خطأ الأميركيين في أفغانستان
خبير أميركي: الأميركيون توجهوا إلى أفغانستان دون استيعاب تاريخ البلاد (رويترز-أرشيف)
يتوجه الأفغان إلى مراكز الاقتراع لانتخاب رئيس لهم، وهناك عدد من المعلقين الدوليين الذين تحدثوا عن جدوى الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، وكيف سيكون حال أفغانستان تحت حكم مرشح المعارضة عبد الله عبد الله، وحول إن كانت هناك فرصة لنجاح المسؤول السابق بالبنك الدولي أشرف غاني.
ويقول الكاتب روبرت هاديك في مقال له نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية إنه برغم أن الانتخابات تشكل خبرا دراماتيكيا وموضوعا مهما, فإن بعض المحللين يستغربون من التركيز على من سيكون الرئيس القادم لأفغانستان باعتبار ذلك صرفا للأنظار عن المفتاح الحقيقي لاستقرار هذا البلد، موضحة أن المفتاح الحقيقي يتمثل في قبائل البلاد.
وتنشغل الحكومة الأميركية والأمم المتحدة بشأن كيفية المضي قدما في العمل خلال السنوات القادمة سواء مع كرزاي أو عبد الله أو غاني، وتبذل واشنطن الجهود لمراقبة والإشراف على الوزارات الأفغانية التي قالت المجلة إنه يستشري فيها الفساد.
ومضى هادك إلى أنه بينما يتوجه اهتمام واشنطن لمراقبة الحكومة الأفغانية المنتظرة، فإن زعماء القبائل في الأماكن النائية من البلاد هم من سيقررون مستقبل أفغانستان، مضيفا أن محللين ينصحون بتخصيص مزيد من الوقت من أجل فهم ودعم القبائل الأفغانية على حساب الوقت المخصص لكابل.
"
سيث جونز: الأميركيون الذين يحاولون استخلاص العبر من تاريخ أفغانستان الحديث إنما يركزون على الحملات العسكرية الفاشلة
"
استخلاص العبر
ونسب الكاتب إلى الخبير في الشؤون الأفغانية سيث جونز قوله إنه يبدو أن الأميركيين توجهوا إلى أفغانستان بمفهوم خاطئ للتاريخ، وأضاف أن ما يدعو للدهشة هو أن معظم الأميركيين الذين يحاولون استخلاص العبر من تاريخ أفغانستان الحديث إنما يركزون على الحملات العسكرية التي وصفها بالفاشلة من البريطانيين والسوفيات في أفغانستان، في حين لم يعبأ الكثيرون من علماء الأجناس البشرية بفترات الاستقرار التي مرت فيها البلاد.
ومضى جونز يقول إن الفترة التي تولت فيها أسرة مصاحبيان، والتي شملت حكم ظاهر شاه ونادر شاه وداود خان في الفترة من 1929 إلى 1978، كانت من أكثر الفترات هدوء واستقرارا في تاريخ أفغانستان الحديث، وإنه يعود ذلك في جزء منه لكون الحكام من أسرة مصاحبيان قد أدركوا أهمية القوى المحلية، وهو الأمر الذي غاب عن أذهان العديد من صناع السياسة الأميركية الذين ما زالوا متمسكين بالاعتقاد بأن استقرار أفغانستان يتطلب بسط سيطرة الحكومة المركزية على المناطق الريفية.
ويستنكر جونز تركيز الولايات المتحدة على الجيش الأفغاني والشرطة، الذي يرى أنه يأتي على حساب التركيز على القبائل التي تمكنت من توفير أفضل أشكال الأمن المحلي خلال فترات استقرار البلاد.
كما يلاحظ جونز أن الولايات المتحدة تنفق موارد كبيرة على إعمار كابل، في اللحظة التي تركز فيها حركة طالبان مساعيها على البنية السياسية المحلية الأفغانية، الأمر الذي يصب في مصلحة الحركة بشكل كبير.
ويتفق المستشار السابق بالخارجية الأميركية دان غرين مع رأي جونز في مقال كتبه الأول ونشرته له صحيفة سمول وول جورنال، حيث يوصي بأن تتحمل قوات التحالف مخاطرة الانتشار في الخارج.
ويضيف غرين أنه يمكن لقوات التحالف وضع بعض وحدات المشاة الصغيرة في القرى للمساعدة في تنظيم قوات "لشغارز" أو ميليشيات الدفاع المحلية، وأنه يمكن لقوات التحالف أيضا تسهيل دمج تلك الميليشيات في خطط الدفاع عن الولاية، وكذلك قيام القوات الأجنبية بتوحيد جهود قوات الدفاع القبلية مع مساعي الجيش الأفغاني.
