كتب هادي دانيال - الإدارة الأمريكية الأشدُّ خَطَراً على مُستَقبلِ البشرية تستعدّ لحرب عدوانية مُفْتَعِلَةً ذريعة خَطَرِ السلاح 29-12- 2012الكيميائيّ في سورية
عندما أعلنت صحيفة " نيويورك تايمز " مؤخّراً أنّ إدارة الرئيس الأمريكي " باراك أوباما تستنسخ في نهجها الأخطاء نفسها التي اقترفَتها إدارة سَلَفِهِ "جورج دبليو بوش" إبّان الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 ، والتي أشعلتْ المنطقة بَدَلاً مِن تهدئتها ، باعتماد الإدارتين المتتاليتين تقارير الاستخبارات الأمريكية " السي آي إي " التي جاوزَتْ عَدَمَ الدّقة إلى التضليل ، أصابتْ الصحيفةُ الأمريكية في تحذيرها مِن أن "تسونامي" الأزمة السورية ،(إن لم تجد حلا وطنيا سلميا سريعا - هذا مِن عندي طبعاً ) سيشمل سائر أرجاء المنطقة ، لأنّ صعود تيارات الإسلام السياسي الوهابية التكفيرية التي يتصدّرها تنظيم "القاعدة" وأقنعته "الجهادية" المتفرعة عنه ، لا يستهدف فقط النموذجَ السوريّ للتعايُشِ بين المكوّنات العرقية والدينية والمذهبية المُنصهِرة في بوتقةٍ وطنية واحدة، بل يتعدّاهُ إلى تفكيكٍ جغراسياسي ستكون تركيا ولبنان والعراق والأردن في مهبّهِ المُباشَر ، ولن تكون السعودية وأخواتها من الكياناتِ الخليجية في منأى عن تداعياتِهِ الحتميّة.
إلا أنّ الخطأ ، بل الخطيئة التي غفلتْ عنها أو تعمّدَت " نيويورك تايمز " تجاهُلَها ، هي أنّه مثلما أسَّسَتْ إدارة "جورج بوش الإبن" لِعدوانِها على العراق على تقارير زائفة وتضليلية تدّعي أنّ نظامَ الرئيس صدّام حسين كان يمتلك أسلحة دَمارٍ شامِلٍ ، واعترفَت الإدارةُ نفسها لاحقاً ، أي بَعْدَ خَرابِ البصرة ، بأنَّه تمَّ تضليل مخابراتها ، وهي هنا تُمْعِنُ في الكذبِ ، لأننا على يقين مِن أن إدارة "جورج بوش الصغير " لو كانت متأكدة من امتلاك بغداد أسلحة الدّمار المزعومة ، لما غامَرَتْ بشنّ حربِ الدمار الشاملة عليها.. ، فإنّ إدارة الخَلَفِ "باراك أوباما" تؤسِّسُ الآنَ لِعدْوانٍ تدميريّ شامِل مُبَيَّتٍ ليس فقط على سورية – التي كانت هَدَفاُ مُباشَراً مُدْرَجاً على أجندةِ غزْوِ العِراق لولا أن أوقَفَتْها المقاوَمَة الوطنية العِراقية في حدودِ أرض السواد – بل يشمل هذه المرّة في حزمة أهداف شرّيرة واحدة إيرانَ والمقاومة الوطنية اللبنانية والمصالح الاقتصادية والجيوسياسية الروسية والصينية ، تؤسس لهذا العدوان على تخوُّفات واهية مِن امتِلاكِ جيشنا العربي السوري أسلحة كيماوية قد يستخدمُها في لحظةٍ ما مِن الصِّراعِ الدائر حاليا ضدَّ مجموعات إرهابية يحمل أفرادُها جنسيات تركية ولبنانية ومصرية وسعودية وليبية وتونسية وقطرية وكويتية وأردنية ومغربية وأزبكستانية وأفغانية وباكستانية وصينية وأمريكية وبريطانية وفرنسية وسودانية .. ويسمونها في إعلامهم وتصريحاتهم السياسية المتهافتة "الشعب السوري".
