كتبه رضا التونسي من الدنمارك
Tunisnews.net.N° 2522 du 19.04.2007
تابعت باهتمام هذه الأيام ما يدور من سجال على صفحات الانترنت بين الدكتور الهاشمي الحامدي و أصحاب أقلام الرصاص.
و الواقع أنني كالغالبية العظمى من أبناء الحركة لا أجد وقتا لمطالعة صفحات "تونس نيوز" أو غيرها من المواقع الالكترونية إذ أن الواقع الذي أعيشه في الغرب في بلاد الحرية هذه لا يترك لي الوقت، فيومي أقضيه بين ساعات طوال من العمل كعامل بمصنع للحديد و النوم للاستراحة قليلا من عناء يوم من العمل و الاستعداد ليوم مقبل من الكدّ.
قلت أني أعمل كعامل بمصنع للحديد لأن أصحاب بلاد الحرية و الديموقراطية لم يعترفوا بشهادتي في الهندسة الالكتروميكانيكية و لا بخبراتي و لا بالدورات العديدة التي تلقيتها عند شركات صناعية معروفة بأوروبا و أمريكا.
لقد سقت هذه المعلومة بين قوسين حتى يعلم أصحاب أقلام الرصاص الذين يجلسون في بيوتهم و يتقاضون راتبا شهريا مجزيا و يجدون الوقت لمطالعة صفحات تونس نيوز و يكتبون المقالات النارية، ليعلموا أن الكثير من إخوانهم لا يجدون الوقت لقراءة ما يكتبون كما أنهم لا يهتمون كثيرا لما يقال لأنهم أصيبوا بالإحباط بسبب طول المحنة.
قلت أنني تابعت ما يُـكتب على صفحات تونس نيوز بعد مقال الدكتور هاشمي الحامدي عن الربيع و الزيتون و قررت أن أكسر الصمت حتى يُعلم أن أبناء الصحوة الإسلامية الأولى ليسوا صوتا واحدا و إني لأعلم أن الكثيرين يؤيدون ما يدعو إليه الدكتور الهاشمي الحامدي ولكنهم صامتون.
و الواقع أنني قررت أن أكتب في عدة مناسبات سابقة عندما تستفزني بعض المقالات التي احترف أصحابها الكتابة ليقولوا خيرا أو في أغلب الأوقات غير ذلك، و لكن يخونني قلمي فلست ممن درس الأدب أو الفلسفة و يُـحسن اختيار العبارات الطنانة التي تنفذ إلى القلب فأتراجع عن قراري.
و لكنني هذه المرة عزمت و اخترت أن يكون مقالي هذا عبارة عن خواطر تخالجني عندما أجد شيئا من الفراغ وأتفكر في واقع أبناء الصحوة الإسلامية الأولى و الثانية.
يقول الدكتور الهاشمي في مقالته "تونس الجميلة": "وأقول لكثير من الإخوة الذين يقولون لي مباشرة أو بالهاتف إنهم يشاطرونني الرأي الذي عرضته في هذه المقالة: إن كنتم جادين فيما تقولون فاكتبوا آراءكم علنا وتحملوا مسؤولياتكم عما تكتبون. تأييدكم الهاتفي لا يفيد كثيرا، أما مواقفكم المعلنة فقد يكون لها أثر مباشر على نتيجة هذا الحوار وعلى فرص تحقيق الهدف المنشود منه".
و رغم أنني لا أعرف الأخ معرفة شخصية و لم أتصل به هاتفيا فإني أكتب اليوم لأقول أنني معه في كل ما جاء في مقالته هذه. و خاصة عبارته: "أم أن الوقت قد حان، ليقول الإسلاميون، بشجاعة وثقة بالنفس، إن نهج المغالبة والصدام غير مفيد للوطن، وغير مفيد للإسلام. وأن التنازلات القاسية التي تقدم لبعض الغلاة المتطرفين من حلفاء المرحلة قد تكون أضخم وأعلى تكلفة من التنازلات التي يتطلبها إصلاح ذات البين مع رئيس الدولة والحزب الحاكم؟
." و الواقع أني عُرفت منذ سنة 1998 بمخالفتي لنهج المغالبة و المصادمة و قد عبرت عن ذلك في كثير من لفاءاتي ببعض الأخوة و اتصالاتي الهاتفية بالبعض منهم. و قد لمست عند الكثيرين منهم موافقة لرأيي، و لكن للأسف ليس منهم من يعبر عن وجهة نظره كتابة كما يفعل أصحاب أقلام الرصاص، و هذا يجعل المراقب للشأن الإسلامي في تونس يتصور أن هذا الصوت هو الوحيد في حين أن الواقع غير ذلك.
خواطر:
أحيانا عندما أتفكر في واقعنا أتساءل هل كتب على كل متدين أن يكون إما سجينا أو مهاجرا أو مضيقا عليه في معيشته؟
ألا يمكن للمتدين في تونس أن يعيش حياته كباقي خلق الله و أن ينشر الخير و الفضيلة و الأخلاق و أن يكون مؤثرا في من حوله.
هل خيار المغالبة و الصِّـدام هو ممّا جاء به ديننا فنحن نتّبعه امتثالا لأمر الله؟
وهنا أستحضر الآية الكريمة التي يستعملها بعض إخواننا للتعبير عن سبب العداوة بيننا و بين النظام الحاكم في تونس، و هي قوله تعالى: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )
فأتساءل وماذا عن عَشَرة ملايين من الشعب التونسي؟ ألا يؤمنون بالله العزيز الحميد؟ و ماذا عن حمة الهمامي و المرزوقي و غيرهم من الشيوعيين و العلمانيين المعارضين للسلطة في تونس، هل ينقم النظام الحاكم منهم انهم يؤمنون بالله العزيز الحميد؟
الجواب عن هذه التساؤلات واضح عندي. لذلك عبرت مرار و تكرارا عن مخالفتي لقيادة حركة النهضة في المغالبة و الصدام. وهنا استعملت كلمة قيادة حركة النهضة ولم أقل حركة النهضة لأنني أعي جيدا الفرق بينهما وأرجو أن لا يكتب أحد باسم مستعار و يقول لي "ماو قلنا الحركة".
وأحيانا تخالجني خواطر أخرى وتساؤلات. أتساءل عندما أقرأ رأي قيادة حركة النهضة في مجلة الأحوال الشخصية و أنها مقبولة كأساس لتسيير شؤون الأسرة التونسية، أتساءل ً: ماذا كنا إذًا نعيب على بورقيبة؟ فلقد كان وطنيا و نظيف اليد واجتهد في النهوض بتونس ولولا مجلة الأحوال الشخصية و حل الأوقاف والتطاول على الدين، لما كان لنا عذر كإسلاميين أن نثور في وجهه فكيف نقبل بمجلة الأحوال الشخصية بعد أن اعتبرناها كفرا بواحا؟
وتنتابني نفس الخواطر و التساؤلات عندما أرى الأخ علي العريّـض في حواره مع الطاهر بن حسين يخشى من كلمة الدولة الإسلامية ويتحدث عن الحرية والديموقراطية ويقول له محاوره أن الإسلام هو أظلم حكم عرفه التاريخ البشري فيقول له: "هذا رأيك ولك ذلك". فأتساءل أفي يقطة أنا أم في كابوس؟ و لكن تذهب عني الحيرة وتبدأ الأمور تتوضح عندي عندما أتذكر قول الشيخ راشد الغنوشي عندما قابلته صحبةَ بعض الإخوة منذ أكثر من سنتين، و كنا نحدثه عن الإسلام في تونس قال لي: "لماذا تنصّبون أنفسكم مدافعين عن الإسلام؟ للإسلام ربٌ يحميه، إنما نحن جماعة سلطت علينا مظلمة نريد أن نرفع المظلمة عن أنغسنا."
يا الله، و هل سُلِّطت علينا هذه المظلمة إلا لأننا قمنا في وجه حاكم رأيناه عدوا للإسلام فأردنا نصرة ديننا؟
فهل ما أسـمعه هنا, إضافة إلى ما جاء في بيان 8 مارس هو ما سُجن من أجله نجيب اللواتي و عبد السلام الخمّاري و مراد الحنّاشي و عبد الله المسعودي و غيرهم ممن لا تجرأ قيادة النهضة على ذكرهم.
و هل هذا ما اُخرج من بلادهم في سبيله رضا التونسي و عبد الحميد العداسي و رضا الباروني و منصور الزريبي و غيرهم؟ و استشهد من أجله الرائد المنصوري رحمه الله؟
إذا كانت المصلحة السياسية في تقدير البعض تقتضي أن نقدم تنازلات في ديننا لأعدائنا في العقيدة, ألا تقتضي المصلحة الشرعية و الوطنية أن نقدم تنازلات سياسية في سبيل المصالحة التي فيها خير للجميع إلا أعداءنا في العقيدة؟
و أفكر أحيانا باتخاذ القرار بالانفصال عن هذه الحركة، و لكن لماذا و أنا لم أبدّل ولم أغيّـر كل ما في الأمر أنني أريد أن يتصالح الإسلاميّون مع وطنهم حتى و إن تنازلوا عن الصفة السياسية للحركة؟ أليس الأولى بالإنسحاب هذه القيادات الفاشلة التي ساقت الحركة من مواجهة إلى مواجهة ثم قبلت بأن تتخلى عن الصغة الإسلامية و لا تتخلى عن الصفة السياسية؟
وفي الختام أقول أنني تتبعت كتابات الذين يعارضون مبدأ المصالحة فلم أجدهم قدموا أي مبرّر موضوعي لرأيهم وأنهم لم يقارعوا الرّأي بالرّأي والحُجّة بالحُجّة ولكن ردّوا على الرأي باتهام النوايا و التخوين كما فعلوا من قبل ردّا على الأخ لزهر عبعاب ورفاقه وهذا ليس نهج الصالحين ولا نهج العقلاء.
أما الذين يتخفون وراء أسماء مستعارة بدعوى الخوف من بطش النظام التونسي ويدّعون النضال والصمود فإني أقول لهم أن المناضل الصامد لا يفر من وجه خصمه, وأنتم قد فررتم منذ سنين كما أن المناضل الصامد لا يكون جبانا ويتخفى وراء اسم مستعار, فشيئا من الحياء يرحمكم الله.
كتبه رضا التونسي من الدنمارك
Tunisnews.net.N° 2522 du 19.04.2007
No comments:
Post a Comment