كاتب أميركي: المسؤولون السياسيون الأميركيون الذين ما زالوا يتشبثون بحل "الدولة القومية المركزية" في أفغانستان هم كمن لم يستوعب الدرس من التاريخ
"
استيعاب الدرس
ويمضي الكاتب إلى أن مقالي كل من جونز وغرين يتعلقان بفكرة أو مفهوم أوسع والذي أثاره في مقال له في ذي أميركان، والذي قال فيه إن القوات الأميركية المسلحة بقيادة ضباط من الرتب المتوسطة قد تعلمت أساليب الحرب غير النظامية في هذا العقد.
وأضاف هاديك أن الجنود الأميركيين أظهروا في كل من الحربين على العراق وأفغانستان ومناطق أخرى كيف تمكنوا من إنجاز المهمات التي أوكلت إليهم، وذلك عن طريق إقامة علاقات مع كل من القوات والزعماء المحليين.
ومضى الكاتب إلى أنه وعلى العكس من ذلك، فإن كبار رجال الدولة الأميركيين ما انفكوا يركزون على بناء نظام دولة وبناء مؤسسات رسمية في أفغانستان بحيث يعمل بها أشخاص على غرار نظرائهم بكل من وزارات الخارجية والدفاع أو البيت الأبيض!
ويرى الضباط من رتبة نقيب ورقيب من قوات المشاة الأميركية الذين يتعاملون مع زعماء القبائل أن الحل المتمثل في قيام الدولة القومية المركزية بأنه ليس فقط غير مناسب، وإنما هو حجر عثرة أمام تحقيقهم لأهدافهم في حل النزاعات، بالإضافة إلى كونه يشكل ثورة ضد السلطة المركزية التي كثيرا ما كانت سبب النزاع في المقام الأول.
واختتم بالقول إن الجنود الأميركيين يمكنهم التكيف مع الحرب غير النظامية، واصفا المسؤولين السياسيين الأميركيين الذين ما زالوا يتشبثون بحل الدولة القومية المركزية بأنهم كمن لم يستوعب الدرس, وداعيا إياهم إلى حل الإشكالات والاختلافات بوجهات النظر التي تواجههم مع جنودهم أولا.
المصدر: فورين بوليسي
خبير أميركي: الأميركيون توجهوا إلى أفغانستان دون استيعاب تاريخ البلاد (رويترز-أرشيف)
يتوجه الأفغان إلى مراكز الاقتراع لانتخاب رئيس لهم، وهناك عدد من المعلقين الدوليين الذين تحدثوا عن جدوى الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، وكيف سيكون حال أفغانستان تحت حكم مرشح المعارضة عبد الله عبد الله، وحول إن كانت هناك فرصة لنجاح المسؤول السابق بالبنك الدولي أشرف غاني.
ويقول الكاتب روبرت هاديك في مقال له نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية إنه برغم أن الانتخابات تشكل خبرا دراماتيكيا وموضوعا مهما, فإن بعض المحللين يستغربون من التركيز على من سيكون الرئيس القادم لأفغانستان باعتبار ذلك صرفا للأنظار عن المفتاح الحقيقي لاستقرار هذا البلد، موضحة أن المفتاح الحقيقي يتمثل في قبائل البلاد.
وتنشغل الحكومة الأميركية والأمم المتحدة بشأن كيفية المضي قدما في العمل خلال السنوات القادمة سواء مع كرزاي أو عبد الله أو غاني، وتبذل واشنطن الجهود لمراقبة والإشراف على الوزارات الأفغانية التي قالت المجلة إنه يستشري فيها الفساد.
ومضى هادك إلى أنه بينما يتوجه اهتمام واشنطن لمراقبة الحكومة الأفغانية المنتظرة، فإن زعماء القبائل في الأماكن النائية من البلاد هم من سيقررون مستقبل أفغانستان، مضيفا أن محللين ينصحون بتخصيص مزيد من الوقت من أجل فهم ودعم القبائل الأفغانية على حساب الوقت المخصص لكابل.
"
سيث جونز: الأميركيون الذين يحاولون استخلاص العبر من تاريخ أفغانستان الحديث إنما يركزون على الحملات العسكرية الفاشلة
"
استخلاص العبر
ونسب الكاتب إلى الخبير في الشؤون الأفغانية سيث جونز قوله إنه يبدو أن الأميركيين توجهوا إلى أفغانستان بمفهوم خاطئ للتاريخ، وأضاف أن ما يدعو للدهشة هو أن معظم الأميركيين الذين يحاولون استخلاص العبر من تاريخ أفغانستان الحديث إنما يركزون على الحملات العسكرية التي وصفها بالفاشلة من البريطانيين والسوفيات في أفغانستان، في حين لم يعبأ الكثيرون من علماء الأجناس البشرية بفترات الاستقرار التي مرت فيها البلاد.
