تونس.. ما بعد الثورة
العدل أساس العمران..لم نطلب المستحيل
العدل أساس العمران..لم نطلب المستحيل
بقلم :محسن الكعبي*
لم تقم ثورة 14 جانفي المجيدة ثورة الكرامة و الحرية على رغبة الشعب التونسي فحسب ، بل بسبب أخطاء حاكمه وزمرته الفاسدة و تماديه في الخطأ ، و مغالاته في الظلم و البطش و الإقصاء و التهميش ،و الطرد و المطاردة، و افتقار نظامه إلى الرؤية الحقيقية لحاجة الشعب و الوطن..،و ظن أنه بالقوة و السطوة يستطيع أن يبقى في الحكم بسياسة الأمر الواقع..و لا يدري أن لا القهر يجدي و لا التنكيل ينفع و لا الخوف الذي صار هاجسا لدى شعبنا الأبي الذي كسّر كلّ شيء..و تخطّى حاجز الخوف لتحقيق مبتغاه..
لقد استحوذ الرئيس المخلوع سنة 1987 على السلطة و السلطات الثلاث الأخرى بانقلاب عسكري أبيض، وانفرد بهم لما يزيد عن عشريتين، قرّب منه من لا يستحق، و نفّر ممّن يستحق.. و قلب موازين العدل لصالح قلة على حساب الشعب،و دمّر المؤسسة العسكرية و تآمر عليها بحملات الإيقافات الكبرى الممنهجة سنتي 90 و 91 في صفوف شرفاء الجيش الوطني ، قصد تهميشه و تقزيمه ، شملت خيرة أبنائه ، تم إيقافهم بالسجن العسكري بالعوينة، ثم تم نقلهم فيما بعد من طرف زملائهم في السلاح للتنكيل بهم في وزارة الداخلية وزارة السيادة و أيّ سيادة، حيث تعرّضوا لأبشع حملات التعذيب تفوق في فضاعتها ما حدث في سجون أبو غريب في العراق ، و في معتقل "دلتا" بقوانتنامو،بدعوى الانتماء لحركة النهضة و التخطيط للانقضاض على الحكم .
لقد ظلّ طيلة سنوات حكمه يفكّر في كيفية الحفاظ على كرسيّه و بقائه في الحكم ، أكثر من اهتمامه بمصلحة الشّعب و الوطن، لذلك انصرف عن التنمية و النّهضة و التّطور ، و اهتمّ بقضايا هامشيّة كمكافحة التطرف والإرهاب المسبوقة الدفع من الخارج،بتطبيق نظرية الضربة الاستباقية للمفكر و الأكاديمي الأمريكي "ف .فوكوياما" التي كانت دائما مبررا وغطاء للعدوان ، وعقد الصفقات المشبوهة ، و اختلق الأزمات ، و أفقر الشعب إلى أدنى مستوى حتى لا يكون له همّ سوى قوت يومه، و تامين عيشه.
و كان محاطا للأسف بشياطين من الإنس هم مستشارو الشرّ الذين يوغرون قلبه كي يستأثرون بالامتيازات والعطايا و النفوذ..و ترى كيف أن أصحاب الرأي و الحكمة و المشورة و الضمائر الصادقة و القلوب المؤمنة مبعدون و مهمّشون، و مطرودون و مطاردون ، لصالح تقريب أنصاف الرّجال و أنصاف العقلاء ..ممن يمتازون بالقدرة العالية على التلوّن و التّغير و التّحول في كلّ وقت و حين..
و قد استعان بالدّهاء السّياسي طويلا لتحويل خصومه إلى أتباع إلاّ من رحم ربّك، و استرضاء كلّ صوت يعلو ضد سياسته إمّا بالتّرغيب أو بالتّرهيب ، و نجح كثيرا في استمالة بعض ضعفاء القلوب ممن حملوا شعارات لم يكونوا يؤمنوا بها ، لكّنها كانت طريقهم للسّلطة التي قبلوا أيديها طويلا حتى يبقوا في كنفها، و كلما تقوى انحرافهم و استشرى ، تعاظمت بالمقابل قوتهم و نفوذهم أكثر،و تمكنوا أكثر من مواقعهم ، لاسيما وأنهم كانوا على شبه يقين أنهم سيظلّون يحتلّونها إلى أن توافيهم المنيّة ، إذ أنّهم لا يريدون أن يتقاعدوا إلاّ في القبر، أسوة بكبيرهم المستجير من الرمضاء بالنار..
لقد آمن بأن استقرار النّظام لا يأتي إلا بالقوة البوليسيّة، وهي قناعة خاطئة و مرعبة معشّشة في ذهنه و عقله و في بطانة السّوء المقرّبة منه ..إن الحبّ هو الضّمان الوحيد لأيّ حاكم ، و العدل هو الأساس الوحيد لأي حكم.و قاعدة العدل و الحب، قاعدة تاريخيّة في أسس الحكم و مبادئه. و لعبة القوّة و البطش لعبة خبيثة أسقطت ممالك و سحلت حكّام، و مازال التاريخ يعيد نفسه، و تتكرّر ذات الأخطاء بأوجه و أشكال مختلفة، لكنها قائمة على ذات القاعدة الشيطانية.
لم ينعم طاغيّة يوما بحكم،و لم يستقرّ عرشه ، و لم تدم فترة حكمه ، ذات القراءات الخاطئة للتاريخ ، الحب هو الضّمان الحقيقي للاستقرار ، بدل أن يثور الشعب ضدّ الحاكم، كان من الممكن أن يثور له، و يهتف باسمه،مختارين لا مسيرين، راغبين لا مقهورين.
عندما يقسو الحاكم على الشعب يتوزع الأذى على المحكومين، لكن عندما يقسو شعب على حاكم ، يتركز الأذى على شخص، فلا يقوى على المقاومة أو الاستمرار، العدل أساس العمران ..لم نطلب المستحيل.
لنؤدي دورنا كمواطنين كما ينبغي لنا ، و دورنا كعسكريين كما يليق بنا ،بدون تفريط في دورنا الأساسي، وهو خدمة الوطن و رفعته ،خارج أسوار الثكنة أو داخلها، و الله الموفق.
-----------------------------------
* ضابط مدرّعات محال على التقاعد
لم تقم ثورة 14 جانفي المجيدة ثورة الكرامة و الحرية على رغبة الشعب التونسي فحسب ، بل بسبب أخطاء حاكمه وزمرته الفاسدة و تماديه في الخطأ ، و مغالاته في الظلم و البطش و الإقصاء و التهميش ،و الطرد و المطاردة، و افتقار نظامه إلى الرؤية الحقيقية لحاجة الشعب و الوطن..،و ظن أنه بالقوة و السطوة يستطيع أن يبقى في الحكم بسياسة الأمر الواقع..و لا يدري أن لا القهر يجدي و لا التنكيل ينفع و لا الخوف الذي صار هاجسا لدى شعبنا الأبي الذي كسّر كلّ شيء..و تخطّى حاجز الخوف لتحقيق مبتغاه..
لقد استحوذ الرئيس المخلوع سنة 1987 على السلطة و السلطات الثلاث الأخرى بانقلاب عسكري أبيض، وانفرد بهم لما يزيد عن عشريتين، قرّب منه من لا يستحق، و نفّر ممّن يستحق.. و قلب موازين العدل لصالح قلة على حساب الشعب،و دمّر المؤسسة العسكرية و تآمر عليها بحملات الإيقافات الكبرى الممنهجة سنتي 90 و 91 في صفوف شرفاء الجيش الوطني ، قصد تهميشه و تقزيمه ، شملت خيرة أبنائه ، تم إيقافهم بالسجن العسكري بالعوينة، ثم تم نقلهم فيما بعد من طرف زملائهم في السلاح للتنكيل بهم في وزارة الداخلية وزارة السيادة و أيّ سيادة، حيث تعرّضوا لأبشع حملات التعذيب تفوق في فضاعتها ما حدث في سجون أبو غريب في العراق ، و في معتقل "دلتا" بقوانتنامو،بدعوى الانتماء لحركة النهضة و التخطيط للانقضاض على الحكم .
لقد ظلّ طيلة سنوات حكمه يفكّر في كيفية الحفاظ على كرسيّه و بقائه في الحكم ، أكثر من اهتمامه بمصلحة الشّعب و الوطن، لذلك انصرف عن التنمية و النّهضة و التّطور ، و اهتمّ بقضايا هامشيّة كمكافحة التطرف والإرهاب المسبوقة الدفع من الخارج،بتطبيق نظرية الضربة الاستباقية للمفكر و الأكاديمي الأمريكي "ف .فوكوياما" التي كانت دائما مبررا وغطاء للعدوان ، وعقد الصفقات المشبوهة ، و اختلق الأزمات ، و أفقر الشعب إلى أدنى مستوى حتى لا يكون له همّ سوى قوت يومه، و تامين عيشه.
و كان محاطا للأسف بشياطين من الإنس هم مستشارو الشرّ الذين يوغرون قلبه كي يستأثرون بالامتيازات والعطايا و النفوذ..و ترى كيف أن أصحاب الرأي و الحكمة و المشورة و الضمائر الصادقة و القلوب المؤمنة مبعدون و مهمّشون، و مطرودون و مطاردون ، لصالح تقريب أنصاف الرّجال و أنصاف العقلاء ..ممن يمتازون بالقدرة العالية على التلوّن و التّغير و التّحول في كلّ وقت و حين..
و قد استعان بالدّهاء السّياسي طويلا لتحويل خصومه إلى أتباع إلاّ من رحم ربّك، و استرضاء كلّ صوت يعلو ضد سياسته إمّا بالتّرغيب أو بالتّرهيب ، و نجح كثيرا في استمالة بعض ضعفاء القلوب ممن حملوا شعارات لم يكونوا يؤمنوا بها ، لكّنها كانت طريقهم للسّلطة التي قبلوا أيديها طويلا حتى يبقوا في كنفها، و كلما تقوى انحرافهم و استشرى ، تعاظمت بالمقابل قوتهم و نفوذهم أكثر،و تمكنوا أكثر من مواقعهم ، لاسيما وأنهم كانوا على شبه يقين أنهم سيظلّون يحتلّونها إلى أن توافيهم المنيّة ، إذ أنّهم لا يريدون أن يتقاعدوا إلاّ في القبر، أسوة بكبيرهم المستجير من الرمضاء بالنار..
لقد آمن بأن استقرار النّظام لا يأتي إلا بالقوة البوليسيّة، وهي قناعة خاطئة و مرعبة معشّشة في ذهنه و عقله و في بطانة السّوء المقرّبة منه ..إن الحبّ هو الضّمان الوحيد لأيّ حاكم ، و العدل هو الأساس الوحيد لأي حكم.و قاعدة العدل و الحب، قاعدة تاريخيّة في أسس الحكم و مبادئه. و لعبة القوّة و البطش لعبة خبيثة أسقطت ممالك و سحلت حكّام، و مازال التاريخ يعيد نفسه، و تتكرّر ذات الأخطاء بأوجه و أشكال مختلفة، لكنها قائمة على ذات القاعدة الشيطانية.
لم ينعم طاغيّة يوما بحكم،و لم يستقرّ عرشه ، و لم تدم فترة حكمه ، ذات القراءات الخاطئة للتاريخ ، الحب هو الضّمان الحقيقي للاستقرار ، بدل أن يثور الشعب ضدّ الحاكم، كان من الممكن أن يثور له، و يهتف باسمه،مختارين لا مسيرين، راغبين لا مقهورين.
عندما يقسو الحاكم على الشعب يتوزع الأذى على المحكومين، لكن عندما يقسو شعب على حاكم ، يتركز الأذى على شخص، فلا يقوى على المقاومة أو الاستمرار، العدل أساس العمران ..لم نطلب المستحيل.
لنؤدي دورنا كمواطنين كما ينبغي لنا ، و دورنا كعسكريين كما يليق بنا ،بدون تفريط في دورنا الأساسي، وهو خدمة الوطن و رفعته ،خارج أسوار الثكنة أو داخلها، و الله الموفق.
-----------------------------------
* ضابط مدرّعات محال على التقاعد
No comments:
Post a Comment