الإرهاب بوجه إنساني: تاريخ فرق الموت الأمريكية
تأسيس فرق الموت في العراق وسورية
[الصورة: فرق الموت في السلفادور]
ترجمة: علي شكري
وفيما تستمر القوات الحكومية في التصدي لما يسمى “الجيش
السوري الحر”، فإنه من الواجب فضح الجذور التاريخية لحرب الغرب السرية ضد
سورية والتي تضمنت فظائع لا حصر لها.
فمنذ البداية في آذار/مارس 2011، دعمت الولايات المتحدة
وحلفاءها تشكيل فرق الموت واختراق صفوف الكتائب الإرهابية في عملية خطط لها
بعناية.
وقد صممت عمليات تشكيل وتدريب كتائب الإرهاب في كل من
العراق وسورية على غرار “الخيار السلفادوري”، وهو “نموذج إرهابي” لعمليات
قتل جماعية تنفذها فرق للموت كانت ترعاها الولايات المتحدة في أمريكا
الوسطى. وقد طبقت بداية في السلفادور، في أوج المقاومة ضد الديكتاتورية
العسكرية هناك،
وأسفرت عن مقتل ما يقارب 75,000 شخصاً.
ويأتي تشكيل فرق الموت في سورية استمراراً تاريخياً لما
فعلته الولايات المتحدة في العراق، وبناءاً على خبرتها في رعاية كتائب
الإرهاب هناك في إطار برنامج البنتاغون لـ “مكافحة التمرد”.
تأسيس فرق الموت في العراق
بدء تأسيس فرق الموت في العراق خلال الأعوام 2004 – 2005 بمبادرة قادها السفير الأمريكي جون نيغروبونتي [الصورة: يسار] الذي أُرسِل إلى بغداد من قبل وزارة الخارجية الأمريكية في حزيران/يونيو 2004.
كان نيغروبونتي “الرجل المناسب للمهمة”. فبصفته سفيراً
للولايات المتحدة في هندوراس ما بين 1981 – 1985، لعب الرجل دوراً رئيساً
في دعم وتوجيه عصابات الكونتراس النيكاراغوية المقيمة في هندوراس، وكذلك
الإشراف على فرق الموت الهندوراسية.
“في ظل حكم الجنرال غوستافو ألفاريز مارتينيز، كانت الحكومة
العسكرية في هندوراس حليفاً مقرباً من إدارة ريغان، وكانت ضالعة في
“إختفاء” العشرات من المعارضين السياسيين باتباع الأساليب التقليدية لفرق
الموت.”
في كانون الأول/يناير 2005، أعلن البنتاغون بأنه يدرس:
“تشكيل قوات ضاربة من المقاتلين الأكراد والشيعة لاستهداف قادة التمرد [المقاومة] في نقلة نوعية تحاكي جهود مكافحة رجال العصابات اليساريين في أمريكا الوسطى قبل عشرين عاماً“.
ففي إطار ما سمي “الخيار السلفادوري”، ستكلف القوات العراقية والأمريكية باختطاف وقتل قادة التمرد، بل وحتى مطاردتهم في سورية، حيث كان بعضهم يقيمون كلاجئين.
ونظراً لما كانت تثيره أعمال فرق الموت تلك من حساسيات، فإن معظمها سيبقى طي الكتمان.
إن تجربة “فرق الموت” في أمريكا الوسطى تظل مؤلمة للكثيرين حتى يومنا هذا، وقد ألحقت العار بصورة الولايات المتحدة في المنطقة.
فوقتئذ، مولت إدارة ريغان ودرَّبت فرقاً من القوى القومية المتطرفة للقضاء على قادة الثوار السلفادوريين والمتعاطفين معهم.
ولعب جون نيغروبونتي، السفير الأميركي في بغداد، دوراً
قيادياً في تلك الأحداث عندما كان سفيراً لبلاده في الهندوراس في النصف
الأول من الثمانيات.
