هل لدى الغرب أجندة لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط ؟
بقلم: د.أحمد القديدي*
بقلم: د.أحمد القديدي*
حينما أطرح هذا السؤال على بعض السّاسة العرب يكون الجواب بلا ! و حين أطرحه على بعض الزملاء من أساتذة العلوم السياسية و خبراء الإستراتيجيات يكون الجواب بنعم ! ما عدا إستثناء وحيد يجب ذكره للأمانة وهو رأي السيد عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية الجزائرية حاليا الذي جمعتني به ظروف تواجدنا المشترك في دول الخليج في التسعينات حين كان بعيدا عن السلطة. و أذكر أنه أثناء غداء في بيت صديق عزيز مشترك هو أبو ناصر أل خليفة الذي كان سفيرا لدولة قطر في الجزائر أثرنا فرضية ( سايكس بيكو) جديدة يمهد لها حينذاك أقطاب اليمين الأمريكي و البريطاني و الفرنسي و "الإسرائيلي" بقصد تغيير جذري لخارطة ما سماه الغرب أنذاك بالشرق الأوسط الجديد أو بالشرق الأوسط الكبير. هذا التغيير الذي تحتمه إنقلابات الموازين جذريا من 1916 (سنة سايكس-بيكو) إلى 2010 مرحلة تصادم قوى الغرب بطموحات صينية و روسية صاعدة و تشكلات أوروبية متنامية. وكان منطلق حديثنا في بيت أبو ناصرالكتاب الأكثر إثارة للجدل و الأشهر في نهاية القرن الماضي وهو الكتاب الذي توسع في بحث نشره ( صامويل هنتنجتون ) في مجلة ( الشؤون الخارجية ) بعنوان ما يزال يحرك الأقلام إلى اليوم وهو ( صدام الحضارات ). و أذكر أن السيد بوتفليقة قصد إثارة التفكير و الحيرة لدى أصدقائنا الخليجيين وكانوا من بين نخبة الفكر والثقافة حين ألقى بحجر مثير في بركة الإطمئنان قائلا : " من يدري إذا ما كانت نوايا مخططي الغرب اليوم تهدف في مستقبل قادم و مجهول إلى تسهيل هيمنة الهند وإيران على الخليج العربي تحت مظلة أمريكية...! " و أمام دهشة مضيفينا الكرماء راح المتحدث يحلل أسرار التحولات الكبرى التي يمكن أن تجعل هذا السيناريو قابلا للتنفيذ. فالغرب له مصالح دائمة و لعل النفط يفقد تدريجيا قدرته الحيوية مع تصاعد استراتيجي و تكنولوجي للهند ذات المليار و المائة مليون ساكنا، و تغير سياسي كامل تسعى لتنفيذه قوى الغرب الراهنة في إيران مما يرشح الهند وبلاد فارس لإستعادة دورهما "التاريخي" الذي ما يزال حيّا في أذهان الهنود و الإيرانيين كالنار تحت الرماد على حساب المصالح العربية و بالطبع إغتناما لحالة الوهن الراهنة للعرب. و سيتلقف الغرب المسيحي هذا الوضع الجديد حتى لا ينقضّ المارد الصيني وحده على الإقليم بأدواته الإقتصادية و التجارية الصاعدة.و في نفس هذا السياق لحديثنا في التسعينات يتواصل الحديث اليوم بعد عشرية من الألفية الثالثة و بأكثر حدة و وضوحا حول بوادر ساطعة لتقليص دور مصر في محيطها العربي لتمكين تركيا من القيام بمهمات تبدو اليوم مقبولة بل و مطلوبة عربيا و يتعاطف مها أغلب العرب لكنها مهمات لن تتناقض مع إلتزامات أنقرة كعضو كامل في حلف شمال الأطلسي ولا مع إعتراف تركيا بدولة "إسرائيل" و تعاونها التقليدي معها تجاريا و عسكريا أي تصب في نهاية المطاف في خانة نفس قوى الغرب و لا تخرج عن التصور الشامل لشرق أوسط جديد ( أو كبير..) كما رسمه كتاب معروف لشيمون بيريز بنفس الإسم أو كتاب ثان للوزير الإسرائيلي (ناتان شارانسكي) بعنوان (رسالة الديمقراطية في الشرق الأوسط) الذي كان كتاب بوش الإبن المفضل أثناء حربيه على أفغانستان و العراق. و عودة إلى إستشراف السيد بوتفليقة الذي إستفز بشكل لطيف و إيجابي أصدقاءنا الخليجيين الكرماء منذ أكثر من عقد، ما أزال معتقدا بأن الزمن القريب القادم يخبأ لنا نحن العرب مفاجآت من العيار الثقيل. و التاريخ مليئ بالأمثلة الساطعة للإعتبار. فمن كان يصدّق سنة 2000 (أي منذ عشرسنوات فقط) بأن العراق سيُحتل و بأن بغداد ستدك و بأن دولته ببعثها و جيشها و إدارتها و متاحفها و جامعاتها ستدمر و بأن العراق سيقسّم فعليا إلى ما نرى اليوم من الطوائف و النحل؟ و أن رئيسه سوف يلقى ذلك المصير في بلد يباب؟ و من كان يصدّق سنة 2000 بأن اليمن الذي خرج من حربه معززا بوحدته سيعيش إنشقاقا خطيرا بين شمال حوثي و جنوب إنفصالي و وسط صنعاني؟ و من كان يصدّق سنة 2000 بأن فلسطين التي جنت بعض ثمار كفاحها الطويل سوف تقسم إلى ضفة و قطاع؟ و من كان يصدّق سنة 2000 بأن السودان الذي وقع رئيسه البشير مع جون جارنغ عهد الأمان والوحدة سيكون اليوم فريسة لما يسمى المجتمع الدولي فتسود الفوضى إقليم دارفور ويموت جارنغ في حادث طائرة و ينفصل الجنوب عمليا و يهدد إقليم دارفور بالإنفصال و يبقى الرئيس البشير مطلوبا لما يسمى عدالة دولية ؟ و من ومن ومن.....؟ إن كل من يتعمق في التاريخ يدرك بأن ما يعتبره المرء واقعا أبديّا ما هو سوى لحظة عابرة من لحظات الحضارة البشرية و ما يعتقده المرء ثابتا ما هو سوى متحول باستمرار. تلك هي سنة التدافع البشري التي لا مردّ لها. وأفضل الناس من إعتبر بدروس الحضارة وتقلباتها العجيبة فاستعد للتحولات و أمن شرورها. وأنظر حولك أيها القارئ الكريم لترى إنهيار الأمبراطوريات التقليدية بسرعة و صعود أمبراطريات جديدة بأكثر سرعة في ظرف جيل واحد. و المؤسف بأن العرب ظلوا معوقين لا يقرأون التاريخ و لا يستشرفون المستقبل بينما الأمم من حولهم تجاوزت الطارئ من مشاكلها لتواجه الأهم. و أمامنا الإتحاد الأوروبي الذي يحاول إنتشال اليونان من أزمته بتحمل أمانة الوحدة و التضامن، بينما لم يتفق العرب في قمة سرت على مجرد سحب مبادرتهم للسلام وهو العمل المطلوب والمفروض في أزمتنا الطويلة مع المحتلين.
*رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس
(المصدر: صحيفة " الوطن" لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس )
*رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس
(المصدر: صحيفة " الوطن" لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس )
العدد 142 بتاريخ 18 جوان 2010)
No comments:
Post a Comment