ومضى جونز يقول إن الفترة التي تولت فيها أسرة مصاحبيان، والتي شملت حكم ظاهر شاه ونادر شاه وداود خان في الفترة من 1929 إلى 1978، كانت من أكثر الفترات هدوء واستقرارا في تاريخ أفغانستان الحديث، وإنه يعود ذلك في جزء منه لكون الحكام من أسرة مصاحبيان قد أدركوا أهمية القوى المحلية، وهو الأمر الذي غاب عن أذهان العديد من صناع السياسة الأميركية الذين ما زالوا متمسكين بالاعتقاد بأن استقرار أفغانستان يتطلب بسط سيطرة الحكومة المركزية على المناطق الريفية.
ويستنكر جونز تركيز الولايات المتحدة على الجيش الأفغاني والشرطة، الذي يرى أنه يأتي على حساب التركيز على القبائل التي تمكنت من توفير أفضل أشكال الأمن المحلي خلال فترات استقرار البلاد.
كما يلاحظ جونز أن الولايات المتحدة تنفق موارد كبيرة على إعمار كابل، في اللحظة التي تركز فيها حركة طالبان مساعيها على البنية السياسية المحلية الأفغانية، الأمر الذي يصب في مصلحة الحركة بشكل كبير.
ويتفق المستشار السابق بالخارجية الأميركية دان غرين مع رأي جونز في مقال كتبه الأول ونشرته له صحيفة سمول وول جورنال، حيث يوصي بأن تتحمل قوات التحالف مخاطرة الانتشار في الخارج.
ويضيف غرين أنه يمكن لقوات التحالف وضع بعض وحدات المشاة الصغيرة في القرى للمساعدة في تنظيم قوات "لشغارز" أو ميليشيات الدفاع المحلية، وأنه يمكن لقوات التحالف أيضا تسهيل دمج تلك الميليشيات في خطط الدفاع عن الولاية، وكذلك قيام القوات الأجنبية بتوحيد جهود قوات الدفاع القبلية مع مساعي الجيش الأفغاني.
كاتب أميركي: المسؤولون السياسيون الأميركيون الذين ما زالوا يتشبثون بحل "الدولة القومية المركزية" في أفغانستان هم كمن لم يستوعب الدرس من التاريخ
"
استيعاب الدرس
ويمضي الكاتب إلى أن مقالي كل من جونز وغرين يتعلقان بفكرة أو مفهوم أوسع والذي أثاره في مقال له في ذي أميركان، والذي قال فيه إن القوات الأميركية المسلحة بقيادة ضباط من الرتب المتوسطة قد تعلمت أساليب الحرب غير النظامية في هذا العقد.
وأضاف هاديك أن الجنود الأميركيين أظهروا في كل من الحربين على العراق وأفغانستان ومناطق أخرى كيف تمكنوا من إنجاز المهمات التي أوكلت إليهم، وذلك عن طريق إقامة علاقات مع كل من القوات والزعماء المحليين.
ومضى الكاتب إلى أنه وعلى العكس من ذلك، فإن كبار رجال الدولة الأميركيين ما انفكوا يركزون على بناء نظام دولة وبناء مؤسسات رسمية في أفغانستان بحيث يعمل بها أشخاص على غرار نظرائهم بكل من وزارات الخارجية والدفاع أو البيت الأبيض!
ويرى الضباط من رتبة نقيب ورقيب من قوات المشاة الأميركية الذين يتعاملون مع زعماء القبائل أن الحل المتمثل في قيام الدولة القومية المركزية بأنه ليس فقط غير مناسب، وإنما هو حجر عثرة أمام تحقيقهم لأهدافهم في حل النزاعات، بالإضافة إلى كونه يشكل ثورة ضد السلطة المركزية التي كثيرا ما كانت سبب النزاع في المقام الأول.
واختتم بالقول إن الجنود الأميركيين يمكنهم التكيف مع الحرب غير النظامية، واصفا المسؤولين السياسيين الأميركيين الذين ما زالوا يتشبثون بحل الدولة القومية المركزية بأنهم كمن لم يستوعب الدرس, وداعيا إياهم إلى حل الإشكالات والاختلافات بوجهات النظر التي تواجههم مع جنودهم أولا.
المصدر: فورين بوليسي
No comments:
Post a Comment