اليوم السياسي
لأول مرة في الصحافة التونسية : "الحديقة السرية للجنرال بن علي "
- اليوم تكشف صفحات من الكتاب الذي أدى إلى محاولة إغتيال مؤلفه 3 مرات...
- لو خيروك بين الحياة والكرامة ... لا تتردد يا ولدي في إختيار الكرامة لأن الحياة لا تساوي شيئا دونها
- أبو إياد وصفه بالجحش...وبن ضياء بـ"بوبالة"
***بقلم : محمد بوغلاب
boughallebmoh@yahoo.fr
"الحديقة السرية للجنرال بن علي" عنوان كتاب صدر بباريس سنة 1995 بقلم أحمد المناعي ، ولعل إسم الكاتب لا يعني الكثير عند القارئ، كما أن الكتاب لم ير النور في تونس بعد ثورة 14 جانفي على الرغم من سيل الكتب التي رفع عنها الحظر وإسهال الكتب الثورية التي يقف وراءها طيف من الكتاب والكتبة بعضهم من صناع إعلام "العهد السعيد" ...
وعلى الرغم من عشرات المقالات التي كتبت عن "الحديقة السرية للجنرال بن علي" خارج تونس وخاصة في فرنسا إلا أن الكتاب ظل مجهولا عند عموم التونسيين كما عند خاصتهم ...
وأعترف بأني إرتبكت كثيرا وأنا أفكر في كشف أسرار هذا الكتاب لأني عجزت عن الفصل بين الذاتي والموضوعي ... وخشيت أن أتورط في موضوعية جافة تفقد كتابتي كنهها ومعناها ...أو ذاتية محضة تغرق القارئ في فيض مشاعر قد لا تعنيه ...
وسبب إرتباكي أن مؤلف الكتاب أحمد المناعي ينحدر من الوردانين مسقط رأسي التي تتبع إداريا ولاية المنستير (بعد أن كانت إلى غاية مطلع السبعينات جزءا من ولاية سوسة ) ولا تبعد عنها سوى مسافة ربع ساعة بالسيارة ، وهو فضلا عن ذلك جار لعائلتي في السكن، كما جمعتني بإبنيه بلال وخاصة باديس صداقة متينة من نهاية الثمانينات إلى مطلع التسعينات تاريخ مغادرة أحمد المناعي وعائلته تونس بشكل نهائي ...
- كيف أصبح أحمد المناعي معارضا؟
لم يكن أحمد المناعي في نهاية الثمانينات - وكنت وقتها في أول سن الشباب -شخصا عاديا في قريتنا الهادئة التي يتغنى "كبارها" بأنها قلعة النضال نظرا إلى مشاركة أبنائها في حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسي، وهنا يذكر في المقام الأول المقاوم(الفلاق) حسن بن عبد العزيز المعرف بلقب حسن الورداني الذي كان من أقرب الناس للزعيم بورقيبة وربما كان الزعيم لهذا السبب يخص الوردانين بالزيارة كل صيف تقريبا حين يستقر به المقام في القصر الرئاسي بصقانس بالمنستير .... كان الزعيم يزور الوردانين وكنا صغارا نخرج من تلقاء أنفسنا نتزاحم من وراء الحواجز الحديدية لرؤية المجاهد الأكبر الذي كان يحيي الجماهير بيد متثاقلة أنهكتها الشيخوخة ... ثم يدلف إلى مقر المعتمدية غير بعيد عن مسكننا العائلي في "الديار الجديدة " وهو حي شيدته الدولة بعد أن فتكت فيضانات 1969 بعدد من مساكن أهل القرية ومن بينهم مسكن جدي ...
كنا ننظر بإعجاب إلى أحمد المناعي، فالرجل يعمل خبيرا زراعيا بالأمم المتحدة على سفر دائم كما أنه لم يستقر سوى حديثا بالقرية لنكتشف أن زوجته من أصل جزائري إسمها مليكة خيار وله ثلاثة أبناء أكبرهم باديس (من مواليد 1969) وبلال والطاهر وبنتان هما أميرة وبشرى
وينحدر أحمد المناعي الذي كان أول من تحصل على الباكالوريا في معهد الوردانين سنة 1962 من عائلة لها سلطانها، فشقيقه محمود من أثرياء القرية وترأس بلديتها لمدة فاقت العقدين، ولأنه من أصحاب الجاه فقد غادر القرية ليستقر بجوهرة الساحل سوسة ، أما خاله فهو عبد الله فرحات الذي كان من أعمدة الحكم البورقيبي لأكثر من ربع قرن وشغل لسنوات خطة وزير الدفاع ، وله خال ثان هو محمد فرحات الذي كان الوكيل العام للجمهورية( حتى وفاته سنة 1980) وإكتسب شهرة ذاعت في الآفاق إبان محاكمة الوزير الأول الأسبق أحمد بن صالح
كانت كل المؤشرات تنبئ بأن أحمد المناعي الذي إشتغل لسنوات في البنك الدولي والأمم المتحدة خبيرا زراعيا في الجزائر والريف المغربي ودول شرق إفريقيا مرشح لدور ما في حكم الرئيس بن علي الذي تسلم الحكم حديثا في ظل إجماع وطني أو يكاد بعد أن طالت شيخوخة الزعيم بورقيبة وأنهكت مؤامرات قصر قرطاج البلاد فهرب محمد مزالي خلسة وأوشكت البلاد على الإفلاس
فما الذي حدث ليصبح أحمد المناعي القريب من دوائر السلطة طريد نظام بن علي طيلة أكثر من عشرين عاما؟
آخر مرة رأيت فيها أحمد المناعي كانت في شهر أفريل من سنة 1991 ...ثم تم إعتقاله في أقبية وزارة الداخلية ... ليخرج في ظل صمت مطبق منه ومن إبنه باديس الذي رفض البوح بأي شيء رغم صداقتنا العميقة ،إكتفى بإخباري بأنه لم ير والده يبكي كما حدث معه حين إلتقاه بعد الإفراج عنه ... ثم غادر احمد المناعي تونس بإتجاه فرنسا التي أقام فيها سنوات شبابه ... أما باديس فإلتقينا لأخر مرة في صيف السنة ذاتها... أخبرني بأن العائلة قررت الأنتقال إلى سوسة بصفة نهائية بعد أن ضاق بها الحال في الوردانين بفعل الرقابة الأمنية الشديدة عليها ... بعد أيام سمعت خبر هروب العائلة عبر الجزائر ... ثم الإستقرار بفرنسا ... أما أنا فلمت صديقي باديس لأنه أخفى عني قصة هروبه ، وأوهمت نفسي بأني قاطعته ولفظته من حياتي
كنت في السنة ذاتها - وفي يوم 14 جانفي1991 تحديدا - قدمت ملف جواز سفري إلى مركز الشرطة بقريتنا ... ولم أتلق أي إجابة طيلة شهور ...وسنوات ...حتى أخبرني أحد الأصدقاء بأني ممنوع من السفر وبأنه لا يحق لي الحصول على جواز السفر أصلا وإستمر هذا الوضع إلى غاية سنة 2008 ...قلت في نفسي لعلي أدفع ضريبة صداقتي لباديس ولعائلة أحمد المناعي ...فأخفيت الأمر عن كل من حولي إلا الأقربين من الأهل والأصدقاء
- العودة من المنفى ...
كان لقائي بأحمد المناعي يوم 28 أفريل الماضي بمناسبة إنعقاد ندوة صحافية لجمعية إنصاف قدماء العسكريين ولابأس من التعريج على قصة هؤلاء لأن لها صلة بقصة أحمد المناعي نفسه ، وقد عرفت محاكمات العسكريين بـ"براكة الساحل " ، تعود الأحداث إلى سنة 1991 فقد عقد وزير الداخلية آنذاك عبد الله القلال ندوة صحافية بتاريخ 22ماي ليعلن عن خطة للإستيلاء على ساحة الحكومة بما تضمه من وزارات (الخارجية ،المالية...) و مؤسسة الإذاعة والتلفزة والقصر الرئاسي بقرطاج بتدبير من حركة النهضة بمساهمة عدد من العسكريين حضروا إجتماع يوم 6 جانفي 1991 ببراكة الساحل ٌلإعداد هذه المؤامرة ، وخلافا لما هو معمول به في تقاليد الجيش التونسي وقانونه الداخلي سلمت إدارة الأمن العسكري – وكان يشرف عليها آنذاك علي السرياطي المدير العام السابق للأمن الرئاسي رهن الإعتقال حاليا- الضباط المشتبه فيهم إلى وزارة الداخلية التي تولت بمعرفتها بإشراف مباشر من وزير الداخلية التحقيق مع الضباط العسكريين في أقبية الوزارة الشهيرة ...
كان أحمد المناعي حاضرا في الندوة الصحافية لأنه كان أول من كتب عن مأساة هؤلاء العسكريين إبان نفيه في فرنسا منتصف التسعينات ...
لم أتعرف على الرجل سوى بعسر أما هو فقال لي"لو عرضتني في الشارع والله ما نعرفك"...
- نهاية الربيع الديمقراطي وبداية عذابات أحمد المناعي ...
يعترف احمد المناعي( لا يخفي الرجل أنه إنخرط في الحزب الإشتراكي الدستوري سنة 1954 في سن الثانية عشرة وكان رقم بطاقته 099112) في كتابه بأن يوم 2 أفريل 1989 كان تاريخ إنتهاء الربيع الديمقراطي القصير في تونس بعد ثلاثة عشر يوما من حملة إنتخابية مليئة بالأحلام خاضها بمناسبة ترشحه في قائمة مستقلة بولاية المنستير (بنفسجية اللون آنذاك قبل أن يفتك بن علي اللون ويستأثر به لنفسه) في أول إنتخابات تشريعية في "العهد الجديد "... كانت تونس في تلك الفترة في أوج حلمها الديمقراطي فقد مكن نظام بن علي منظمة "أمنستي" من تركيز فرعها بتونس كما أمضى على الإتفاقية الدولية لمقاومة التعذيب صيف 1988 ...
إختار أحمد المناعي خوض الإنتخابات التشريعية فشكل قائمة مستقلة ضمت كلا من عبد الحميد البدوي ولزهر الشملي وفرج يحي وسالم نويرة وخليفة الإمام ولطبع معلقات الحملة الإنتخابية ساهم كل عضو ب500 دينارا وراج وقتها أن حركة النهضة هي التي تقف وراء هذه القائمة وضخت الملايين لتمويل حملتها ويعلق أحمد المناعي بأن النهضة وضعت يدها على القائمة وكأنها عملية قرصنة وفي الوقت الذي اعلنت فيه وسائل الإعلام أن بن علي أوصى الولاة بتأمين إنتخابات ديمقراطية فإن الوجه الآخر للحقيقة أنه حذر الولاة بالطرد في صورة فوز أي قائمة معارضة كما يذكر المؤلف .
إمتدت الحملة الإنتخابية من 2مارس 1989 إلى غاية يوم 31 مارس وجرى الإقتراع يوم الأحد 2 أفريل 1989، يقول أحمد المناعي في "الحديقة السرية للجنرال بن علي" كانت معجزة المعجزات فلم يسجل أي حادث طيلة أيام الحملة فلم يتعرض أي مترشح ولا أي متعاطف مع قائمة إلى أي إعتداء ...أثبت التونسيون أنهم كعادتهم متسامحون وأعطوا الدليل على ذلك ، جرى الإقتراع يوم 2 أفريل ...فتحت المكاتب أبوابها في الثامنة صباحا لتنطلق عملية طرد المراقبين من غير الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي) بحماية من أعوان الشرطة ..."يواصل المناعي وصفه للواقعة" كان كل ناخب يسلم ورقة القائمة المستقلة إلى أعيان السلطة في منطقته يحصل على ورقة بخمسة دنانير ودعوة لحضور حفل فوز قائمة التجمع التي ستلتئم بنزل قريب ...ومن الغد أعلن عن فوز قائمة التجمع، أما نحن فلم نحصل سوى على أكثر من عشرين بالمائة من الأصوات بقليل ... إنتهى الحلم وكان علينا أن ننتظر الموعد القادم سنة 1994 ولكن كان علي ان أفكر في عائلتي فإلتحقت بالعمل في بورندي ".... وأثناء سفري علمت بالأذى الذي لحق كل من ساند القائمة أو تعاطف معها فأطرد من أطرد من عمله وتعرض أخرون لنقل تعسفية ومضايقات عائلية ومهنية ...
- صفحات من تاريخ بن علي...
يعود أحمد المناعي إلى جانفي 1988 تاريخ إنعقاد قمة مغاربية تحدث القذافي إلى الشاذلي بن جديد الذي كان رئيس الجزائر أنذاك ليقدم له الحاكم الجديد لتونس" ها هو بطل ساقية سيدي يوسف" يعلق المؤلف بالقول: "حين جدت أحداث ساقية سيدي يوسف في فيفري 1958 وقصف الطيران الفرنسي المدينة المتاخمة للجزائر، كان بن علي مرابطا بمكتبه في تونس وهو ما أكده لي زميله الكولونيل المتقاعد سعيدانة ، وحكاية إصابة بن علي في أحداث الساقية روجت لها جريدة الصباح آنذاك وأدرجت لاحقا في السيرة الرسمية لبن علي"
كانت الماكينة الدعائية في خدمة بن علي الطامح إلى كرسي الرئاسة بموافقة أمريكية كما يورد مؤلف كتاب "الحديقة السرية للجنرال بن علي" إذ ذكر بتفجيرات أوت 1987 التي إستهدفت أربعة فنادق بسوسة والمنستير... كان بورقيبة وقتها في مقر إقامته الصيفي بالمنستير ليحتفل بعيد ميلاده ... يلمح المؤلف إلى الغموض الذي أحاط بتلك التفجيرات والتي نسبت إلى حركة النهضة التي يذكر المناعي أنها أبرمت إتفاقا مع بن علي في تلك الفترة لتهدئة الشارع مقابل ضمان أحكام مخففة على قيادات الحركة التي كانت تتعرض للمحاكمة وفي مقدمتها راشد الغنوشي (ويذكر مصدر المعلومة وهو أحد قادة الحركة الفاضل بلدي) ...
في سياق المؤامرة نفسها التي أطلق عليها "تحول السابع من نوفمبر" يورد المؤلف أن بن علي أجلى عائلته (زوجته الأولى وبناته) وعشيقته ليلى الطرابلسي –التي ستصبح لاحقا حاكمة قرطاج ، إلى قاعدة عسكرية أمريكية بصقلية قبيل قيامه بالإنقلاب على الزعيم بورقيبة ...وكانت عرافته المغربية" للا فاطمة"أنبأته بأن أيام سعده قد قرب حلولها ...
