تونس ما بعد الثورة...
لماذا يمنع العسكريّون و رجال الأمن من أداء
حقّهم و واجبهم الانتخابي؟
محسن الكعبي*
هل هناك إشكال انتخابي في المسار الدّيمقراطي في بلادنا بعد ثورة 14 جانفي المجيدة، و لماذا يصرّ الأستاذ عياض بن عاشور على مصادرة هذا الحق ، فهل هذا الأمر له مبرّر؟ و لماذا يصنّف هذا المنع في خانة "على ما جرى عليه العرف"؟
عندما يكون الانتخاب حقّا و واجبا في نفس الوقت، نقوم به ترشّحا و اقتراعا و متابعة ثم محاسبة، و عندما يكون التّسجيل في القائمات الانتخابيّة آليّا عند بلوغ سنّ 18 سنة، و لا يستثنى من الانتخاب أفراد الجيش و الأمن مادام الجيش في خدمة الوطن(الجيش سور للوطن... نحميه أيام المحن)، و الأمن في خدمة الشّعب ، و لا يوجد أي مبرّر يمنعهم من الانتخاب ولا خوف منهم في مجتمع ديمقراطي ناهض ، و عندئذ لا يمكن للجيش و لا لقوات الأمن من " الانقلاب"، و لا يمكن للسّلطة كذلك من" الانقلاب" على مؤسّسات الدّولة مثل ما حدث في بداية التسعينات و مؤامرة "برّاكة السّاحل"ضد المؤسّسة العسكرية خير شاهد على ذلك ،لأن الديمقراطية قادرة على الدّفاع عن نفسها و معها أبناؤها و أنصارها و حماتها.. و هل من حقّ أحد أن يبقي العسكريين و رجال الأمن خارج الأطر الديمقراطية، و يصرّ على إسقاط حقوقهم الدّستورية بذريعة ما جرى عليه العرف تارة، و بذريعة إفساد العملية الانتخابيّة أو شبهات التّزوير التي تلاحق صناديق الاقتراع تارة أخرى ؟
لنتكلّم بصراحة، ألم تزوّر الانتخابات في بلادنا و في حالات كثيرة على امتداد تاريخ تونس الانتخابي المعاصر رغم عدم مشاركة العسكريين و رجال الأمن فيها؟ إذا مشكلة التّزوير في الحكومات و ليست في الجيش و لا قوات الأمن.
و الآن و بعد أن أقرّت الهيأة العليا لمجلس حماية الثورة و الإصلاح السّياسي والانتقال الديمقراطي، إيجاد هيأة عليا مستقلة منتخبة تدير العمليّة الانتخابية بعيدا عن الحكومة ،ما المانع من إدماج العسكريين و قوات الأمن في صناديق الاقتراع ، و تنصفهم الثّورة المباركة ثورة الحرية و الكرامة، و تخرجهم من الظلمات إلى النّور، من حالة الفئة المنسيّة التي لا أحد يسأل و يدافع عن حقوقها في المواطنة، بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني و المؤسسات الحقوقية التي من واجبها التطرّق و الدّفاع عنها.
هذا الظّلم يفلسفه البعض بأنّه يأتي من باب "سدّ الذرائع" و منع العسكريين و قوى الأمن الداخلي ، من التأثّر بالأجواء الحزبيّة و الخوف من توجيه الدّولة للناخبين العسكريين و الأمنيين نحو هذا المرشّح أو ذاك، و هذا تفسير قاصر لأنّ مشاركة العسكريين و أفراد الأمن في الاقتراع ليست "مأمورية"يقومون بها، بل ممارسة لحقّ دستوري ، ومن واجب الهيأة المشرفة على الانتخابات ضمان نزاهتها.
إنّ هذا الاتّهام ظالم و غير مقبول ، لأن ممارسة العسكريين و قوات الأمن لحقوقهم في الاقتراع هو الأصل ، و الاستثناء هو منعهم من ممارسة حقوق كفلها لهم الدستور ، و لا يمكن ربط المنع بالعرف أو بتزوير الانتخابات لأن الحكومات إذا ما نوت السّير في التزوير أو التّأثير على نتيجة الانتخابات فلن يوقفها منع العسكريين وأفراد الأمن من الانتخاب أو التّصريح لهم و لن تعدم الوسيلة لذلك.
وللأسف فان الأحزاب السّياسية و على كثرتها لم تدرج في برامجها الدّفاع عن هذا الحق و غيره، و ربما بعضها متواطأ مع الحكومة المؤقّتة في الاستمرار بقضم حقّ العسكريين و رجال الأمن في الممارسة الديمقراطية. فكيف نثق بالعسكري التونسي في حماية الحدود و الوطن ، ورجل الأمن في خدمة الشّعب ، و لا نثق به إذا ما وصل إلى صندوق الاقتراع ؟ و أين ذلك من أسس العدالة و المساواة ؟
لقد أصبحت صناديق الاقتراع شكلا أساسيّا من أشكال الديمقراطية لا يمكن تجاوزها في تونس ما بعد الثورة، ولدينا قانون يعاقب على جرائم الانتخاب ، و لدينا هيأة مستقلة للإشراف على الانتخابات ، لذا فان مبرّرات منع العسكريين و رجال الأمن لم تعد مقبولة، لا بل هي نقيصة في نظام يقول انّه ديمقراطي.و حجّة عدم حياديّة المؤسّسة العسكريّة والمؤسّسة الأمنية لم تعد مقنعة في ظل توفّر مقوّمات حرّية الاختيار بسريّة الاقتراع التي تضمن عدم تدخّل المؤسسة العسكريّة أو الأمنيّة في نتائج الانتخابات.
إنّ اقتراع العسكريين و رجال الأمن لا يفسد العمليّة الانتخابيّة،وإذا أعطيناهم الحقّ للاقتراع ، لا يعني أنّنا أقحمناهم في السّياسة، إذ لا يجوز أن نحرمهم من حقّ الاقتراع،و مشاركتهم فيه لا تعني أنّ الانتخابات مزوّرة، و استثناؤهم لا يعطي الحكومة حسن سلوك بأنّ الانتخابات حرّة و نزيهة،فالأمر مرهون بالإجراءات التّي تضمن النّزاهة و الشّفافيّة و الحياد.
*ضابط مهندس محال على التقاعد من الجيش الوطني
No comments:
Post a Comment