حديث مع
تونس تروبين باريس في 04\02\2012
تونس تروبين: أنت أحد أعضاء بعثة الجامعة العربية الى سوريا , كيف يتّم عملكم في
الميدان؟
أحمد المنّاعي: هذه المهمّة
قرّرها مجلس وزراء الخارجيّة في دول الجامعة في إطار مبادرة عربيّة للمساعدة على
معالجة الأزمة السّوريّة و قد وقّعت سوريا و الجامعة العربيّة اِتِّفاقا لإرسال
مراقبين إلى هذا البلد و قد وصل هؤلاء المراقبين و عددهم 160 إلى سوريا و أدّوا عملهم
على كامل التّراب الوطنيّ و كتبوا تقريرا كان من المفروض أن يستعمله الوزراء العرب
للتّحوّل إلى المرحلة الثّانية في علاج الأزمة.
و على الرغم من
الصعوبات الكبيرة التّي تسبّب فيها خاصّة '' أصحاب القرار في
الجامعة'' و على الرغم من الحملة العدائيّة الغير المسبوقة ضدّ المهمّة , فإنّ المراقبين قاموا بعمل كبير وقع تلخيصه في
تقرير تميّز بكثير من الأمانة و ألموضوعية
و قدّمه رئيس البعثة الفريق الدابي إلى مجلس وزراء الخارجيّة العرب.
و عندها تفطّن هؤلاء إلى أنّ
التّقرير لا يتّفق مع خطّتهم فدفنوه و رفعوا القضيّة إلى مجلس الأمن.
و الجميع يعرف ما حدث بعد ذلك و
أدعو القرّاء للإطّلاع على هذا التّقرير و سأقول المزيد بعد نهاية هذه المهمّة
عندما أتحرّر من قصري.
تونس تروبين: اِتخذتْ تونس إجراء قاسيا تجاه بلدٍ عربيٍ آخر و ذلك بقرارها طرد السفير
السّوريّ في تونس هل هذا القرار صائبا و
كيف ترونه؟
أحمد المنّاعي:
هذا بالفعل شيء نادر في الدبلوماسية التّونسيّة .
و أذكر أنّه في سنة 1961 و أثناء
معركة بنزرت و التّي راح ضحيّتها مئات بل
آلاف التّونسيّين الذّين سحقتهم آلة الحرب الفرنسيّة لم تقطع تونس علاقاتها
الدبلوماسية مع فرنسا بل اِكتفت باُستدعاء سفيرها في باريس و حتّى الطلبة التونسيين
الذين كانوا يدرسون بفرنسا فقد شجعتهم الحكومة على العودة للدّراسة في هذا البلد.
و أشير إلى أنّه لا يوجد سفير سوريّ في تونس, فهو في عطلة مرض في بلاده منذ أكثر من سنة و
يوجد فقط نائب لقائمٍ بالأعمال. وعلى كلٍ فنحن أمام قرارٍ رمزيّ مستهجنٍ و مجانيّ.
و أذكّر بأنّه في سنة 1980 إبّان قضيّة قفصة التّي كانت الجزائر مورّطةً
فيها بمستوى ليبيا لم تتّخذ تونس أيّ إجراءٍ معادٍ للجزائر. بل أكثر من ذلك,
لم يقع ذكر إسمها البتّة في وسائل الأعلام الرسميّة التّونسيّة.
أمّا تفسير هذين الموقفين فبسيط
للغاية: لا يستطيع أيّ بلد مهما كانت قوّته- فما بالك بوضع تونس- أن يحيط نفسه بالأعداء…
فالغاية من كلّ ديبلوماسيّة محترمة أن تكسب أكثر عددٍ ممكنٍ من الأصدقاء و أن
تقلّل من الأعداء. و إنّي أشير على
قرّائكم بالرّجوع إلى كتاب الصديق و الجامعيّ الألمانيّ .WERNER CLAUS RUF
و عنوانه ''السيّاسة الخارجيّة لبلد ضعيف مثل تونس''
و الذّي نشره في نهاية الستّينات .
و يمكن للدبلوماسيين أن يجدوا فيه ما يفتقده حكّامنا الحاليّين.
كيف أرى هذا القرار؟
إنّه قرار مرتجل اِتّخذه هوّاة الّديبلوماسية للعلاقات الدّولية, دونما وعي
بالضّرر الذّي يلحقونه بمصالح و صورة بلد تميّز على الدّوام بديبلوماسيّة حكيمة و متوازنة .
و قد يكون القرار قد اُتّخذ من طرف قوى أكبر منهم.
و الغريب أن لا واحدة من ّ الدوّل الكبرى,
التّي كانت تستعدّ إلى حدّ أسابيع قليلة إلى الدّفع بطيرانها لمهاجمة سوريا ,
قد لجأت إلى قطع علاقاتها مع سوريا.
تونس تروبين: كتبت البارحة على صفحتك في الفاسبوك ما يلي; '' إنّ قرار طرد سفير
الجمهورية العربيّة السوريّة من تونس لم يصدر عن الرّئيس بل عن الغنّوشي و قطر . انها الفضيحة ''…هل لك أن تعطينا مزيدا من التّفاصيل؟
أحمد المنّاعي: يكفي ان نذكّر بما صرّح به الغنّوشي في شهر نوفمبر
2011 -فيما أعتقد حين قال بأن تونس ستطرد السفير السّوريّ ثمّ أضاف فيما
بعد '' إلى أنّه سيسلّم سفارتي
اليمن و سوريا إلى معارضي البلدين'' في جهلٍ مؤكّد للاِتّفاقيّات الدّوليّة التّي
تنظّم العلاقات الدّيبلوماسيّة.
الغنّوشي هو الكل, و هو الذّي يقّرّر كلّ شيء.
عندما صرّح الغنّوشي بهذا, لم يكن
سوى رئيس حزب سيّاسيّ ربح الاِنتخابات و من
حسن الحظّ أنّ الحكومة آنذاك أنّ الحكومة قد هدّأت من حماسه أمّا الآن فهو الكل, و هو الذّي يقّرّر كلّ شيء.
أمّا لماذا قطر, فلأنّ هذا البلد قد أوصى كلّ البلدان العربيّة
الواقعة تحت وصايته '' بمرافقة''
اِجتماع مجلس الأمن بتاريخ 04\02\ 2012 بعملٍ ممنهجٍ لقطع العلاقات مع سوريا,
و أوصت قطر و سائل الإعلام بتسخين الأجواء.
'' أمّا المجلس الوطنيّ السوريّ'' فقد أوصى أتباعه في الخارج باُحتلال السّفارات
و القنصليّات السوريّة, وأمر مجموعاته
المسلّحة بالقيام بعمليّاتٍ مدوّيةٍ كالمجزرة التّي وقعت يومها في مدينة حمص.
وأخيرا لا أخفي عليكم بأنّ لي بعض الأصدقاء العرب من السّفراء العرب في الجامعة العربية أكَّدوا لي بعض الأشياء, و منها التّبعيّة الكاملة للبِعثة التّونسية
للجامعة العربيّة لدولة قطر
.
تونس تروبين: ألا ترى بأنّه قد حان الوقت للسلطة السوريّة
الحالية أن تتنحّى وأنّ من حقّ الشّعب السّوري أن يختار مصيره و أن يعيش و أن
يتمتّع بالحرّية التّي يطالب بها ؟
أحمد المنّاعي: إنّ كلّ السّورييّن الذين أعرفهم -و بعضهم من سنة 1981- هم ينتمون إلى المعارضة, وهم الآن في المجلس الوطنيّ السّوريّ أو
مستقلّين… و منذ 1991 ناضلنا معا من
أجل الحرّية و الدّيمقراطيّة واُحترام حقوق الإنسان في تونس و في سوريا و في
غيرهما…ومن المؤسف أن ألمس بأنّ نضال بعضهم الطّويل لم يهيِّئهمْ ليصبحوا رجال
السيّاسة القادرين على تحمّل مسؤوليّة هذه المرحلة من النّضال.
قبل المجيء إلى سوريا ذهبت إلى تونس العاصمة لملاقاة ''برهان غليون" لم أتوصّل إلى ذلك و لكنّني اِلتقيت بثلاثةٍ من
رفاقه, و ألقيت عليهم هذا السّؤال البسيط: ''هل أنتم مستعدّون للتّفاوض''؟
فردّوا عليّ بصوت واحد: ''لا, أبدا'' …
لعلّهم كانوا يتصوّرون أنّهم
سيدخلون دمشق وراء قوّات الحلف الأطلسيّ!
إنّ هذا كلّ شيء غير السيّاسة,
لأنّ القاعدة الأساسيّة في السّياسة هو التّفاوض من أجل حلّ الخلافات و الصّراعات, حتّى المسلّحة منها.
و بالنّسبة إلى الشّعب السوريّ فإنّه يحقّ له طبعا أن يختار مصيره و يعيش في
كنف الحريّة التّي ينشدها و لكن يجب أن يتّم التّداول على السّلطة في نطاق الهدوء
و ليس في ظلّ الفوضى و على وتيرة الأعمال الإرهابيّة
.
تونس تروبين: و مع ذلك, فإن رئيس بعثة المراقبين العرب التي تولّت
معاينة تطور الحالة في سوريا, قد أشار إلى وجود حرب في
هذا البلد حيث تصاحب أعمال العنف حركة الاِحتجاج ضدّ النظام .
و هو يقول أيضا أنّه
عاين '' بعض شواهد التّعذيب '' في سوريا التّي تواجه حالة حربٍ
.
أحمد المنّاعي: إنّ تقرير رئيس البعثة هو تقرير كامل و متوازن وهو ملخّص للتّقارير
اليّوميّة التّي كان يبعث بها الخمسة عشر فريقٍ الذّين جابوا سوريا طولا و عرضا لمدّة
أربعة أسابيع… غير أنّني لا أعتقد أنّ هناك حرب أهليّة في
سوريا – الحرب الأهليّة هي تقاتل بين
أنصار النظام القائم و جزء هام من السكّان- و إنّما هناك بؤرُ عنفٍ:
خمسة أو ستّة على الاكثر, أهملتها السّلطات بعض
الشيء.
منذ أسبوع, يبدو أنّ السّلطات قد اِسترجعت المبادرة في ريف دمشق و تتواصل
عمليات حفظ الأمن في غيرها من المناطق.
ملاحظة أخيرة, إنّ الذّين يعتقدون بأنّ
الرّئيس السوريّ معزول و ليس له مساندة شعبية,
إنّما هم واهمون لذلك أقول لكل اصدقائي في المعارضة السّوريّة راجعوا مواقفكم و
إلاّ فإنّكم ستهمّشون بالكامل.
ملاحظة:
عندما قرأ صديقي هذا الحديث في صيغته الفرنسية, بعث لي برسالة أصلح فيها
عنوان الكتاب 'البورقيبية و السياسة الخارجية لتونس
المستقلة''
و اُنطلقتْ المراسلات بيننا بخصوص ترجمته إلى العربيّة وهو ما وقع الاِتّفاق عليه
مع المترجم. ثمّ في مرحلة ثانية إلى هذه النّدوة التّي ننظّمها في المنستير حول "السياسة الخارجية التونسية بين الأمس و
اليوم".
No comments:
Post a Comment