كانت فرق الموت سمة قاسية للحياة السياسية في أمريكا اللاتينية خلال تلك الحقبة. …
وفي مطلع الثمانينات، مولت إدارة الرئيس الأمريكي ريغان
وساعدت في تدريب قوات الكونتراس النيكاراغوية في هندوراس بهدف الإطاحة
بالنظام السانديني هناك. وكان تسليح قوات الكونتراس يتم باستخدام أموال متحصلة من مبيعات غير شرعية للأسلحة إلى إيران، وهي فضيحة كادت تطيح بالسيد ريغان.
جوهر خطة البنتاغون في العراق، … كان يقوم على اتباع ذلك النموذج…
لم يكن من الواضح ما إذا كان الهدف الرئيس للمهمة يتمثل باغتيال المتمردين أم باختطافهم وسوقهم إلى الاستجواب. أية مهمة مماثلة في سورية ستنفذ على الأرجح بواسطة قوات خاصة أمريكية.
كذلك فإنه من غير الواضح الجهة التي ستتولى المسؤولية عن هذا
البرنامج—البنتاغون أم وكالة المخابرات المركزية CIA. فمثل هذه العمليات
السرية عادة ما تدار من قبل الـ CIA بعيداً عن الإدارة القائمة بما يمنح
المسؤولين الرسميين الأمريكيين القدرة على إنكار معرفتهم بالأمر. (نشر “فرق الموت” من الطراز السلفادوري ضد المتمردين في العراق – تايمز أونلاين، كانون الثاني/يناير 2005، علامات التوكيد للكاتب)
وفيما الهدف المعلن للـ”الخيار السلفادوري في العراق” كان
“القضاء على التمرد”، فإن كتائب الإرهاب المدعومة أمريكياً انخرطت في أعمال
قتل روتينية للمدنيين بهدف إثارة العنف الطائفي. وبدورهما، فإن جهازي
الاستخبارات الأمريكية CIA، والبريطانية MI6 كانا يراقبان عن كثب وحدات
“تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” المنخرطة في الاغتيالات المستهدفة
للشيعة. والأمر اللافت، أن فرق الموت كانت مدمجة وتتلقى التوجيه من القوات
الخاصة الأمريكية على نحو سري.
روبرت ستيفن فورد –الذي عين لاحقاً سفيراً
للولايات المتحدة في سورية—كان عضواً في فريق نيغروبونتي في بغداد في
العامين 2004-2005. وفي كانون الثاني/يناير 2004، عين ممثلاً للولايات
المتحدة في مدينة النجف الشيعية التي كانت معقلاً قوياً لجيش المهدي، والذي
بادر إلى عقد الصلات معه.
في كانون الثاني/يناير 2005، عين روبرت فورد وزيراً مستشاراً
للشؤون السياسية في السفارة الأمريكية تحت قيادة السفير جون نيغروبونتي.
وهو لم يكن مجرد عضو في الحلقة الضيقة لفريق السفارة، بل كان شريك
نيغروبونتي في التأسيس للخيار السلفادوري. وقد تم إنجاز جزء من العمل
التمهيدي في النجف قبل نقل فورد إلى بغداد.
وكُلف نيغروبونتي وفورد بتجنيد فرق الموت العراقية. وفيما قام
نيغروبونتي بإدارة العمليات من مكتبه في السفارة الأمريكية، عُهِدَ إلى
روبرت فورد، الذي يتقن العربية والتركية، بمهمة التأسيس لعلاقات استراتيجية
مع مجموعات المليشيا الشيعية والكردية خارج “المنطقة الخضراء”.
ولعب موظفان آخران في السفارة، هنري إينشر (نائب فورد)، وموظف أصغر سناً في القسم السياسي، جيفري بيلز،
دوراً هاماً في الفريق عبر “التواصل مع مجموعات من العراقيين بما في ذلك
المتطرفين”. (إنظر ذا نيويوركر، 26 مارس/آذار 2007). وكان ثمة عضو مهم آخر
في فريق نيغروبونتي هو جيمس فرانكلين جيفري، السفير الأمريكي في ألبانيا (2002-2004) الذي أصبح سفيراً في العراق (2010-2012).
