تونس ما بعد الثورة
الجيش قوّة الدّولة و عظمتها و رمز استقلالها و سيادتها
*بقلم : محسن الكعبي
20مارس 1956 يوم تاريخي هام في حياة و تاريخ تونس الحديثة حين حصلت على استقلالها و سيادتها ، و بدأت البلاد بعده عهدا و
عمرا جديدين ، و استطاع هذا البلد أن ينشأ نفسه بنفسه وأن ينهض بسواعد أبنائه و رجالاته المخلصين.و بعد ثلاثة أشهر تقريبا ، نادت الحكومة التّونسية آنذاك بجلاء القوّات الفرنسية عن التراب التونسي ، غير أن فرنسا رفضت ذلك متعلّلة بحاجتها إلى" قواعدها العسكرية التونسية" لحماية ظهر جيشها المحارب بالجزائر، و حماية المعمّرين الفرنسيين وكذلك بدعوى حضورها الاستراتيجي بالمتوسّط في إطار الدّفاع عن" العالم الحرّ".وهكذا تمّ خرق الحدود البرية و المجالات الجوية بعدة مناطق، و بدأت المواجهة المسلّحة بنسق تصاعديّا بالجنوب في ماي 1958 ، إلى أن وصلت إلى بنزرت في جويلية 1961 حيث أسفرت عن مجزرة رهيبة في صفوف التونسيين بلغت حوالي 5000 شهيد حسب المؤرخ الفرنسي جون غانياج في كتابه "تاريخ المغرب المعاصر من 1830 إلى أيامنا"،و 1000 شهيد حسب شهادة الأستاذ الباجي قائد السبسي ، المشرف على إدارة السلامة الترابية بوزارة الداخلية آنذاك،و الوزير الأول المؤقت حاليا، في النّدوة التي نظّمتها جامعة آكس أون بروفانس الفرنسية في كتاب "الحبيب بورقيبة،الأثر و الإرث"، و كان ذلك ثمن الجلاء العسكري عن التراب التونسي يوم 15 أكتوبر 1963، تبعه فيما بعد كما نعلم الجلاء الزراعي بتأميم كافة أراضي المعمّرين التي تمسح حوالي 800 ألف هكتار، و كان ذلك يوم 12 ماي 1964 .
و إذا كان دستورنا قد أعطى الحرّية الكاملة في اختيار العمل الذي يرغبه المواطن ، فانه اعتبر أن أشرف و أقدس الأعمال هو العمل العسكري باعتبار أن الدّفاع عن الوطن واجب مقدّس وأداء الخدمة العسكريّة شرف للمواطنين،لذلك فان الخدمة العسكرية واجب وطني ، و ردّ الجميل لهذا الوطن يفرضه الشعور النبيل و الغيرة لدى المواطن الصالح ، و ذلك لان الجيش هو قوّة الدّولة و عظمتها وهو رمز استقلالها و سيادتها ، و قد جعله القرآن أساس الدّولة الإسلامية و قوّة سلطانها ، و فضّل العمل فيه على كل الأعمال ، و أمرنا بالاستعداد و إعداد العدّة و الحذر دائما إذ قال الله في كتابه العزيز:' و أعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوّكم و آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم و ما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم و انتم لا تظلمون'. و قال: ' يا أيّها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتّقوا الله'. و قال : ' يا أيّها الذين آمنوا خذوا حذركم'.
كل هذه المبادئ الإسلامية تأمرنا و تحثنا على تجهيز الجيش و إعداد العدّة و الالتحاق به ، و من ذلك تعتبر الخدمة في الجيش واجبا و التزاما دينيّا و دستوريّا يقع على عاتق كل مواطن نشأ فوق تراب هذا الوطن و ربط حياته بحياة و عزة وطنه، و يقع عليه عبء دوام بنائه و رقيّه و عزّته و التّضحية من أجله بالجهد و الدّم و المال ، و الحرص على الالتحاق بالخدمة فيه سواء عن طريق الخدمة التّطوعية أو الخدمة الإلزامية، و تأديتهما بأمانة و إخلاص ، و خاصّة أن جيشنا تتوفّر لديه الكثير من المدارس و المراكز التكوينيّة و سهّل طريق العلوم العامّة و العسكرية...