وتعود الذاكرة بأحمد المناعي إلى يوم 5 نوفمبر 1987 حين خاطب عبد العزيز بن ضياء الجماهير داعيا ربه إلى أن يحقق معجزته ويطيل عمر بورقيبة ألف عام كالنبي نوح ، وفي اليوم ذاته أسر بن ضياء –- رهن التحقيق حاليا – إلى مقربيه ومنهم الكولونيل بن سليمان مدير الأمن العسكري آنذاك" لو يصل بن علي إلى سدة الحكم فستشهد تونس إستبدادا دمويا شبيها بالذي عاشته في عهد مراد باي "بوبالة" ، ولكن بن ضياء نفسه أصبح لاحقا أهم رجال القصر وتبوأ خطة وزير دولة ناطق رسمي بإسم رئاسة الجمهورية مستشارا خاصا لرئيس الدولة حتى سقوط نظام بن علي...
وفي موقع آخر من الكتاب يروي أحمد المناعي حادثة جمعت بن علي ايام كان وزيرا مكلفا بألأمن سنة 1986 إذ حضر إجتماعا جمعه بمدير المخابرات الفرنسية والقائد الفلسطيني أبو إياد الذي إغتيل لاحقا في تونس – حين كان بن علي رئيسا- وعقد الإجتماع بعد تزايد عمليات اغتيال إستهدفت قيادات فلسطينية في فرنسا ، بعد ساعات من اجتماع الثلاثة غادر بن علي القاعة ولم يكن نبس ببنت شفة طيلة الجلسة ، نظر المسؤول الفرنسي إلى أبي إياد وسأله" لماذا لم يتكلم؟
رد أبو إياد بحسم" لأنه جحش" ...تردد المترجم في نقل العبارة فأصر أبو إياد على ذلك فقال المترجم " ببساطة لأنه حمار" .
حين وقع إنقلاب 7 نوفمبر علق أحد شيوخ قرية الوردانين عبد الكريم قريسة " نحن مثل القطيع الذي غفل عنه الراعي فإستولى عليه سارق ليقوده ربما إلى المسلخ" ... ففي الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام ( هل من الصدفة أن بعث وكالة الإتصال الخارجي كان سنة 1991 تاريخ إشتداد قبضة بن علي على كل مفاصل الحياة السياسية وإنطلاق المحاكمات العبثية والملاحقات الأمنية في كل الإتجاهات يمينا ويسار) تفاخر بدولة حقوق الإنسان والحوار مع الشباب( إعلان سنة 1988 سنة الحوار مع الشباب ) نصح ملك المغرب الحسن الثاني الذي لم يكن يرتاح لبن علي (كان مجرد ملحق عسكري في سفارة تونس بالمغرب) الصحافيين المهتمين بحقوق الإنسان بتوجيه إهتمامهم إلى تونس بن علي بعد أن حول بن علي شعبها إلى قطيع أغنام ...
- الملاحقة........
حطت الطائرة بمطار تونس قرطاج في السادسة إلا ربع من مساء السبت 6 أفريل 1991 ...كان المطر غزيرا بعد إنحباس طويل ... وبمغادرة المطار لم يكن الأمر عسيرا لينتبه العائد إلى وطنه بعد غياب طويل إلى سيارة تراقبه منذ غادر المطار
لم يكن أحمد المناعي يوما منخرطا في حزب سياسي وحتى إنتماؤه للحزب الإشتراكي الدستوري الذي غير جلده ليصبح تجمعا بعد 7نوفمبر فقد كان في إطار مد وطني وتراص للصفوف لبناء الدولة الوطنية في قرية لم تجن من الإستقلال سوى بضع ضيعات فلاحية للفلاقة من أبنائها وإنتداب شبابها في سلكي الحرس والشرطة ...وزيارات منتظمة للوزراء والولاة ليحملوا غلالها الطيبة وتقام على أنخابهم الولائم التقليدية بكرم حاتمي ... ولكن أحمد المناعي لم يكن بعيدا عن السياسة إذ يرتبط بعلاقات مع رجال في السلطة كما في المعارضة إذ يعود تاريخ علاقته براشد الغنوشي إلى سنة 1968 ويذكر أحمد المناعي في "الحديقة السرية للجنرال بن علي" أنه قال للغنوشي حين أعلمه بتأسيس حركة الإتجاه الإسلامي –التي ستصبح لاحقا النهضة – "إنه خطأ حياتك" فالمناعي يرفض إدخال الدين في معارك السياسة وأطماع السلطة ويعتبرإنتماءه الوحيد هو معاداة الرداءة والكذب ...إستمرت مراقبة أحمد المناعي وكافة أفراد عائلته بشكل مكثف، فكل من يقترب من باب مسكنه – الذي إستباحه نظام بن علي طيلة عشرين عاما فإستولى "البلطجية" على أثاثه ورخامه وأبواب غرفه ، وإستقرت به من جعلته إسطبلا ، واليوم سد بابه الرئيسي بالإسمنت كما تظهر الصور – تؤخذ منه بطاقة التعريف الوطنية ، كان البيت مراقبا بشكل دائم بأعوان مدنيين على سيارات ودراجات نارية ومن فوق أسطح منازل بعض الجيران لم يترددوا في إسداء خدماتهم من باب الوطنية بطبيعة الحال ...
إعتقل أحمد المناعي يوم 23 أفريل 1991 وبعد توقف سريع بسوسة تم نقله إلى "المدينة الممنوعة "حيث مقر وزارة الداخلية والبنايات المجاورة لها ...توقفت السيارة المقلة له في نهج الحسين بوزيان لتبدأ رحلة التعذيب طيلة أسبوعين ،سئل عن رسالة كان كتبها ولم يرسلها إلى "السيد الوزير الأول" فمن يكون المقصود؟ هل هو الهادي البكوش الذي كان المناعي إلتقاه في بيته أياما قبل إعتقاله بتدبير من صهره عبد الرؤوف بوكر؟ أو الهادي نويرة أو محمد مزالي المنفي في باريس أنذاك ؟
قال المناعي إن الرسالة كانت للهادي نويرة ، أما المحققون فأصروا على أنها للبكوش والحقيقة كما يورد المؤلف انها لمزالي الذي كان أبدى مساندته للقائمة المستقلة في إنتخابات 1989 نظير مطالبتها لاحقا بعودته إلى أرض الوطن ...
تواصلت التحقيقات وتطورت أساليب المحققين من صفع وبصق على الوجه وإجبار الموقوف على خلع كامل ملابسه لإقامة حفل"الدجاج المصلي" ...
سئل عن علاقته بمزالي وأحمد بنور- كاتب الدولة للداخلية والرئيس المباشر لبن علي سابقا في الداخلية- وعن لقائه بهما صحبة عمر صحابو – مدير مجلة المغرب – والحبيب المكني – أحد قيادات النهضة- كما سئل عن علاقته المفترضة بعدد من العسكريين ومن بينهم المنصوري والشابي والبزراتي كما سأله المحققون عن مصادر تمويل حركة النهضة وأملاكها في فرنسا من فنادق ومطاعم ومقاه ...
