Search This Blog

Wednesday, June 03, 2009

Tunisie: Mohammed Lamari répond à un .......

للردود حـــــــــدود
بسم الله الرحمان الرحيم
باريس في15 ماي 2009 21 جمادى الاولى 1430هـ
الأستاذ الشيخ محمد الهادي الزمزمي السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و بعد،
لقد شدّ انتباهي ردّك (1)على الشيخ سلمان العودة وما تضمنه من نقاط جديرة بالنّقاش كل واحدة على حدة.
أخي الكريم، رغم أنّ الشيخ سلمان العودة في مقاله الذي نشر على صفحات النات، لم يحدّد الجهة التي تحدّث عنها و لم يتعرض لذكر تونس تصريحا، فإنّ الرّدود كانت سريعة وقاسية منها ما تجاوز حدود الأدب والأخلاق من بعض الذين يتسترون تحت أسماء مستعارة، وهو شيء مشين و غير مقبول أخلاقا و رجولة.
ورغم أنكّ وكذلك الأخ الهادي بريك قد احترمتما الشكل وآداب الحوار مع فضيلته في ردكما عليه، فأنّكما اشتركتما للأسف مع الآخرين في صبّ غضبكم على الرجل لا لشيء سوى انه قال كلاما في تونس والسلطة ربما لا يرضيكما أو بالأحرى لا يرضي جهات أخرى. أنا شخصيا قرأت المقال مرّات و لم أجد فيه ما يستدعي هذا التململ و كل هذا الضجر و الضجّة. بل أرى في ما قاله الشيخ سلمان حفظه الله هو
عين الصواب. فهي شهادة رجل لا يُشك في علمه ولا عقله ولا عُرف عليه كذبا أو نفاقا أو دناءة أو رعونة في المواقف.
توطئة: قبل الخوض في الشأن الحالي لبلادنا، أود القيام بإطلالة سريعة على وضع الإسلام ما قبل الاستقلال وبعده في تونس. فإذا ما
تمعنّا في التاريخ بعين بصيرة وسليمة: فإننا نجد ـ بكل موضوعيّةـ تونس إبان الحكم الباياتي لم تكن أحسن حالا في ما يخص التديّن والالتزام بالسلوك الإسلامي من حكم دولة الاستقلال. فلا يمكن لعاقل منصف لنفسه والتاريخ أن يدعي أن وضع التديّن في المجتمع التونسي كان على أحسن ما يُرام، رغم وجود المؤسسة الزيتونية مثلما يتغنى بها اليوم من عايشها ومن لم يُعايشها.. فالمجتمع التونسي قبل الاستقلال كان يغلب عليه الأمية والجهل والتشبث بالعادات والتقاليد التي يتنافى كثير منها مع السلوك الإسلامي، بل حتى مع جوهر ديننا: كالاعتقاد في الخرافات التي تؤدّي إلى الشرك، و ظلم و احتقار المرأة سواء كانت زوجة أو بنتا أو أختا. لقد كانت تُعامل معاملة دونية فتحرم من الميراث ولا تزال أحيانا، وتطلّق في أغلب الحالات بطرق مهينة للكرامة الإنسانية، وتمنع من الدراسة حتى في الكتاتيب، يستوي في هذا السلوك الجاهلي للأسف: الفرد الأمي الجاهل مع الجاهل "المتعلّم" الحافظ بل الحامل للقرآن.
