Search This Blog

Friday, October 05, 2012

Lettre ouverte à l'ANCالمجلس الوطني التّأسيسي à propos de la Syrie

بسم اللّه الرّحمان الرّحيم:
تونس في 04\10\2012


السيّد الرّئيس،
 السيّدات و السّادة، أعضاء المجلس الوطني التّأسيسي:
قصر باردو-تونس.

السّلام و التّحيّة اللاّئقيْن بالمقام، و بعد:

الموضوع: دعوة لإصلاح ذات البيْن مع سوريا و إرسال وفد منكمْ للإطلاع على حقيقة الأمور.

أكتب لكمْ بخصوص الموقف التّونسي الرّسمي من الشّقيقة سوريا و الأزمة التّي تعيشها منذ قرابة التّسعة عشر شهْرًا، وهو  الموقف الذّي تميّز بالاِنحراف الكامل عمّا عهدناه من الدّبلوماسيّة التّونسيّة منذ الاِستقلال، و التّي عُرفتْ بحكمتها و توازنها واَستقلال قرارها واَحترامها لجملة المبادئ و القيم التّي تقوم عليْها العلاقات الدّوليّة.
و أستسمحكمْ في التّذكير السّريع بسلسلة هذه المواقف على مدى العشر شهور الأخيرة.
 فقد سبقتْ تونس بقيّة البلدان العربيّة في طرد السّفير السّوري –الغائب- مِنْ تونس، ثمّ  في دعوة السّفير التّونسي و كامل طاقم السِفارة التّونسيّة في دمشق، و قطع العلاقات الدبلوماسيّة بيْن البلدين.
ولقد تمّ كلّ ذلك باَرتجال منقطع النّظير فاجأ حتّى السّفير التّونسي في دمشق  نفسه، و دونما تقدير أو اِكتراث بوضع الجالية التّونسيّة في سوريا، الأمر الذّي أضرّ أيّما ضررٍ بمصالح ألفين و خمسمائة تونسيّ ومصائرهم، اِنقطعوا عن إدارة بلدهمْ و تقطّعتْ بهم السّبل.
و قدْ أقْدمتْ السّلطات التّونسيّة على ذلك، في الوقت الذّي اِقتصر فيه تصرّف الدّول الاِستعْماريّة المساهمة في الحرب على سوريا، -إنْفاقًا و تدْريبًا و تسْليحًا و دعاية- على سحْبِ سفرائها من دمشق، و طرد السّفراء السّورييّن من بلدانها، دون قطع رسميّ للعلاقات الدّبلوماسيّة...وفي مراحل متأخّرة من الأزمة.

كما سبقتْ  تونس غيرها من البلدان العربيّة في التّصويت على تعليق عضويّة سوريا في الجامعة العربيّة، وهي أحد الأعضاء السّبعة المؤسّسين لهذا الكيان في سنة 1945.
و توجّتْ تونس الرّسميّة عِداءها لسوريا بالتّصويت على تعليق عضويّة الجمهوريّة العربيّة السّوريّة في منظّمة المؤتمر الإسلامي في اِجتماعها الأخير في مكّة المكرّمة.
و لوْ اُتيحتْ الفرصة لطرْدها  من منظّمة دول عدم الاِنحياز، أو حتّى من الأمم المتّحدة، لَما تردّد ممثّلو تونس الوقتيّين في الإقدام على ذلك.

السيّدات و السّادة:

لمْ يغبْ عنكمْ طبعا اِستقبال الرّئيس المؤقّت لوفدٍ عمّا يسمّى ب"المجلس الوطني السّوري" و المعروف بمجلس اِسطمبول لتبعيّته المطلقة للمخابرات التّركيّة، كما أنّه لمْ يغبْ عنْكمْ اِستضافة تونس لمؤتمر دولي جمع كلّ الدّول المعادية  لسوريا و المتحالفة في مخطّط تدميرها، وهو المؤتمر الذّي صِيغ بيانه الختامي في وزارة الخارجيّة البريطانيّة قبل ليلة اِنعقادِه.

ولمْ يغبْ عنكمْ أيْضًا، حضور ممثّل عنْ تونس في كلّ المؤتمرات و اللّقاءات التّي عقدها هذا التّحالف الدّولي، من اِسطمبول إلى باريس إلى الدّوْحة إلى القاهرة، و كذالك كلّ اِجتماعات وزراء الخارجيّة العرب...وكلّها تصبّ في الشّأن السّوري،  وكأنّ العرب حلّوا كلّ مشاكلهم الأخرى.

و لا أحسب أنْ قد غابتْ عنْكمْ التّصريحات المتكرّرة لرئيس الجمهوريّة المؤقّت و المطالبة بتنحّي الرّئيس "بشّار الأسد" عن الحكم.
وقد وصل به الهذيان إلى حدّ إعلان –لامجرّد اِقتراح- اِستضافته وعائلته في روسيا التّي لا تتبع -إلى حدّ علمي- الدّولة التّونسيّة، بلْ زاد عن ذلك و راح يهدّده بنفس المصير الذّي عرفه  العقيد "معمّر القذّافي" رحمه الله، ربّما ليجد في ذلك فرصة أخْرى للرّقص على الجثث!

ولمْ يتورّع الرّئيس المؤقّت –في آخر شطحاته- عن المطالبة بإحالة الرّئيس "بشّار الأسد" إلى محكمة الجنايات الدّوليّة، وهو الذّي لمْ يشعر بأدْنى حرجٍ في حضور قمّة منظّمة المؤتمر الإسلامي بجانب الرّئيس السّوداني المطلوب منذ سنواتٍ من محكمة الجنايات الدّوليّة بسبب المجازر التّي اِرْتكبتْ على مدى سنوات في "دارفور".
و أعترف أنّ الرّئيس المؤقّت قدْ أصاب في إدانته للمقاطعة التّي ترْزح تحْتها كوبا منذ خمسة عقود...ويا ليْته تذكّر فأدان المقاطعة التّي تستهدف سوريا، و تشارك فيها تونس، في اِنتهاكٍ صريحٍ للقانون الدّولي.
 
أيّها السيّدات و السّادة أعضاء المجلس التّأسيسي:

إنّ العلاقات بيْن الدّول تقوم على مبادئ و قواعد و أعراف أجمع عليْها المجتمع الدّولي منذ القِدم، ومنْ قبْل أنْ تؤسّس البشريّة المنظّمات و الآليّات القانونيّة المنظّمة لها...و منْ هذه المبادئ، الاِحترام المتبادل بيْن الدّول و عدم التّدخّل في الشّؤون الدّاخليّة للغيْر، و أنْ يكون التّدخّل عند الاِقتضاء و الضّرورة الملحّة لغاية المساعدة على تقريب الشّقة بين الفرقاء، و إصلاح ذات البيْن دَفْعًا للتّقاتل و التّحارب ، و لضمان الأمن و الأمان و السّلم الأهلي.

 وعملاً بهذا المبدأ واَستنادًا إلى ميثاقها، أرْسلتْ الجامعة العربيّة بعثة المراقبين العرب في بداية هذه السّنة و كلّفتْها بالتّحقّق من تنفيذ بنود الخطّة العربيّة لحلّ الأزمة السّوريّة.
وقدْ تشكّلتْ البعثة من 160 خبيرا منْ خمسة عشر بلدا عربيّا ينتمون –في أغلبيتهم- إلى بلدان مناوئة للنّظام السّوري، و كان من بيْنهمْ أربعة خبراء تونسيّين من وزارات الدّاخليّة و الخارجيّة و الدّفاع...وعلى الرّغم من ذلك، كان التّقرير النّهائي في صالح الدّولة السّوريّة، حيث أقرّ بغياب مظاهر التّسلّح في المدن و حوْلها، و بإطلاق سراح الآلاف من الموقوفين على خلْفيّة الأحداث الأخيرة ، و بوجود كثير من وسائل الإعلام السّوريّة و الأجنبيّة... و النّقطة الأهم، أنّ السّلطات الأمنيّة لا تطلق النّار إلاّ للردّ على نيران المتظاهرين، و الدّفاع عن النّفس، وهو ما  أغاض بعض الدّول و دفعها إلى رفع القضيّة إلى مجلس الأمْن.
لقدْ كان لي شرف المشاركة في بعثة المراقبين العرب ضمْن الخمسة عشر مراقبٍا من المجتمعات المدنيّة العربيّة، و أشهد بأنّه كان بإمكان الجامعة العربيّة أنْ تساهم جديًّا في حلّ الأزمة السّوريّة لوْ عملتْ بتوْصيّات التّقرير النّهائي...غيْر أنّ لجْنتها الخاصّة بسوريا اِرْتأتْ دفن التّقرير و اللّجوء إلى مجلس الأمن لاَستصدار قرار يقضي بالتّدخّل العسكري الأجنبي.

  وقدْ فشل هذا السعيّ بفضل اِستعمال روسيا و الصّين لِحقّهما في "الفيتو" و لإدْراكِهما للأهداف الحقيقيّة للحرب الكوْنيّة على سوريا.
و قدْ نتج عنْ ذلكَ  تكليف السيّد "كوفي عنان" بمهمّة خاصّة، يساعده فيها مراقبون عسكريّون، وهي  المهمّة التّي حُكم عليها  بالفشل الذّريع منذ يومها الأوّل لرفض الأطراف الفاعلة في هذا الملف التّعاوُنَ مع المبعوث الخاصّ. و نذْكّر في هذا الصّدد تصْريح "آلان جوبي" وزير خارجيّة فرنسا يوم 15|05\ 2012 و تصْريح أمير قطرْ الذّي لمْ يُعطِ لهذه المهمّة سوى 3% من حظوظ النّجاح، و تصريح الرّئيس التّونسي المؤقّت الذّي أعطاها دون ال3%.

والحقيقة أنّ المدّة التّي حُدّدتْ لمهمّة "كوفي عنان" كانت فرْصةً لدول التّحالف لإدْخال مزيد الأسلحة و التّجهيزات و الجماعات المسلّحة و العصابات الإرْهابيّة إلى سوريا، وهو الأمر الذّي فجّر الأوْضاع الأمنيّة في سوريا، واَنتهى بالمبعوث الدّولي "كوفي عنان" إلى الإقرار بفشل مهمّته متجنّبًا التّصْريحَ بالمسؤولين عن ذلك. 

 و ها نحن الآن مع مهمّة السيّد "الأخضر الإبراهيمي"، و مع المحاولات النّشيطة و المساعي الحثيثة لإفشالها... لكنّنا أيْضًا مع وضع دوليّ و إقليمي و ميْدانيّ مختلفًا تمامًا عمّا كان عليْه منذ ستّة أشهرٍ...

فعلى المستوى الدّولي، يئِسَ التّحالف  المعادي لسوريا مِنْ فكرة التّدخّل العسكريّ المباشر- و إنْ كان ما يزال يلوّح به  للإيهام بأنّه يبقى صاحب القرار النّهائي في الحرب و السّلم- و في المقابل تعزّز موقف سوريا الدّولي و خاصّة بعد التّأييد الكبير الحاصل في مؤتمر دول عدم الاِنحياز.
   و على المستوى الإقليمي، تراجعتْ بعض الدّول عنْ مواقفها السّابقة  وإنْ كان أمير قطرْ و منْ ورائه رئيسُنا المؤقّتْ يلوّحان بتدخّل عسكري-عربيّ بسوريا.

وعلى هذا المستوى،  لابدّ من التّذكير بأنّ التّدخل العسكري  الدّولي و العربي قائم الذّات منذ بداية الأزمة السّوريّة،  لكن ليس عن طريق وحدات الجيوش النّظاميّة و إنّما عنْ طريقِ المقاتلين و الإرهابيّين الذّين يتسرّبون إلى التّراب السّوري و الذّين يمثّلون 95% من مقاتلي "الجيش السّوري الحر" حسب صحيفة "دي فيلت" الألمانيّة-اليوْميّة نقْلا عن المُخابرات الألْمانيّة،  و منهمْ بضعة مئاتٍ من التّونسيّين.

أمّا على المستوى الميْداني و المحلّيّ، فقدْ أمْكن للقطاع الأوسع من المعارضة الوطنيّة السّوريّة، تنظيم مؤتمره في دمشق و أمكن للجيش العربيّ السّوريّ أنْ يقطع شوْطًا بعيدًا في الحسْم النّهائي لفائدة الدّولة.

 السيّدات و السّادة، أعضاء المجلس الوطني التّأسيسي:

إنّكمْ تمثّلون حاليّا أساس الشّرعيّة في تونس، و منْ واجبكمْ مراقبة و محاسبة السّلطة التّنْفيذيّة التّي اِنْتخبْتُموها.
و إذْ أُسجّل بكلّ اِفتخارٍ موْقفكمْ من قضيّة تسليمِ  السيّد "البغدادي المحمودي" إلى السّلطات اللّيبيّة، فإنّي أدْعوكمْ إلى مساءلة السّلطة التّنفيذيّة برَأْسيْها عنْ سياسة العِداء التّي اِنْتهجَتْها تجاه سوريا إلى حدّ الآن، والتّي تُؤذِنُ بزجّ تونس في حرْبٍ ضدّ الأشّقّاء بحسبِ إلْحاح الرّئيس المؤقّت على  إرْسال وحداتٍ من الجيش التّونسي إلى سوريا، وهي التّي لمْ تطْلُبها... و لنْ تقْبلها.

كما أدْعوكمْ إلى إرْسال وفْدٍ منْكمْ للاِطّلاعِ على حقيقة الأمور في سوريا وهي في رأْيي أبْعدُ ما تكون عن الصورة القاتمة التّي كرّسها الإعلام المضلّل، و كذلك ربط الصّلة بالجالية التّونسيّة المقطوعة عنْ بلدها وعنْ ممثّلي دوْلتها.

عاشتْ تونس حرّةً مستقلّةً متضامنةً مع قضايا الحقّ و العدْل.
والسّلام عليْكمْ.
أحمد المنّاعي
عضو بعثة المراقبين العرب إلى سوريا        

No comments: