Search This Blog

Wednesday, February 22, 2012

Lazhar Abab: عبعاب الأزهر : منطلقاتنا الفكرية



منطلقاتنا الفكرية

لقد رفعنا في وثيقة الأهداف و المبادئ العامّة وفي مجال المنطلقات الفكرية لتجربتنا الحزبية السابقة (التحالف الوطني للسلم و النماء)، جملة من الشعارات الجميلة التي لا يختلف عليها اثنان ، ولكن بقيت هذه المنطلقات في حدود الشعارات إذ لم نستطع تحديد الفهم الجماعي للمرتكزات التي نبني على أساسها أرضية فكرية و فلسفية تشكّل هوية الحزب.

لقد تحدّث العديد منا في مناسبات عدّة على مسألة الهوية العربية الإسلامية ودافعنا على تمسّكنا بها وحاولنا في بعض الأحيان تعريفها على أنها هوية غير منغلقة و لا متقوقعة بل هي هوية متصلة بماضينا و منفتحة على واقعنا ومحيطنا.

كلام جميل ولكنه لا يميّزنا عن بقية التيارات و الأحزاب الأخرى، لأنّنا لا نمتلك الرؤية الفكرية التي تحدّد لنا منهاج التعامل مع تراثنا و ارثنا الفكري و الدّيني كعرب و مسلمين و مقاييس و أدوات فعلنا في الواقع حاضرا و مستقبلا و هو ما سنحاول طرحه من خلال هذه الورقة المؤسسة للمنطلقات الفكرية.

إن الخطوة الأولى للخوض في هذه الرؤية الفكرية، تستوجب عرضا سريعا و لكنه جوهري في فهم الحالة الفكرية لمجتمعاتنا العربية الإسلامية و الحالة الفكرية التونسية لا تختلف عنها. من المعلوم أن العصر الذهبي للمجتمعات الإسلامية كان تعدّديا من الناحية العقائدية و ذو مضامين إنسانية و انفتاحا كبيرا على ثقافات الأمم الأخرى ولكن عصور الانحطاط و ارتباط العلماء و المفكرين بالسلطان كرّست منهجا منغلقا حوّل الدين إلي مجرّد طقوس و شعائر تقوم على التقليد وأخرجته من دائرة المفكّر فيه، وبما أن حضور الإسلام في مجتمعاتنا كبيرا، فان دائرة الفكر تشكّلت حول تصوّرات فرضتها عملية الانقلاب على إسلام العقل و تحويله إلي إسلام التلقي و التقليد، تصورات في اغلبها أسطورية ذات إيديولوجية مقدّسة تحيط كالهالة بعقولنا لتصور لنا تاريخنا الإسلامي و العربي بمثالية تحجب عنا مواطن العقم و مكامن التخلّف.

لقد أسّس علماء عصور الانحطاط إلي تخلّف العقل المسلم بالقياس إلي ماضيه الإبداعي و بالقياس إلي ما يمكن أن يكون عليه مستقبله من تفتّح و ازدهار و نرى امتداد هذا التخلّف إلي يومنا هذا عبر الفكر الأصولي الجامد الذي تسوّق له العديد من التيارات و الشخصيات عبر الفضائيات المدعومة بالبترو دولار و غيرها.

إن هذا التخلف الفكري السائد يفسر الانعكاس في سلّم التقدّم بيننا و بين الغرب ، إذ نرى الهوّة تتسع يوما بعد يوم و الذي بدأ منذ القرنين الثالث عشر و الرابع عشر ولا يزال مستمرّا بل متزايد السّرعة ، فكلما تقدموا تأخرنا و كأنّ الزمن العربي الإسلامي معاكسا للزمن الغربي. كما أن تقهقرنا و تدهور أوضاعنا مرجعه بالأساس أنظمة الحزب الواحد و عقلية الزعيم الأوحد التي حكمت عالمنا العربي و الإسلامي مستعينة في ذلك بعلماء الفكر التقليدي الجامد، فحالت دون ظهور مجتمع تعدّدي وفشلنا في مجالات التنمية و التعليم و الديمقراطية و غيرها ، فكانت مناهجنا و مؤسساتنا التربوية و التعليمية تنتج التخلّف الفكري بدلا على أن تساعد على تنمية ملكات الإبداع و الابتكار لدى أجيال المستقبل، إضافة إلي ذلك انعدمت مؤسسات و برامج البحث العلمي.

إلي جانب هذا الفشل في السياسات الرسمية ساد على المستوى الشعبي خطاب ديني وقومي يمارس الخيال الاجتماعي الهائج المرتكز على مغالطات تاريخية، جعلت الأجيال الصاعدة غير قادرة على التفكير السليم أو أن تفهم الواقع و التراث كما هما بشكل صحيح و الخطر في كل ذلك أن الأمّة سيطر عليها ما سمّاه بعض المفكرين ،، الجهل المقدّس،، الذي نراه اليوم سائدا في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، دون أن يقدر أحد للتصدّي إليه مخافة أن ينعت بالخيانة للوطن أو المعاداة للدّين، فلا مجال للعقل الإسلامي إلا أن يكرّر المسلّمات المجترّة منذ مئات السنين.