أما بعد الاستقلال ـ وأنا من مواليد الاستقلال ـ ظلّ التدين والالتزام السلوك الإسلامي ضعيفا إلى غاية منتصف السبعينات داخل المجتمع التونسي. وكنا نرى الفرد يبلغ من العمر عُتيا وهو لا يُؤدي الصلاة فضلا عن تشبثه بكثير من العادات الجاهلية في حياته.... هؤلاء القوم لم يتربوا في عهد بورقيبة، بل هم امتداد للعهد السابق، قد ورثهم بورقيبة تماما مثل ما ورث بقية مؤسسات الدولة. فلرُبّما من المفارقات العجيبة، هي أن نجد السواد الأعظم من الصحوة الإسلامية في سنوات السبعينات من القرن الماضي و ما تلاها، هم من الشباب الذين تعلّموا في مدارس الاستقلال و استفادوا من مجانية وإجبارية التعليم. فرغم أن مادة التربية الإسلامية في التدريس كانت ضعيفة مقارنة لمواد اللّغة والرّياضيات، ولكنها لم تكن منعدمة أو هزيلة المحتوى. و حتى لا يقال أنها مؤامرة ضدّ الدين فقط،، فقد كانت مادة التربية الإسلامية شأنها شأن مادة التربية الوطنية كذلك والتاريخ والجغرافيا سواء في الحصص أو في الضارب (سلم قيمة العدد). و كان الإطار التربوي جازاهم الله عنا كل خير يحثوننا وقتئذ على التدين والالتزام به أخلاقا وسلوكا. هؤلاء الشباب، هم الذين كانوا عماد الحركة الإسلامية في تونس في مرحلة الثمانينات و ما تلاها، و هم الذين كانوا باستمرار وقود النضالات في المدارس و الجامعات والمساجد وبقية مؤسسات المجتمع، وهم الذين ساهموا في تغيير كثير من العادات والتقاليد البالية داخل أسرهم و في أحيائهم وقراهم ومدنهم، ونشر التدين والالتزام به بتوفيق من الله جلّ وعلا. ولكن كذلك، هم الذين أصبحوا فيما بعد بُعبُعا لدى الخصوم من كل التوجهات والجهات، وهدفا لسهامهم عندما دخلت الحركة بهم حلبة العمل السياسي والمغالبة السياسية، ولعبة لي الذراع مع السلطة، دون مراعاة سلبيات أو كوارث هذا الخيار وانعكاساته على الدّعوة خاصة والتدين عموما داخل المجتمع.
أخي الفاضل: ربما كان الهدف من هذه المقدمة هو دعوة أنفسنا الكفّ عن البكاء على الأطلال، حتى لا يُخيّل إلينا أنه لو لم تكن دولة الاستقلال ونظامها السابق والحالي لكنا وكان الإسلام والتدين في أحسن حال... كفى مغالطة لأنفسنا ولغيرنا وللتاريخ، كفى مبالغة في التصوير المهين والمشين للبلاد وتاريخها، إلى من لا يعرف تونس و خاصة أهل المشرق العربي... الأمر الذي بلغ بأحد الجهلة (2) أن تسوّل له نفسه الإمارة، الحديث بكل سفاهة عن الوضع في تونس، وهو الذي لم تطأ قدماه أرضها يوما! باتهام التونسيين في دينهم. حيث خطّ بكفّه أو ما شابهه و (( سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)) [أن التوانسة ليس لهم نصيب من الإسلام إلا قول الشهادة... و أن قبلتهم نساءهم والمهرجانات ولعب الكرة...] هراء وافتراء قد أعانه عليه قوم ينسبون أنفسهم إلى تونس مع الأسف، قلوبهم معها وألسنتهم عليها (( ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا )) كفى من مقولة "لقد شردنا و حوربنا لأننا قلنا ربّنا الله" إن صدقت هذه المقولة، فما عسانا أن نقول في حوالي 8 ملايين تونسي يقولون "ربّنا الله" (يعيشون في تونس ولم يحاكموا أو يشردوا) وهم ملتزمون بدينهم خلقا وسلوكا يفوق التزام كثير ممن ينتسبون إلى الحركة الإسلامية.
أخي الحبيب، نحن شردنا و حوربنا على كلّ الأصعدة لأن بعض المغامرين من الحركة أرادوا أن يُفهموا النظام الحاكم في تونس سنة 1991 أن البلاد لا تتسع لأثنين. واختارت القيادة آنذاك المغالبة والمواجهة (...) فكانت النتيجة سريعة ومذهلة للجميع: هو الواقع الذي تعيشه حركة النهضة والبلاد منذ عقدين من السنين وهما في الحقيقة للمتأمل، واقعان مختلفان في الشكل و المضمون. كفى ترويجا لرواية الإسلام المضروب والغائب والمحارب في تونس بسبب ضرب وغياب الحركة الإسلامية. وكأن لسان حالنا يقول لأهل المشرق خاصة أن تونس اليوم في أمسّ الحاجة من أي وقت مضى إلى بعثة جديدة "للعبادلة" و" فتح جديد"... لأنّ "كاهنة" هذا الزمان فعلت فعلتها في الإسلام فغاب، ومُسخ الشعب، وهلك الزرع والضرع. فلا مناصّ إذا، من تكوين "جمعيات عالمية لنصرة الإسلام الجريح" في تونس. ألا ترى معي أن مثل هكذا تصرّفات هي في حدّ ذاتها مهانة عظيمة للتونسيين عامّة وللحركة الإسلامية خاصّة؟ ألا يُستنتج من ذلك دليل قاطع على فشل هذه الحركة في فهمها للواقع و عدم القدرة على التأثير فيه؟ هب أن الأمر في بلادنا اليوم كما صوّرته أنت في ردك على الشيخ سلمان العودة: كارثي و لا يوجد إلا السواد ـ رغم أني لا أوافقك على ذلك ـ فما هو دورنا السابق والحاضر واللاحق في تغيير هذا الواقع؟
ما مدى مسؤولية الحركة الإسلامية (النهضة حاليا) في ما حدث وما يحدث في بلادنا؟
هل يكون نصيبنا البكاء والعويل على صفحات النت أو على بعض الفضائيات، ثم إلقاء المسؤولية على الخصم وتبرئة أنفسنا والظهور بمظهر الضحيّة؟ ما فائدة لعنك للظلام مليون مرّة في اليوم إذا لم تعمل على إشعال شمعة وإحداث بصيص من النور كي تتقدّم! ثم بين هذا ذاك، هل بلغ الوضع في تونس من القتامة ما بلغته تركيا مثلا، إبان حكم كمال أتاتورك وأحفاده الذي قضوا على كل مظاهر الإسلام. أليس الحجاب ممنوعا في تركيا ولا يزال؟ ألا توجد مظاهر الميوعة والأعمال المنافية للسلوك الإسلامي؟ ألا توجد ملاهي وخمّارات ومراقص ليلية هناك؟ ألم يُحول الجامع الأعظم في اسطنبول إلى متحف ولا يزال؟ أليس لتركيا علاقات فوق العادة مع الكيان الصهيوني وتعاون عسكري وامني؟ ومع هذا كله لم نسمع بأحد من الأتراك يصيح و يُشهّر ببلده ويطلب من العالم "نصرة الإسلام في تركيا".. ولكنهم وطنوا أنفسهم مواطن الخير وصبروا.. وصابروا.. ورابطوا، ثم تصرفوا بالحكمة والواقعيّة في سبيل تفويت الفرص على خصومهم وتجنيب أنفسهم و بلادهم العواصف الطاحنة. ليس المقصود بالمثال التركي في الشأن التونسي تبرئة لأحد أو قبولا للتجاوزات اللاقانونيّة مهما كانت، أو إعفاء للدولة من مسؤولياتها في المحافظة على كيان المجتمع وحمايته من كل المظاهر والظواهر الغريبة سواء كانت غلوا في الدين أو ميوعة في السلوك. فلا أحد يمكن أن يتجاهل حالات التسيّب والمظاهر المخلة بالسلوك الإسلامي والأخلاق، خاصة في ميدان الإعلام و الثقافة. كما لا أحد ينكر على غيره استنكار هذه المظاهر والظواهر الشاذة في المجتمع، حتى لا يُفهم من كلامي عكس ذلك، ولكن يكون استنكارا بحكمة، يتزامن مع دعوة بحكمة وصبر على الإصلاح، لأن هذه التجاوزات والمظاهر لم تختف يوما سواء قبل نشوء الحركة الإسلامية بتونس أو بعده، في حضورها أو في غيابها. وهي التي لم يسلم منها مجتمع عربي أو إسلامي و لو يتفاوت. لعلّك ذهلت مثلي ومثل كثير من الناس، عندما طالعتنا وسائل الأخبار بأن مصر أعدمت مئات الآلاف من الخنازير التي كانت تُربّى على أرضها ، أرض الأزهر والعلماء!! هذا إذا كان مجرد وجود المؤسسات الإسلامية كجامع الأزهر مثلا يمنع السلوك المنافي للدين والأخلاق أو التطبيع مع مغتصب الأرض و المقدسات.. ألا تعلم أن من استند إليهم بورقيبة في التأويل والمساعدة في صياغة مجلة الأحوال الشخصية، هم من مشايخ الزيتونة و أسماءهم لا تزال مدونة للتاريخ في هذا الموضوع. "خطّة تجفيف منابع التّطرّف": "خطّة تجفيف منابع التّطرّف": هذا هو الاسم الأصلي لهذه الخطّة "اللقيطة" وغير الممضاة. و لا أحد يمكنه أن يجزم بأنها خطة السلطة أو خطة الحزب الحاكم برمته؟ أم هي من إنتاج مجموعة من لجان تفكيره النافذة، بل هناك من ذهب بعيدا واعتبرها مفتعلة من بعض المغامرين داخل التنظيم لتبرير تنزيل خطة فرض الحريّات لسنة 1991(3)...ليس هذا هو المهمّ... فالخطّة وجدت و كشفت. وأنت قد دوّنتها في كتابك "الإسلام الجريح". غير أن الملفت للنظر في هذا الصدد أن الحركة الإسلامية ما فتئت تروج لهذه " الخطة" تارة باسم تجفيف منابع التديّن و تارة " تجفيف منابع الدين" و أخرى " تجفيف منابع الإسلام". في حين أن القارئ لهذه "الورقة" قراءة قانونية ـ و أنت رجل قانون ـ لا يجد فيها ما يفيد أنها خطة موجهة لمحاربة الإسلام أو التدين حصرا، بل ما يُفهم منها ظاهريا على الأقل أنها خطة حزب أو خصم سياسي إيديولوجي نافذ، في مواجهة حركة وخصم سياسي يزاحمه في شعبيته و"يهدد" بقاءه في الحكم... اللهم إذا كان البعض يعتبر ـ لا قدّر الله ـ أن الحركة الإسلامية بتونس هي الإسلام، و أن مغالبتها هو اعتداء و حرب شاملة على الدين!!! ألا تعتبر هذا يا شيخ ـ و أنت رجل فقه وقانون ـ تلبيسا على الناس والذين في معظمهم سمعوا بهذه "الخطة" ولم يطّلعوا عليها بما في ذلك كثير أبناء الحركة الإسلامية. ماذا سيكون موقفكم عندما يكتشف الناس أن هذه الخطة "خطّة تجفيف منابع التّطرّف": مغايرة تماما لما رُوّج له طيلة عقدين من الزمن؟ هل بإمكانك وأنت محامي أن تشرحها لنا مرّة أخرى و تتوقف على النقاط التي تتحدّث عن تجفيف منابع الإسلام أو التّديّن شرحا وتبيانا؟ كم أودّ و الله أن نرى هذا قريبا. الشيخ محمد الهادي الزمزمي، لقد كان ردّك على فضيلة الشيخ سلمان العودة قاسيا متجاوزا لكل الحدود من حيث المضمون لا الشكل. فقد نعته بنعوت لا تليق بمقامه باعتمادك أسلوب التلميح في العنوان والتصريح في المضمون. و إليك ما يلي: الجهل: "... تلك الشّهادات التي أدليت بها والأحكام التي أصدرتها جزافا بلا هدى ولا كتاب منير..." ـ الغدر: "...فاجأتنا بداهية!! رمانا بها مقالك، فكان طعنة نجلاء في صدورنا، لم يكن يدور بخلدنا أن نصاب بها من جانبك!..." ـ الغباء: " ...ونحن نرتاب في أن تكون شهاداتك وأحكامك المدرَجة في مقالك هي من بنات أفكارك، ومن نتائج محض استقرائك..." ـ الدنيّة في الدين ".. . أم هي المجاملة لقاء ما وجدت من القوم من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، أم أنّ ما زوروّه لك من زخرف القول غرورا، غطّى على جريمتهم وأقنعك بثبوت براءتهم؟!..." ـ الخذلان: " ولم تقف يا شيخ عند حدّ السّكوت على المظالم، بل زدت على ذلك، فبرّأت هؤلاء الحكّامَ الجناةَ من جنايتهم واتّهمت الحركات الإسلامية بأنّ ما جرى عليها من ظلم واضطهاد، إنّما جلبتْه هي على نفسها..." ـ اللائكيّة: "...وإذا كنتَ يا شيخ تخطّئ الحركات الإسلامية فيما جرى عليها من البلاء والمحنة بسبب اشتغالها بالسياسة! فهل نفهم من كلامك هذا أنّك أصبحت من دعاة الفصل بين الدّين والدّولة، والتّفريق بين الشريعة والسّياسة!!؟..." هل ترى هذا الكلام يليق بالمرسل أو المرسل إليه؟ ألا ترى أن ردا بهذا الشكل التشنجي على عالم مثل الشيخ سلمان العودة، هو نوع من التوبيخ حتى و لو غُلّف بوشاح الأدب والوقار؟ ألم يقل المثل "النصيحة على الملإ فضيحة"؟؟رحم الله الأمام الشافعي حين قال: تعمدني بنصحك في انفرادي ... وجنبني النصيحة في الجماعه فان النصح بين الناس نـوع ... من التوبيخ لا ارض استماعه وان خالفتني وعصيت قولي ... فلا تجزع إذا لم تعط طاعـه هل تعتقد أن الشيخ سلمان العودة حفظه الله، هو من الغباوة و الغفلة بمكان أن يزور تونس ثم لم يغادر الشقة المعدّة له و لم ير أرضا ولا بشرا، ثم بعد ذلك ليخرج ويشهد أمام العالم بما لم ير و لم يسمع؟ و يتكلّم بدون "هدى و كتاب منير"؟ لماذا هذا التحامل على كل من تسول له نفسه زيارة تونس والحديث عنها بما قد لا يرضي تنظيم حركة النهضة. لماذا تطلبون من غيركم أن يتحدّثوا بألسنتكم ويسمعون بآذانكم و يبصرون بأعينكم.؟ وإلا، فهم سُذج ومغفّلون، قد ضُحك على أذقانهم!! أو متواطئون قد استمالهم النظام بزخرف الدنيا!! لا بل تتمنى لهؤلاء لو لم يُلبّوا الدعوة لزيارة تونس أصلا. لماذا؟ لا أحد يمكنه أن يتخيل الجواب الشافي والكافي لذلك، إلا ربما الخشية من اكتشااف هؤلاء الزوار لحجم الفرق بين الحديث المنقول عن الواقع المجهول. أو ربما يُراد منهم أن يكونوا شهودا للحركة حصرا، لكسب جولة سياسيّة ضد السلطة القائمة في إطار المغالبة؟...إذا كانت تخميناتي خاطئة يا أستاذي العزيز، وفي غير موضعها، فقل لي بربك كم من عالم أقنعت لزيارة تونس منذ استقر بك المقام في المهجر؟؟ فعوض حث علماء الأمة على الذهاب إلى تونس والحديث مع السلطات وإصلاح ما يمكن إصلاحه بالحسنى والجدال الحسن، نجد البعض يتخندق بتقاطعه مع بعض من اليسار المعادي للهوية، في محاولة منعهم من الاقتراب من تونس. ولكل طرف حاجة في نفسه..فيا حسرة على العباد!!!! أليس حضور هؤلاء الشيوخ هو في حدّ ذاته طمأنة للحاكم والمحكوم ولن يتولد عنه إلا الخير للبلاد والعباد بحول الله؟ فالواضح يا أستاذي، أن الشيخ سلمان العودة، ومن خلال مقاله قد لبى دعوة زيارة بلدنا الحبيب كعالم وداعية وليس كسياسي، وتحدث كمحايد في شؤون البلاد وليس كطرف فيها، وجاء مصلحا ناصحا وليس مغالبا مشهرا. فمن صفات الداعية المخلص في دعوته اخذه بأسباب النجاح التي منها: إذا رأى حسنة عدها و إذا رأى سيئة سدها و إذا مُدت إليه يد بالخير مدّها و إذا مدّت يد إليه بالباطل ردّها. مسائل تغافلها الشيخ الزمزمي: من المفارقات العجيبة أن نتحدث عن تونس من ديار الغربة في الغرب، و يُروج البعض على أنها "دولة علمانية" تحارب الله ورسوله. ثم نجد جُل الذين خرجوا منها منذ حوالي عقدين أو أكثر من السنين، على أساس أنهم أصحاب قضية أو هكذا كنا نحسب: قد أصبحوا من دعاة التنظير للاستقرار بالغرب والقطع شبه النهائي مع تونس، بتسابقهم اليوم في التجنيس في الغرب، بل يهنئ بعضهم البعض على "وطنه" الجديد و"وطن" أبنائه من بعده .. و يكون قد رضي بذلك لنفسه ولأبنائه وأحفاده إلى يوم الدين بتطبيق الأحوال الشخصية المتعارضة والمحاربة لقوانين الشريعة الإسلامية شكلا وجوهرا.. هذا بعد ما كان "فارّا بدينه" من بلده "العلماني المحارب للإسلام" والذي "يمور اليوم بكبائر الإثم والفواحش والفظائع ما لا قبل لأحد بإحصائه وحصره... " مثلما شهدت و استشهدت به أنت في مقالك... لم نقرأ موقفا للشيخ الزمزمي من بيان 8 مارس2007 الداعي للمساواة بين الجنسين في الإرث الذي وقعه بعض القيادات المؤسسين لحركة النهضة مع مجموعة ما يُسمى هيئة 18 أكتوبر. ((التنصيص على مبدأ المساواة بين الجنسين بصفة صريحة في الدستور وفي مختلف القوانين التونسية وتخليصها من كل لبس وتنقيح أو إلغاء كل القوانين التي تتضمّن أيّ شكل من أشكال التمييز ضد المرأة بما يحقق مساواتها الكاملة مع الرجل..)).. (4) عمل لم يقدر عليه حتى بورقيبة نفسه طوال مدة حكمه. لم نقرأ للشيخ الزمزمي كذلك مقالا يُؤنب فيه كل من تسول له نفسه تجاوز الخلق الإسلامي، من بعض المتطفلين أو المتستّرين بالأسماء المستعارة. الذين ينهشون كل من خالفهم الرأي حتى بلغ الأمر بأحدهم حد التلويح التهديد..هؤلاء وأمام مرآكم وسمعكم يا شيخنا، لم يتركوا عرضا للمخالفين لهم إلا شوّهوه ولا سرا لهم إلا افشوه ولا عيبا إلا فضحوه ولا ريبا إلا أذاعوه ولا بيانا إلا حرفوه للتلبيس على الناس(5) بل بلغ الحد من بعض الوصوليين أن رمى بكل سفاهة بعض من رجعوا للوطن ب"القوادة" هكذا نطقها وحبّرها بكفه بكل وقاحة (6). والمؤسف أكثر، أن الجميع يعلم معنى هذه الكلمة الخبيثة خارج حدود تونس و خاصة عند المشرقيين.. ومع هذا كله لم نر الشيخ الزمزمي ولا غيره يغضب غضبة في الله حماية للخلق الإسلامي و ردا للأذى وإنكارا للمنكر. ولكن رأينا وقرانا للشيخ الزمزمي الردود النارية في حلقات لكل من تحدث بايجابية أو ذكر حسنات ما علم وما شاهد عند رجوعه إلى ارض الوطن بعد غياب طويل.. إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. أرجو من الله يا شيخ الهادي أن لا يؤاخذنا الله بهذا الحديث لما ورد في الفقرة التالية و التي دوّنتها بكفك. لا من حيث صحة ما ورد فيها من عدمه، و لكن من حيث الأسلوب التشهيري و تبرئة نفسك ـ و أنت العالم الفقيه ـ من العمل على إصلاح ما ذكرت وجنوحك إلى الطريق الأقل تكاليف، فمن السهل على الفرد