من العظمة الى راجحة
د. حياة الحويك عطية
لم يستشهد في حرب تشرين رغم انه قاد الفرقة
التاسعة حتى قرية بنات يعقوب ، التي تشكل حدود ما قبل ال67 . لكن اسرائيل ،
وبادواتها الغربية والعميلة تمكنت من ان تثأر من العماد حسن تركماني بعد اكثر من
اربعين سنة . لتتركنا نسال بحرقة : اين رفاق سلاحه؟ اين الذين شاركوه حرب اكتوبر ؟
لماذا لم نسمع منهم كلمة حق بحق ها القائد
البطل ، او كلمة ادانة لاغتياله ؟ اما الاخرون .. فهل ان كل من شارك في تحرير او
في انتصار يشكل لهم ادانة بحد ذاته ، فيشمتون ضمنا للتخلص منه ؟
ان تشمت اسرائيل ،
وان يسارع شيمون بيريز ، بتوقيت ذي دلالة ، بعد ساعات من استشهاد قادة الجيش
السوري بالقول ان اسرائيل ستقيم علاقات طيبة مع سوريا بعد ذهاب الاسد ، لامر يقع
في طبيعة سياقات العداء التاريخي والتحدي الوجودي ، خاصة عندما يكون الجيش المعني
هو الوحيد الذي ما زال يحتفظ بعقيدته العسكرية المعادية لاسرائيل فعليا ، ولا
يرتبط تجهيزا وتمويلا وتدريبا بالولايات المتحدة الاميركية . ان يشمت بعض رموز
المعارضة ، ويصمت اخرون ، فذاك امر طبيعي ايضا لان كل عميل يشمت من التخلص ممن
يدينه ، في حين نعرف جيدا – وعن قرب – خوف الاخرين من ردة فعل اخرى تجعلهم عرضة
للتخوين امام جماهيرهم . هذا السيف الذي يسلطه الاخرون على رؤوسهم ولا ندري متى
ستجرؤون على مواجهته بالقول الواضح : ان هناك معارضة وهناك عمالة ! هناك مطالب
اصلاحية لا يمكن لمخلص ان ينكرها ومن حق الشعب وتنظيماته السياسية ان يضغطا للحصول
عليها ، وهناك استهداف لسوريا كسوريا ، لتدميرها وتغيير لون عينيها وطعم مياهها ،
لضرب رموز سيادتها، لجعلها صومال ثانية لا
تهدد اسرائيل ولا تعيق المشروع الاميركي – الغربي في الشرق الاوسط . اما ان يصمت
العرب بهذا الشكل الذي نراه فلا تفسير له الا ان البهسة قد ضربتهم او شيئا اخر ...
منذ بداية الازمة ،
كنا نقول – كما كل المخلصين – انه لا خلاف على الاصلاح ، وحتى على تغيير اسماء
الحكام ، شرط ان تبقى سوريا هي سوريا القومية ، التعددية ، الموحدة، الناهضة ...
سوريا البلد العربي الوحيد الذي اعتمد سياسة الانتاج لا سياسة الاستهلاك
والاستدانة ، فاذا به بدون ديون ، فيما يشكل نموذجا فريدا في المنطقة ونادرا في
العالم . وبذلك لم يرتهن عبر امنه الغذائي. وما خرج عن دائرة هذه الستراتيجية ،
خلال السنوات الاخيرة هو ما يندرج في دائرة ما يتوجب اصلاحه . سوريا البلد العربي
الوحيد الذي يدعم خط المقاومة ضد اسرائيل وضد مشاريع التصفية العربية ، فلولاها
لكان اللبنانيون ينعمون منذ عقود باغلال اتفاقية 17 ايار ، ولولاها لكان لبنان
احتل مرة اخرى عام 2006 ، والحساب طويل .
كنا نقول ان من حق السوريين ان يثورا وان يطالبوا وان يحققوا مطالبهم ، لان
هناك الكثير مما يتوجب تغييره على صعيد القوانين والحريات.
لكن احدا لا يجرؤ على
القول بان من حق الدول ان تجند الاموال
والمرتزقة وتجند المجرمين المرتشين لتدمير اي بلد
وتحويل الحالة المطلبية الى حرب اهلية
طائفية مذهبية ، لاتهدف الا الى التدمير والفوضى.
في بداية الحراك رفع
السوريون المعارضون شعارا ثلاثيا : لا للعسكرة ، لا للطائفية ، لا للتدخل الخارجي
. فقلنا انه الطرق الصحيح . لكن كل من اصر على تبنيه ، اما قتل او همّش او هدّد. ونحن
نعلم كم كان هؤلاء المعارضون الوطنيون يراهنون على دور الجيش ، ويخافون عليه . وكم
كان الاخرون يستهدفونه ( كما لم يستهدفوا القوى الامنية وقوى حفظ النظام ) . كان
الجيش وما يزال هو الهدف الرئيسي ، الذي يتقدم على الرئيس ، رغم كل الاعلام .
للمرة الثانية يستشهد وزير الدفاع السوري في مواجهة الغرب
وضمان اسرائيل، عبر مشاريع التقسيم والتدمير ، فمن يوسف العظمة الى داوود راجحة ،
ومن قصف دمشق الى مهاجمة مشق، تخسر سوريا –
كما لم يحصل في اي بلد عربي اخر – وزيري دفاع بطلين ، فتصاب بضربة مزلزلة ، ولكنها
تحصل، للتاريخ ، وللمرة الثانية ، على ذخر
من دماء شهادة ، ليس مثله شاحن للشعوب وللاجيال في مواجهاتها مع من يستهدف بلادها
. ذخر يقدم للعالم ، وللسوريين انفسهم دلالات لا حد لها لمعنى بلادهم ، ومنها
ان هؤلاء الشهداء يمثلون التعددية
الدينية وحتى الاتنية السورية ( السني
والمسيحي والتركماني والشيعي ) ، تعددية تضيء وحدة حياة وطنية ووحدة
في قيادة الجيش الذي يحمي هذا
النموذج المطلوب راسه.
No comments:
Post a Comment