نداء من أجل تسوية سياسية تاريخية
و تأسيس جبهة التغيير الوطني
أيها المواطنون الأعزاء،
إنٌ وطننا اليوم، ليس بخير.
وهذا الوضع المأسوي، هو نتيجة حتمية للأزمة السياسية المتعلقة بشرعية السلطة التي تعصف ببلدنا منذ عام 1962 وتزداد تفاقما مع مرور السنين. وكأنما النظام السياسي اللاٌ شرعي، لم يأخذ أيٌة عبرة ولم يستخلص أيٌ درس من حرب الأشقاء التي عاش شعبنا ويلاتها، حيث نراه يستمر في طغيانه، سالكا سياسة الهروب إلى الأمام، مهما قد يترتب عليها من انفلاتات دموية جديدة.
إن العنف السياسي السائد، وتفشي الفساد والمحسوبية والمحاباة، هذه الآفات التي أصبحت وسائل حكم للنظام، قد نخرت جسم مجتمعنا وأضحت عائقا يحول دون تطوٌر البلاد، حيث بلغ الوضع مرحلة جد متقدمة من التفكك بل و التحلل. فجميع المؤسسات التي تم تنصيبها، والتي لم يعد خاف على أحد مدى زيفها وعبثيتها، ما هي في الواقع إلا واجهات تختبئ خلفها الطغمة العسكرية والمالية، التي تشكل نواة السلطة وتكوٌن المركز الحقيقي الفعلي للقرارات السياسية والاقتصادية. طغمة سلبت من الشعب الجزائري سيادته، وحرياته واستحوذت على ثرواته وخيراته.
إن هذه الوضعية المزرية تزيد من تعميق وتوسيع الفجوة القائمة بين نظام بدون شرعية من جهة وشعب بدون سيادة من جهة أخرى.
الأفق قاتم.
يوشك تسونامي شعبي – لا سمح الله – أن يعصف بالبلاد نحو المجهول إذا ما تمادى هذا النظام في انتهاج هذه السياسة الانتحارية، ويتجلٌى هذا الخطر عندما نعلم درجة الركوض للحياة السياسية والصمت المطبق الذي تلتزمه النخب المتخندقة من وراء أنينها وشكواها السياسية والإيديولوجية العقيمة.
إلى متى سنبقى غير مبالين ومكتوفي الأيدي أمام هذا التدهور المأساوي للحالة التي يمر بها وطننا ؟
إلى متى سنستمر في التزام الصمت أمام ما يحدق ببلدنا من تدمير ممنهج ومخطط له ؟
فبصفتنا مواطنين ومواطنات أحرار، فمن واجبنا تعبئة جهودنا لنفكر معا ونبحث سويا عن أفضل السبل لوقف عملية اغتصاب السلطة التي استمرت ما يناهز نصف قرن، وتمكين المواطنين الجزائريين من استعادة حقهم في اختيار ممثليهم الشرعيين ومؤسساتهم الشرعية بكل حرية وسيادة.
يتعين على جيل الاستقلال، بجميع أطيافه ومكوناته، وكافة اتجاهاته السياسية دون استثناء، أن يمد يده إلى ما تبقى من المخلصين والنزهاء، من جيل نوفمبر 54، للعمل معا من أجل التغيير السلمي والجذري لنظام سياسي بائد، وإرساء دعائم دولة القانون في جزائر تتسع لجميع أبنائها.
إن هذا التغيير– نظرا لوضعية البلد المتردية – يشكل طلبا شرعيا، لا غنى عنه، ولا يجوز لأي فئة أو مكون اجتماعي أو سياسي حقيقي، التهرب من الالتزام به.
بالله عليكم أيها المواطنون الأعزاء، لـنضع حدا لشجاراتنا المنهكة وتردّدنا المزمن، ولنفسح المجال ونعبد الطريق للعمل من أجل التعبئة العامة للمواطنين !
وفي هذا اليوم، 1 نوفمبر 2010، وفي الذكرى 56 لانطلاق الشرارة الأولى لحرب التحرر الوطني المجيدة، فإننا نناشد جميع الطاقات الفكرية والسياسية الصادقة، دون استثناء، للانضمام إلى جهود التفكير والعمل لتوفير الشروط الكفيلة بالتوصل إلى تسوية سياسية تاريخية، تقوم على مبادئ وقيم مشتركة، تحظى بقبول واحترام الجميع.
لقد حان الوقت لتأسيس جبهة وطنية حقيقية من أجل التغيير، تكون بمثابة بوتقة تنصهر في إطارها جميع القوى الحية التي تزخر بها الأمة، من أولئك الجزائريين والجزائريات الذين لا يكنون للجزائر سوى الوفاء والتفاني والالتزام، وذلك من أجل بروز دولة القانون، دولة تحترم وتحمي جميع مواطنيها.
إن مجموعة المبادئ والقيم التي تجتمع حولها الأغلبية الساحقة من أبناء بلدنا، راسخة لا غبار عليها، نذكر منها:
• الالتزام بالانتساب إلى جزأرتنا، بأبعادها الثلاثة (الإسلام، والأمازيغية والعروبة)، حيث لا ولن يسمح لأيٌ كان، بأي حال من الأحوال، استغلال أو احتكار إحدى أسس هويتنا لأغراض سياسية، سواء أكان هذا الطرف في السلطة أو في المعارضة.
• احترام حقوق الإنسان في مجملها، وذلك في إطار قيمنا الحضارية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
• احترام الديمقراطية كوسيلة للإدارة السياسية للمجتمع، مع ما ينطوي ذلك من نتائج طبيعية، من قبيل تنظيم انتخابات حرة والتناوب الحقيقي على السلطة، واحترام الحريات الفردية والجماعية، واحترام التعددية السياسية والثقافية واحترام كل العقائد الدينية. وهذا يعني ضمنيا، رفض جميع أشكال العنف كوسيلة للوصول إلى السلطة أو الاستئثار بها، كما يجب حظر اللجوء إلى العنف كوسيلة للتعبير أو إدارة المجتمع.
• يجب أن تتم عملية تغيير النظام السياسي على نحو سلمي وجذري.
وفي ضوء المآسي المتعاقبة التي أرهقت شعبنا وبلدنا، يتعين علينا جميعا مواجهة الحقيقة التي تبين بشكل لا لبس فيه، أنه ليس بوسع أي حزب بمفرده أو اتجاه، أو شخصية سياسية، ادعاء أنهم يمتلكون لوحدهم الوسائل التي تمكنهم من تسوية الأزمة السياسية الخطيرة التي يمر بها بلدنا، مثلما لن يقبل من أية مؤسسة أن تتصرف وكأنها فوق سيادة الشعب.
معا، وبتظافر جهود الجميع، لدينا من القوة التي تمكننا من قطع الطريق على أولئك الذين يستغلون الفوضى السائدة والركود المنتشر في البلاد ويوظفونها لضمان استمرار حكمهم.
معا، سوف نبرهن مدى تمسكنا والتزامنا الوفي بتضحيات شهدائنا الأبرار.
معا، سوف نحقق بشكل فعال وبطريقة سلمية هدفنا الأسمى، ألا وهو بناء دولة القانون، لا مكان فيها للظلم
والمهانة والحقرة.
دعونا نتحد حول المبادئ التي تدعم وتؤازر تماسك شعبنا بكل ما يزخر به من تنوع، ولنعمل من أجل تحقيق هذه التسوية السياسية الكفيلة بإنقاذ بلدنا.
إن العمل التضامني لكل القوى، لكفيل وحده بأن يحقق التغيير السياسي المنشود الذي طالما انتظره بلادنا. ومن هذا المنطلق، فإننا ندعو جميع الإرادات المخلصة والملتزمة لتجتمع فيما بينها من أجل مناقشة هذا الحدث التاريخي، القادر على تعبئة الجهود وتوحيد الصفوف، ومن ثم المساهمة في الجهود الرامية إلى ترسيخ أسس متينة تقوم عليها "جبهة التغيير الوطني"، الواسعة والمنقذة، التي تعد بمثابة مقدمة لبناء دولة القانون.
إن جبهة التغيير الوطني، تشكل البديل الوحيد القادر على إنقاذ بلدنا وانتشاله من هذه الكارثة العارمة.
من أجل عمل متضامن، دعونا نتحرك اليوم، بل الآن دون بطء!