تونس:حلف شيطاني
عضو بعثة مراقبي الجامعة العربية في سوريا أحمد المناعي لـ«الأسبوعي»:
خيار التدخل ضدّ الأسد لـم يعد مطروحا.. و«أصدقاء سوريا» اِنسحاب تكتيكي
سوريا عالم آخر مختلف تماما عما تنقله وسائل الإعلام
حل الأزمة في الداخل السوري وليس في قطر
اِعتبر عضو بعثة مراقبي الجامعة
العربية لسوريا ورئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية ومستشار محكمة بروكسيل
للعراق أحمد المناعي في حوارنا معه أنّ ما تنقله وسائل الإعلام عن الأوضاع في
سوريا لا يعكس الوقائع على الأرض وفيه جانب كبير من التهويل والمبالغة. وأضاف أنّ
الفيتو الروسي/الصيني قضى على المخططات الغربية للتدخل العسكري ضدّ سوريا، مشيرا
إلى أنّ تونس بمواقفها من الأزمة السورية قد دخلت «حلفا شيطانيا» ضدّ بلد شقيق.
-هل بإمكانك أن تحدثنا عن مساهمتك في بعثة
المراقبين العرب إلى سوريا؟
- تجربتي في سوريا ليست تجربة شخصية،
فقد كانت في نطاق الجامعة العربية، إذ دعا مجلس الجامعة العربية إلى تشكيل لجنة
خاصة تضمّ ستّ دول على رأسها قطر، وهي التي ارتأت إرسال بعثة من المراقبين العرب
للتأكد مما يحدث، هذه البعثة زارت سوريا باتفاق مع الحكومة السورية، وقد قسّم
المراقبون إلى حوالي 15 فرقة، وكل فريق توجّه إلى محافظة سورية، الفريق الذي كنت
أنتمي إليه عمل في محافظة «الحسكة» على الحدود مع تركيا والعراق. وكنا مكلفين
بكتابة تقرير يومي، فلا يخرج تقرير إلا والجميع موافق عليه.
-هل كان الوضع في سوريا كما تابعته على شاشات
التلفزة؟
- كانت عالما آخر، مختلفا تماما عن الصورة التي
تقدّمها وسائل الإعلام في شتى أنحاء العالم.. ليس معنى ذلك أنّه لم يحدث شيء في سوريا
ولكنّه كان مختلفا عما تنقله وسائل الإعلام..
-في ما يتعلق بمجزرة حمص، هل كانت هناك مبالغة
إعلامية في تصويرها؟
- أنا غادرت دمشق نحو تونس يوم 9
فيفري وقد وقعت مجزرة حمص يوم 4 فيفري، وقد نقلت الفضائيات العربية والدولية صورا
لعشرات القتلى، قالوا إنّهم ضحايا القصف العشوائي لمدفعية الجيش السوري.. ولكن ما
شاهدته أيضا أنّ الكثير من هذه الجثث كانت مقيدة ولم تكن عليها آثار الجير أو مواد
البناء.. بعد ذلك جاءت شهادات من حمص من أشخاص تعرفوا على هذه الجثث وقالوا إنّهم
كانوا مختطفين، إذ أنّ عمليات الخطف انتشرت بانتشار الفوضى والانفلات الأمني.
-هل تعتبر أنّ قرار تعليق عمل بعثة المراقبين
العرب كان صائبا؟
- الجامعة العربية هي التي أرسلت
البعثة، ومن المفروض أن تنتظر تقرير مبعوثيها لكن عندما جاء التقرير وتبين أنّه لا
يخدم ما يطمحون إليه تركوه جانبا.. حتى أنّ الجامعة لم تنشر التقرير ولم تتقدم
بنسخة إلى مجلس الأمن بل قالوا سيأتي بالبريد السريع وهذا ما دفع روسيا إلى
المطالبة بضرورة حضور الفريق الدابي رئيس البعثة..
-اِنتقدت المعارضة السورية تقرير بعثة المراقبين
العرب واعتبرته منحازا للنظام، هل يمكن أن تقدم لنا قراءة عن دور المعارضة على
الأرض؟
- في سوريا ليست هناك معارضة قادرة
على الإمساك بزمام الأمور إذا ما سقط النظام -وهو أمر مستبعد- ولكن هناك مجموعات
متعددة من المعارضة منهم المقاتلون ومنهم من ينتمون إلى القاعدة أو جماعات إرهابية
أخرى.. هناك أيضا معارضة الداخل منتظمة في إطار هيئة التنسيق الوطنية السورية في
المهجر وأغلب أعضائها في الداخل ورئيسها هيثم المناع فهو في الخارج. أما عن المجلس
الانتقالي السوري فهو مكوّن من معارضي الخارج وليست لديه قاعدة شعبية. كما أنّ
هنالك معارضة بصدد التشكل، ففي الفترة الأخيرة ظهرت أربعة أحزاب جديدة.
-يقلل عدد من المحللين من دور الجيش السوري
الحرّ، هل تؤيد مثل هذا التحليل؟
ـ الجيش السوري الحرّ مكوّن من بعض
الجنود الذي انسلخوا عن الجيش الرسمي، ولا يمكن أن نتحدث عن انشقاق لأننا إذا
تحدثنا عن انشقاق نقصد بذلك انشقاق كتيبة أو وحدة.. وفي اعتقادي دوره دعائيّ
بالأساس..
-هل لاحظتم أية بوادر لضعف النظام وتفكك
مؤسساته؟
ـ هناك استطلاع رأي قامت به مؤسسة
قطرية توصّل إلى أنّ غالبية السوريين يؤيدون الأسد.. وعلى الأرض مازال النظام
ممسكا بزمام الأمور.
-هل مازال خيار التدخل العسكري ضدّ نظام الأسد
ممكنا، برأيك؟
- الفيتو الروسي/الصيني قضى على كلّ
المحاولات الغربية للتدخل العسكري في سوريا، فقد شعرت كل من روسيا والصين أنّه إذا
كانت سوريا مستهدفة اليوم فستستهدف موسكو أو بيكين في المستقبل..
-كيف تعلّق على سياسة تونس الخارجية في ما
يتعلّق بطرد السفير السوري والدعوة إلى عقد مؤتمر «أصدقاء سوريا»؟
ـ لا أذكر أنه في تونس في عهد الرئيس
السابق بورقيبة أو حتى في عهد بن علي اتخذت الدبلوماسية التونسية موقفا معاديا
لدولة عربية، حتى خلال حادثة قفضة عام 1980، الحكومة التونسية حينها وقفت موقفا
معاديا من ليبيا فقط ولم تتخذ موقفا مماثلا من الجزائر.. فليست الدبلوماسية
الحكيمة من تجعل من كل العالم أعداء، خاصة إذا كانوا جيران.. هذه المرة الأولى
التي تدخل فيها تونس «حلفا شيطانيا» ضدّ بلد شقيق.. في حين أنّ سوريا في العشر
سنوات الأخيرة اتخذت مواقف مشرفة عربيا.. خلال الحرب على العراق لجأ مئات الآلاف
من العراقيين إلى الأراضي السورية، وفي 2006 جرّاء العدوان الإسرائيلي ضد لبنان
لجأ نصف الشعب اللبناني نحو سوريا.
وفي عام 1991، عندما حاولت النهضة
الانقلاب وهرب النهضويون، اتجهوا نحو السودان، إلا أنّ السودان كانت تحت ضغوط نظام
بن علي الذي طالب بطردهم. وعام 1999 اتخذ النظام السوداني قرارا بطرد النهضويين، فلجئوا
إلى سوريا في عهد حافظ الأسد وبقوا هناك حتى 2003، على الرغم من الضغوط التونسية.
-رفضت روسيا المشاركة في مؤتمر «أصدقاء سوريا»
في تونس بدعوى أنّه سيعيد إنتاج سيناريو ليبيا، كيف تقرأ أهداف هذا المؤتمر؟
ـ مؤتمر «أصدقاء سوريا» فاشل من
البداية، لأنّ القطريين والفرنسيين الذين نظموه، اقتنعوا اليوم أنّ الفيتو
الروسي/الصيني أفشل المخطط الغربي الرامي إلى تدخل عسكري في سوريا ليس بهدف قلب
النظام ولكن بالقضاء على سوريا كثقافة وحضارة وتاريخ.. وهو عملية انسحاب تكتيكي.
-صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تقول إنّ الصراع
في سوريا تحوّل إلى حرب طائفية دولية بدخول أسلحة ومقاتلين أجانب، هل ترى أنّ هذا
السيناريو ممكن؟
ـ هذا أمر مستبعد، في سوريا هناك
تعايش وتلاحم بين كل الطوائف ضمن فسيفساء طائفية وعرقية متجانسة. ولكن تظل
الصراعات الطائفية ورقة يمكن أن تراهن عليها القوى الأجنبية..
-هل تعتبر أنّ ما يجري في سوريا هو مقدمة حرب
عالمية باردة جديدة؟
ـ ليست سوريا فقط، بل المنطقة كاملة
هي مسرح لصراع بين القوى العظمى.. فنظام القطب الواحد بصدد الانتهاء وعلى
الأمريكان والأوروبيين أن يقتنعوا بوجود قوى جديدة صاعدة مثل الصين والهند
والبرازيل وغيرها، وإن لم يكن على المستوى السياسي، فذلك أمر واقع على المستوى
الاقتصادي.