لقد قضى تحالف دعاة الجهل المقدّس من بعض رجال الدين المسلمين و الاستبداد المقدّس من طرف سلاطين السياسة إلي تجميد الفكر الإسلامي الذي كانت آخر معاقله التنويرية الأندلس زمن ابن رشد، ولم تفلح كل المحاولات التحررية في تغيير وجهة التيار المهيمن على الفكر العربي الإسلامي إلي حدّ اليوم، فأصبحت الكلمة الأولى لشيوخ التزمت و دعاة الفكر المتحجّر.

كما أن هذه الوضعية القاتمة التي سادت في عالمنا العربي الإسلامي أفرزت ردّة فعل متطرّفة في الاتجاه المقابل لدى تيار بحث عن منطلقا ته لمقاومة الجهل المقدّس في ما أفرزه الفكر الغربي في معركته ضد الدين الكنسي دون محاولة بذل الجهد في التعمق في تراثنا الإسلامي و خصوصيات مجتمعاتنا، إلي حدّ معاداة هويتنا وهو ما جعلنا اليوم نجد أنفسنا بين قطبين متعاكسين، قطب كاره لكل ما هو ديني بشكل هوسي لا معقول و القطب المجذوب إلي كل ما هو فكر أو سلوك تقليدي ضنا بأنه الدفاع على الدين و الهوية. و النتيجة أن كلا الطرفين غاطسين في معارك الهوية التي يضن البعض انه بمجرّد رفع شعار أن الإسلام هو الحل سيحقق المجتمع المنشود و الطرف الآخر يضن أن مجرّد رفعه لشعارات حقوق الإنسان و الحداثة على شاكلة الديمقراطيات الغربية التي هي في حقيقة الأمر وان رفعت هذه الشعارات المعسولة فان ما يهمها هو صفقاتها التجارية و المحافظة على مصالحها الاقتصادية و ما دعمها للدكتاتوريات العربية لعقود من الزمن و تبرير كل ما مارسته من استبداد تحت شعار مقاومة التطرّف و الإرهاب و هاهي اليوم تفرش السجاد الأحمر أمام من كانت تعتبرهم مارقين عن القانون و لا يدخلون تحت مظلة حقوق الإنسان التي يرفعونها.

إننا في مشروعنا المستقبلي يجب ان نتموقع خارج هذا المشهد الفكري المستلب كما أننا لا نقبل بالجمود و التقوقع ، إننا نعتبر أنفسنا امتدادا للعقل الإسلامي المستنير الرافض للتقليد فنحن نستلهم فكرنا من المجدّدين عبر تاريخ هذه الأمة أمثال ابن رشد و ابن خلدون و المجددين الحداثيين المعاصرين ، إننا ننطلق من الحداثة باعتبارها مكتسبات إنسانية لابد من المحافظة عليها و تجديدها وفق منهج عقلي علمي في إطار ما هو فطري فينا أي الإسلام و بالتالي فنحن تيار حداثي أصيل لسنا تقليديين نتناقض في فكرنا مع الفكر الأصولي الذي يشكل عائقا في وجه الفكر الإسلامي النقدي و العلمي كما أننا لسنا منبتّين عن ثقافتنا وديننا.

1 – نحن تيار أصيل يعتز بهويته التنويرية التي شكلت مدرسة عبر تاريخ امتنا وان لم تكن مهيمنة فانها ضلّت منارة مضيئة و نبراسا منيرا إنها مدرسة التجديد و التحديث الامتداد الحقيقي للعصر الذهبي للأمة ترفض التقليد و الجمود برغم ما تلاقيه من إرهاب و استبداد من قوى الاستلاب الحضاري و الارتداد و الجمود.

2 – نحن تيار حداثي بعيدا عن الاستلاب الفكري و الأخلاقي، يحمل رسالة للناس كافة و منفتحا على تجارب الأمم الأخرى في مسار يحكّم العقل الناقد و النهج الفكري العلمي. يرى في تراكم تجارب الأمم الأخرى مكسبا لا يجوز هدمها و تجاوزها.نؤمن بالحوار و التواصل، ننبذ العنف و الإقصاء تحت اية راية كانت، نثق في قدرة الإنسان التونسي على الإبداع و التميّز كلّ ما تخلّص من الوصاية و التسلط.

3 - نحن تيار وسطي لا بالمفهوم الفكري فقط و إنما من حيث المنهج لأن الوسطية لا تشكل فكرا مستقلاّ وإنما هي منهج حياة يمكنه التجلّي في تيارات متباينة ذي مرجعيات فكرية متنوّعة وهو ما يحقّق التنوّع الايجابي في المجتمعات الحديثة.

إننا نهدف الي بناء تيار أصيل الفكر حداثي العقل وسطي المنهج.

الأزهر عبعاب

No comments: