Search This Blog

Monday, March 10, 2008

إحياء للذكرى الخامسة لو فاة المرحوم محمود خليلي

(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية وأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي)


منذ خمس سنوات انتقل إلى جوار ربه الأخ ورفيق النضال من أجل احترام الكرامة الإنسانية، الأستاذ محمود خليلي، على إثر سكتة قلبية.

كان محمود خليلي بالنسبة لجيل الاستقلال، رمز الكفاح ضد الظلم والحقرة، ولفقدانه يوم الخميس 6 مارس 2003، فقدت جزائر الأحرار واحدا من المناضلين الصادقين القلائل من أجل حقوق الإنسان.

فبعد كفاح مرير ضد جحافل الاستعمار كمقاتل في جيش التحرير الجزائري، الولاية الرابعة، انخرط المرحوم منذ السنوات الأولى للاستقلال، في نضال جديد، لم يكن أقل شراسة من سابقه وذلك ضد انحرافات الأدعياء الذين صادروا الاستقلال الوطني مبكرا وصادروا معه حريات شعبنا.

وعندما بدأ أدعياء البطولات في تقطيع أوصال البلاد، كما يفعل مفترسو الجيفة ويستأثرون بالمكاسب باسم شرعية تاريخية مزيفة، عزم المرحوم، وهو المجاهد الحقيقي خلال حرب التحرير، على مواصلة النضال باسم القيم الوطنية.

كان المرحوم محمود خليلي لسان دفاع المظلومين ومحامي القضايا العادلة، وقد تميز بشجاعة نادرة وإصرار فولاذي وكرم حاتمي، وقد دافع عن كل المساجين السياسيين من كل صوب، ممن أودعهم غياهب السجون حكام الجزائر الجدد الذين وصلوا للسلطة بقوة الحرب، مدعين الثورة الاشتراكية، تلك الاشتراكية الفولكلورية التي كتبت إفلاسها في برك الدماء.

في بداية الاستراحة الديمقراطية القصيرة التي تلت الأحداث الدموية في شهر أكتوبر 1988 شجب المغفور له انحراف القضاء المدجن وأدانه بشجاعة وصراحة نادرتين، وقد كلفه ذلك الموقف سنتين من حرمان له في الترافع، ولم يتأثر بهذه العقوبة بمثل ما تأثر من الصمت المطبق الجبان لكثير من زملائه.

كان محمود خليلي في مقدمة النضال من أجل احترام حقوق الإنسان خلال الحرب التي شنها الرباعي الانقلابي وعملائهم، ضد المجتمع وانتهكوا فيها الحقوق الإنسانية باستمرار تحت عنوان "إنقاذ الجزائر"، جزائر الإمتيازات !

وقد كان من بين المحامين الأوائل الذين نددوا بإقامة المحاكم الاستثنائية والتي نقلها رجال قانون خدومين، تابعين "للمصالح" ودونما خجل عن الأقسام الخاصة لحكومة فيشي، وكان محمود هو الأول الذي نادى بمقاطعة محاكم "العار".

كان الوقت وقت التنديد الانتقائي، لكن محمود خليلي كان من بين القلة القليلة من المناضلين الذين أدانوا بقوة وبصوت عال كل الأعمال الوحشية التي وقعت منذ الانقلاب العسكري سنة 1992، سواء كانت أعمال التعذيب المنهجية، أو الإعدامات والتصفيات الجسدية أو المجازر في حق المواطنين الآمنين أو تقتيل المساجين في البر واقية أو سركاجي، وعمليات الاغتصاب الجماعي وسياسة الاختطافات القصرية.

واستطاع محمود خليلي، بما أوتي من شجاعة عجيبة ودون إصر ا ر أن يسقط جدار الصمت الرهيب والمغالطة الإعلامية التي نسج خيوطها النظام وزبانيته من أصحاب القلم والإعلام، وأمكن له أن يكشف للرأي العالمي، الوجه الحقيقي "لحرب الجزائر الثانية" وما اشتملت عليه من فظا عات يومية، أقترفها النظام الإجرامي بمشاركة الجماعات المسلحة التي تحسب نفسها تعسفا على الإسلام، وقد نشر كل ما كان بين يديه من ملفات وسلمها دون تحفظ إلى كل المنظمات غير الحكومية بلا استثناء، واعتمادا على ملفاته وبالتعاون مع الصديقة سليمة ملاح عن منظمة » الجريا واتش « أمكنته شخصيا في سنة 2002 وضع قائمات بآلاف المختطفين والمغتالين.