ففي بناء الجيش و تطويره تكمن القوة و يستمر الاستقلال و السيادة، لان القوة في هذا الزمان هي الغالبة و هي التي ترجّح كفتها على جميع الموازين القانونية و الإنسانية، و واقع الحياة يقول لنا أن الحقّ و الحياة الحرة الكريمة للقوي، و أن الحق الذي لا تدعمه قوة يسلب و يغتصب. فلا يفيد الخضوع و الرجاء و الاسترحام و لا الاعتماد كلّيا على مبادئ حقوق الإنسان، فقد قال الشاعر في هذا الخصوص:
يا بني العرب إنّما الضّعف عار ... إي و ربي سلوا الشعوب القويّة
كم ضعيف بكى و نادى ... فراحت لبكاه تقهقه المدفعيّة
لغة النار والحديد هي الفصحى ... وحظ الضّعيف منها المنيّة
نعم لا يفيد الكسل و التكاسل و العيش بالأمل بلا عمل، و البحث وراء الأعمال السهلة أو الانصياع للتّرف ، فانّ التّرف الجسماني يضعف العمل و الإنتاج، و يعوّد الجسم على الخمول، و التّرف النفسي يسوق النّفس وراء شياطينها و شهواتها، فلا تشعر بمسؤولياتها فتظلم، والعدل نقيض الظلم،و الظلم له وجوه عديدة، فالتّجني ظلم، و انتقاص الحق ظلم، و تطويع الحق للأهواء ظلم، و التّقصير في العمل ظلم، و المحاباة على حساب الحق ظلم، و كل اعوجاج ظلم.."و عنت الوجوه للحي القيوم و قد خاب من حمل ظلما". صدق الله العظيم.
و العدل مطلوب في كلّ إنسان، و ليس في الحاكم و القاضي فحسب، انّه مطلوب في كل إنسان، مع نفسه و أهله و جيرانه و زملائه و أعدائه و عمله وخصوصا العمل.
فلينظر كل منا في حياته و أعماله، و ليبحث عن بواعث الظلم في سلوكه، ليتخلّص منها قبل فوات الأوان. وبعد أن تفنى الأجيال،والأموال،وزخارف الدّنيا،تبقى مواقف العدل الخالدة مع الخلود،لتشهد لأصحابها أمام الله عزّوجلّ. لنؤدي دورنا كمواطنين كما ينبغي لنا، و دورنا كعسكريين كما يليق بنا ، بدون تفريط في دورنا الأساسي وهو خدمة الوطن و رفعته ، خارج أسوار الثكنة أو داخلها، و الله الموفق.
---------------------------------------------------
*ضابط محال على التقاعد في عهد الرئيس المخلوع
الجيش قوّة الدّولة و عظمتها و رمز استقلالها و سيادتها
*بقلم : محسن الكعبي
20مارس 1956 يوم تاريخي هام في حياة و تاريخ تونس الحديثة حين حصلت على استقلالها و سيادتها ، و بدأت البلاد بعده عهدا و
عمرا جديدين ، و استطاع هذا البلد أن ينشأ نفسه بنفسه وأن ينهض بسواعد أبنائه و رجالاته المخلصين.و بعد ثلاثة أشهر تقريبا ، نادت الحكومة التّونسية آنذاك بجلاء القوّات الفرنسية عن التراب التونسي ، غير أن فرنسا رفضت ذلك متعلّلة بحاجتها إلى" قواعدها العسكرية التونسية" لحماية ظهر جيشها المحارب بالجزائر، و حماية المعمّرين الفرنسيين وكذلك بدعوى حضورها الاستراتيجي بالمتوسّط في إطار الدّفاع عن" العالم الحرّ".وهكذا تمّ خرق الحدود البرية و المجالات الجوية بعدة مناطق، و بدأت المواجهة المسلّحة بنسق تصاعديّا بالجنوب في ماي 1958 ، إلى أن وصلت إلى بنزرت في جويلية 1961 حيث أسفرت عن مجزرة رهيبة في صفوف التونسيين بلغت حوالي 5000 شهيد حسب المؤرخ الفرنسي جون غانياج في كتابه "تاريخ المغرب المعاصر من 1830 إلى أيامنا"،و 1000 شهيد حسب شهادة الأستاذ الباجي قائد السبسي ، المشرف على إدارة السلامة الترابية بوزارة الداخلية آنذاك،و الوزير الأول المؤقت حاليا، في النّدوة التي نظّمتها جامعة آكس أون بروفانس الفرنسية في كتاب "الحبيب بورقيبة،الأثر و الإرث"، و كان ذلك ثمن الجلاء العسكري عن التراب التونسي يوم 15 أكتوبر 1963، تبعه فيما بعد كما نعلم الجلاء الزراعي بتأميم كافة أراضي المعمّرين التي تمسح حوالي 800 ألف هكتار، و كان ذلك يوم 12 ماي 1964 .
و إذا كان دستورنا قد أعطى الحرّية الكاملة في اختيار العمل الذي يرغبه المواطن ، فانه اعتبر أن أشرف و أقدس الأعمال هو العمل العسكري باعتبار أن الدّفاع عن الوطن واجب مقدّس وأداء الخدمة العسكريّة شرف للمواطنين،لذلك فان الخدمة العسكرية واجب وطني ، و ردّ الجميل لهذا الوطن يفرضه الشعور النبيل و الغيرة لدى المواطن الصالح ، و ذلك لان الجيش هو قوّة الدّولة و عظمتها وهو رمز استقلالها و سيادتها ، و قد جعله القرآن أساس الدّولة الإسلامية و قوّة سلطانها ، و فضّل العمل فيه على كل الأعمال ، و أمرنا بالاستعداد و إعداد العدّة و الحذر دائما إذ قال الله في كتابه العزيز:' و أعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوّكم و آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم و ما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم و انتم لا تظلمون'. و قال: ' يا أيّها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتّقوا الله'. و قال : ' يا أيّها الذين آمنوا خذوا حذركم'.
كل هذه المبادئ الإسلامية تأمرنا و تحثنا على تجهيز الجيش و إعداد العدّة و الالتحاق به ، و من ذلك تعتبر الخدمة في الجيش واجبا و التزاما دينيّا و دستوريّا يقع على عاتق كل مواطن نشأ فوق تراب هذا الوطن و ربط حياته بحياة و عزة وطنه، و يقع عليه عبء دوام بنائه و رقيّه و عزّته و التّضحية من أجله بالجهد و الدّم و المال ، و الحرص على الالتحاق بالخدمة فيه سواء عن طريق الخدمة التّطوعية أو الخدمة الإلزامية، و تأديتهما بأمانة و إخلاص ، و خاصّة أن جيشنا تتوفّر لديه الكثير من المدارس و المراكز التكوينيّة و سهّل طريق العلوم العامّة و العسكرية...
ففي بناء الجيش و تطويره تكمن القوة و يستمر الاستقلال و السيادة، لان القوة في هذا الزمان هي الغالبة و هي التي ترجّح كفتها على جميع الموازين القانونية و الإنسانية، و واقع الحياة يقول لنا أن الحقّ و الحياة الحرة الكريمة للقوي، و أن الحق الذي لا تدعمه قوة يسلب و يغتصب. فلا يفيد الخضوع و الرجاء و الاسترحام و لا الاعتماد كلّيا على مبادئ حقوق الإنسان، فقد قال الشاعر في هذا الخصوص:
يا بني العرب إنّما الضّعف عار ... إي و ربي سلوا الشعوب القويّة
كم ضعيف بكى و نادى ... فراحت لبكاه تقهقه المدفعيّة
لغة النار والحديد هي الفصحى ... وحظ الضّعيف منها المنيّة
نعم لا يفيد الكسل و التكاسل و العيش بالأمل بلا عمل، و البحث وراء الأعمال السهلة أو الانصياع للتّرف ، فانّ التّرف الجسماني يضعف العمل و الإنتاج، و يعوّد الجسم على الخمول، و التّرف النفسي يسوق النّفس وراء شياطينها و شهواتها، فلا تشعر بمسؤولياتها فتظلم، والعدل نقيض الظلم،و الظلم له وجوه عديدة، فالتّجني ظلم، و انتقاص الحق ظلم، و تطويع الحق للأهواء ظلم، و التّقصير في العمل ظلم، و المحاباة على حساب الحق ظلم، و كل اعوجاج ظلم.."و عنت الوجوه للحي القيوم و قد خاب من حمل ظلما". صدق الله العظيم.
و العدل مطلوب في كلّ إنسان، و ليس في الحاكم و القاضي فحسب، انّه مطلوب في كل إنسان، مع نفسه و أهله و جيرانه و زملائه و أعدائه و عمله وخصوصا العمل.
فلينظر كل منا في حياته و أعماله، و ليبحث عن بواعث الظلم في سلوكه، ليتخلّص منها قبل فوات الأوان. وبعد أن تفنى الأجيال،والأموال،وزخارف الدّنيا،تبقى مواقف العدل الخالدة مع الخلود،لتشهد لأصحابها أمام الله عزّوجلّ. لنؤدي دورنا كمواطنين كما ينبغي لنا، و دورنا كعسكريين كما يليق بنا ، بدون تفريط في دورنا الأساسي وهو خدمة الوطن و رفعته ، خارج أسوار الثكنة أو داخلها، و الله الموفق.
---------------------------------------------------
*ضابط محال على التقاعد في عهد الرئيس المخلوع
No comments:
Post a Comment