شبهات المحاصصة تلطّخ هيئة الحقيقة... أخطر هيئة في تاريخ تونس
تشكّلت هيئة الحقيقة والكرامة وردّ الاعتبار رسميا منذ أيام بعد اختيار أعضائها الخمسة عشر، وستتولى هذه الهيئة ولمدّة الأربع سنوات القادمة العمل على جمع المعلومات ورصد انتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق في كل الجرائم السياسية التي أسفرت عن ضحايا انطلاقا من غرة جويلية 1955 إلى غاية ديسمبر 2013 تاريخ إصدار قانون العدالة الانتقالية ، ويتواصل عمل الهيئة أربع سنوات تنطلق من تاريخ تسمية أعضائها ، وقد يمدّد عملها لمدة سنة معلّلة.
تشكّلت هيئة الحقيقة والكرامة وردّ الاعتبار رسميا منذ أيام بعد اختيار أعضائها الخمسة عشر، وستتولى هذه الهيئة ولمدّة الأربع سنوات القادمة العمل على جمع المعلومات ورصد انتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق في كل الجرائم السياسية التي أسفرت عن ضحايا انطلاقا من غرة جويلية 1955 إلى غاية ديسمبر 2013 تاريخ إصدار قانون العدالة الانتقالية ، ويتواصل عمل الهيئة أربع سنوات تنطلق من تاريخ تسمية أعضائها ، وقد يمدّد عملها لمدة سنة معلّلة.
ورغم أن هذه الهيئة تعدّ مطلبا
ثوريا اشتغل عليه السياسيون بعد الثورة وضغط من أجل تحقيقه المجتمع المدني
،إلا أن إحداثها رسميا لم يشكل الحدث كما كان متوقعا منذ الثورة بل العكس
هو الذي حصل حيث أثار اختيار أعضاء اللجنة موجة من الاحتجاجات والجدل بين
الحقوقيين وحتى بعض السياسيين .
حيث اعتبرت الرابطة الوطنية
لحقوق الانسان أن تركيبة الهيئة غير مستقلة باعتبارها تخضع للمحاصصة
الحزبية ، كما شجب عدد من الحقوقيين اختيار الخميس الشماري ليكون ضمن
تركيبة الهيئة بما يتنافى والقانون المنظّم لها باعتبار أن المذكور كان
عضوا بمجلس النواب من سنة 1994 الى سنة 1996، رغم أن قانون العدالة
الانتقالية كان واضحا عندما نصّ بأنه يحجر على المترشح لعضوية الهيئة:» أن
يكون قد تقلّد منصبا نيابيا أو مسؤولية صلب الحكومة في الفترة الممتدة بين
الأول من شهر جانفي سنة 1955 و تاريخ إنشاء الهيئة.»
هيئة «خطيرة» بصلاحيات مطلقة
الهيئة المنبثقة عن قانون
العدالة الانتقالية تعتبر دون مبالغة أهم هيئة شهدتها تونس بعد الاستقلال،
لسببين اثنين أولهما أنها تعتبر هيئة ثورية بامتياز تعكس منطق وفكر الثورة
التونسية التي نادت بالقطع نهائيا مع الدكتاتورية ومحاسبة من أجرم في حق
الشعب لكن دون تشفّ أو انتقام بل في إطار العدالة الانتقالية التي تنادي
بالمحاسبة لكنها تحرص أيضا على تحقيق المصالحة.
السبب الثاني الذي تستمد منه
الهيئة أهميتها وخطورتها في نفس الوقت هو أنها ستكون الهيئة الوحيدة منذ
الاستقلال التي سيحق لها قانونا تصفّح الملفات الأكثر سرية وإحراجا
والإطلاع على التاريخ كما هو دون تحريف أو تزييف للوقائع ولعل أخطر الملفات
التي ستوكل لهذه الهيئة هو الصلوحية التي منحت لها لفتح أرشيف البوليس
السياسي أو الأرشيف الأسود للدولة التونسية لعقود مضت.
وما يزيد في خطورة الهيئة
الصلاحيات الممنوحة لها بحكم القانون، بما دفع بالبعض إلى القول بأنها هيئة
فرعونية وغول سياسي كما وصفها الأستاذ حسين الحجلاوي المرشّح الذي تم
إقصاؤه من عضوية هيئة الحقيقة والكرامة بداعي المحاصصة الحزبية والتي فرضت
المرشّح الثاني لهيئة المحامين الأستاذة علاء بن نجمة زوجة فاضل السايحي
القيادي في حركة النهضة والمستشار الخاصّ لوزير العدل السابق نور الدين
البحيري كما قال.