ما تعرض له أحمد المناعي من تعذيب جعله يفكر في الإنتحار بإستعمال التيار الكهربائي ، ولكن عودة بن علي من الصين حيث كان في زيارة ألغت هذا المخطط فبعد إحتماع بالقيادات الأمنية إتخذ بن علي قرار الإفراج عن أحمد المناعي ... كما كان هو نفسه من إتخذ قرار اعتقاله ...
دعا مدير الوحدات المختصة أنذاك القنزوعي أحمد المناعي إلى مكتبه ، كان المناعي سعيدا بقرار الإفراج عنه فسأله عن سر لياقته ، أجاب: لقد عاملوني بشكل جيد وكل ما أطلبه كنت أتحصل عليه
رد المدير: وماذا عن القوارير التي يردد الأعداء في الخارج أننا نستعملها لتعذيب الموقوفين لإنتزاع إعترافاتهم؟
أجاب المناعي :بصراحة لم أر أي قوارير بإستثناء قوارير المياه المعدنية التي كنا نشربها إبتسم القنزوعي لأنه أدرك مبالغة المناعي في وصف جودة الخدمات التي أسديت إليه طيلة فترة إقامته في المدينة الممنوعة وقال له" شفت، السيد الرئيس قرر إطلاق سراحك لأنه رجل عظيم ونظامه قوي بفضل مناضلين مخلصين ...ستغادر الآن ولكنك ستذهب لاحقا لسي كمال الذي تدخل لفائدتك لدى سيادته، أما جوازسفرك فسننظر لاحقا في شأنه وربما يكون مخصصا فقط للسفر للدول الإفريقية حيث تعمل أما باريس فعليك أن تنساها"
- من هو سي كمال ؟
أما سي كمال الذي أوصى القنزوعي بزيارته مجاملة فليس سوى تاجر مواد البناء والمقاول كمال اللطيف كما يورد مؤلف الكتاب(هو ذاته الذي تحدث عنه فرحات الراجحي في شهادته المثيرة للجدل ) وهو من تدخل سنة 1989 لفائدة إبن حامد القروي الذي كان آنذاك وزيرا للعدل في حكومة بن علي ...فقد عاد إبنه من الجزائر وإتهم بالتعاطف مع الإسلاميين ، ويذكر المناعي أن المرة الوحيدة التي ظهرت فيها صورة اللطيف كانت في مجلة "جون أفريك" بمناسبة حديثها عن رجال الظل في عهد بن علي ...
يوم 16 ماي 1991 كانت وجهة أحمد المناعي 2نهج بيروت لمقابلة كمال اللطيف ، في المدرجات إلتقى المؤلف بأحمد نجيب الشابي –الأمين العام للتجمع الإشتراكي التقدمي آنذاك ، الحزب الديمقراطي التقدمي حاليا – الذي جاء باحثا عن حل لشقيقه الكولونيل الشابي الذي أحيل سنة 1989 على التقاعد المبكر، المتهم هو أيضا بالتآمر على بن علي ...
رحب اللطيف بأحمد المناعي وقال له في خاتمة اللقاء" إذهب وخذ جواز سفرك وغادر البلد في أقرب وقت ممكن "
حين تسلم أحمد المناعي جواز سفره فهم أن المقابل هو صمته وإحتجاز عائلته في تونس ...
- أضعت كرامتي يا ولدي.........
يتذكر المؤلف لحظات مغادرته الإحتجاز بعد أربعة عشر يوما من الإهانة ...تسلمت أغراضي وتركت كرامتي ... إتجهت لمحطة القطارات بساحة برشلونة ،كان الرجل متعثرا في خطواته لكأنه خارج للتو من إحدى الحانات ، تلقفه شاب وساعده على تفادي السيارات والمشي على جادة الطريق ، سأل الشاب:
- ما بك يا والدي هل أضعت شخصا ما؟
- حكاية طويلة يا ولدي يصعب روايتها ... أضعت كرامتي بل أكثر خسرت إنسانيتي ...
يواصل المؤلف سرد الأحداث :
ظن الشاب أني مجنون ولكنه أصر على مرافقتي حتى المحطة قلت له
" إني أحمل مرضا معديا أخشى عليك من العدوى ...بارك الله فيك ولكن تذكر يا ولذي لو خيروك بين الحياة والكرامة، لا تتردد... إختر الكرامة لأن الحياة لا تساوي شيئا دونها... "
ومن مطار المنستير يوم 18 ماي 1991 ( أربعة أيام قبل الندوة الصحافية لوزير الداخلية التي أعلن فيها عن مؤامرة براكة الساحل) غادر أحمد المناعي تونس ليغيب عنها عشرين عاما ....
لم يقدر الرجل على الوفاء بتعهده بالصمت ... كتب في جريدة La Truffe الفرنسية بتاريخ 14 أكتوبر 1991 ليقدم شهادته عن نظام جعل عدد المساجين يناهز الثلاثين ألفا في بلد تعداد سكانه لا يتجاوز ثمانية مليون ونصف آنذاك ( عدد المساجين في فرنسا أقل من 50 ألفا بما في ذلك غير الفرنسيين في بلد تعداده 55 مليون ساكنا)... لم يبطئ الرد كثيرا فبدأت الملاحقات ضد أبناء احمد المناعي أميرة وبلال ...
يوم 9مارس 1992 حوصر منزل العائلة في الوردانين بشكل كامل ...
وجه أحمد المناعي كما يذكر في كتابه رسالة أولى لبن علي عن طريق الرشيد إدريس الذي كان وقتها رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان بحضور حسيب بن عمار وزكريا بن مصطفى ... طالبا فك الحصار عن عائلته ...تلتها رسالة ثانية تلقاها عبد الوهاب عبد الله أحد أقوى رجال القصر ولكن دون أثر فقد طولب المناعي بإعتذار علني وصريح ...
لم يبق أمام مؤلف الكتاب سوى تنفيذ ذات سيناريو هروب الوزير الأول الأسبق محمد مزالي ... وربما ساعده في ذلك أن زوجته جزائرية الأصل(قبايلية) ... غادرت العائلة تونس عبر الحدود الجزائرية لتبلغ مطار اورلي الفرنسي يوم 10 أكتوبر 1992 حيث طلبت اللجوء السياسي ...
إلى هنا يتوقف أحمد المناعي عن حكاية قصته في الحديقة السرية للجنرال بن علي....ليواصل معركته ضد الرداءة والكذب بإنشاء المعهد التونسي للعلاقات الدولية ليفضح ممارسات التعذيب ضد التونسيين من مختلف التيارات...ليأتي الرد سريعا...محاولات إغتيال متتالية قد نعود إليها لاحقا في سيرة رجل لا نكاد نراه في وسائل الإعلام ... ولا تكاد تهتم به ...
حين فكرت في تقديم كتاب"الحديقة السرية للجنرال بن علي" الذي لا أملك سوى نسخة منهكة من طبعته الفرنسية اليتيمة... إتصلت بمؤلفه أحمد المناعي فعلمت أنه في باريس... أرسلت إليه بريدا إلكترونيا طالبا منه أن يوافيني بسيرته الذاتية ... كان رده "وما يهمك يا ولدي من سيرتي الذاتية؟ إكتف بالكتاب... لعل التونسيين يستفيدون من تجربتي شيئا بأن لا تتكرر نفس الأخطاء... كرامة الناس قبل كل شيء "
لأول مرة في الصحافة التونسية : "الحديقة السرية للجنرال بن علي "
- اليوم تكشف صفحات من الكتاب الذي أدى إلى محاولة إغتيال مؤلفه 3 مرات...
