تونس ما بعد الثّورة ..
لماذا تستكبر القيادة عن الاعتذار عن جرائم التعذيب
في المؤامرة المزعومة ب"اجتماع برّاكة السّاحل" 1991 ؟
محسن الكعبي*
أعتقد أنّه ليس هناك في القاموس الإسلامي مصطلح خطأ لا يغتفر، فكلّ الأخطاء تغتفر.. ،و الخطأ الوحيد الذي لا يغتفر إلا بالرّجوع عنه و عدم الإصرار عليه هو الشّرك بالله، و ما دون ذلك يغفره الله لمن يشاء (إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، و من يشرك بالله فقد ضلّ ضلالا بعيدا) النّساء 116 .
حينئذ قول كلّ البشر خطّاء،هي حقيقة ثابتة حول مفهوم الخطأ في التّصور الإسلامي ، وهي أن كلّ بن آدم خطّاء و أنّ خير الخطّاءين التوّابون ..وقد عبّر الرّسول صلّى الله عليه و سلّم عن الإنسان( بني آدم) بالخطّاء و ليس المخطئ، وهي صيغة مبالغة تدلّ على تكرار الخطأ، فليس على وجه الأرض بشر معصوم من الخطأ، ولكنّنا جميعا نخطأ و نصيب، وأنّ خير البشر من يعترف بخطئه و يقرّ به ، و يصبح لزاما عليه أن يرد المظالم إلى أهلها، أو يستسمحهم و يسترضيهم و يعتذر عنه و يعمل على إصلاحه ما أمكن إلى ذلك سبيلا ..
فمن علّمنا يا ترى أنّ الاعتذار ضعف و إهانة و منقصة؟ و من علّمنا أن نقتل بداخلنا هذه الصّفة النّبيلة؟و من علّمنا أنّ في الاعتذار جرح للكرامة و الكبرياء؟..
على مرّ عقود طويلة ، كان النّظام السّياسي في بلادنا مستبدّا، يمارس أنواعا شتّى من الظّلم و الفساد و الإقصاء و التّهميش،و كم من أخطاء كثيرة ارتكبها في حقّ شعبنا و مؤسّساته و على رأسها مؤسّستنا العسكريّة العتيدة ، التي اخترقها في بداية التسعينات ، ولفّق لخيرة من أبنائها تهما باطلة، بدعوى الانتماء إلى حركة النّهضة الإسلامية و الانقلاب على نظام الحكم القائم آنذاك،تعرّضت من خلالها إلى أبشع أنواع التّنكيل و التّعذيب و المحاكمات العشوائيّة و مجالس التّأديب الصّورية، بعدما اختطفها من مراكز عملها ، و غيبّها على أنظار عوائلها و أهلها و زملائها في السّلاح ، ليبعث الرّعب في القلوب و ينشر الخوف و الفرقة في صفوف الجيش ليشكّك في ولائه و بالتّالي إفراغه من محتواه ، و تقزيمه لحساب قوى التآمر و الخيانة..
وكم من لحظات غاليّة من أعمارنا ضاعت بعد أن سرقها جهل حكّامنا و فسادهم و كلّ من والاهم من القادة العسكريين و الأمنيين، المتآمرين ، المتملّقين ،الانتهازيين، الذّين باعوا دينهم بدنياهم ،و تخلّوا عن مسؤولياتهم في لحظات كان من المفروض أن يضربوا فيها موعدا مع التّاريخ، و يسجّلوا فيها مواقف بطولية مشرّفة،تجنّبهم مزابل التاريخ التي أبوا إلاّ أن يدخلوها صاغرين.. ؟ولذلك يصحّ فيهم ما ردّده المتنبي في رائعة من روائعه :
وما تنفع الخيل الكرام و لا القنا
أجيال نشأت في ظل خمول و جهل و ظلام يحياه وطننا ، بعضهم رضي بهذا الحال كونه مجبرا و البعض الآخر اعترض عليه . لكنّ القمع و القبضة الأمنيّة الغاشمة كانتا هما الردّ الذي يردّ به ذلك النّظام دائما. فقد عمل حكاّم بلادنا على تسخير كلّ طاقات الأجهزة الأمنيّة على خدمة عروشهم و أنظمتهم، لقد سرقوا أحلام أجيال بأكملها دون أدنى حساب أو محاسبة.
اليوم، و بعد أن قامت الثّورة المباركة، لتعيد للشّعب كرامته و للوطن عزّته، استطعنا أن نتأكد بأن الرّوح الثّورية التي كانت تملؤنا في عهود الاستعمار السّابق مازالت فينا و في أجيالنا مهما حاولت الأنظمة المستبدّة و أزلامها أن تمحو تلك الرّوح العفية من داخلنا و تزرع بدل منها روح اليأس و الانكسار و القبول بالأمر الواقع دون الرغبة في تغييره أو حتى مجرد التفكير في تغييره..
اليوم، و بعدما رأينا المخلوع يلوذ بالفرار ، و أغلب وزرائه و مستشاريه موقوفون بالسّجن العسكري بالعوينة على ذمة التحقيق، في انتظار المحاكمات الثّورية العادلة،و آخرون مازالوا متخفّين ينعمون بالتقاعد المريح،و أيديهم على قلوبهم مخافة أن تنفتح ملفّاتهم وتنكشف جرائمهم و تواطؤهم و تقصيرهم في حماية مرؤوسيهم ..و لكن و لنعلنها لهم صراحة ، أنّنا لن نتركهم يفلتون من العدالة ، و سنقتصّ منهم فردا فردا ،إن آجلا أو عاجلا ،و خاصّة بعدالاعترافات المدويّة لكل من وزير الدّفاع السّابق الحبيب بولعراس الذي عايش الأحداث و باشرها، و مساعد المدير العام للأمن العسكري آنذاك العميد متقاعد موسى الخلفي الذي أشرف على التعذيب و عاينه بمحلات الدفاع و الداخلية ،و ذلك لأنّ جرائم التّعذيب لا تسقط بالتّقادم ،ونقول لهم على لسان شاعر الفخر و الحماسة صفي الدين الحلي:
انّا لقوم أبت أخلاقنا شرفا
أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
بيض صنائعنا سود وقائعنا
خضر مرابعنا حمر مواضينا
لا يظهر العجز منّا دون نيل منى
و لو رأينا المنايا في أمانينا
لقد بات من الممكن أن نقول و بكل تأكيد أنّ الثّورة استطاعت أن تثبت أنّ هؤلاء لم يكونوا يوما يعملون لصالح الشّعب و الوطن و مؤسساته.و أنّ فرار المخلوع هو خير دليل على مدى ظلمه و فساده في حقّ ذلك الشّعب الثّائر عليه و على زبانيته.
لكن يبقى دائما سؤال يخامر ذهني: هل يمكن أن يعتذر أيّ مسئول منهم عن الخطأ الذي ارتكبه و الجرائم التي اقترفها بحق شعبنا و مؤسّسته العسكرية العتيدة؟إلى متى سيظلون صامتين ؟ أم أن هؤلاء قد فقدوا فضيلة الاعتذار مع ما فقدوه من فضائل أخرى كالصّدق و الأمانة و النّخوة و الشّجاعة و الرّجولة و غيرها كثير...؟أم لأنّهم جاهلون بآداب الاعتذار...؟
لكن حتى و إن استيقظت ضمائرهم متأخّرة و اعتذروا، فهل سنقبل اعتذارهم؟
* ضابط مهندس، أستاذ بالأكاديمية العسكرية سابقا
1 comment:
Faical Belgouthi
بسم الله الرحمان الرحيم
..................... بعد ما وصلني هذا الصباح على عنواني البريدي فيديو . وكان الباعث قدماء الجيش الوطني وهي جهة معروفة لي . وبدات اشاهد هذا الفيلم المرعب في وصفه للعذاب والتنكيل الذي نال اصحابه ومن حرمان ومعانات تكاد لا توصف لهم ولعائلاتهم . فعلا شيء لم اكن اتصور ان يقع في تونس . ومن جهة اخرى كلما ادعى شخص بانه عذب في اقبية الداخلية و ادارة امن الدولة على لسان اشخاصها و مؤسساتها بان هذا كذب وافتراء ومحاولة تشويه سمعة وزارة الداخلية ومنتسبيها من ضباط و اعوان . هل فعلا هؤلاء العسكريين الذين وقع التنكيل بهم وتعذيبهم من محض الصدفة وهي حالة عابرة ام ان ما سمعناه عن اشكال التعذيب عادة بوزارة الداخلية سابقا . كما يفوتني ان اشير الى اسم ورد كثيرا في قصص التعذيب من هو بو كاسا وما رتبته وما اسمه الاصلي ما مهمته بالضبط في وزارة الداخلية ممن كان ياتمر مباشرة . و هل مازال يزاول عمله وباي جهاز . اسئلة تحير كل تونسي . لان هذا الشخص يجب ان يقدم للعدالة لتقول فيه كلمتها . كذلك لماذا لم نسمع نقابات الامن تتكلم عن هذا ...وفي الختام اترك لكم التعليق . من يريد مشاهدة الفيديو سيجده على صفحتي الشخصية باجزائه الخمس 5.
Post a Comment