وجلب نيغروبونتي إلى فريقه معاونه السابق الكولونيل المتقاعد جيمس ستييل الذي عمل معه في السلفادور:
في إطار الخيار السلفادوري، كان لنيغروبونتي معاوناً من زملائه أيام أمريكا الوسطى في الثمانينات، الكولونيل المتقاعد جيمس ستييل. ستييل،
الذي كانت تسميته في بغداد مستشار قوات الأمن العراقية، أشرف على اختيار
وتدريب أعضاء من قوات بدر وجيش المهدي، كبرى الميليشيات الشيعية في العراق،
وذلك لاستهداف قيادات وشبكات دعم المقاومة التي كان يغلب عليها الطابع
السني. وسواء كان ذلك مخططاً له أم لا، فقد نمت فرق الموت تلك خارج نطاق
السيطرة لتصبح مصدراً رئيساً للموت في العراق.
وسواء كان ذلك مقصوداً أم لا، فإن أعداد الجثث التي تحمل آثار
التعذيب والتمثيل التي كانت تلقى يومياً في شوراع بغداد كانت حصيلة لأعمال
فرق الموت التي كان يديرها جون نيغروبونتي. وكان من شأن ذلك العنف الطائفي
دفع العراق إلى الكارثة التي يتخبط فيها اليوم. (ضاهر جميل، إدارة التصعيد: فريق نيغروبونتي وبوش الجديد في العراق، Antiwar.com، 7 كانون الثاني/يناير، 2007)
“كان الكولونيل ستييل، طبقاً لرواية عضو الكونغرس دينيس كوسينيتش،
مسؤولاً عن “خطة نُفذت في السلفادور “اختفى” أو قُتل بنتيجتها عشرات
الآلاف من السلفادوريين، بمن فيهم الأسقف أوسكار روميرو وأربع راهبات
أمريكيات.”
وتؤكد التقارير أن “الجيش الأمريكي حول الكثيرين من المعتقلين إلى كتيبة وولف (الذئب) Wolf Brigade، الكتيبة الثانية المرهوبة الجانب في قوات المغاوير التابعة لوزارة الداخلية والتي غالباً ما يشرف عليها الكولونيل ستييل:
“كان الجنود والمستشارون الأمريكيون يقفون جانباً ولا يفعلون شيئاً،” بينما كان أفراد من كتيبة وولف يقومون بضرب وتعذيب السجناء. وقال: إن مغاوير وزارة الداخلية استولوا على مبنى المكتبة العامة في سامراء، وحولوها إلى مركز اعتقال.
ويذكر بيتر ماس إنه خلال مقابلة كان يجريها في العام 2005 في
هذا السجن المرتجل، مع المستشار العسكري لكتيبة وولف، الكولونيل جيمس
ستييل، سمع صراخاً رهيباً لسجين في الخارج. ويذكر أن ستييل كان يعمل
كمستشار في المساعدة على سحق التمرد في السلفادور.” (المصدر ذاته)
وثمة شخص آخر سيئ السمعة لعب دوراً في البرنامج العراقي لمكافحة التمرد وهو مفوض الشرطة السابق في نيويورك بيرني كيريك
[الصورة: بيرني كيريك مع حرسه الشخصي في أكاديمية الشرطة في بغداد] والذي
أدين في العام 2007 من قبل المحكمة الاتحادية بـ 16 تهمة جنائية.
وقد عين كيريك من قبل إدارة بوش مع بداية الاحتلال في العام
2003 للمساعدة في تنظيم وتدريب قوات الشرطة العراقية. وخلال مهمته القصيرة،
عمل بيرني كيريك—الذي اتخذ منصب وزير الداخلية الموقت—على تنظيم وحدات
إرهابية داخل قوات الشرطة العراقية.
“إن كيريك الذي أرسل إلى العراق لتنظيم قوى الأمن، سرعان ما
نصب نفسه كوزير مؤقت للداخلية في العراق.” وقد أطلق عليه مستشارو الشرطة
البريطانيون لقب “سفاح بغداد” (سالون، 9 كانون الأول/ديسمبر، 2004)
وفي ظل قيادة نيغروبونتي في السفارة الأمريكية في بغداد،
أطلقت موجة من الاغتيالات والقتل المستهدف للمدنيين. وكذلك استهدف أطباء
ومهندسون وعلماء ومثقفون. المؤلف والمحلل الجيوسياسي ماكس فوللر وثَّق بالتفصيل الفظائع التي ارتكبت تحت رعاية البرنامج الأمريكي لمكافحة التمرد.
لقد أشير إلى ظهور فرق الموت لأول مرة في شهر أيار/مايو من
هذا العام [2005]، … عثر على العشرات من الجثث ملقاء بدون اكتراث في مساحات
خالية حول بغداد. وكان جميع الضحايا مقيدي الأيادي ومصابون بالرصاص في
رؤوسهم، وظهرت على الكثيرين منهم علامات التعذيب الوحشي. …
وكان لدى رابطة العلماء المسلمين السنية البارزة ما يكفي من
الأدلة الدامغة لإصدار بيان علني يتهم قولت الأمن التابعة لوزارة الداخلية
وكذلك قوات بدر، الجناح العسكري السابق للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في
العراق، بالوقوف وراء أعمال القتل. كما اتهمت وزارة الداخلية بممارسة إرهاب
الدولة (فاينانشال تايمز).
كانت قوات مغاوير الشرطة وكتيبة وولف تخضع للبرنامج الأمريكي لمكافحة التمرد في وزارة الداخلية العراقية:
وقد تم تشكيل مغاوير الشرطة تحت وصاية وإشراف خبراء أمريكيين مخضرمين في مكافحة التمرد، ومنذ بدايتها قامت بعمليات مشتركة مع نخب سرية للغاية من الوحدات الخاصة الامريكية (رويترز، ناشينال رفيو أونلاين).
…كان جيمس ستييل من الشخصيات الرئيسة في تطوير مغاوير الشرطة
الخاصة، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة للجيش الامريكي خدم طويلاً في
فيتنام قبل الانتقال لتوجيه البعثة العسكرية الأمريكية في السلفادور في
ذروة الحرب الأهلية في ذلك البلد. …
كذلك كان الحال مع مساهم آخر في البرنامج، ويدعى ستيفن كاستيل
والذي بصفته كبير المستشارين الأمريكيين في وزارة الداخلية، هوَّن من شأن
اتهامات خطيرة وموثقة جيداً لانتهاكات مروعة لحقوق الإنسان واصفاً أياها
بأنها “مجرد شائعات”. وشأن ستييل، فإن كاستيل اكتسب خبرة كبيرة في أمريكا
اللاتينية من خلال مشاركته في ملاحقة بارون الكوكايين بابلو إسكابارو خلال
الحرب على المخدرات في كولومبيا في التسعينات…
وتكتسب الخلفية المهنية للسيد كاستيل أهميتها لكون الدور
الاسنادي الذي كان يؤديه في تجميع المعلومات الاستخبارية وإعداد قوائم
الموت هو من العلامات المميزة لانخراط الولايات المتحدة في برامج مكافحة
التمرد، وهو يشكل الخيط الخفي الذي يربط بين أحداث كان يمكن أن تبدو
كعربدات قتل عشوائية متفرقة.
مثل هذه الإبادة المخططة مركزياً تتسق تماماً مع ما يحدث في
العراق اليوم [2005] … وهي تتسق كذلك مع القليل مما نعرفه عن مغاوير الشرطة
الخاصة والتي صممت لتزويد وزارة الداخلية بإمكانيات قوات المداهمة الخاصة (وزارة الدفاع الأمريكية).
وتماشياً مع هذا الدور، أصبح المقر الرئيس لمغاوير الشرطة مركزاً لعمليات
القيادة والسيطرة والاتصالات والكمبيوتر والاستخبارات لسائر العراق، بفضل
من الولايات المتحدة. (المرجع السابق، ماكس فوللر)
وقد جرى استكمال العمل التأسيسي الذي قام به نيغروبونتي في
العام 2005 تحت إشراف سلفه السفير زلماي خليل زاده. وكان على روبرت ستيفن
فورد أن يضمن استمرارية العمل في المشروع قبل تعيينه سفيراً في الجزائر في
العام 2006، وكذلك إبان عودته إلى بغداد كنائب رئيس البعثة في العام 2008.
سورية: “التعلم من التجربة العراقية”
لقد استخدم النموذج العراقي الشنيع للـ”الخيار السلفادوري”
بإشراف السفير جون نيغروبونتي كـ”قدوة” في إنشاء كونتراس “الجيش السوري
الحر”. ولا ريب في أن روبرت استيفن فورد كان منخرطاً في تنفيذ مشروع
الكونتراس السورية، في أعقاب إعادة تعيينه في بغداد كنائب لرئيس البعثة في
العام 2008.
كان الهدف في سورية خلق الانقسامات الطائفية بين السنة
والعلويين والأكراد والمسيحيين. وفيما يختلف السياق السوري تماماً عن
العراقي، فإن هناك تشابهات مذهلة فيما يتعلق بالإجراءات التي اتُبِعَت في
تنفيذ أعمال القتل وغيرها من الفظائع.
ويؤكد تقرير نشر في مجلة ديرشبيغل حول الفظائع التي ارتكبت في
مدينة حمص السورية حصول عمليات منظمة للقتل والإعدامات الجماعية بلا
محاكمة على خلفية طائفية تقارن بتلك التي ارتكبتها فرق الموت التي كانت
تديرها سلطات الاحتلال الأمريكي في العراق.
كان الناس في حمص يصنفون كـ”أسرى” (العلويون والشيعة) أو
كـ”خونة”. وفئة “الخونة” هذه تضم المدنيين السنة في المناطق التي يسيطر
عليها المتمردون والذين يعبرون عن معارضتهم أو عدم تأييدهم لحكم إرهابيي
الجيش السوري الحر:
يقول أبو رامي “منذ الصيف الفائت [2011]، أعدمنا ما يقل قليلاً عن 150 رجلاً، وهو عدد يشكل حوالي 20% من سجنائنا”
ولكن الإعدامات في حمص كانت أكثر بين الخونة في صفوفهم منها بين أسرى
الحرب. ويضيف المقاتل “إذا ألقينا القبض على سُنيّ يتجسس علينا أو على
مواطن يخون الثورة فإننا نحسم الأمر بسرعة“. ووفقاً
لما يرويه أبو رامي، فإن كتيبة الدفن التي كان يعمل فيها حسين قد نفذت
الإعدام في عدد يتراوح ما بين 200 إلى 250 خائناً منذ اندلاع الانتفاضة.” (ديرشبيغل، 30 آذار/مارس 2012)
تخطيط متقدم
لا ريب في أن التحضيرات الحثيثة لعملية سورية قد انطلقت بعيد
استدعاء فورد من الجزائر أواسط العام 2008 وتعيينه في السفارة الأمريكية في
العراق.
وتطلب المشروع برنامجاً أولياً لتجنيد وتدرب المرتزقة. وقد
أدخلت فرق موت تضم وحدات من السلفيين اللبنانيين والأردنيين عبر الحدود
الجنوبية مع الأردن أواسط شهر آذار/مارس 2011. وكان الكثير من العمل
التأسيسي قد أنجز قبل وصول روبرت ستيفن فورد إلى دمشق في كانون
الثاني/يناير 2011.
لقد أعلن عن تعيين فورد سفيراً في سورية في وقت مبكر من العام
2010. وكانت العلاقات الدبلوماسية قد قطعت في العام 2005 عقب اغتيال رفيق
الحريري، حيث أنحت واشنطن باللائمة على دمشق في ارتكابه. وكان وصول فورد
إلى دمشق بالكاد قبل شهرين من اندلاع التمرد.
الجيش السوري الحر
استنسخت واشنطن في سورية الخصائص الرئيسة للطبعة العراقية من
“الخيار السلفادوري”، وهو ما تمخض عن الجيش السوري الحر وفصائله الإرهابية
الأخرى بما في ذلك جبهة النصرة التابعة للقاعدة.
وفيما أعلن عن قيام الجيش السوري الحر في حزيران/يونيو 2011، فإن تجنيد وتدريب المرتزقة الأجانب كان قد بدء قبل ذلك بوقت طويل.
وبأكثر من معنى، فإن الجيش السوري الحر ليس إلا مجرد ستار
دخاني يقدم من جانب الإعلام الغربي على أنه كيان عسكري بريء نشأ كنتيجة
لانشقاقات جماعية كبيرة عن القوات الحكومية. بيد أن أعداد المنشقين لم تكن
لا كبيرة ولا كافية لتكوين بنية عسكرية متماسكة ذات إمكانيات للقيادة
والسيطرة.
فالجيش السوري الحر لا يمثل كياناً عسكرياً احترافياً، بل
شبكة مخلخلة من الكتائب الإرهابية، والتي تتشكل بدورها من العديد من
الخلايا شبه العسكرية التي تعمل في مناطق متفرقة من البلاد.
وتعمل كل من هذه التشكيلات الإرهابية على نحو مستقل. ولا
يمارس الجيش السوري الحر وظائف القيادة والسيطرة بما في ذلك التنسيق بين
هذه التشكيلات المتنوعة شبه العسكرية. فهذه الوظائف إنما تمارسها القوات
الخاصة وعملاء الاستخبارات التابعين للولايات المتحدة والناتو المدمجين في
صفوف هذه التشكيلات الإرهابية المتفرقة.
وتتواصل هذه القوات الخاصة المنتشرة في الميدان (وأغلب
عناصرها من موظفي الشركات الأمنية الخاصة) بصورة منتظمة مع وحدات القيادة
التابعة للاستخبارات العسكرية للولايات المتحدة والناتو. ولا ريب في أن هذه
القوات الخاصة تشارك في عمليات التفجير المخططة بعناية ضد المنشآت
الحكومية والعسكرية..الخ.
تتكون فرق الموت من مرتزقة جرى تجنيدهم وتدريبهم من قبل
الولايات المتحدة والناتو وحلفائهم في مجلس التعاون الخليجي. وهم يعملون
تحت إشراف القوات الخاصة والشركات الأمنية الخاصة التي تعاقد معها
البنتاغون والناتو. وفي هذه الصدد، تؤكد التفارير اعتقال نحو 200 – 300 من موظفي الشركات الأمنية الخاصة المدمجين في صفوف قوات التمرد.
جبهة النصرة
توصف جبهة النصرة—التي يقال بأنها ترتبط بالقاعدة—بأنها
الجماعة “المعارضة” الأكثر كفاءة عسكرياً في ميادين القتال، وينسب إليها
العديد من أعمال التفجير المحكمة. ومع أن جبهة النصرة تُصوَّر على أنها عدو
لأمريكا (أدرجت على قائمة المنظمات الإرهابية لدى وزارة الخارجية) فإن
العمليات التي نفذتها تحمل بصمات المنهجية الأمريكية للتدريب شبه العسكري
على التكتيكات الإرهابية. فالفظائع التي ارتكبتها جبهة النصرة ضد المدنيين
شبيهة بتلك التي نفذتها فرق الموت المدعومة أمريكياً في العراق.
وبكلمات أبو عدنان أحد قادة جبهه النصرة في حلب:
“تضم جبهة النصرة في صفوفها قدامى المحاربين السوريين في العراق، وهؤلاء
يحملون معهم إلى الجبهة السورية خبرات قيمة—خصوصاً في تصنيع العبوات
الناسفة.”
وكما كان الحال في العراق، يجري التحريض على العنف الطائفي
والتطهير العرقي بصورة حثيثة. ففي سورية، كانت الطوائف العلوية والشيعية
والمسيحية أهدافاً لفرق الموت التي ترعاها أمريكا والناتو. وكانت الطوائف
المسيحية على وجه الخصوص إحدى الأهداف الرئيسة لبرنامج الاغتيالات. كما
توكد وكالة أخبار الفاتيكان:
مسيحيو حلب هم من بين ضحايا الموت والدمار الناتجان عن القتال
الذي يدور في المدينة منذ شهور. وقد تعرضت الأحياء المسيحية في الآونة
الأخيرة لضربات قوات المتمردين الذين يقاتلون ضد الجيش النظامي مما تسبب
بحركة نزوح كبيرة للمدنيين.
وتقوم بعض المجموعات الشرسة في المعارضة، وبعض المجموعات
الجهادية، بـ”إطلاق القذائف على مباني وبيوت المسيحيين لإجبارهم على الهرب
منها واحتلالها [تطهير إثني] (وكالة فيدس. أخبار الفاتيكان، 19
تشرين الأول/أكتوبر، 2012)
“يقول الأسقف بأن المقاتلين السلفيين السنة يواصلون ارتكاب
الجرائم ضد المدنيين، أو تجنيدهم قسراً. إن المتطرفين من غلاة السنة يخوضون
حربهم المقدسة بكل افتخار وخاصة ضد العلويين. ولتحديد الهوية الدينية
للمشتبه بهم، فإنهم قد يسألونهم أن يسلسلوا أنساباً تصل إلى النبي موسى!
ويسألونهم أيضاً أن يرتلوا صلوات حذفها العلويون من طقوسهم. وليس للعلويين
أي حظ للنجاة بأرواحهم في مثل هذه الحالات.” (وكالة فيدس 4/6/2012)
وتؤكد التقارير تدفق فرق الموت المرتبطة بالسلفيين والقاعدة
وكذلك بالكتائب التي يرعاها الإخوان المسلمون إلى سورية منذ بداية التمرد
في آذار/مارس 2011.
كذلك فإنه وعلى غرار تأسيس حركة المجاهدين لشن حرب الـCIA الجهادية أيام الصراع الأفغاني، فإن الناتو والقيادة التركية العليا أطلقتا
“حملة لتجنيد آلاف المتطوعين المسلمين في بلدان الشرق الأوسط
والعالم الإسلامي للقتال إلى جانب المتمردين السوريين. وسيقوم الجيش التركي
بإيواء هؤلاء المتطوعين وتدريبهم وتأمين عبورهم إلى سورية. (ديبكافايل، الناتو يزود المتمردين بأسلحة مضادة للدبابات، 14 آب/أغسطس، 2011).
شركات الأمن الخاصة وتجنيد المرتزقة
وفقاً للتقارير، تقوم شركات أمنية خاصة انطلاقاً من دول الخليج بتجنيد وتدريب المرتزقة.
وتشير التقارير إلى إنشاء معسكرات للتدريب في قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة. في مدينة زايد العسكرية “يجري إنشاء جيش سري”
تحت إشراف شركة Xe Services التي كانت تعرف سابقاً بالاسم Blackwater.
وكانت الصفقة لإنشاء معسكر تدريب عسكري للمرتزقة في دولة الإمارات قد وقعت
في تموز/يوليو 2010، قبل تسعة شهور من نشوب الحرب في ليبيا وسورية.
وآخر التطورات في هذا الصدد قيام الشركات الأمنية المتعاقدة
مع الناتو والبنتاغون بتدريب فرق الموت “المعارضة” على استخدام الأسلحة
الكيماوية:
مسؤول أمريكي كبير وعدد من الدبلوماسيين البارزين أبلغوا برنامج سي إن إن صنداي الأخباري “تستخدم
الولايات المتحدة وبعض حلفائها الشركات الأمنية الخاصة لتدريب المتمردين
السوريين على كيفية تأمين مخزونات الأسلحة الكيماوية في سورية” (سي إن إن ريبورت، 9 كانون الأول/ديسمبر، 2012)
بيد أنه لم يكشف النقاب عن أسماء الشركات المشاركة.
خلف الأبواب المغلقة لوزارة الخارجية
كان روبرت ستيفن فورد واحداً من فريق صغير في وزارة الخارجية
الأمريكية اضطلع بالإشراف على تجنيد وتدريب الكتائب الإرهابية، إلى جانب كل
من دايريك شوليه وفردريك سي. هوف، شريك
أعمال سابق مع ريتشارد إرميتاج، والذي عمل كمنسق واشنطن الخاص للشؤون
السورية. وعين دايريك شوليه أخيراً في منصب مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن
الدولي (ISA).
وقد عمل هذا الفريق تحت قيادة المساعد (السابق) لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان.
مساعد وزير الخارجية فيلتمان كان على اتصال مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ووزير الخارجية القطري الشيح حمد بن جاسم.
وكان أيضاً مسؤولاً عن مكتب “التنسيق الأمني الخاص” حول سورية، والذي ضم
ممثلين عن وكالات الاستخبارات الغربية والخليجية وكذلك عن ليبيا. وكان
الأمير بندر بن سلطان، الشخصية البارزة المثيرة للجدل في الاستخبارات
السعودية ضمن هذه المجموعة. (انظر برس تي في، 12 أيار/مايو، 2012).
في حزيران/يونيو 2012، عين جيفري فيلتمان [الصورة: يسار]
مساعداً للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، وهو منصب استراتيجي
يُعنى عملياً بصياغة جدول أعمال الأمم المتحدة (بالنيابة عن واشنطن) حول
قضايا تتعلق بـ”حل النزاعات” في العديد من “النقاط الساخنة سياسياً” حول
العالم (بما في ذلك الصومال، لبنان، ليبيا، سورية، اليمن، ومالي). وللسخرية
المريرة، فإن البلدان التي تشكل موضوعاً لـ”حل النزاعات” بالنسبة للأمم
المتحدة، هي ذاتها التي تستهدفها الولايات المتحدة بالعمليات السرية.
وبالتنسيق بين وزارة الخارجية الأمريكية والناتو ومقاوليه
الخليجيين في الدوحة والرياض، فإن فيلتمان رجل واشنطن، هو من يقف وراء
“مقترحات السلام” التي يحملها الأخضر الابراهيمي.
وفيما تستمر في ريائها حول مبادرة الأمم المتحدة للسلام، فإن
الولايات المتحدة والناتو تعمل على تسريع عمليات تجنيد وتدريب المرتزقة
لتعويض الخسائر الفادحة التي لحقت بقوات المتمردين.
إن الهدف النهائي الذي تسعى إليه الولايات المتحدة في سورية ليس تغيير النظام، ولكنه تدمير سورية كدولة وطنية.
وإن تعبئة فرق الموت التابعة للـ”معارضة” لقتل المدنيين لهو جزء من هذه المهمة.
ويحظى “الإرهاب بوجه إنساني” بحماية مجلس الأمم المتحدة لحقوق
الإنسان، والذي يمثل لسان حال “التدخل الإنساني” للناتو وفق عقيدة
“مسؤولية الحماية” (R2P).
وبكل خفة، تلقى مسؤولية الفظائع التي ترتكبها فرق الموت التي
يرعاها الناتو على حكومة بشار الأسد. فبحسب نافي بيلاي مفوضة مجلس الأمم
المتحدة لحقوق الإنسان:
“كان بالإمكان تجنب الخسائر الهائلة في الأرواح لو أن الحكومة
السورية اتخذت مساراً مختلفاً عن نهج القمع الوحشي تجاه ما كان بدايةً
حركة احتجاج سلمية ومشروعة من جانب مدنيين عزل” تقرير حقوق الإنسان حول سورية: تمويه مجازر الناتو، غلوبال ريسيرتش، 3 كانون الثاني/يناير 2012)
ويتمثل “الهدف غير القابل للتصريح به” لواشنطن في تحطيم سورية
كدولة ذات سيادة على أسس طائفية وعرقية وتحويلها إلى كيانات سياسية
“مستقلة”.