فهيئة الحقيقة والكرامة التي
من اختصاصها النظر في ملفات القتل والتعذيب والاغتصاب والعنف وتزوير
الانتخابات والدفع إلى التهجير القسري لأسباب سياسية، لا تسقط الجرائم التي
تنظر فيها بمرور الزمن، لكن هذه الجرائم محكومة بحيز زمني يبدأ من غرة
جويلية 1955 إلى ديسمبر 2013.
وحسب الجرائم التي هي من
اختصاص نظر الهيئة فانه ومن أبرز المتهمين المفترضين لبعض هذه الجرائم نجد
الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة خاصّة إذا ما فتح ملف اليوسفيين وزين
العابدين بن علي الذي نكّل بالاسلاميين وكذلك الباجي قايد السبسي الذي
اعترف في برنامج تلفزيوني بأنه قام بتزوير انتخابات 1981، وراشد الغنوشي
لاتهامه بأحداث باب سويقة وعلي العريض لاتهامه بأحداث الرشّ بسليانة ونور
الدين البحيري على خلفية قراره باعفاء 81 قاضيا من مهامهم دون محاكمة
عادلة.. كل هؤلاء يمكن أن يمثلوا أمام الهيئة كمتهمين الى جانب شخصيات
سياسية أخرى من الأحياء والأموات.
كما تتعهّد الهيئة بتوفير
التعويض الوقتي منذ تعهّدها بالملف - وهنا يطرح من جديد ملف التعويض
الماديّ للضحايا في وقت تنازع فيه الدولة ماليا واقتصاديا- كما أن الهيئة
يجوز لها استدعاء كل من ترى فائدة من استدعائه دون أن يتعلّل من وقع
استدعاؤه للمجابهة بالحصانة البرلمانية أو بمنصبه في الدولة ، فلا فرق أمام
الهيئة بين رئيس الدولة وبين أي موظّف صغير في الدولة، كما يحق للهيئة وفق
القانون المنظّم لها مطالبة السلطة القضائية بمدّها بالوثائق تحت يدها.
لكن أخطر ما في الصلاحيات
المذكورة أن تضرب مبدأ التقاضي على درجتين رغم أنه حق مكفول دستوريا لأنها
لا تقبل الطعن في أحكامها بالاستئناف، كما يعاقب بالسجن لمدة 6 أشهر كل شخص
يتعمّد إخفاء وثائق أو حقائق على الهيئة وذلك بالرجوع إلى سلطتها
التقديرية.
نقد لاذع..
مثّل مشروع العدالة الانتقالية
في تونس تتويجا للثورة السلمية التونسية التي لم ترفع شعارات التشفّي
والانتقام، لكن وجود هيئة بصلاحيات مطلقة دون رقيب أو حسيب فعلي وبشبهات
المحاصصة الحزبية أو التحزّب المستتر التي تحوم حول بعض أعضائها يجعل
مهمتها في كشف الحقيقة دائما محل انتقاد.
وبما أن تونس ليست الأولى في
تكريس العدالة الانتقالية اذ سبقتها عديد البلدان في العالم ، فان التجربة
التونسية المستلهمة من كل هذه التجارب يبدو أنها تفوّقت حتى على نفسها فيما
يتعلّق بهيئة الحقيقة والكرامة، وخاصّة في الصلاحيات الممنوحة لها والتي
لم تحظ بها أي هيئة مشابهة في كل الدول التي اعتمدت العدالة الانتقالية
كالمغرب التي خاضت التجربة من خلال المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في مجال
تسوية انتهاكات الماضي والذي شكّل نموذجا استلهم منه في عدة دول
كالأرجنتين.
ولعل صلاحيات الهيئة واختيار
أعضائها هو ما أثار تلك الموجة الحادة من الانتقادات من طرف المنظمات
والجمعيات والحقوقيين كالأستاذ حسين الحجلاوي الذي تقدّم بقضية أمام
المحكمة الادارية ضدّ لجنة الفرز في المجلس التأسيسي يعترض من خلالها على
إحدى المرشّحات والتي أصبحت عضوا رسميا الآن في الهيئة معتبرا أنها تفتقد
لمعيار النزاهة والحياد باعتبار أن زوجها له علاقة بملف اعفاء القضاة والذي
هو من مشمولات هذه الهيئة كما أن زوجها أيضا قيادي في حركة النهضة
وبالتالي المحاصصة الحزبية هنا تبدو جلية.
منية العرفاوي
كلمات دليلية:
No comments:
Post a Comment