وكما بات معلوماً ، ما أن تمَّ الكشْفُ عن فضيحةِ إدارة "بوش الثاني" واعتمادهِ كحفيدٍ لرُعاةِ البَقَرِ أكذوبةً مُرْتَجَلةً لتبرير ما لا يُبَرَّر مِن خَرْقِ القانونِ الدولي وتدمير البشَر والحجَر والشجَر في بَلَدٍ ذي سيادة وحضارة عريقة ومُؤسِّسٍ لهيئة الأمم المتحدة ، ما أن فاحت رائحة الجريمة الأمريكية المدبَّرَة ضدّ الإنسانية حتى لجأ بحماقةٍ وصفاقة إلى ذرائع تبريريّة أكثر تهافُتاً مِن الذريعة الأولى ، أعني ادِّعاءَ الإدارة الأمريكية حرْصاً ذئبيّاً على تخليص الشعب العراقي مِن "نظامٍ دكتاتوريّ" وتعويضه بنظام " ديمقراطي يضمن حقوقَ الإنسان العراقيّ".
ولئن أفضى العدوانُ الذي قادته الولاياتُ المتحدة الأمريكية سنة 2003 إلى إسقاط نظام الرئيس صدام حسين ، فإنه قبْلَ ذلك أفضى إلى زهْقِ أرواح مئاتِ الآلافِ مِن العراقيين ، وتدمير مؤسسات الدولة العراقية وتهديد وحدة الشعب العراقي وَجَعْلِ الدولة العراقية على حافّةِ التفكُّكِ الجغراسياسي ، ناهيكَ عن كيفيّةِ "احتِرامِ" الاحتلال الأمريكي لحرية وحقوق الإنسان العراقي التي كانت فضائحُ سجْنِ"أبي غريب" الإجرامية مِن تجلّياتِها. ولا يخالجُنا شَكٌّ في أنّ مَن كانَ مُسْتَهْدَفاً في العدوانِ على العِراق ليسَ صدّام حسين ونظامه بل الدولة العراقية التي تهدّد أمن الكيان الصهيوني الاستراتيجيّ بجيشها واقتصادها ومَواردها البشرية الأقوى في المنطقة وآخِرُ ما قد يفكّر فيه الغرب بأسره أن يستمر بلد عربيّ بهذه المواصفات على الخارطة السياسية الدولية بغض النظر عن طبيعة أو شكل النظام السياسي فيه.
لذلك، وفي سياق مؤامرة ما يُسمّى "الربيع العربي" لاستئناف تنفيذِ خطّة "برنارد لويس" من أجل إقامة الشرق الأوسط الكبير ، الهادفةِ إلى تفتيتِ الدولِ الواقعةِ جغراسياسيا بين الباكستان ومراكش ، واستبدالها بدويلات فاشلة تقوم على أسس عرقية ودينية ومذهبية وعشائرية ، وتدور جميعها في فَلَكِ "دولة إسرائيل اليهودية الكبرى" ، وما يُفْضي إليه ذلك بالضرورة مِن وَضْعِ اليَدِ الأمريكية الصهيونية على ترسانة الباكستان النووية والحؤول دون امتلاك إيران سلاحا نوويّاً ، وتدمير الجيوش العربية الأربعة الأكبر (العراقي ، المصري ، السوري ، والجزائري) ، والتمهيد لتأمين المصالح الإقتصادية الأمريكية في القارة الأفريقية بالقوة العسكرية ممثلةً بالقوات الأمريكية لأفريقيا "أفريكوم" لمواجهة زحْفِ التنين الاقتصادي الصيني في القارة السمراء ، ومحاصَرة تسويق الغاز الروسي والإيراني لصالح الغاز القطري وتطويق روسيا عسكريا وجيوسياسياً وتحريك الأقليات الإسلامية في الصين وروسيا ورفد مايمكن اختلاقه من بؤر توتّر إنفصالية فيهما بما يتبقى مِن قطعان الإرهابيين الأصوليين الذين تمّ تسريبهم في مهمة شيطانية إلى الأراضي السورية.
في هذا السياق تمَّ افتِعال"ثورة" في الجماهيرية الليبية سرعان ما تحوّلتْ إلى حرب استعمارية ضارية شنّها الحلفُ الأطلسي تحت ذريعة منْع الطيران الليبي من استهداف "الثوار" ، فدمّرتْ قاذفاتُ "الناتو" مؤسسات الدولة الهشّة أصلاً وبَسَطَتْ سيطَرةَ الشركات الإمبريالية الإحتكارية على ثروات ليبيا مِن النفط والغاز وغيرهما ، وحصلت "أفريكوم" على قاعدة لقيادتها في الصحراء الليبية ، وتمّ تقسيمُ الشعب الليبي الموحَّد عرقاً وديناً ومَذْهَباً على أسسٍ عشائرية قَبَليّة وجِهويّة ، تمهيداً لتقسيم ليبيا سياسياً.
وعندما حاولت الإدارة الأمريكية نَقْلَ السيناريو الليبي بحذافيرِهِ تقريباً لتطبيقه على سورية ، اصطدَمَتْ بوَضْعٍ مُخْتَلِفٍ عَصِيٍّ على هذا السيناريو الإبادِيّ ، حيث صلابة تماسُكِ مؤسسات الدولة ، وبخاصّة المؤسسة العسكريّة ، وحيث الشعب حريصٌ على دولتِهِ وعلى نَمُوذَجِها الوطنيّ في تعايش مكوّناته ، وحيث الدولة العريقة في مَدَنيّتِها بالرّغم من تكلُّس مفاصِلِها البيروقراطية وما أكله دودُ الفسادِ مِن إرْثِها الحضاريّ ، وحيث النظام السياسي الذي بالرغم مِن طابعهِ الشموليّ فقد تأسس على تداخُلِ الوطنيّ بالقوميّ وحَصَّنَ نَفْسَهُ في هذه الصيرورة ومسارِها التاريخي بعلاقاتٍ إقليمية ودولية ليس فقط يستحيل على المُعسكر المُعادِي فَصْمُ عُراها ، بل صارت في هذه اللحظة التاريخية جزءا كبير من دفاع الوطن الذاتيّ وفي الوقت نفسه جعلت مِن سورية ساحةً لتحوُّلٍ دوليّ جديد لا بُدّ أن يكون لصالح البشرية وشعوبها في صراعها مع قوى الشر والغطرسة الدولية ممثلة بالدوائر الصهيوأمريكية وأتباعها.
لذلك زجَّتْ هذه الدوائر عملاءها المحليين مِن "علقميين" و"جلبيين" و"كرزاوات" ، وحلفاءها الأطلسيين والخليجيين ، وأتباعها في الغرب الأوربي كفرنسا التي كرر " سيركوزيها" في ليبيا الدور الأحمق الذي قام به "ميترانُها" في العراق لتمرِّغَ قيَمَ الثورة الفرنسية والسياسة الديغولية المتزنة في الوحل الأمريكي وتعود من هذه الحروب الأمريكية الصهيونية بخفيّ حنين إقتصادياً.. تمّ زجّ كلَّ هؤلاء في حرب مفتوحةٍ على الدولة السورية وقيادتها الوطنية وجيشها العقائدي ، ومعهم رهوط الوهابيين الإرهابيين المتوحّشين الذين استقدمتهم مِن كلّ حَدْبٍ وصَوْب ، والذين يتوهّمون أو يُوهِمُونَ العامّةَ – الذين لا يمكِن خِداعَهُم إلى مالا نهاية - أن "الخلافة الإسلامية" يُمكِنُ أن تُدْرَجَ يوماً في أي مشروع صهيوأمريكي ، زجَّتْ هؤلاء القتَلَة لارتِكاب المجازر ضدّ الشعب السوري وإلصاقِها بجيش هذا الشعب ، الجيش العربي السوري،عَساها بذلكَ تستَصدِرُ قرارات مِن مجلس الأمن الدوليّ تُبيح لها التدخُّلَ الخارجي العسكريّ في سورية تحت البنْدِ السابع "لِدواعٍ إنسانيّة " مختلفة ، مُستخدِمة شعارات تمكين الشعب السوري مِن نِظامٍ سياسيّ يحفظ حقوق الإنسان المزعومة ، والتي يجسّدُها الآن "ثوّارهُم" بقطع الرؤوس و"الذبح على المجرور" واغتصاب المحصّنات والقاصرات وحرق المدارس ومخازن الحبوب ..إلخ.
