كلمات حرة
من كتب مشروع الدستور؟ مستشار بوش في العراق أم طلبة جامعة كمبردج؟
29 جويلية 2013 | 09:30
يعرف الجميع أنّ المقرَر العام للدستور ومن ورائه الكتلة الحاكمة قرّروا الانطلاق في كتابة دستور مابعد الثورة من صفحة بيضاء، رافضين بذلك مشاريع تقدّم بها العديد، منهم لجنة خبراء القانون الدستوري وهيئة المحاماة والاتحاد العام التونسي للشغل ومتناسين التاريخ الدستوري المجيد لتونس. أما ما لا يعرفه إلا القلَة فهو أن المجلس التأسيسي جنَد العشرات من الأجانب، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وشغَلهم كمستشارين وخبراء، موكلا لبعضهم انجاز مشروع كامل للدستور. لم أقرأ أو أشاهد يوما في أية وسيلة اعلام تونسية شيئا عن هذا الجانب من عمل المجلس، ولا أدري ان كانت المعلومات عنه متوفَرة للعموم أم أنَها سرية. كما لا أعرف تكلفة هذه الاستشارات ومن دفعها وعلى أي أساس وقع اختيار المستشارين والخبراء. هذا طبعا بالاضافة الى ما في العملية من اهانة للذكاء التونسي، واهدار للمجهود والطاقات، كما لا يخفى ما للاستعانة بالأجنبي واقصاء الكفاءات الوطنية في مسألة سيادية كهذه من منزلقات ومخاطر. سوف أخصَ بالذكر مثالين فقط عثرت عليهما صدفة، بحكم عملي بجامعة بريطانية واطلاعي على ما ينشر باللغة الانجليزية حول الشأن التونسي.
الحالة الأولى تتعلق بنوح فلدمان. فقد قام فلدمان بطلب من المجلس التأسيسي بزيارة عمل الى قصر باردو في سبتمبر 2012، لا أدري ان كانت الأولى من نوعها، وكتب عنها (انظر الرابط). المعلوم من خلال كتاباته أنَ فلدمان قدّم استشارة تدعَم النظام البرلماني. وليس ذلك من غرائب الصدف لمن يعرف مواقف فلدمان. اذ تجدر الاشارة الى أنّ فلدمان، أستاذ القانون بجامعة هرفرد الأمريكية، كان مساعد بريمر، حاكم العراق زمن الاحتلال الأمريكي، في ما يخص كتابة دستور العراق الذي أرسى النظام البرلماني هناك. كما أنَه من دعاة «الدولة الاسلامية الديمقراطية» وقد كتب في 27 جويلية 2012: «انَ تعايش الدين والديمقراطية في الشرق الأوسط ممكن: أنظروا الى العراق وتونس» (الرابط). أما عن تكليف فلدمن وهو في سن الثالثة والثلاثين بكتابة دستور العراق، والتجاهل الكامل للكفاءات العراقية، فقد علَق ادورد سعيد بما يلي مستعملا استعارة أمريكية معروفة: «انَه احتقار على درجة من الكثافة يمكن معها قطعه بسكين»، معبَرا عن الاهانة الواضحة الموجهة للنخبة العراقية، كما أشار سعيد الى نقص خبرة فلدمان وجهله بالمجتمع العراقي والثقافة الاسلامية وهو الذي نشأ في عائلة يهودية أرتودكسية. فلدمان هو أيضا من اعتبر راشد الغنوشي «نيلسن مندلا اسلامي» ونظَر لمفهوم الحركات الأسلامية الديمقراطية معتبرا حركة النهضة مثالا لها. ولنا أن نتساءل: ما هو دور فلدمان في تشبَث حركة النهضة بالنظام البرلماني؟ من الذي جلبه الى تونس؟ كم قبض أجر استشارته؟ في أي اطر من محاولات التحكم في الثورة التونسية يندرج ادخال فلدمان في المسار التشريعي التونسي؟
أما المثال الثاني فيهم مركز أفكار Think tank مكوَن من طلبة بجامعة كمبردج يسمَى: جمعية ولبرفرس The Wilberforce Society ، وقع تكليفه من طرف المجلس التأسيسي في شخص المقرر العام بانجاز مشروع كامل لدستور جديد لتونس، كما يذكر موقع الجمعية على الانترنت (انظر الرابط). وتكونت لجنة العمل من ما يقارب ثلاثين شخصا، يترأَسها طالب لم يتحصل على الدكتوراه الاَ سنة 2011. بعد عمل ميداني شمل لقاءات عدة وقراءات أقلَ ما يقال فيها أنَها انتقائية ومحدودة، حيث لا يوجد أي مرجع عربي أو فرنسي ضمن قائمة المراجع ولا أيَ مختص تونسي ضمن من حاورهم الفريق، قُدَم المشروع الى المقرَر العام يوم 27 سبتمبر 2012. (انظر الرابط لمزيد المعلومات عن المشروع وحيثياته وقائمة اللقاءات والمراجع). ولنا أن نتساءل: ماهو مصير هذا المشروع؟ من الذي قرر الالتجاء الى فريق عمل من الطلبة؟ من دفع فاتورة الفريق الضخم؟
ذكرت هنا عينة فقط بقصد الاشارة الى موضوع مسكوت عنه، راجيا أن تجد هذه الأسئلة من يتابعها من نواب المجلس والجمعيات المختصَة والأحزاب ووسائل الاعلام المعنية.
د. محمد صالح عمري، جامعة أكسفرد
No comments:
Post a Comment