كان المرحوم واحدا من المناضلين القلائل الذين أسسوا أول منظمة لعائلات المفقودين، كما كان أول الذي نبه هذه العائلات إلى خطر توظيف قضية أطفالهم من قبل بعض الحوانيت الأجنبية لغايات دفينة، وهو الأمر الذي لم يتأخر كثيرا وانتهى إلى شل حركة هذه المنظمة ثم تفجيرها، وهو الشيء الذي أفرح المخططين لهذه الجريمة ضد الإنسانية.

ولم يثن الرجل عن الصدع بالحق، كل ما تعرض له من إرهاب من طرف الشرطة السياسية (تهديدات بالموت وإيقافان لأطفاله وبحجج واهية وملفات مصطنعة)، ولا الأذى والشتم والسب الذي لحقه من بعض الصحافيين المأجورين، وظل مستميتا في نضاله.

وواصل بحثه عن الحقيقة ومساندته لعائلات ضحايا الحرب السرية، على الرغم من تدهور صحته إلى أن مات واقفا كما عاش واقفا !

وستظل سيرة حياة محمود خليلي الرائعة كمناضل حر من أجل حقوق الإنسان، نبراسا لنا جميعا وصفحة خالدة في تاريخ الجزائر، وقد شرف مهنته التي أساء لها الكثير من الأدعياء، كما شرف كل الأحرار الذين ضحوا في سبيل جزائر الكرامة والحرية.

عاش محمود خليلي متواضعا وسيبقى في قلوب كل المتواضعين مثله.

ولا شك أن نضاله النبيل الذي يشترك فيه كل نبلاء الجزائر، نساء ورجالا، سيستمر إلى حين تحرير الجزائر المثخنة دماء، من مخالب المجرمين الذين تمكنوا منها.

وفي الأخير، أدعو كل الذين عرفوا هذا المكافح من أجل الكرامة الإنسانية، أن يتذكروه بخير في الذكرى الخامسة لوفاته.

(إنا لله وإنا إليه راجعون)

صلاح الدين سيدهم

الجزائر في 6 مارس

بسم الله الرحمان الرحيم

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون سورة البقرة ( 155, 156, 157)

صدق الله العظيم

الله أكبر... الله أكبر...الله أكبر

محمود، أيّها الأخ الأكبر.

كنا ننتظر لقاءك و تجاذب الحديث معك فيما هو شغلك الشاغل منذ أكثر من عشر سنوات. لكنّك خيّرت لقاء ربك على لقاءنا، و من ذا الذي لا يستجيب لندائه؟ فأنت السابق و نحن اللاّحقون.

ها نحن جمع قليل من أصدقاءك و أحباءك و زملاءك و مريديك، تجمّعنا على عجل في المَهاجر لتوديعك الوداع الأخير.

بعد ساعات قليلة، تستقبلك الجموع الغفيرة من الأصدقاء و الأحباء و المريدين على أرض الوطن الذي نذرت حياتك لخدمته، تُوَدِّعُك هي الأخرى الوداع الأخير و تُودِعُك ثراء الأرض التي أحببتها حد العشق.

الله أكبر... الله أكبر...الله أكبر

محمود، أيّها الأخ العزيز.

نحن نُوَدّعُك بكل ألم و حسرة و لكننا نعلم أن هناك من سيحتفل بقدومك و يستقبلك بالفرحة العارمة و الأهازيج. إنُهم آلاف المفقودين الذين اختطفتهم أيادي الجبابرة و كرّست أنت السنين العديدة من حياتك لوضع أسماء على رفاتهم و دفعت من الخبرة المهنية و الذكاء و الصبر و الشجاعة الشيء الكثير، لكي لا يموتوا ميتتين.

إنٌ آلاف المفقودين و أهاليهم و أكثر منهم، سيشهدون لك أمام الله بأن حياتك لم تكن عبثا، و إنٌما حياة بذل و عطاء و جهد مستميت لكي يحق الحق و يزهق الباطل...إنٌ الباطل كان زهوقا.