وعندما أدّى صمود الدولة والشعب السوريين وجيشهما الباسل الذي فاجأ بقدراتِه وروحه القتالية وشمُوخِهِ الوطنيّ حتى الثعلبَ الصهيوني المخضرَم "هنري كيسنجر" ، ومؤسساتهما الإعلامية المستبسِلَة بكفاءة مهنية عائلية ، إلى تمكين الرأي العام السوري والعربي والإقليمي والدولي مِن إدراكِ حقيقة أنّ ما يُضَرِّج الأرضَ السوريّة حَرْبٌ دوليّة تعتمد التدميرَ المُمَنْهَجَ لمؤسساتِ الدولةِ السورية ، عادَت الإدارة الأمريكية "الأوبامية" إلى النَّسْجِ على مِنوالِ سابِقَتِها "البوشيّة" باتّباعِ سياسة الذرائع تحضيراً لتَدَخُّلٍ عسكريٍّ مِن خارِجِ الأمم المُتّحدة ضدّ سورية.
فأمامَ يأسِها مِن إمكانيّةِ تَمَكُّن إرهابييها المُلتَحين مِن تأمين منطقةٍ عازِلة بعد مضيّ عشرين شهراً ونيّف مِن مُحاولاتٍ مُستميتة مُورِسَتْ فيها مُخْتَلفُ خبرات تنظيم القاعدة ومؤسسة بلاك ووتر والمخابرات التركية والفرنسية والقطرية والسعودية وغيرها في القتل والتفجير والتدمير والإغتيال والتي استهدفت شعبنا أفقيا وعموديا ، وإثر القنوط الذي أصابها مِن إمكانية استِصدارِ قرارٍ أمميّ تحت البند السابع يُتيح فَرْضَ حَظْر على تحليقِ نسور الجوّ السوريّ في سماء سورية وبسط ظلال أجنحتهم على كلّ شبْر مِن تُرابها ، ناطِحةً بقرنيّ غطْرَسَتِها ثلاثَ مرّاتٍ صخرةَ الفيتو المزدوج الروسي – الصيني ، إلى أن تخَلَّعَ قرناها فاستلّتهما وحوّلتهما إلى خِنجَريّ غَدْرٍ لعلَّ وعسى ، فخَطَتْ واشنطنُ خطوةً إلى الوراء ووضعت مجموعات تنظيم القاعدة مثل "جبهة النصرة" على قائمة الإرهاب الأمريكية لذرّ الرماد في العيون ، ثمَّ التقدُّم بخطوة واسعةٍ إلى الأمام مُدّعيةً تخوُّفَها مِن احتِمالِ استخدامِ الأسلحة الكيميائية التي قد تكون في حوزة الجيش العربي السوري ، إن كان مِن طرَفِهِ أومِن طَرَفِ المجموعاتِ الإرهابية في حال وصولِ أيديها الطليقة إلى هذا السلاح ، حسب التخرّصات الأمريكية والإسرائيلية التي تعزِفُ في وقت واحِدٍ على ذات الوتَر.
واللافِتُ أنّ إقدامَ واشنطُن على وضع مجموعات القاعدة في سورية على قائمتها المتعلقة بالإرهاب لم يُتَرْجَم إلى ضغط أمريكيّ فِعْليّ على حلفاء الولايات المتحدة وأتباعها كي يكفّوا عن تمويل وتسليح هذه المجموعات ، وأن يتوقّفوا عن رفْدِها بالمسلحين وتسهيل مرورهم إلى سورية مِن الحدود التركية وسِواها.
بل على العكس مِن ذلك ، وفي الوقت نفسه ، يتم نشر منصات صواريخ "الباتريوت" الأمريكية في الأراضي التركية المحاذية لسورية، مما يشفّ عن عزمٍ أمريكيّ على شَنِّ حَرْبٍ أطلسية انطلاقاً مِن ذريعةِ "الأسلحة الكيميائية" السورية ، على الرّغم مِن تأكيد القيادة السورية مِرارا أنّ هذه الأسلحة في مكان آمِن مُسَيْطَرٍ عليه تماماً ولا يُشكّل وجودُها أيُّ خَطَر مهما طالَ النِّزاعُ أو اشتدَّ.
فما الذي يعنيه هذا كلّه؟.
إنّ هذا السلوك الأمريكيّ يؤشِّرُ أنّ إدارة "باراك أوباما" وحلفاءها الغربيين تتصدّرهم بريطانيا الشمطاء والإقليميين ويتقدّمهم سلاجقةُ أنقرة وتلموديّوا تل أبيب ، والخليجيين وبخاصّة المُرتَعِدَةُ فرائصُهُم مِن قوافي الشعراء النبطيين فكيف يكون حالهم إزاء زئير أسود الشام ، أعني طبعاً نعْجَةَ الدَّوحَةِ وناقةَ الرِّياض في مُفرَدِهما وجمعِهِما ، فكلّ هؤلاء وَمَن يَتَمَعَّشُ مِن بلاطاتِهم أو يُوهِمُهم خاسئاً أنّ بمقدورِهِ أن يبيعهم الدّمَ السوريّ ، قد عقدوا العزم " سيكون عزمَ الفَرَزْدَقِ على مَرْبَعٍ إن شاء الله" على شنِّ حَربٍ لإسقاط نظامِنا الوطني ، وتدمير مؤسسات دولتنا وبخاصة مؤسستنا العسكرية ، في حالِ فَشَلِ مجموعاتهم المسلحة في تنفيذ هذه المهمة الإستعمارية الكأداء.
وهذه الحرب العدوانية الوشيكة لن تكون على سورية فقط ، بل ستشمل إيرانَ والمقاومة الوطنية اللبنانية وحتى أولئك المطمئنين إلى هدنة مع العدو الصهيوني برعاية "مرسي" في غزّة، وسيكون الكيانُ الصهيونيُّ طَرَفاً أساسيّاً في شنّها إلى جانب القواعد الأطلسية في تركيا والأمريكية في الكيانات الخليجية.
وإذا كان نَشْرُ مِنَصّاتِ صواريخِ "الباتريوت" على الحدود التركية مع سورية ، مؤشِّراً على مشاركةِ القواعد الأطلسية والأمريكية في تركيا ، فإن إعلان قائد قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة " هيرفي لادسو" بأنّ المنظمة الدولية بصدد إرسالِ معدّاتِ وقايةٍ من الأسلحة الكيميائية لأفراد القوة الدولية في هضبة الجولان السوري المحتل وعددهم 1050 عسكريا ، وما تلاه مِن قرار طوكيو- وهي القريبة من دوائر اتخاذ القرار الأمريكية – بسحب عساكرها الخمسين مِن الجولان المحتلّ ، لا يدَع مجالا للشكّ بما تسرَّبَ إلينا من معلومات عن مصادر دولية مطلعة بأنّ شَبَحَ الحرب باتَ أكثر حُضورا وقتامةً.
كما أنّ تسريب أخبار عن العثور على قنابل غازات سامة في أماكن الصراع أو عثور المسلحين على أقنعة حامية من الغاز السام في مواقع للجيش العربي السوري ، محاولات أولية للإيحاء بأن الأسلحة الكيميائية السورية على قاب قوسين أو أدنى من الاستخدام في هذه الحرب ، مع احتمال كبير لتزويد المجموعات المسلحة بأسلحة كيميائية ودفعهم إلى استعمالها لترويج "مصداقية" ما لفرضيّة واشنطن وذريعتها.
السؤال هُنا : إذا كنا حاسمين في أنَّهُ لو كانت إدارة "بوش الابن" واثقة مِن امتِلاك بغداد أسلحة دمار شامل لما أقدَمَت على غزوها ، فكيف بالمُقابل تُقدِمُ على حرب ضدّ دمشق إذا كانت متيقّنة من امتلاك الجيش العربي السوري أسلحة كيميائية؟.
والجواب أن واشنطن وتل أبيب تعلمان جيدا أن الأسلحة الكيميائية السورية ليست موجودة عند جيشنا للاستعمال بل لخلق توازن رعب مع الأسلحة النووية الإسرائيلية ، إلا أنّ الولايات المتحدة تستخدِمُها الآن كذريعة لحرب تدفع إليها الدوائر الصهيونية واشنطنَ دَفْعاً لتأمينِ حماية "إسرائيل" التي باتت متيقنة مِن أنّ وجودها باتَ مُهدَّدا أمام قوة المقاوَمة في لبنان أو فلسطين المحتلة فما بالك إن وَجَدَتْ نفسَها وحيدة في حرب أمام سورية أو إيران أو كليهما ، ولذلك فإن استكمال الحرب الدائرة في سورية وتصعيدها بمشاركة القواعد الأمريكية والأطلسية في المنطقة وبمشاركة جيوش دول عربية و إقليمية باتت في حالة عداء مُعلَن مع سورية إضافة إلى عشرات آلاف الإرهابيين الإسلاميين الذين يتصدى لهم الجيش العربي السوري الآن ، كلّ هذا تنظر إليه الدوائر الصهيونية كفرصة تاريخية ربما يستحيل أن تتكرر ، ومن "الطبيعي" أن تنتهزها "إسرائيل" التي نشأت وترعرعت وقويت شوكتُها بانتهاز الفرص.
وللأسف فإنّ أحمق البيت الأبيض "الجديد" لم يتعلّم مِن درس الهزائم التي لحقت بالقوة الأمريكية الغازية في أفغانستان والعراق ، ويبدو أنه لا يريد أن يقتنع بحقيقة أنّ أيّ عدوان قد تشنّه واشنطن ولندن وتل أبيب وحلف الناتو وأتباعهم على سورية وإيران و"حزب الله" – مجتمعين أو كلاً على حِدَة – مِن أجل السيطرة على المنطقة بأسرها ، يتصدّى لها بعزيمة واقتِدار ملايين الصواريخ السورية والإيرانية وربما الروسية والصينية ، التي ستجعل مساحات شاسعة في الكثير مِن دول العالم بما فيها الكيانات الخليجية وبلدان أوربية قاعاً صَفْصَفاً ، بحيث ترزحُ البشرية ولمدّة طويلة تحت كابوس أقلّ نتائجه المؤكدة دمار الاقتصاد العالميّ بالكامل.
فهَل بقيَ في دوائر القرار الأمريكيّ بَعْضُ عَقْلٍ يكبَحُ جُنونَ الشركاتِ الإحتكارية الإمبريالية الشرّير الشَّرِس ، الذي يَسعى "فيروس" الصهيونية العالمية إلى أن يُفْلِتَهُ مِن عقالِه؟
* كاتب و شاعر سوري