إلى أين تسير سفينة الاتحاد العام التونسي للشغل ؟
الأربعاء, 12 كانون1/ديسمبر 2012
أنور الغربي
وأنا
أتابع مجريات الأحداث المرتبطة بالإضراب العام الذي أعلنت قيادة الاتحاد
العام التونسي للشغل على تنفيذه يوم 13 ديسمبر، لم تفارقني صور ومواقف من
الماضي ولكنها مهمة لفهم الحاضر.
ففي منتصف التسعينات وتحديدا في
صيف 1995، دعي الرئيس الهارب من العدالة زين العابدين بن علي إلى مؤتمر
دولي تنظمه منظمة العمل الدولية بجنيف. وكان من المفترض أن تدوم الزيارة
يومين ولكن شدة الاحتجاجات الشعبية والرسمية السويسرية وقتها جعلته يهرب من جنيف بعد سويعات قليلة قضاها في مقر المنظمة. ولم
يجد بن علي من يقف إلى جانبه إلا قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل
والإعلام التونسي. فالأحزاب في جنيف احتجت بشدة على الزيارة والسلطات
الفدرالية تعللت بأنه ضيف منظمة دولية. ونظمت جمعيات المجتمع المدني
السويسري وجمعيات الجالية التونسية وقفة احتجاجية دامت 3 ساعات أي مدة بقاء
بن علي داخل جدران المنظمة.
ولم يجد بن علي من يدافع عنه وعن نظامه
سوى الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حينئذ السيد اسماعيل
السحباني الذي رفض الظهور في التلفزة السويسرية رفقة كاتب هذه الأسطر
معتبرا إياه من المحرضين على العنف والفوضى وقال في تصريح شهير: "لا يوجد
في تونس مساجين رأي وربما يوجد مساجين رأي في السجون السويسرية". واستمات
الإعلاميون وفي مقدمتهم السيد صلاح الدين الجورشي في الدفاع عن الزيارة وعن
مشروع بن علي في "النهضة والبناء".
ففي ذلك الوقت سعت قيادة
المنظمة الشغيلة إلى تسويق الأنموذج التونسي في "اقتسام الثروة". واليوم
يكتشف التونسيون أن حصتهم من الثروة الوطنية لا تزال بعيدة المنال وأن
البناء الذي كانوا يبشرون به لم يشمل إلا المتنفذين. ومن المعيب والمجافاة
للحقيقة والواقع القول بأن القيادة المركزية للاتحاد كانت دائما تقف إلى
جانب مطالب الشعب. صحيح أن القيادات القطاعية والجهوية ساهمت بأقدار مختلفة
في مسيرة التغيير إلى جانب قطاعات مختلفة مثل قطاع المحاماة الذي قاد أغلب
التحركات والاحتجاجات خلال سنوات الجمر.
وأصبح من الواضح اليوم أن
من دعوا إلى الإضراب العام وضعوا أنفسهم في مأزق يصعب الخروج منه. فقد
توجهوا إلى الحكومة بمطالبهم الداعية إلى حل منظمة وطنية معترف بها في حين
أن القضاء هي الجهة الوحيدة المخول لها البت في مثل هذه الأمور. ثم طالبوا
حزبا النهضة والمؤتمر بالجلوس مع نداء تونس وريث حزب التجمع الذي قامت ضده
الثورة وهنا أيضا أخطأت قيادة الاتحاد لأن مطلبها تمت الإجابة عليه ولا
يعقل الدعوة لإضراب عام لأن الطرف الآخر رفض الاستجابة لمبادرة سياسية لا
علاقة للشغالين بها. والخطأ الثالث هو المسارعة بتدويل قضية وطنية بامتياز
من خلال دعوة الأطراف الدولية المختلفة لدعم الاتحاد وإعلان الإضراب العام
يوم زيارة مسؤولين دوليين كبار للبلاد ويوم انعقاد مؤتمر دولي بتونس.
ولكن
مع ذلك، يخطئ من يعتقد أن تنفيذ الإضراب الذي تبين عدم شعبيته، فرصة
للقضاء على قيادة الاتحاد الحالية وإظهارها في صورة يغلب عليها التخبط
والعجز. فالبلاد ستخسر المليارات وهي في أشد الحاجة إليها لدفع عجلة
التنمية. ثم إن صورتها بالخارج ستتضرر بشكل يصعب معه الإصلاح.
ربما
أخطأ من ذهب إلى مقر الاتحاد للاحتجاج يوم إحياء ذكرى حشاد ولكن أن يستغل
البعض هذه الحادثة التي أصبحت من اختصاص القضاء لتصفية حسابات سياسية فهذا
هو العماء السياسي والأخلاقي بامتياز.
فعلى الجميع البحث عن المشترك
للخروج من الأزمة الحالية وتجنيب البلاد مصاعب نحن في غنى عنها. وعلى
الجهات المعنية المسارعة إلى كشف حقيقة ما حصل بساحة محمد على ومعاقبة كل
من استعمل العنف. فعلى كل الأطراف تحكيم لغة الحوار وتحمل المسؤولية من أجل
تفويت الفرصة على المتربصين بالثورة وأهدافها ولا سيما بعض الأطراف
الإعلامية التي خدمت مشروع الفساد والإفساد خلال نصف قرن وحذار ثم حذار من
غضب الشعب وعلى الجميع أن يعي ذلك.
تونس في 11/12/2012
No comments:
Post a Comment