محمود، أيّها الفارس المِغوار.

إنٌا نُوَدّعك بكل حُزن و أسى، و نُوَدّع فيك الصّديق الودود و الأستاذ الكريم، الذي علٌمنا و علٌم الأجيال عبر مسيرة طويلة حافلة، معنى الحياة الحَقّة و كُنه الوجود. لقد علّمتنا بالخصوص بأنه لا معنى للحياة و لا طعم و لا مذاق، إن لم تكن حياة بذل وعطاء من أجل الناس جميعا و بالأخصّ من أجل أكثرهم حاجة للعَون و المساعدة و المساندة، و كل ذلك في سبيل المُثل التي لا يمكن للحياة أن تستقيم بدونها.

الله أكبر... الله أكبر...الله أكبر

لقد عرفناك أيّها الأخ الأكبر بالسّماع مند أوّل التسعينات، مع ظهور العلامات الأولى للمأساة التي لا تزال تخيّم على حياة الناس في الجزائر.

عرفناك فا رسا مغوارا يمتطي جواد القانون للدفاع عن المظلومين و المحرومين و المحقورين و المستضعفين و ضحايا القمع و عائلاتهم، و من أجل حَصحصة الحق و تكريس العدل الذي لا يستقيم عمران بشري بدونه.

كانت تصلنا بانتظام أصداء مرافعاتك لدى المحاكم العادية و الاستثنائية المدنية و العسكرية، و كلها تساوت في ظلمها. و كانت تبلغنا أخبار صراعاتك اليومية و ملاحمك العنترية مع القضاة و رجال النيابة و أعوان الأمن و العساكر كما كان ينتهي إلى مسامعنا، وقع هجوماتك الكاسحة على من تسبب في مأساة الجزائر و غذّاها ليُحسن له التمعّش منها...و كان كل ذلك يملأ قلوبنا خوفا على حياتك. و خلتك شخصيا و خالك كل الذين لم يسبق لهم التعرف عليك، أنك ثور هائج تسلح بالقانون، لا ينتظر إلا إشارة للانقضاض على الخصم.

و لكم كانت دهشتي يوم التقيت بك منذ ست سنوات و اكتشفت فيك لا شيء أخر سوى أسدا أغلبا لم يغلبه إلا هدوءه. لكم فاجأني لطفك و عذوبة لسانك و رقة إحساسك و ميلك إلى الإصغاء، و هي لعمري من شِيَم الرجال الواثقين بأنفسهم.

الله أكبر... الله أكبر...الله أكبر

محمود أيّها الأخ الأكبر.

يعجز لساني عن ذكر مناقبك و أعمالك، لكنّك ستجدها محصية في كتاب أمين. نُوَدّعُك أيّها الأخ العزيز و نعِدك وعد المؤمنين الصادقين، بأننا سنحفظ وِدِّك و ذِكراك ما حيينا و بأننا سنواصل على دَربك في الدفاع عن المظلومين و المحقورين و كل ضحايا الاستبداد في عصر عمّ فيه الاستبداد و الظلم الصارخ و الغطرسة كامل بلاد المعمورة.

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ( سورة الفجر27، 28، 29، 30)

صدق الله العظيم

باريس

11 مارس 2003

احمد المناعي

________________________________________________________

ملاحظة:

ولد محمود الخليلي سنة 1935 بالحرّاش, تطوّع في حركة التحرير كمقاتل في جيش التحرير في الولاية الرابعة و عند الاستقلال كان في أوّل دفعة من محافظي الشرطة الجزائريّة و استقال منها سنة 1974 ليتمم دراساته في القانون و يدخل سلك المحاماة سنة 1976 و ظل على مدى 27 سنة لسان حال المقهورين و المظلومين الى ان توفّته المنيّة بسكتة قلبيّة في مطار باريس يوم 6 مارس 2003 نُقلت رُفاته الى الجزائر يوم 11 مارس و دُفن في اليوم التالي.

ولمزيد التعرّف على شخصيّة الفقيد :

http://www.algeria-watch.org/fr/mrv/mrvrap/khelili/hommage_2008.htm/

No comments: