم يعتدوا على المواطنين ولكنّك سيدي الوزير انت وحدك من يتحمّل
المسؤوليّة كاملة ازاء ما يتعرّض له المواطنون العزّل وأعوان الأمن كذلك وكان الأجدر
بك ان تقدّر المصلحة في اللحظات الاولى قبل القمع
الذي سُلط وقبل ان تحدث ردود الفعل
فتبادر بالاذن بالسماح بالاحتفاء بعيد الشهداء
المجيد خاصة ان الاحتفال كان مؤطّرا من كل الفعاليّات المدنيّة والسياسيّة وكان يُمكن
ان يكون احتفالا بمثل ما وقع يوم 20 مارس 2012 أمّا اليوم وقد سبّبت لنا هذه الكارثة
وهذه الصورة المشوّهة التي رسخت لدى الرأي
العام الداخلي والخارجي وتأثرت السياحة من جرّاء ذلك فانّي أحمّلك وحدك وزر ما حدث
وأحمّلك وحدك ما انتجته سياستك من كره وتباغظ بين المواطنين وبين قوّات الأمن بعد ذوبان الجليد وطيّ صفحة الكره بينهم في المدّة الأخيرة الماضية . وأأكّد لك سيدي الوزير ان ما شاهدته بأمّ عيني
من حضور لافت لابناء النهضة والمنتمين وقدامى أنصارها مع قوّات الأمن والبوليس كان
لافتا للغاية ودعنا من الاسترسال في هذا الأمر لانّ الغاية بتجنّب ذلك في المستقبل
. والاحتقان الذي قد يحصل بسبب ذلك قد يدفع
البلاد الى الاحتراب ومزيد الفرز الايديولوجي
المدمّر الذي يترسّخ يوما بعد يوم والغاية المثلى عندكم هي الوطن وليس الأتباع
لانّ هؤلاء قد يسيؤون اليكم أكثر مما ينفعون
ودعني أقول لك انّ الأمر قد بلغ مداه والأمر اذا بلغ حدّه انقلب الى ضدّه وستُثبت لك
الأيام هذه الحقيقة.فاربإ الصدع قبل فوات الأوان وأنصحك سيدي الوزير ان يلتزم أعوانك
بوضع شارة تثبت شرطيّتهم والا فانك غير مأمون الظهر وسيُتلاعب بك مستقبلا .واحذر نصيحة
السوء وبطانتها فانها أقرب الى الهاوية منها الى النجاة .وقد يُغفر للحكومة الجديدة
عدم قدرتهاعلى تجاوز بعض الأوضاع الاقتصاديّة الهشّة بسبب منوال تنموي لا تساهم فيه
الدولة بنصيب الأسد وقد تعوزكم القدرة عن معالجة الأوضاع الاجتماعيّة المتراكمة منذ
أكثر من نصف قرن بسبب ما ورثناه من عهود الاستبداد والحيف ولكن لن يغفر لكم الشعب والمجتمع
المدني والتجربة الاسلاميّة نفسها والعالم
باسره هذا السقوط الأخلاقي والتساهل في تبرير
العنف والقمع حتّى أصبحت لا اسمع من ابناءكم ومنتسبيكم الا خطاب الموت والفناء لمن
يعارضكم فاحذروا هذا السقوط الذي يبدأ من القيادات ويحذو حذوه القواعد على اعتبار أنه
قربى الى الله وطريقا الى الجنة واعطوا القدوة في الحفاظ على الأرواح البشريّة التي
يتساهل البعض في اعتبار استئصال المخالف ( الخائن ) لا يستحق الحياة وهذا الخطاب بدأ
يروج في بدإ الرحلة فما بالنا بمنتهاها واعتبروا بالحديث القدسي الذي يقول فيه الله
سبحانه "لأهون على الله هدم " الكعبة سبعين مرّة من قتل ابن آدم " فاعمل
سيدي الوزير على تجنيب البلاد مثل هذا المنزلق ولك المثوبة الكبرى من الله ولا تبحث
.عن الغنم الانتخابي على حساب الوطن والمواطنين وارواح البشريّة أجمعين ولك مني الف
تحيّة وتسليم
شهادة السيد زهير مخلوف
No comments:
Post a Comment