ما ضرّ لو اعتذرت واشنطن للعرب؟
أ.د. فرج معتوق
12/06/2011
“إن أقوى قوة في العالم اليوم, القوة الأوحد, هي ليست الشيوعية ولا الرأسمالية ولا القنبلة الهيدروجينية ولا الصواريخ العابرة للقارات, وإنما هي الرغبة الأزلية للإنسان في أن يكون حرا ومستقلا”. لم تكن هذه العبارات نابعة عن تشي غيفارا أو هوشي مينه ولا عن عبد الناصر أو تيتو, وإنما كانت صادرة عن جون ف. كينيدي أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في الثاني من شهر جويلية 1957. وكان الرجل يومها عضوا بمجلس الشيوخ قبل أن يصبح بعد ثلاث سنوات رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. و الملفت أكثر للانتباه أنه كان يتحدث في خطابه يومها عن نضال الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي.
ويضيف السيناتور كينيدي في موضع آخر من خطابه فيقول: “إن أكبر عدو لهذه القوة الخارقة للعادة لإرادة الحرية, يمكن أن نطلق عليه, إذا أردنا وصفا دقيقا, الامبريالية” . انتهى كلام كينيدي. إن ما تجدر الإشارة إليه هو أننا لا نكاد نصدق أن هذا الكلام صادر عن سياسي أمريكي ذي نفوذ واسع وسيصبح بعد فترة وجيزة رئيسا لأكبر قوة عسكرية واقتصادية على سطح الأرض. كما إننا لا نكاد نصدق أن هذا الموقف صدر لمساندة ثورة شعب عربي هو شعب الجزائر, وضد من؟ ضد فرنسا التي كانت تعتبر أقدم حليف للولايات المتحدة. إذ لا ننسى أن فرنسا وقفت إلى جانب الثوار الأمريكان الذين أعلنوا العصيان المسلح ضد جيش الوطن الأم: بريطانيا في 1775. وذلك قبل أن يحرزوا على استقلالهم عن المستعمر الذي لم يكن يومها سوى بلدهم الأصلي. تلك هي مفارقات التاريخ.
هل لنا أن ننتظر اليوم مثل هذا الموقف من أعضاء مجلس شيوخ الولايات المتحدة ؟ باستطاعتنا أن نتطلع إلى مثل هذا الموقف. ولكن ظاهريا فحسب. فما رأيناه من تصفيق حار من طرف جل أعضاء الكونجرس إن لم نقل كلهم, وفوق ذلك وقوفا, للثورة التونسية, يجعلنا نذهب بعيدا في تفاؤلنا. لكن حينما ننظر إلى موقف واشنطن تجاه ما يحصل في فلسطين وما فعلته وتفعله بالعراق, وما تهيئ له على نار باردة بمعية مجلس التعاون الخليجي في اليمن, يجعلنا نضع عددا لا يكاد ينتهي من نقاط الاستفهام. ولكن يجب ألا يطول استفهامنا كثيرا خاصة عندما يتحدث الرئيس الأمريكي عن سياسته في الشرق الأوسط أمام لجنة “إيباك” اليهودية الأمريكية, ويحدد أولا واخيرا, كما في كل مرة, إسرائيل كحليف إستراتيجي للولايات المتحدة, وحين يكرر للمرة الألف أن التزام واشنطن بأمن إسرائيل هو أولوية الأولويات في كل مقاربة للسياسة الدولية الولايات المتحدة. لذلك نقول أن تفاعل الكونجرس وتفاعل الشعب الأمريكي مع ثورة تونس وبدرجة أقل مع ثورة مصر, لنفس السبب المتعلق بالتزام واشنطن بأمن إسرائيل, قد يكون فيه نصيب من الحقيقة والتلقائية, لكنه لا يصنع سياسة. فالسياسة الخارجية الأمريكية تصنعها مراكز القرار ومراكز البحث التي يسيطر عليها مثقفون وصناع رأي هم في معظمهم موالون لإسرائيل ومعادون للقضايا العربية بل معادون للعرب والمسلمين أصلا. لذلك نجد أحيانا أنفسنا أمام مفارقة. شعب يقف إلى جانب حراك الثورات العربية التي تتوق إلى الحرية والعدل والمساواة وكل ما يرمز وينحو إلى القيم الإنسانية النبيلة, ومراكز قرار تعمل وتخطط ليلا نهارا للالتفاف على تلك الثورات وإجهاضها من أساسها حتى تبقى هذه المنطقة الكبرى الغنية بالموارد الطبيعية وبشعوبها التي تفوق الثلاثمائة مليون نسمة سوقا مفتوحة أمام سلع الشمال ورؤوس الأموال الاستثمارية, ولما لا, بين الحين والحين, حقلا لتجربة آخر ما وصلت إليه تقنيات الترسانة العسكرية الأمريكية خاصة والغربية عامة.
ولكن لنتساءل: ألا يتحمل الجانب العربي قسطا من المسؤولية عن هذا الوضع؟ حكومات ومثقفين ونخب؟ بلى بالتأكيد, وخاصة الحكومات, تلك التي تأبى اليوم الرحيل, والتي سترحل لا محالة إن عاجلا أم آجلا.
أما عما هو بين الولايات المتحدة والعرب, والمقصود بالعرب هنا الشعوب لا الحكومات, فهو إرث ثقيل, وسلسلة طويلة من الإجحاف والعداء لا تمحي في لحظة تصفيق من لدن أعضاء الكونجرس ولا في تصريح لهيلاري كلينتون من هنا أو لباراك أوباما من هناك, للإشادة والتنويه بربيع العرب 2011. إن بداية التحول في سياسة العداء الأمريكية الطويلة لقضايا العرب الكبرى لا بد أن تبدأ, لكي نصدقها نحن معشر العرب, بحركة رمزية قوية. ولا بد أن تصدر هذه الحركة عن أعلى مستوى في مؤسسات الولايات المتحدة, من الرئاسة والكونجرس ومجلس الشيوخ والخارجية الأمريكية. ويمكن لتلك الإشارة أن تكون رسالة اعتذار للشعوب العربية عن كل ما طالها من ظلم وقهر وقتل وتشريد وسلب للثروات, بواسطة أو بصفة مباشرة, بدءا من فلسطين ووصولا إلى العراق على امتداد أكثر من نصف قرن.
وما ضر لو اعتذرت الولايات المتحدة للأمة العربية؟
قد يرى البعض في ذلك أضغاث أحلام. وقد يكون محقا في رأيه لو نحن نظرنا إلى واقع الأمة اليوم. لكن لن تكون الأمور على هذا النحو عندما يعم الربيع كل البلاد, وتتخلص الشعوب العربية من حكام, طغاة تجاه شعوبهم, أذلاء أمام الأعداء. فالوضع لن يستمر على حاله إلى الأبد. أوليس دوام الحال من المحال؟
أ.د. فرج معتوق
http://www.alrrayalarabi.com/2011/06/%d9%85%d8%a7%d8%b6%d8%b1%d9%91-%d9%84%d9%88-%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d8%b0%d8%b1%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d8%b4%d9%86%d8%b7%d9%86-%d9%84%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d8%9f.html/
No comments:
Post a Comment