معركة
لم تبدا بعد
د.
حياة الحويك عطية
معركة
حلب لم تبدا بعد . هذا ما يؤكده العارفون وخاصة الصحافيون القلة الذين دخلوا الى
المدينة . مع لفت النظر الى ان الاعلام لا
يحضر هناك الا حضورا محدودا فقط : المنار ، الميادين والعالم ، دخلوا من مطار حلب
، والعربية والجزيرة دخلوا من تركيا مع المعارضة المسلحة ، وليس لاي من هذه الفرق
عبور الى مناطق الطرف الاخر ، مما يذكرنا بالتقاسم بين من رافق تحالف الشمال ومن
كان في كابول ، ايام افغنستان ، او من دخل مع القوات الاميركية من الكويت ومن دخل من
بغداد ايام الحرب على العراق. ولسنا لنسوق هذ المقارنة من باب التهويل ، بل هي
اوجه الشبه قائمة ، لاننا خرجنا في سوريا من
مسالة حرب داخلية سواء اسميناها ثورة او حربا اهلية ، ووصلنا في حلب الى حرب
خارجية بكل معنى الكلمة ، مهما ارتدت من اقنعة .
العائدون
من هناك يؤكدون ان نسبة المقاتلين السوريين في حلب لا تتجاوز 20 بالمئة من
المقاتلين ، اما خطوط الامداد ، بشريا ولوجستيا فهي مفتوحة مئة بالمئة على الجبهة
التركية وتوزيع المقاتلين على مختلف الجنسيات وصلت حد مالي ، حيث عثر على عدة
ماليين بين القتلى والمعتقلين . غير ان الادارة الحقيقية لكل هؤلاء ، بما فيهم
الجيش السوري المسمى حرا تحصل من تركيا ،
كما اكدته شبكة الاتصالات المتطورة التي
تمكن الجيش السوري من وضع اليد ليها، وكانت مهمتها مزدوجة : ايصال التعليمات
والتوجيهات الى المقاتلين والتنصت على تحركات الجيش السوري.
واذ
توصلنا تطورات حلب الى اعتراف قيادات
المسلحين بان القتال لم يعد ذا طابع طائفي مذهبي ، وانه موجه ضد كل من والى النظام
، فان ذلك لا يعدو عملية خلع الاقنعة، وكشف الوجوه فيما يؤكد حمأة المعركة
الاخيرة. ذاك ان الامر لم يكن يوما، في
عمقه ولدى من خطط له ، مواجهة طائفية ، وانما ارتدى قناع المذهبية خلال المرحلة
الاولى لشحن المقاتلين الجهاديين والعامة الذين يؤخذون عادة بهذه الحساسيات،
وتقديم مادة للاعلام العربي والدولي. مما يذكرنا بحال لبنان عام 2005، وحال العراق
بعد الاحتلال . حيث كان كل من طرفي النزاع مؤلفا من كل الطوائف والمذاهب ، ورغم ذلك
ظل الاصرار على الطرق على البعد المذهبي قائما لترسيخه وتسويقه.
في
حلب جاءت عملية اعدام اسرة بري ، بالاسلوب المهين الذي رايناه،لتذكرنا بما كا يحصل
في بدايات الحرب الاهلية اللبنانية ، ويهدف الى امرين : الاول تأكيد هذا الكشف ، والثاني دفع الناس الى هجر
احياء معينة لتحقيق الفرز او التفريغ
السكاني، قبل المواجهة العسكرية . ذاك ان الاسرة ليست علوية كما اشيع فور
الحادث ، وانما هي تنتمي الى عشيرة سنية – علوية – مسيحية ، بزعامة سنية ،
والوجهاء الذين تم اعدامهم من السنة . لكنهم جميعا موالين للحكم في دمشق. ولا يغير
في الامر شيئا استنكار بعض قيادات المسلحين للحادث ، لانه يقع اما في دائرة توزيع
الادوار واما في دائرة فلتان وتعددية القيادة.
المهم
ان المواجهة قادمة، ومرعبة ... مرعبة في دمويتها ، مرعبة في الثمن الذي ستدفعه
سوريا ، ومرعبة فيما ستفرضه قاعدة عسكرية بسيطة ، هي ان اشتداد الضغط على جبهة
معينة ، يدفع الى فتح جبهات اخرى تخفف
الضغط، عبر اشغال عسكري واشغال سياسي ، وذاك ما لم يكن مطلب المناطق العازلة الا تحضيرا
له . ولعل شمالي لبنان ، بما بات يحتضنه
من مخيمات عسكرية مجهزة، حتى بمستشفى، سيكون المنطلق الاول . في حين ان بداية
التحرش بالمخيمات الفلسطينية في دمشق قد
يكون موجها لاحراج الاردن ، كتهديد بالترحيل لابتزاز تدخل ما ، او السماح بشيء ما
. لذلك فان من يفهم هذه المعادلة جيدا يفهم ان اتهام السلطة لاحمد جبريل وللنظام
السوري بذلك التحرش هو جاهل او متجاهل،
لان المصلحة في هذا التحرش ، والقدرة على الاستفزاز لاستدعائه تقع في مكان اخر ،
مكان لا تخفيه تصريحات الاستنكار الرسمية التي تشبه استنكار قيادة المسلحين لمجزرة
ال بري .
شبكة
رعب ترسمها الاحداث الجارية ويرسمها تصور المستقبل القادم، وترسمها الخريطة
الجغرافية التي لم تنفك تقول لنا ان وحدة سوريا الطبيعية قدر ينذرها لمصير واحد .
مصير تقرر سوداويا تشريحيا مع نهاية الحرب العالمية الاولى ، لان النظام العالمي
الجديد يومها لم يكن ليقوم بدون سايكس بيكو وافرازاتها ، وبدون التامر
المستمر على اي توجه لمراجعتها وها نحن اليوم امام سايكس بيكو جديدة يدور حولها
مصيرنا ومصير العالم ، بثمن دمنا وخراب بلادنا .
No comments:
Post a Comment