ان يغرد من وراء الحدود و لسان حاله يقول "إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ". ولكن من الصعب عليه أن "يدخل عليهم الباب" على خلفية الإصلاح و ليس المغالبة و لي الذراع. و هذه الفقرة كما وردت في ردك على الشيخ سلمان العودة: "إن المجتمع التونسي يمور اليوم بكبائر الإثم والفواحش والفظائع ما لا قبل لأحد بإحصائه وحصره؛ فالمظالم وانتهاك الحرمات واضطهاد المحجّبات، مستمرّ على قدم وساق، مع اختلاف حدّته بين جهة وأخرى، والمحاكمات الصورية متواصلة دون توقّف، والسّجون تعجّ بالأبرياء وهي مع ما يُحشر فيها كلّ يوم من الشباب بالعشرات بل المئات - تقول هل من مزيد! وقتل زهاء مائة من رجال الحركة الإسلامية27 في تونس، غِيلةً أو بالتعذيب أو بحرمانهم من حقّ التداوي والعلاج حتى أدركهم الموت، واحدا بعد آخر، جريمة مستمرّة. والمُصحف الشريف لا يزال يُدنَّس باستمرار في السّجون28 التونسية، والجُناة في حصانة من أيّ مؤاخذة، وجرائم الاعتداء على النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ذات الله العلية بالسبّ والشتم والإقذاع، تسري في تونس على كل لسان29 إلا من عصم الله. وفي شبكة الانترنت صفحات خاصّة ب""الفيس بوك" مخصّصة لسبّ الله تعالى ورسوله ودينه وانتهاك حرمة المقدّسات الإسلامية، وما على الجناة من سبيل حتى بالعتاب فضلا عن العقاب! وشرع الله تعالى معطّل بل مستنكَر، وبيوت الله موصدة عدا أوقات الصّلاة، فيما ترى الحانات والمواخير وبيوت الدّعارة في جميع الأماكن والمحافظات مشرَعَةَ الأبواب، على مدار الليل والنهار، حتى جاوز عدد المواليد الأنغال العشرة آلاف نغل!! وأصبح العثور عليهم في حاويات القمامة كأفراخ القطط والكلاب أمرا مألوفا! وتذكر الأحصاءات أن عدد الزانيات - المصطلح عليهن بالأمّهات العازبات - يبلغ 1060 أمّاً عزباء، كلّ سنة30. وهو في ارتفاع مطّرد، الأمر الذي حدا بوزارة الصّحة العمومية إلى اعتماد طريقة الإجهاض الدوائي، وقال الدّيوان الوطني للأسرة والعمران البشري " إنّ عمليات الإجهاض الدّوائي تطبّق حاليا في مصحّات الديوان لتخليص الحوامل العازبات، وخاصّة من فئة المراهقات من الحمل غير المرغوب فيه خارج إطار الزواج "31. وقد تففكت الأواصر الأسرية وروابط الأرحام العائلية بسبب استشراء ظاهرة الطلاق، وهو ما وضع تونس في المرتبة الرّابعة عالميا من حيث ارتفاع نسبة الطلاق32. وأمّا عن استشراء جرائم القتل والاغتصاب والخيانة الزوجية والترويع وقطع الطريق وإخافة السّبيل، والسّلب والنهب، فأمر مروّع حقّا يؤذن بكارثة في المجتمع التونسي، لا تبقي ولا تذر...." انتهى النقل ألا بربك يا شيخ: ألا ترى أن مثل هذا الكلام المتشنج لن يمحو فسادا و لن يحل مشكلة ولن يقدم قيد أنملة نحو الإصلاح؟ ألا ترى أن مثل هذا الوصف الغير لائق للمجتمع التونسي هو في حد ذاته مهانة لكل التونسيين؟ الذين صوّرتهم للعالم وحوشا لا خير فيهم ولا حياء لهم ولا رجولة ولا همّة ولا دينا ولا عهدا ولا خلقا كريما، يستوي في ذلك برهم و فاجرهم. بل ربما يذهب الظن بأن لا يوجد برا أصلا في المجتمع التونسي، لغياب ذكر ما يدلّ على ذلك في مقالك. ماذا تودّ أبلاغه للشيخ العودة وغيره من العلماء في المشرق من خلال هذه الفقرة التي تقطر فجورا؟ هل هي دعوتهم لزيارة تونس؟ أو ربما دعوتهم للاجتماع في الحرم ثم الدعاء بدعوة رجل واحد على تونس التي " ..تمور اليوم بكبائر الإثم والفواحش والفظائع " حتى يخسف الله بها الأرض فتكون بذلك عبرة لغيرها، وقصة تُروى على مدى التاريخ إلى يوم الدين. ألم تُفكر بجديّة في أن مثل هذا الكلام الخطير وطريقة إخراجك له للعالم، ربما يستهوي بعض التكفيريين من القاعدة وغيرها ويتخذه بذلك حجة لإعلان "الجهاد المقدس" على تونس بلد" الموبقات" حسب ما فصّلت أنت في هذه الفقرة الفضيحة، بل ربما يُصبح كل تونسي داخل تونس أو خارجها مستهدفا و مهدورا دمه باعتباره فاجرا. فوالله لم يُؤلمني شيء أكثر من هذه الفقرة التي تذكرنا بصفحة صدى المحاكم في الصحف الصفراء... إنه العار ما بعده عار يا شيخ أن يبلغ بك التشاؤم والإحباط إلى عرض بلدك للعالم في صورة قمامة ومجتمع فسق وفجور، دون أدنى مراعاة لمشاعرنا وكرامتنا وسمعتنا بين الناس، وسمعة البلاد التي هي من سمعة أبنائها. ولا حول ولا قوّة إلا بالله.. اتق الله شيخنا، فلعللك تكون مسؤولا أمام الله على أي تأويل لحديثك قد ينجرّ عنه أيّ مكروه للبلاد والعباد. أتق الله في وطنك ونفسك ولا تحملها ما لا تستطيع. واحرص على دقة حديثك. ((إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً )) هذه بعض الخواطر أردت أن أسوقها لك بكل إخلاص أريد بها وجه الله، ونصحك فيه قصد الإصلاح، فإن وجدت فيها ما يصلح فاستعن بها على نفسك والشيطان، وان كان غير ذلك فأنت حر في أمرك. غير إني اشهد الله إني بلّغت في كلا الحالتين لأخ حبيب... ومعذرة إن كنت أسأت من حيث لم أقصد، فإني لا أبرء نفسي من نقيصة الغضب والانفعال ولكني أعول على صبرك وسعة صدرك. أسأل الله لي و لك العفو والعافية والهداية وحسن الخاتمة. قال تعالى: (( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ)).
محمد العماري ـ باريس
عضو سابق بحركة النهضة بتونس
mohammedlamari@yahoo.fr (1) تونس نيوز 04.05.2009 (2) مقال : عن تونس وشعبها ومتعة ما بعد الاستقلال http://www.alhiwar.net/pages/index.php?pagess=sec&id=16931 (3 ) يقول أصحاب هذا الرأي أن الخطة المذكورة كانت موجودة عند التنظيم منذ شهر مارس 1990 ولكن لم يعلم بها أبناء الحركة إلا عبر جريدة الشعب لسان الاتحاد العام التونسي للشغل عندما نشرت مقاطع منها في أواخر شهر جويلية 1990. (4) إعلان هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات:حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين http://www.tunisnews.net/7mars07a.htm (5) أصدر مجموعة من الإخوة في المهجر بيانا يخص مأساة المساجين و المغتربين سنة 2007.2006.2005 و في كل مرة يقع الاعتداء على البيانات بعد نشرها سواء في المحتوى أو في الإمضاءات قصد التلبيس على الناس و بث البلبلة. (6)مقال: الحروف واضحة والنقاط كذلك. http://www.tunisnews.net/4juini07a.htm

No comments: