Search This Blog

Sunday, September 11, 2011

لماذا تستكبر القيادة عن الاعتذار عن جرائم التعذيب

تونس ما بعد الثّورة ..

لماذا تستكبر القيادة عن الاعتذار عن جرائم التعذيب

في المؤامرة المزعومة ب"اجتماع برّاكة السّاحل" 1991 ؟

محسن الكعبي*

أعتقد أنّه ليس هناك في القاموس الإسلامي مصطلح خطأ لا يغتفر، فكلّ الأخطاء تغتفر.. ،و الخطأ الوحيد الذي لا يغتفر إلا بالرّجوع عنه و عدم الإصرار عليه هو الشّرك بالله، و ما دون ذلك يغفره الله لمن يشاء (إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، و من يشرك بالله فقد ضلّ ضلالا بعيدا) النّساء 116 .

حينئذ قول كلّ البشر خطّاء،هي حقيقة ثابتة حول مفهوم الخطأ في التّصور الإسلامي ، وهي أن كلّ بن آدم خطّاء و أنّ خير الخطّاءين التوّابون ..وقد عبّر الرّسول صلّى الله عليه و سلّم عن الإنسان( بني آدم) بالخطّاء و ليس المخطئ، وهي صيغة مبالغة تدلّ على تكرار الخطأ، فليس على وجه الأرض بشر معصوم من الخطأ، ولكنّنا جميعا نخطأ و نصيب، وأنّ خير البشر من يعترف بخطئه و يقرّ به ، و يصبح لزاما عليه أن يرد المظالم إلى أهلها، أو يستسمحهم و يسترضيهم و يعتذر عنه و يعمل على إصلاحه ما أمكن إلى ذلك سبيلا ..

فمن علّمنا يا ترى أنّ الاعتذار ضعف و إهانة و منقصة؟ و من علّمنا أن نقتل بداخلنا هذه الصّفة النّبيلة؟و من علّمنا أنّ في الاعتذار جرح للكرامة و الكبرياء؟..

على مرّ عقود طويلة ، كان النّظام السّياسي في بلادنا مستبدّا، يمارس أنواعا شتّى من الظّلم و الفساد و الإقصاء و التّهميش،و كم من أخطاء كثيرة ارتكبها في حقّ شعبنا و مؤسّساته و على رأسها مؤسّستنا العسكريّة العتيدة ، التي اخترقها في بداية التسعينات ، ولفّق لخيرة من أبنائها تهما باطلة، بدعوى الانتماء إلى حركة النّهضة الإسلامية و الانقلاب على نظام الحكم القائم آنذاك،تعرّضت من خلالها إلى أبشع أنواع التّنكيل و التّعذيب و المحاكمات العشوائيّة و مجالس التّأديب الصّورية، بعدما اختطفها من مراكز عملها ، و غيبّها على أنظار عوائلها و أهلها و زملائها في السّلاح ، ليبعث الرّعب في القلوب و ينشر الخوف و الفرقة في صفوف الجيش ليشكّك في ولائه و بالتّالي إفراغه من محتواه ، و تقزيمه لحساب قوى التآمر و الخيانة..

وكم من لحظات غاليّة من أعمارنا ضاعت بعد أن سرقها جهل حكّامنا و فسادهم و كلّ من والاهم من القادة العسكريين و الأمنيين، المتآمرين ، المتملّقين ،الانتهازيين، الذّين باعوا دينهم بدنياهم ،و تخلّوا عن مسؤولياتهم في لحظات كان من المفروض أن يضربوا فيها موعدا مع التّاريخ، و يسجّلوا فيها مواقف بطولية مشرّفة،تجنّبهم مزابل التاريخ التي أبوا إلاّ أن يدخلوها صاغرين.. ؟ولذلك يصحّ فيهم ما ردّده المتنبي في رائعة من روائعه :

وما تنفع الخيل الكرام و لا القنا

إذا لم يكن فوق الكرام كرام

أجيال نشأت في ظل خمول و جهل و ظلام يحياه وطننا ، بعضهم رضي بهذا الحال كونه مجبرا و البعض الآخر اعترض عليه . لكنّ القمع و القبضة الأمنيّة الغاشمة كانتا هما الردّ الذي يردّ به ذلك النّظام دائما. فقد عمل حكاّم بلادنا على تسخير كلّ طاقات الأجهزة الأمنيّة على خدمة عروشهم و أنظمتهم، لقد سرقوا أحلام أجيال بأكملها دون أدنى حساب أو محاسبة.

اليوم، و بعد أن قامت الثّورة المباركة، لتعيد للشّعب كرامته و للوطن عزّته، استطعنا أن نتأكد بأن الرّوح الثّورية التي كانت تملؤنا في عهود الاستعمار السّابق مازالت فينا و في أجيالنا مهما حاولت الأنظمة المستبدّة و أزلامها أن تمحو تلك الرّوح العفية من داخلنا و تزرع بدل منها روح اليأس و الانكسار و القبول بالأمر الواقع دون الرغبة في تغييره أو حتى مجرد التفكير في تغييره..

اليوم، و بعدما رأينا المخلوع يلوذ بالفرار ، و أغلب وزرائه و مستشاريه موقوفون بالسّجن العسكري بالعوينة على ذمة التحقيق، في انتظار المحاكمات الثّورية العادلة،و آخرون مازالوا متخفّين ينعمون بالتقاعد المريح،و أيديهم على قلوبهم مخافة أن تنفتح ملفّاتهم وتنكشف جرائمهم و تواطؤهم و تقصيرهم في حماية مرؤوسيهم ..و لكن و لنعلنها لهم صراحة ، أنّنا لن نتركهم يفلتون من العدالة ، و سنقتصّ منهم فردا فردا ،إن آجلا أو عاجلا ،و خاصّة بعدالاعترافات المدويّة لكل من وزير الدّفاع السّابق الحبيب بولعراس الذي عايش الأحداث و باشرها، و مساعد المدير العام للأمن العسكري آنذاك العميد متقاعد موسى الخلفي الذي أشرف على التعذيب و عاينه بمحلات الدفاع و الداخلية ،و ذلك لأنّ جرائم التّعذيب لا تسقط بالتّقادم ،ونقول لهم على لسان شاعر الفخر و الحماسة صفي الدين الحلي:

انّا لقوم أبت أخلاقنا شرفا

أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا

بيض صنائعنا سود وقائعنا

خضر مرابعنا حمر مواضينا

لا يظهر العجز منّا دون نيل منى

و لو رأينا المنايا في أمانينا

لقد بات من الممكن أن نقول و بكل تأكيد أنّ الثّورة استطاعت أن تثبت أنّ هؤلاء لم يكونوا يوما يعملون لصالح الشّعب و الوطن و مؤسساته.و أنّ فرار المخلوع هو خير دليل على مدى ظلمه و فساده في حقّ ذلك الشّعب الثّائر عليه و على زبانيته.

لكن يبقى دائما سؤال يخامر ذهني: هل يمكن أن يعتذر أيّ مسئول منهم عن الخطأ الذي ارتكبه و الجرائم التي اقترفها بحق شعبنا و مؤسّسته العسكرية العتيدة؟إلى متى سيظلون صامتين ؟ أم أن هؤلاء قد فقدوا فضيلة الاعتذار مع ما فقدوه من فضائل أخرى كالصّدق و الأمانة و النّخوة و الشّجاعة و الرّجولة و غيرها كثير...؟أم لأنّهم جاهلون بآداب الاعتذار...؟

لكن حتى و إن استيقظت ضمائرهم متأخّرة و اعتذروا، فهل سنقبل اعتذارهم؟

* ضابط مهندس، أستاذ بالأكاديمية العسكرية سابقا

1 comment:

samarkand said...

Faical Belgouthi
بسم الله الرحمان الرحيم
..................... بعد ما وصلني هذا الصباح على عنواني البريدي فيديو . وكان الباعث قدماء الجيش الوطني وهي جهة معروفة لي . وبدات اشاهد هذا الفيلم المرعب في وصفه للعذاب والتنكيل الذي نال اصحابه ومن حرمان ومعانات تكاد لا توصف لهم ولعائلاتهم . فعلا شيء لم اكن اتصور ان يقع في تونس . ومن جهة اخرى كلما ادعى شخص بانه عذب في اقبية الداخلية و ادارة امن الدولة على لسان اشخاصها و مؤسساتها بان هذا كذب وافتراء ومحاولة تشويه سمعة وزارة الداخلية ومنتسبيها من ضباط و اعوان . هل فعلا هؤلاء العسكريين الذين وقع التنكيل بهم وتعذيبهم من محض الصدفة وهي حالة عابرة ام ان ما سمعناه عن اشكال التعذيب عادة بوزارة الداخلية سابقا . كما يفوتني ان اشير الى اسم ورد كثيرا في قصص التعذيب من هو بو كاسا وما رتبته وما اسمه الاصلي ما مهمته بالضبط في وزارة الداخلية ممن كان ياتمر مباشرة . و هل مازال يزاول عمله وباي جهاز . اسئلة تحير كل تونسي . لان هذا الشخص يجب ان يقدم للعدالة لتقول فيه كلمتها . كذلك لماذا لم نسمع نقابات الامن تتكلم عن هذا ...وفي الختام اترك لكم التعليق . من يريد مشاهدة الفيديو سيجده على صفحتي الشخصية باجزائه الخمس 5.