ليبيا تستنجد
جمال لعبيدي - أحمد رضوان شرف الدين
الأربعاء 08 جوان2011
جمال لعبيدي - أحمد رضوان شرف الدين
الأربعاء 08 جوان2011
أعلنت القناة الفرنسية للإعلام المتواصل "فرانس "24 أن سفيرة سوريا بفرنسا قد استقالت. الخبر كاذب، فاتهمت السفيرة السورية القناة المذكورة بالتضليل. للتهوين من وقع الحادث حاولت
"فرانس 24" أن تتقمص دور الضحية لعملية "استفزازية". الحادث يتعلق بسوريا، لكن سوريا وليبيا في الضغط الإعلامي للحلف الأطلسي سواء. فالضغط على سوريا يساهم في الوقت الراهن في تغذية الضغط على ليبيا وفي تبرير التدخل العسكري فيها.
الخميس 09 جوان تقمصت "فرانس 24" دور الوسيط للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، معلنة ومرددة طيلة اليوم أن "السلاح الجديد للقذافي هو الاغتصاب" ومطنبة في التفاصيل، بما فيها القول بأن القذافي يوزع الفياغرا على رجاله بغية تحقيق هدفه. لا تهم عبثية هذه الحجج من الناحية الطبية والعلمية، المهم هو وقع الصدمة على المشاهدين. في نفس الوقت كانت تلك القناة تبث خبر قيام "قوات القذافي" بشن هجوم مضاد. فيتزامن تكثيف الحملة الإعلامية مع تكثيف القصف الأطلسي على ليبيا.
الدوامة الرهيبة
كل ذلك يؤشر في الحقيقة إلى انزعاج الحلف الأطلسي من المقاومة الليبية لهجماته. لقد أصبحت هذه الهجمات تزداد ضراوة بقدر ما تزداد خشية الولايات المتحدة وفرنسا وانجلترا من التورط في الوحل. هكذا أخذت إذن الدوامة مجراها باتجاه إضفاء المزيد من الفظاعة على الحرب في ليبي
طرابلس تتعرض الآن لطوفان من اللهب وبإمكان كل واحد أن يتوقع تعاظم آلام السكان وسوء المصير. حينها لن يجدي نفعا إقدام أوباما على التصريح ب"حزنه" (!)، كما فعل مؤخرا إثر سقوط ضحايا مدنيين، أغلبهم أطفال، في أفغانستان نتيجة قصف الطيران الأمريكي، ولن يجدي نفعا إقدام الحلف الأطلسي على إبداء "أسفه" لوقوع "خسائر جانبية". حينها يكون قد فات الأوان على جميع من قضوا في حمام الدم القائم هذه المرة على حدود بلادنا والذي يقال بأنه أودى حتى الآن بحياة 20.000.
ليس في وسع أحد أن يبقى صامتا على هذه المذبحة، هذه المأساة، دون أن يصبح متواطئا. لم يعد من الممكن لأي كان أن يغض الطرف أو أن يتجنب المشكل قائلا "القذافي هو المسئول" وأن يتفادى اتخاذ موقف من المسألة الحقيقية، مسألة التدخل الأجنبي وتبعاته المتعددة وغير القابلة للإحصاء الآن وعلى المدى البعيد. البعض يقول لنا "المهم هو إزاحة الطاغية، القذافي، ولو عن طريق التدخل العسكري الأجنبي"، لكن عيب هذه البرهنة هو أنها تفترض أن التدخل الأجنبي يهدف إلى إقامة الديمقراطية في ليبيا لا السيطرة عليها، أي أنها تفترض ابتداء أن المشكل الواجب حله محلول بعد، أنها تجعل "الحرية لليبيا" الفرضية والنتيجة النهائية في نفس الوقت. إنه الطرح القديم الملائكي أو الشيطاني - بحسب الأطراف – القائل بتصدير الديمقراطية، وهو طرح لم تتأكد صحته في أي مكان حتى الآن فضلا عن كونه صادرا عن دول استعمارية سابقة، الأمر الذي يطعن في مصداقيته الأخلاقية. إن اجتماعات "مجموعة الاتصال حول ليبيا" تذكرنا بالندوات الاستعمارية التي كانت تعقد في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بغية تقاسم البلدان والقارات، وينبغي ألا ننسى كذلك أن الدول الغربية التي تحارب ليبيا اليوم كانت منذ أشهر قليلة فقط تدعم الأنظمة المعادية للديمقراطية في مصر وتونس وغيرهما.
هل نحن جاحدون إلى هذا الحد...
مهما كان موقفنا من النزاع ومن المتنازعين لا يوجد سبب، لا توجد حجة لتبرير عقاب مدينة بأكملها، قتل الأبرياء، ترويع السكان، وهدم البنية التحتية، ثمرة عمل الشعب، وإعادته عشرات السنين إلى الوراء، على غرار ما حصل في العراق.
لم يبق الأمر متعلقا بالقذافي، إنما بات يتعلق بليبيا، بالليبيين، كل الليبيين، في بنغازي كما في طرابلس. من أجل طي صفحة القذافي نهائيا، من أجل الديمقراطية، يحتاج الليبيون إلى التحدث مع بعضهم لا إلى حرب أهلية وبث المزيد من الحقد بينهم وما ينجر عنهما من سوء العواقب على مدى السنين القادمة. إن ما يحتاجون إليه هو أن يلتقوا لا أن يتقاتلوا، أن يجدوا معا حلا لن يكون إلا في صالح الديمقراطية في ليبيا وفي صالح وحدتها واستقلالها، لأن ليس في مقدور أحد اليوم أن يجرأ على اقتراح حل آخر. لم يعد خفيا على أحد أن التدخل الأجنبي لم يحدث، كما في كل مرة، سوى المزيد من الآلام للناس ومن التعقيد للمشاكل. كل الطاقة المستعملة الآن لدعم طرف ضد الآخر ولقتل ليبيين من كافة الأطراف كان بالإمكان أن تستعمل بصورة أفصل لفرض حل وسط سلمي.
التدخل العسكري الأجنبي يسد جميع المنافذ في وجه النظام الليبي ولا يترك له إلا بديل القتال من أجل البقاء، في حين أنه يحد من استقلالية القرار لدى المجلس الوطني الانتقالي إن لم يشلها تماما، بما في ذلك عند البحث عن حل وسط سلمي قد يواجه معارضة قوى الحلف الأطلسي. على الشعوب أن تتدخل إذن، الشعوب المجاورة قبل غيرها لصالح حل سلمي تطمح إليه الأغلبية الساحقة من الليبيين دون أدنى شك.
لقد وقف الليبيون بجانبنا أثناء حربنا التحريرية. إنهم لبوا النداء عندما كنا بحاجة إليهم لكن ها نحن نتركهم يعانون القصف من طرف الطيران الفرنسي الذي سبق أن قصفنا. هل نحن جاحدون إلى هذا الحد... الشعب الليبي يصرخ ويستنجد بنا يوميا ولا حياة لمن تنادي. هل نستمر في سد آذاننا ؟ لماذا لا تتدخل الشخصيات الوطنية في الجزائر، الأحزاب، التيارات والحساسيات السياسية الوطنية المختلفة، المنظمات الجزائرية لحقوق الإنسان، لماذا تلتزم الصمت الآن ولا تتدخل ؟ إنه صمت مدو أكثر من صوت الأسلحة وانفجار الطوماهوك في ليبيا، صمت لن يترك ضمير أحد مرتاحا في حال استمراره.
نشر في جريدة "الخبر" يوم 2011.14.06
No comments:
Post a Comment