بين إستحقاقات الأزمة الاقتصادية ومقتضيات الصور السياحية
حكومة جمعة في مفترق طرق
بقلم: محمد بوعود
شنّ الكاتب
الصافي سعيد، مساء الاحد الماضي في أحد البرامج التلفزية، هجوما عنيفا على
حكومة السيد مهدي جمعة ووزرائه الذين وصفهم بقلة الخبرة ووزراء السياحة
والترفيه لكن الأهم أنه قال عنهم حرفيا «موظّفين عند فرانسا» ولما سأله
المنشّط ان يوضّح قال ان تونس الآن تحكمها ست شركات فرنسية من بينها شركة
طوطال التي يعمل عندها عدد كبير من وزراء السيد جمعة.
وبغض النظر عن صحة
ودقّة ما قاله السيد الصافي سعيد فان حكومة التكنوقراط التي روّج لها
الجميع على أنها حكومة الإنقاذ والخروج من الازمة لم تبدأ بعد في تحقيق
الانجازات على الأرض، ما عدا ربما الجولات المكوكية في العواصم عديمة
الفائدة التي لا تربح تونس من زيارتها الا تكريس نوع جديد/قديم من التبعية
التي يرفض السيد مهدي جمعة ان يُطلق عليها زيارات تسوّل بل ذهب الى حد
تسميتها بزيارات التعريف بتونس والترويج لها وكأن تونس ولدت البارحة ليقع
الترويج لها في نيويورك وباريس والرياض والدوحة، التي هي عواصم تعرف حتى
أسماء شوارعنا وأصغر الأزقة في أبعد مُدننا.
ولا شكّ أن السيد مهدي جمعة
لم يضيّع كثير وقت ليعرف أن السيولة مفقودة وان البلاد تحتاج الى أموال
لكي تتحرّك وقد يكون بادر من تلقاء نفسه وقد يكون مدفوعا من الرباعي الراعي
والقوى السياسية لكن المهم انه تحرّك من أجل ملء الخزينة حتى لو أنكر ذلك.
بقي
أن نذكّر السيد مهدي جمعة أن تونس تحتاج الى حنكة ووعي سياسي خاصة في
العلاقات الخارجية وتحتاج خاصة الى من يقرأ الأحداث العالمية والتطورات
السريعة ويستقرئ ويستشرف إمكانيات ما سيحصل ويتصرّف بناء على ما سيأتي لا
على ضوء ما حصل وعلى ضوء العلاقات التاريخية وغيرها
فزيارة السيد جمعة
وأفراد حكومته الى باريس كان يمكن أن تأتي أكلها لو أنه استبقها حتى بتهديد
بزيارة موسكو او بيكين، ساعتها ستعرف باريس وغيرها وحتى واشنطن أن الرجل
جاد في مسعاه وأن تونس يمكن أن تخرج من هذا النسق لو تراخوا في دعمها، لكن
أن يذهب اليها مباشرة، فذلك لا يدخل الا في نطاق مساومات التجار الفرنسيين
الذين لا يملكون أصلا ما يعطونه لغيرهم لكنهم يظلون يفاخرون بما ليس ملكهم
وفي الاخير لا يعطون شيئا.
أما زيارته للخليج العربي فأغلب الظنّ لو
استبقها بزيارة الى دمشق أو القاهرة لفُتحت أمامه خزائن الدوحة ودبي
والرياض بدون حساب لأن خوفا ساعتها سيكون حقيقيا من تحول تونس الى معسكر
المقاومة والممانعة، وتُجبر دول الخليج على الدفع حتى تتجنب زيادة في
المعسكر الاخر، أما الذهاب الى أكثر خلق الله استغلالا لاكداس المال في
شراء التابعين، بيد فارغة واخرى لا شيء فيها، فانه لا يولّد فيهم الا نزعة
البداوة في التعامل مع الغريب: (طالما صول ليش ننطيه) التي تقوم عليها أغلب
الاعطيات الخليجية.
وحتى لا نكون قساة على حكومة السيد مهدي جمعة
الفتية فاننا نود ان نذكّره فقط بأن الدول لا تُساس من خلال الزيارات
المكوكية، ولا من خلال الاستعراضات السياحية الشعوبية وموائد الفريكاسي
والفطائر بل تُساس بحكمة المستشرف وبتحدي الثائر الذي لا تعنيه مكانة دولته
الجغرافية والاقتصادية بقدر ما يعنيه قدر المكاسب التي سيحققها لهذه
البلاد.
والمسار الذي تنتهجه حكومة السيد مهدي جمعة الى حد الان لا يعطي
انطباعا بأنها حكومة استراتيجيا، بل يميل كثيرا الى استنتاج السيد الصافي
سعيد بانها حكومة سياحة واسفار، فلا ندري الى حد الان مدى صوابية ان
يفاخرنا السيد الجلاصي وزير التعليم العالي بعقد اتفاقية شراكة وتوأمة بين
الجامعة التونسية واحدى الجامعات الفرنسية المغمورة ولا ندري مدى صوابية
أن تكون السيدة كربول وزيرة السياحة موجودة في كل محضر واجتماع رغم ان
مشاغل وزارتها تحتاج الى كل دقيقة من وقتها الذي تضيّعه يوميا في تصوير
نفسها في مختلف الوضعيات ومناقشة ملابسها مع صديقاتها على تويتر وفايسبوك.
ذلك
أن الشعب التونسي اليوم لا تعنيه كثيرا الوجبة التي تناولها السيد جمعة في
بال فو ولا يعنيه ايضا ان كان «برنوص» آمال كربول شتوي أو صيفي بقدر ما
يعنيه ان كان هناك مدخول للخزانة التونسية التي تركتها حكومة الترويكا
خالية الوفاض.
صحيح ان حكومة جمعة تريد ان تقطع مع ماضي الحكومات
الحزبية المتجهّمة والتي لا تظهر ابتسامة الا نادرا لكن ذلك لا يعفيه من أن
يكون كثير حزم وأقل كلاما وأكثر فعلا.
فالوضعية التي أتى فيها هو
وطاقمه المثير للجدل لا تترك له فرصة للسياحة والاسفار بل هي مضغوطة بتوقيت
قاتل لا بد من استغلاله أكثر ما يمكن في انجاز التعهدات التي قطعها على
نفسه يوم تعيينه.
ووضعية البلاد الان، وخاصة خزينتها المالية لا يعتقد
عاقل انها يمكن ان تحتمل هذه الزيارات المكوكية الى كل عواصم الدنيا مصحوبا
بوفد ضخم في كل مرة، ولا يعتقد عاقل ايضا ان هذه السفرات يمكن ان تعود
بفائدة على اقتصاد يوشك على الانهيار.
لقد كان أولى واحرى بالسيد مهدي
جمعة أن يتوجّه الى الحوض المنجمي وان يحضر بنفسه انطلاق اعادة تصدير
الفسفاط ومنه الى المجمّع الكيميائي بقابس ويعاين ميناء رادس والصخيرة
ويتحادث مع المعتصمين في ميناء جرجيس ويفتح بنفسه معبر راس جدير، كي يثبت
للداخل قبل الخارج، ان حكومته جادة وعاقدة العزم على النهوض بالاقتصاد
الوطني مهما كانت التكاليف، لكن الركض الى عواصم قد تستقبل وتظهر الفرح،
لكنها في النهاية لن تعطي وان أعطت فبمقدار قليل لن يجدي نفعا لان هذه
العواصم نفسها تنتظر من يساعدها.
ولا نريد هنا ان نشكّك في أهلية حكومة
جمعة ولا في قدرتها على تجاوز العقبات لكن الاكيد ان ما فعلته الى حد الان
لا يمكن ان يكون من باب سياسة الدول وادارة الازمات والمطلوب بلا شك هو ان
تراجع حساباتها وان تعدّل ساعاتها على الداخل قبل الخارج.
وهو أمر بلا
شكّ كفيل وحده باستمرارية هذه الحكومة وبقدرتها على انجاز الانتخابات في
وقتها، لاننا لا نعتقد ان الخارج يرغب في ان يرانا ديمقراطيين مستقرين
واقتصادنا مزدهر مهما سبّقنا حسن النية ومهما فرشنا الورود للمستثمرين
الذين يعلمون جيدا حاجة بلادنا الى خدماتهم ومع ذلك ينتظرون التعليمات من
أطراف لا نعلمها.
وتجاوز هذه الاشكالات يحتاج كثيرا من العمل وقليلا من الكلام، وقليلا أيضا من الصور السياحية التي تتدفّق على مواقع تويتر وفايسبوك.
Assahafa
No comments:
Post a Comment