- لو خيروك بين الحياة والكرامة ... لا تتردد يا ولدي في إختيار الكرامة لأن الحياة لا تساوي شيئا دونها
- أبو إياد وصفه بالجحش...وبن ضياء بـ"بوبالة"
***بقلم : محمد بوغلاب
boughallebmoh@yahoo.fr
"الحديقة السرية للجنرال بن علي" عنوان كتاب صدر بباريس سنة 1995 بقلم أحمد المناعي ، ولعل إسم الكاتب لا يعني الكثير عند القارئ، كما أن الكتاب لم ير النور في تونس بعد ثورة 14 جانفي على الرغم من سيل الكتب التي رفع عنها الحظر وإسهال الكتب الثورية التي يقف وراءها طيف من الكتاب والكتبة بعضهم من صناع إعلام "العهد السعيد" ...
وعلى الرغم من عشرات المقالات التي كتبت عن "الحديقة السرية للجنرال بن علي" خارج تونس وخاصة في فرنسا إلا أن الكتاب ظل مجهولا عند عموم التونسيين كما عند خاصتهم ...
وأعترف بأني إرتبكت كثيرا وأنا أفكر في كشف أسرار هذا الكتاب لأني عجزت عن الفصل بين الذاتي والموضوعي ... وخشيت أن أتورط في موضوعية جافة تفقد كتابتي كنهها ومعناها ...أو ذاتية محضة تغرق القارئ في فيض مشاعر قد لا تعنيه ...
وسبب إرتباكي أن مؤلف الكتاب أحمد المناعي ينحدر من الوردانين مسقط رأسي التي تتبع إداريا ولاية المنستير (بعد أن كانت إلى غاية مطلع السبعينات جزءا من ولاية سوسة ) ولا تبعد عنها سوى مسافة ربع ساعة بالسيارة ، وهو فضلا عن ذلك جار لعائلتي في السكن، كما جمعتني بإبنيه بلال وخاصة باديس صداقة متينة من نهاية الثمانينات إلى مطلع التسعينات تاريخ مغادرة أحمد المناعي وعائلته تونس بشكل نهائي ...
- كيف أصبح أحمد المناعي معارضا؟
لم يكن أحمد المناعي في نهاية الثمانينات - وكنت وقتها في أول سن الشباب -شخصا عاديا في قريتنا الهادئة التي يتغنى "كبارها" بأنها قلعة النضال نظرا إلى مشاركة أبنائها في حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسي، وهنا يذكر في المقام الأول المقاوم(الفلاق) حسن بن عبد العزيز المعرف بلقب حسن الورداني الذي كان من أقرب الناس للزعيم بورقيبة وربما كان الزعيم لهذا السبب يخص الوردانين بالزيارة كل صيف تقريبا حين يستقر به المقام في القصر الرئاسي بصقانس بالمنستير .... كان الزعيم يزور الوردانين وكنا صغارا نخرج من تلقاء أنفسنا نتزاحم من وراء الحواجز الحديدية لرؤية المجاهد الأكبر الذي كان يحيي الجماهير بيد متثاقلة أنهكتها الشيخوخة ... ثم يدلف إلى مقر المعتمدية غير بعيد عن مسكننا العائلي في "الديار الجديدة " وهو حي شيدته الدولة بعد أن فتكت فيضانات 1969 بعدد من مساكن أهل القرية ومن بينهم مسكن جدي ...
كنا ننظر بإعجاب إلى أحمد المناعي، فالرجل يعمل خبيرا زراعيا بالأمم المتحدة على سفر دائم كما أنه لم يستقر سوى حديثا بالقرية لنكتشف أن زوجته من أصل جزائري إسمها مليكة خيار وله ثلاثة أبناء أكبرهم باديس (من مواليد 1969) وبلال والطاهر وبنتان هما أميرة وبشرى
وينحدر أحمد المناعي الذي كان أول من تحصل على الباكالوريا في معهد الوردانين سنة 1962 من عائلة لها سلطانها، فشقيقه محمود من أثرياء القرية وترأس بلديتها لمدة فاقت العقدين، ولأنه من أصحاب الجاه فقد غادر القرية ليستقر بجوهرة الساحل سوسة ، أما خاله فهو عبد الله فرحات الذي كان من أعمدة الحكم البورقيبي لأكثر من ربع قرن وشغل لسنوات خطة وزير الدفاع ، وله خال ثان هو محمد فرحات الذي كان الوكيل العام للجمهورية( حتى وفاته سنة 1980) وإكتسب شهرة ذاعت في الآفاق إبان محاكمة الوزير الأول الأسبق أحمد بن صالح
كانت كل المؤشرات تنبئ بأن أحمد المناعي الذي إشتغل لسنوات في البنك الدولي والأمم المتحدة خبيرا زراعيا في الجزائر والريف المغربي ودول شرق إفريقيا مرشح لدور ما في حكم الرئيس بن علي الذي تسلم الحكم حديثا في ظل إجماع وطني أو يكاد بعد أن طالت شيخوخة الزعيم بورقيبة وأنهكت مؤامرات قصر قرطاج البلاد فهرب محمد مزالي خلسة وأوشكت البلاد على الإفلاس
فما الذي حدث ليصبح أحمد المناعي القريب من دوائر السلطة طريد نظام بن علي طيلة أكثر من عشرين عاما؟
آخر مرة رأيت فيها أحمد المناعي كانت في شهر أفريل من سنة 1991 ...ثم تم إعتقاله في أقبية وزارة الداخلية ... ليخرج في ظل صمت مطبق منه ومن إبنه باديس الذي رفض البوح بأي شيء رغم صداقتنا العميقة ،إكتفى بإخباري بأنه لم ير والده يبكي كما حدث معه حين إلتقاه بعد الإفراج عنه ... ثم غادر احمد المناعي تونس بإتجاه فرنسا التي أقام فيها سنوات شبابه ... أما باديس فإلتقينا لأخر مرة في صيف السنة ذاتها... أخبرني بأن العائلة قررت الأنتقال إلى سوسة بصفة نهائية بعد أن ضاق بها الحال في الوردانين بفعل الرقابة الأمنية الشديدة عليها ... بعد أيام سمعت خبر هروب العائلة عبر الجزائر ... ثم الإستقرار بفرنسا ... أما أنا فلمت صديقي باديس لأنه أخفى عني قصة هروبه ، وأوهمت نفسي بأني قاطعته ولفظته من حياتي
كنت في السنة ذاتها - وفي يوم 14 جانفي1991 تحديدا - قدمت ملف جواز سفري إلى مركز الشرطة بقريتنا ... ولم أتلق أي إجابة طيلة شهور ...وسنوات ...حتى أخبرني أحد الأصدقاء بأني ممنوع من السفر وبأنه لا يحق لي الحصول على جواز السفر أصلا وإستمر هذا الوضع إلى غاية سنة 2008 ...قلت في نفسي لعلي أدفع ضريبة صداقتي لباديس ولعائلة أحمد المناعي ...فأخفيت الأمر عن كل من حولي إلا الأقربين من الأهل والأصدقاء
- العودة من المنفى ...
كان لقائي بأحمد المناعي يوم 28 أفريل الماضي بمناسبة إنعقاد ندوة صحافية لجمعية إنصاف قدماء العسكريين ولابأس من التعريج على قصة هؤلاء لأن لها صلة بقصة أحمد المناعي نفسه ، وقد عرفت محاكمات العسكريين بـ"براكة الساحل " ، تعود الأحداث إلى سنة 1991 فقد عقد وزير الداخلية آنذاك عبد الله القلال ندوة صحافية بتاريخ 22ماي ليعلن عن خطة للإستيلاء على ساحة الحكومة بما تضمه من وزارات (الخارجية ،المالية...) و مؤسسة الإذاعة والتلفزة والقصر الرئاسي بقرطاج بتدبير من حركة النهضة بمساهمة عدد من العسكريين حضروا إجتماع يوم 6 جانفي 1991 ببراكة الساحل ٌلإعداد هذه المؤامرة ، وخلافا لما هو معمول به في تقاليد الجيش التونسي وقانونه الداخلي سلمت إدارة الأمن العسكري – وكان يشرف عليها آنذاك علي السرياطي المدير العام السابق للأمن الرئاسي رهن الإعتقال حاليا- الضباط المشتبه فيهم إلى وزارة الداخلية التي تولت بمعرفتها بإشراف مباشر من وزير الداخلية التحقيق مع الضباط العسكريين في أقبية الوزارة الشهيرة ...
كان أحمد المناعي حاضرا في الندوة الصحافية لأنه كان أول من كتب عن مأساة هؤلاء العسكريين إبان نفيه في فرنسا منتصف التسعينات ...
لم أتعرف على الرجل سوى بعسر أما هو فقال لي"لو عرضتني في الشارع والله ما نعرفك"...
- نهاية الربيع الديمقراطي وبداية عذابات أحمد المناعي ...
يعترف احمد المناعي( لا يخفي الرجل أنه إنخرط في الحزب الإشتراكي الدستوري سنة 1954 في سن الثانية عشرة وكان رقم بطاقته 099112) في كتابه بأن يوم 2 أفريل 1989 كان تاريخ إنتهاء الربيع الديمقراطي القصير في تونس بعد ثلاثة عشر يوما من حملة إنتخابية مليئة بالأحلام خاضها بمناسبة ترشحه في قائمة مستقلة بولاية المنستير (بنفسجية اللون آنذاك قبل أن يفتك بن علي اللون ويستأثر به لنفسه) في أول إنتخابات تشريعية في "العهد الجديد "... كانت تونس في تلك الفترة في أوج حلمها الديمقراطي فقد مكن نظام بن علي منظمة "أمنستي" من تركيز فرعها بتونس كما أمضى على الإتفاقية الدولية لمقاومة التعذيب صيف 1988 ...
إختار أحمد المناعي خوض الإنتخابات التشريعية فشكل قائمة مستقلة ضمت كلا من عبد الحميد البدوي ولزهر الشملي وفرج يحي وسالم نويرة وخليفة الإمام ولطبع معلقات الحملة الإنتخابية ساهم كل عضو ب500 دينارا وراج وقتها أن حركة النهضة هي التي تقف وراء هذه القائمة وضخت الملايين لتمويل حملتها ويعلق أحمد المناعي بأن النهضة وضعت يدها على القائمة وكأنها عملية قرصنة وفي الوقت الذي اعلنت فيه وسائل الإعلام أن بن علي أوصى الولاة بتأمين إنتخابات ديمقراطية فإن الوجه الآخر للحقيقة أنه حذر الولاة بالطرد في صورة فوز أي قائمة معارضة كما يذكر المؤلف .
إمتدت الحملة الإنتخابية من 2مارس 1989 إلى غاية يوم 31 مارس وجرى الإقتراع يوم الأحد 2 أفريل 1989، يقول أحمد المناعي في "الحديقة السرية للجنرال بن علي" كانت معجزة المعجزات فلم يسجل أي حادث طيلة أيام الحملة فلم يتعرض أي مترشح ولا أي متعاطف مع قائمة إلى أي إعتداء ...أثبت التونسيون أنهم كعادتهم متسامحون وأعطوا الدليل على ذلك ، جرى الإقتراع يوم 2 أفريل ...فتحت المكاتب أبوابها في الثامنة صباحا لتنطلق عملية طرد المراقبين من غير الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي) بحماية من أعوان الشرطة ..."يواصل المناعي وصفه للواقعة" كان كل ناخب يسلم ورقة القائمة المستقلة إلى أعيان السلطة في منطقته يحصل على ورقة بخمسة دنانير ودعوة لحضور حفل فوز قائمة التجمع التي ستلتئم بنزل قريب ...ومن الغد أعلن عن فوز قائمة التجمع، أما نحن فلم نحصل سوى على أكثر من عشرين بالمائة من الأصوات بقليل ... إنتهى الحلم وكان علينا أن ننتظر الموعد القادم سنة 1994 ولكن كان علي ان أفكر في عائلتي فإلتحقت بالعمل في بورندي ".... وأثناء سفري علمت بالأذى الذي لحق كل من ساند القائمة أو تعاطف معها فأطرد من أطرد من عمله وتعرض أخرون لنقل تعسفية ومضايقات عائلية ومهنية ...
- صفحات من تاريخ بن علي...
يعود أحمد المناعي إلى جانفي 1988 تاريخ إنعقاد قمة مغاربية تحدث القذافي إلى الشاذلي بن جديد الذي كان رئيس الجزائر أنذاك ليقدم له الحاكم الجديد لتونس" ها هو بطل ساقية سيدي يوسف" يعلق المؤلف بالقول: "حين جدت أحداث ساقية سيدي يوسف في فيفري 1958 وقصف الطيران الفرنسي المدينة المتاخمة للجزائر، كان بن علي مرابطا بمكتبه في تونس وهو ما أكده لي زميله الكولونيل المتقاعد سعيدانة ، وحكاية إصابة بن علي في أحداث الساقية روجت لها جريدة الصباح آنذاك وأدرجت لاحقا في السيرة الرسمية لبن علي"
كانت الماكينة الدعائية في خدمة بن علي الطامح إلى كرسي الرئاسة بموافقة أمريكية كما يورد مؤلف كتاب "الحديقة السرية للجنرال بن علي" إذ ذكر بتفجيرات أوت 1987 التي إستهدفت أربعة فنادق بسوسة والمنستير... كان بورقيبة وقتها في مقر إقامته الصيفي بالمنستير ليحتفل بعيد ميلاده ... يلمح المؤلف إلى الغموض الذي أحاط بتلك التفجيرات والتي نسبت إلى حركة النهضة التي يذكر المناعي أنها أبرمت إتفاقا مع بن علي في تلك الفترة لتهدئة الشارع مقابل ضمان أحكام مخففة على قيادات الحركة التي كانت تتعرض للمحاكمة وفي مقدمتها راشد الغنوشي (ويذكر مصدر المعلومة وهو أحد قادة الحركة الفاضل بلدي) ...
في سياق المؤامرة نفسها التي أطلق عليها "تحول السابع من نوفمبر" يورد المؤلف أن بن علي أجلى عائلته (زوجته الأولى وبناته) وعشيقته ليلى الطرابلسي –التي ستصبح لاحقا حاكمة قرطاج ، إلى قاعدة عسكرية أمريكية بصقلية قبيل قيامه بالإنقلاب على الزعيم بورقيبة ...وكانت عرافته المغربية" للا فاطمة"أنبأته بأن أيام سعده قد قرب حلولها ...
وتعود الذاكرة بأحمد المناعي إلى يوم 5 نوفمبر 1987 حين خاطب عبد العزيز بن ضياء الجماهير داعيا ربه إلى أن يحقق معجزته ويطيل عمر بورقيبة ألف عام كالنبي نوح ، وفي اليوم ذاته أسر بن ضياء –- رهن التحقيق حاليا – إلى مقربيه ومنهم الكولونيل بن سليمان مدير الأمن العسكري آنذاك" لو يصل بن علي إلى سدة الحكم فستشهد تونس إستبدادا دمويا شبيها بالذي عاشته في عهد مراد باي "بوبالة" ، ولكن بن ضياء نفسه أصبح لاحقا أهم رجال القصر وتبوأ خطة وزير دولة ناطق رسمي بإسم رئاسة الجمهورية مستشارا خاصا لرئيس الدولة حتى سقوط نظام بن علي...
وفي موقع آخر من الكتاب يروي أحمد المناعي حادثة جمعت بن علي ايام كان وزيرا مكلفا بألأمن سنة 1986 إذ حضر إجتماعا جمعه بمدير المخابرات الفرنسية والقائد الفلسطيني أبو إياد الذي إغتيل لاحقا في تونس – حين كان بن علي رئيسا- وعقد الإجتماع بعد تزايد عمليات اغتيال إستهدفت قيادات فلسطينية في فرنسا ، بعد ساعات من اجتماع الثلاثة غادر بن علي القاعة ولم يكن نبس ببنت شفة طيلة الجلسة ، نظر المسؤول الفرنسي إلى أبي إياد وسأله" لماذا لم يتكلم؟
رد أبو إياد بحسم" لأنه جحش" ...تردد المترجم في نقل العبارة فأصر أبو إياد على ذلك فقال المترجم " ببساطة لأنه حمار" .
حين وقع إنقلاب 7 نوفمبر علق أحد شيوخ قرية الوردانين عبد الكريم قريسة " نحن مثل القطيع الذي غفل عنه الراعي فإستولى عليه سارق ليقوده ربما إلى المسلخ" ... ففي الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام ( هل من الصدفة أن بعث وكالة الإتصال الخارجي كان سنة 1991 تاريخ إشتداد قبضة بن علي على كل مفاصل الحياة السياسية وإنطلاق المحاكمات العبثية والملاحقات الأمنية في كل الإتجاهات يمينا ويسار) تفاخر بدولة حقوق الإنسان والحوار مع الشباب( إعلان سنة 1988 سنة الحوار مع الشباب ) نصح ملك المغرب الحسن الثاني الذي لم يكن يرتاح لبن علي (كان مجرد ملحق عسكري في سفارة تونس بالمغرب) الصحافيين المهتمين بحقوق الإنسان بتوجيه إهتمامهم إلى تونس بن علي بعد أن حول بن علي شعبها إلى قطيع أغنام ...
- الملاحقة........
حطت الطائرة بمطار تونس قرطاج في السادسة إلا ربع من مساء السبت 6 أفريل 1991 ...كان المطر غزيرا بعد إنحباس طويل ... وبمغادرة المطار لم يكن الأمر عسيرا لينتبه العائد إلى وطنه بعد غياب طويل إلى سيارة تراقبه منذ غادر المطار
لم يكن أحمد المناعي يوما منخرطا في حزب سياسي وحتى إنتماؤه للحزب الإشتراكي الدستوري الذي غير جلده ليصبح تجمعا بعد 7نوفمبر فقد كان في إطار مد وطني وتراص للصفوف لبناء الدولة الوطنية في قرية لم تجن من الإستقلال سوى بضع ضيعات فلاحية للفلاقة من أبنائها وإنتداب شبابها في سلكي الحرس والشرطة ...وزيارات منتظمة للوزراء والولاة ليحملوا غلالها الطيبة وتقام على أنخابهم الولائم التقليدية بكرم حاتمي ... ولكن أحمد المناعي لم يكن بعيدا عن السياسة إذ يرتبط بعلاقات مع رجال في السلطة كما في المعارضة إذ يعود تاريخ علاقته براشد الغنوشي إلى سنة 1968 ويذكر أحمد المناعي في "الحديقة السرية للجنرال بن علي" أنه قال للغنوشي حين أعلمه بتأسيس حركة الإتجاه الإسلامي –التي ستصبح لاحقا النهضة – "إنه خطأ حياتك" فالمناعي يرفض إدخال الدين في معارك السياسة وأطماع السلطة ويعتبرإنتماءه الوحيد هو معاداة الرداءة والكذب ...إستمرت مراقبة أحمد المناعي وكافة أفراد عائلته بشكل مكثف، فكل من يقترب من باب مسكنه – الذي إستباحه نظام بن علي طيلة عشرين عاما فإستولى "البلطجية" على أثاثه ورخامه وأبواب غرفه ، وإستقرت به من جعلته إسطبلا ، واليوم سد بابه الرئيسي بالإسمنت كما تظهر الصور – تؤخذ منه بطاقة التعريف الوطنية ، كان البيت مراقبا بشكل دائم بأعوان مدنيين على سيارات ودراجات نارية ومن فوق أسطح منازل بعض الجيران لم يترددوا في إسداء خدماتهم من باب الوطنية بطبيعة الحال ...
إعتقل أحمد المناعي يوم 23 أفريل 1991 وبعد توقف سريع بسوسة تم نقله إلى "المدينة الممنوعة "حيث مقر وزارة الداخلية والبنايات المجاورة لها ...توقفت السيارة المقلة له في نهج الحسين بوزيان لتبدأ رحلة التعذيب طيلة أسبوعين ،سئل عن رسالة كان كتبها ولم يرسلها إلى "السيد الوزير الأول" فمن يكون المقصود؟ هل هو الهادي البكوش الذي كان المناعي إلتقاه في بيته أياما قبل إعتقاله بتدبير من صهره عبد الرؤوف بوكر؟ أو الهادي نويرة أو محمد مزالي المنفي في باريس أنذاك ؟
قال المناعي إن الرسالة كانت للهادي نويرة ، أما المحققون فأصروا على أنها للبكوش والحقيقة كما يورد المؤلف انها لمزالي الذي كان أبدى مساندته للقائمة المستقلة في إنتخابات 1989 نظير مطالبتها لاحقا بعودته إلى أرض الوطن ...
تواصلت التحقيقات وتطورت أساليب المحققين من صفع وبصق على الوجه وإجبار الموقوف على خلع كامل ملابسه لإقامة حفل"الدجاج المصلي" ...
سئل عن علاقته بمزالي وأحمد بنور- كاتب الدولة للداخلية والرئيس المباشر لبن علي سابقا في الداخلية- وعن لقائه بهما صحبة عمر صحابو – مدير مجلة المغرب – والحبيب المكني – أحد قيادات النهضة- كما سئل عن علاقته المفترضة بعدد من العسكريين ومن بينهم المنصوري والشابي والبزراتي كما سأله المحققون عن مصادر تمويل حركة النهضة وأملاكها في فرنسا من فنادق ومطاعم ومقاه ...
ما تعرض له أحمد المناعي من تعذيب جعله يفكر في الإنتحار بإستعمال التيار الكهربائي ، ولكن عودة بن علي من الصين حيث كان في زيارة ألغت هذا المخطط فبعد إحتماع بالقيادات الأمنية إتخذ بن علي قرار الإفراج عن أحمد المناعي ... كما كان هو نفسه من إتخذ قرار اعتقاله ...
دعا مدير الوحدات المختصة أنذاك القنزوعي أحمد المناعي إلى مكتبه ، كان المناعي سعيدا بقرار الإفراج عنه فسأله عن سر لياقته ، أجاب: لقد عاملوني بشكل جيد وكل ما أطلبه كنت أتحصل عليه
رد المدير: وماذا عن القوارير التي يردد الأعداء في الخارج أننا نستعملها لتعذيب الموقوفين لإنتزاع إعترافاتهم؟
أجاب المناعي :بصراحة لم أر أي قوارير بإستثناء قوارير المياه المعدنية التي كنا نشربها إبتسم القنزوعي لأنه أدرك مبالغة المناعي في وصف جودة الخدمات التي أسديت إليه طيلة فترة إقامته في المدينة الممنوعة وقال له" شفت، السيد الرئيس قرر إطلاق سراحك لأنه رجل عظيم ونظامه قوي بفضل مناضلين مخلصين ...ستغادر الآن ولكنك ستذهب لاحقا لسي كمال الذي تدخل لفائدتك لدى سيادته، أما جوازسفرك فسننظر لاحقا في شأنه وربما يكون مخصصا فقط للسفر للدول الإفريقية حيث تعمل أما باريس فعليك أن تنساها"
- من هو سي كمال ؟
أما سي كمال الذي أوصى القنزوعي بزيارته مجاملة فليس سوى تاجر مواد البناء والمقاول كمال اللطيف كما يورد مؤلف الكتاب(هو ذاته الذي تحدث عنه فرحات الراجحي في شهادته المثيرة للجدل ) وهو من تدخل سنة 1989 لفائدة إبن حامد القروي الذي كان آنذاك وزيرا للعدل في حكومة بن علي ...فقد عاد إبنه من الجزائر وإتهم بالتعاطف مع الإسلاميين ، ويذكر المناعي أن المرة الوحيدة التي ظهرت فيها صورة اللطيف كانت في مجلة "جون أفريك" بمناسبة حديثها عن رجال الظل في عهد بن علي ...
يوم 16 ماي 1991 كانت وجهة أحمد المناعي 2نهج بيروت لمقابلة كمال اللطيف ، في المدرجات إلتقى المؤلف بأحمد نجيب الشابي –الأمين العام للتجمع الإشتراكي التقدمي آنذاك ، الحزب الديمقراطي التقدمي حاليا – الذي جاء باحثا عن حل لشقيقه الكولونيل الشابي الذي أحيل سنة 1989 على التقاعد المبكر، المتهم هو أيضا بالتآمر على بن علي ...
رحب اللطيف بأحمد المناعي وقال له في خاتمة اللقاء" إذهب وخذ جواز سفرك وغادر البلد في أقرب وقت ممكن "
حين تسلم أحمد المناعي جواز سفره فهم أن المقابل هو صمته وإحتجاز عائلته في تونس ...
- أضعت كرامتي يا ولدي.........
يتذكر المؤلف لحظات مغادرته الإحتجاز بعد أربعة عشر يوما من الإهانة ...تسلمت أغراضي وتركت كرامتي ... إتجهت لمحطة القطارات بساحة برشلونة ،كان الرجل متعثرا في خطواته لكأنه خارج للتو من إحدى الحانات ، تلقفه شاب وساعده على تفادي السيارات والمشي على جادة الطريق ، سأل الشاب:
- ما بك يا والدي هل أضعت شخصا ما؟
- حكاية طويلة يا ولدي يصعب روايتها ... أضعت كرامتي بل أكثر خسرت إنسانيتي ...
يواصل المؤلف سرد الأحداث :
ظن الشاب أني مجنون ولكنه أصر على مرافقتي حتى المحطة قلت له
" إني أحمل مرضا معديا أخشى عليك من العدوى ...بارك الله فيك ولكن تذكر يا ولذي لو خيروك بين الحياة والكرامة، لا تتردد... إختر الكرامة لأن الحياة لا تساوي شيئا دونها... "
ومن مطار المنستير يوم 18 ماي 1991 ( أربعة أيام قبل الندوة الصحافية لوزير الداخلية التي أعلن فيها عن مؤامرة براكة الساحل) غادر أحمد المناعي تونس ليغيب عنها عشرين عاما ....
لم يقدر الرجل على الوفاء بتعهده بالصمت ... كتب في جريدة La Truffe الفرنسية بتاريخ 14 أكتوبر 1991 ليقدم شهادته عن نظام جعل عدد المساجين يناهز الثلاثين ألفا في بلد تعداد سكانه لا يتجاوز ثمانية مليون ونصف آنذاك ( عدد المساجين في فرنسا أقل من 50 ألفا بما في ذلك غير الفرنسيين في بلد تعداده 55 مليون ساكنا)... لم يبطئ الرد كثيرا فبدأت الملاحقات ضد أبناء احمد المناعي أميرة وبلال ...
يوم 9مارس 1992 حوصر منزل العائلة في الوردانين بشكل كامل ...
وجه أحمد المناعي كما يذكر في كتابه رسالة أولى لبن علي عن طريق الرشيد إدريس الذي كان وقتها رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان بحضور حسيب بن عمار وزكريا بن مصطفى ... طالبا فك الحصار عن عائلته ...تلتها رسالة ثانية تلقاها عبد الوهاب عبد الله أحد أقوى رجال القصر ولكن دون أثر فقد طولب المناعي بإعتذار علني وصريح ...
لم يبق أمام مؤلف الكتاب سوى تنفيذ ذات سيناريو هروب الوزير الأول الأسبق محمد مزالي ... وربما ساعده في ذلك أن زوجته جزائرية الأصل(قبايلية) ... غادرت العائلة تونس عبر الحدود الجزائرية لتبلغ مطار اورلي الفرنسي يوم 10 أكتوبر 1992 حيث طلبت اللجوء السياسي ...
إلى هنا يتوقف أحمد المناعي عن حكاية قصته في الحديقة السرية للجنرال بن علي....ليواصل معركته ضد الرداءة والكذب بإنشاء المعهد التونسي للعلاقات الدولية ليفضح ممارسات التعذيب ضد التونسيين من مختلف التيارات...ليأتي الرد سريعا...محاولات إغتيال متتالية قد نعود إليها لاحقا في سيرة رجل لا نكاد نراه في وسائل الإعلام ... ولا تكاد تهتم به ...
حين فكرت في تقديم كتاب"الحديقة السرية للجنرال بن علي" الذي لا أملك سوى نسخة منهكة من طبعته الفرنسية اليتيمة... إتصلت بمؤلفه أحمد المناعي فعلمت أنه في باريس... أرسلت إليه بريدا إلكترونيا طالبا منه أن يوافيني بسيرته الذاتية ... كان رده "وما يهمك يا ولدي من سيرتي الذاتية؟ إكتف بالكتاب... لعل التونسيين يستفيدون من تجربتي شيئا بأن لا تتكرر نفس الأخطاء... كرامة الناس قبل كل شيء "
No comments:
Post a Comment